مدونة المعارف

‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات دعوية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات دعوية. إظهار كافة الرسائل

01‏/09‏/2014

التخطيط الدعوي أمر مهم :


فوجئ المسلمون والمهتمون بأمور الدعوة إلى الله وكذا الحال بالجهات العاملة في مجال الدعوة بالأحداث التي وقعت في الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001م، وما تبع ذلك من تضييق للإجراءات الإدارية والمالية، بل ومطالبة من قبل البعض بالتوقف عن العمل الدعوي أوتقليله حسبما تقتضيه الظروف الدولية والمحلية فيما عرف فيما بعد بفقه ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر..
وهذه الأحداث- من وجهة نظري- بعيداً عن أسبابها وما أحدثته من نتائج على الإسلام والمسلمين والدعوة بشكل خاص إلا أنها بينت عدداً من الحقائق والدروس التي ينبغي الوقوف عندها ملياً من قبل الدعاة والقائمين على شؤون الدعوة في كل مكان.. ومن ذلك:
- أننا لانملك خاصية الإنذار المبكر لمثل تلك الأحداث والأزمات عند ظهور بعض التشنجات والانحرافات الفكرية التي تنذر بخطر جسيم على أمة الإسلام والبشرية قاطبة وبالتالي فإننا لانملك التوجيه المناسب والقرار الصائب تجاه ما قد يحدث.
- كما أننا لانملك القدرة على الفحص الدقيق والمستمر لخططنا الدعوية- إن وجدت- ولانملك القدرة علي التنبؤ بواقع البيئة الداخلية والخارجية من حولنا لنعمل على ضوء ذلك.. ولم نستفد من الآخرين الذين قطعوا شوطاً كبيراً في مجال التخطيط البعيد المدى أو الاستراتيجي لنشر أضاليلهم وأباطيلهم .
- عدم القدرة على المرونة والعمل في ضوء ما يتاح لنا من بدائل وإمكانات. بل تخبط البعض وظهرت الحيرة والارتباك على البعض الآخر. ولجأ البعض إلى المناداة فرحين بالوقوف التام عن نشر الدعوة ومساعدة المسلمين في مساجدهم ومدارسهم ومراكزهم الإسلامية. بل بات البعض يكيل التهم ويوجه اللوم إلى البعض الآخر. صحيح أن بعض الدعاة والجهات المحسوبة على الدعوة وقع في تجاوزات وأخطأ وأساء التصرف في المجتمع الذي يعيش فيه سواء في بلاده أو في بلاد أخرى استضافته وأحسنت إليه.. مما كان له أعظم الضرر على الدعوة والدعاة.
- إن وجد مخططون استراتيجيون للأعمال الدعوية في مؤسساتنا الدعوية المعنية وفق المنهج النبوي الكريم (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة..) فإنهم لايملكون الرؤية الواضحة والقدرة على المبادرة الإيجابية. بل ربما اكتفوا بالقيام بأعمال في شكل ردود أفعال إزاء ما يفاجأون به من تغيرات.
والأسئلة التي تطرح نفسها اليوم على الساحة الدعوية:
- هل استنفذنا طاقاتنا وهل استخدمنا مواردنا وقدر اتنا البشرية والمادية؟
- هل انتهت الفرص الإيجابية المتاحة والتي يمكن العمل من خلالها في مجال الدعوة؟
- هل بدأنا بطرح بعض البدائل والخيارات المناسبة الأخرى والتي تضمن لنا الاستمرار بكفاءة وإنتاجية أكثر من دون أن تحدث أي إحراج للدعاة أو لأصحاب القرار؟
إننا وبكل صراحة لم نحدد أهدافنا الدعوية التي نريد الوصول إليها وفق جدول زمني محدد ولم نضع خططاِ نسير عليها وفق رؤية واضحة. وليس هناك متابعة حقيقية لواقعنا وأدواتنا ووسائلنا المشروعة حتى تحقق- بإذن الله- تلك الأهداف المشروعة المنشودة التي أكاد أجزم بأن معظم العاملين في مجال الدعوة إلى الله في الخارج بالذات تنقصهم الكفاءة والقدرة ووضوح الرؤية والرسالة والتقويم المستمر للعمل. بل إن الأمر يسير كيفما اتفق.
ولهذا تزيد الإخفاقات وتكثر الأخطاء والملحوظات وكأننا نعمل بدون هدف.. بل مجرد تسيير أعمال روتينية. بل إن البعض منهم لايرى لأحد الحق في المحاسبة والتقويم والتوجيه والتغيير وهذا ما أوصلنا إلى هذه الحال التي نحن فيها.
والنتيجة أننا لم نحسب للمخاطر يوماً أي حساب.. ولم تقم دراساتنا ولا قراراتنا ومناشطنا الدعوية على المعلومات الصحيحة والأرقام الدقيقة.. ولا نؤمن بمبدأ المشاركة في الرأي من قبل جميع الأعضاء المغيين ولم ننفتح على البيئة من حولنا يإيجابية وبشكل واقعي.. ولم نعتمد على الوسائل والتقنيات الحديثة في العمل الجاد والتخطيط السليم.
إن العمل في مجال الدعوة إلى الله تعالى- بلاشك- مهمة الأنبياء والمرسلين والمصلحين، ومن أشرف الأعمال وغاية في الأهمية والإجلال. ويتطلب في نفس الوقت التخطيط الدقيق وتحديد الأهداف، ومراعاة الظروف العامة والبيئة الداخلية والخارجية للمؤسسات الدعوية والمجتمعات الدعوية وما فيها من جوانب القوة والضعف والفرص والمخاطر. ثم يأتي بعد ذلك اتخاذ القرار الصائب من قبل القائمين على المؤسسات الدعوية بشكل فريق عمل من المخططين المخلصين المهرة- وليس لجان- ممن يملكون القدرة والخبرة والعلم والدراسة بعمليات التخطيط الدعوي.
هذا الفريق يتولى تحديد تلك الخطوات وتقدير الأولويات ومتابعة مراحل العمل الدعوي في ضوء الظروف المتاحة مع أهمية تحديد الإمكانات المادية والبشرية وتوزيع الأدوار وتحديد المسؤوليات وتحري التوقعات والفرص المناسبة لإنجاز الأعمال والمهمات.
وهذا الفريق ينتهج بطبعه الابتعاد عن اللجوء إلى الحلول الموقتة والجزئية أو الترقيع وإسقاط الماضي على الواقع الحاضر. بل يسعى إلى معرفة ماتحقق من أهداف ومالم يتحقق ولم لم تتحقق، وتحديد الجوانب الإيجابية والسلبية.. والبحث عن أساليب وفرص أخرى من شأنها إنجاح العمل وإخضاع تلك الأعمال للتقويم والدراسات والاستفادة من تجارب الآخرين وفتح مجال المناقشة والتعاون وتبادل الخبرات وتوسيع دائرة الاتصال مع الجهات المماثلة.

إن العمل الدعوي لازم لاخيار عنه ولامحيد، وأن الاستمرار فيه واجب على كل مسلم بحسب حاله وقدرته وبحسب ماتقتضيه المصلحة العامة.. وإذا ضاق مجال أو أغلق باب فتح الله مجالات وأبواباً أخرى (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً)، (وإن مع العسر يسرا) ولن يغلب عسر يسرين كما ورد ذلك عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في تفسير هذه الآية.. ومن ذلك أن يصار إلى بعض التكتيكات الممكنة تقديراً للظروف المحيطة لا اللجوء للاستسلام والرهبة من الشيطان وأعوانه الذين فرحوا ويفرحون بمثل تلك الأحداث لاستغلالها في ضرب الحق وأهله (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياء ه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين).
ومن ذلك أن نقر بأخطائنا وتجاوزاتنا، وأن نراجع أنفسنا ونعلم أن ما أصابنا هو من عند أنفسنا وبما كسبت أيدينا ويعفو عن كثير.. وأن نري الله من أنفسنا خيراً ونلجأ إلى الله تعالى في كشف ماحل بالمسلمين وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل.. وأن تكون أعمالنا غاية في الوضوح والبصيرة متسلحين بسلاح العلم والتقوى والصبر والمجاهدة.. مركزين على الاهتمام بتقوية الجانب البشري في المجال الدعوي تدريباً وتعليماً وكفاءة حتى يكونوا خيرة دعاة لخير دين.
كما أنه لايمكن إغفال الجانب المادي أو تهميشه فالدعوة بحاجة ماسة إليه وعليه فيمكن اللجوء إلى إيجاد مصادر متنوعة لدعم الأعمال الدعوية وتوسيع دائرة الإحسان وتفعيل دور الوقف وغيره من أبواب الخير والإحسان في مجال الدعوة إلى الله. فقد رأيت في بعض الدول تركيزاً شديداً على الأوقاف وصرف ريعها في الدعوة إلى الله بسخاء حتى إنك ترى معظم القرى وماتبعها من مزارع وعقار ومستشفيات وغيرها موقوفة على أعمال الدعوة ووجوه البر.
المرجع  لهذه المقاله : http://www.alriyadh.com/44486

29‏/08‏/2014

مفهوم الدعوة الى الله تعالى :


الدعوة إلى الله شرف وعبادة، وهي مصدر عظيم لأجر الله وثوابه، وهي وسيلة لفتح القلوب الغلف، وتبصير الأعين العمي، وإسماع الآذان الصم.. ولكن حتى تكون عبادة نرجو ثوابها، وتؤتي ثمارها فلابد من معرفة فقهها، والتزام قواعدها وأصولها، والسير على منهاج داعيها الأول صلى الله عليه وسلم، وهو الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن .

ومن حق المدعوين بجميع طوائفهم واختلاف طرائقهم ومشاربهم وأماكنهم أن يطالبوا الدعاة بتوضيح دعوتهم، وبيان مقاصدها، وحتى وسائلهم وضوحا يرفع اللبس ويقيم الحجة ويقطع المعاذير.. فبقدر وضوح الغاية والمقصد والهدف والوسيلة لدى المدعو، بقدر سهولة اقتناعه وسرعة قبوله .

ومن هنا كان لابد للداعية أن يكون عالما بدعوته، محيطا بمقاصدها ووسائلها وطرائق نشرها، ودعوة الناس إليها وإقناع الناس بها إحاطة شاملة، وأن يكون مؤمنا بقدرتها على تسيير حياة أتباعه وعلى حل جميع مشاكلهم، وبقدر فهم كل داعية واتساع مداركه وإلمامه بدعوته يكون أثره ويؤتي أكله.

مفهوم الدعوة :
ومفهوم الدعوة أحيانا يكون شموليا، وأحيانا تعرف تعريفا تبسيطيا أو تفصيليا، وقد تعرض العلماء لهذا الجانب بالتوضيح والبيان: ففي كتاب أصول الدعوة للدكتور عبد الكريم زيدان يقول:
"والدعوة إلى الله إنما هي الدعوة إلى دينه الذي هو الإسلام {إن الدين عند الله الإسلام}.. فموضوع الدعوة وحقيقتها هي دين الإسلام.. ثم عرفه بما مختصره:
1 ـ هو ما فسره به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل حين سأله عن الإسلام والإيمان والإحسان.. فالدعوة هي الدعوة إلى تلك الأصول جميعها (الإسلام، والإيمان، والإحسان) بتفصيلها الذي فصله النبي عليه الصلاة والسلام..

2ـ هو الاستسلام لله تعالى والخضوع والانقياد لأمره: ويقصد بالخضوع الخضوع الطوعي الاختياري؛ لأن الخضوع الإجباري كل المخلوقات مشتركة فيه {إن كل من في السموات والأرض إلا آت الرحمن عبدا }.
وقد عرفه بذلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب بقوله: "الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك"..
وهو بهذا دين جميع الأنبياء والمرسلين من لدن آدم ونوح إلى خاتمهم محمد عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم.. ثم صار علما على الدين الخاتم الذي جاء به النبي الخاتم {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} وهو المعنى الذي صار مقصودا عند إطلاق لفظة الإسلام..

3 ـ هو الدعوة إلى النظام العام والقانون الشامل لحياة الإنسان وسلوكه، كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.

4ـ هو مجموع ما أنزله الله على رسوله من أحكام في العقيدة والأخلاق والعبادات والمعاملات وغيرها.

5 ـ هو الإجابة عن الأسئلة الثلاثة التي شغلت عقول البشر: من أين جئنا؟ ولماذا خلقنا؟ وإلى أين المصير؟
فإجابة السؤال الأول: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين .... الآيات.
كنت عدما فأوجدك الله من تراب، وجعلك في أجمل هيئة وأحسن صورة {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم}

وإجابة السؤال الثاني: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، {يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون}.. والعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة" كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية.

وإجابة السؤال الثالث : {يأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه}، {وأن إلى ربك المنتهى}، {إن إلى ربك الرجعى}... فالمصير إلى الذي بدأك وخلقك وأوجدك، ليجزيك على ما أوجدك من أجله {ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى}

وربما يعرف الإسلام أو الدعوة بأنها الروح الحادي، والنور الهادي، والشفاء الكافي، والدواء الوافي لكل أمراض البشرية {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم . صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور}، {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة}. وهذا تعريف للإسلام ببعض أوصافه.

ومعلوم أننا يمكننا أن نعبر عن الدعوة وعن الإسلام بتعبيرات ومعان أخرى كالدعوة إلى دين الفطرة، ودين التوحيد، ودين العدل، والدين الحق.. وهذا باب واسع .

والمقصد من تعدد تعريفات الدعوة أن يجد الداعي أمامه جملة من الطرق والوسائل التي يمكنه أن يختار منها ما يناسب حال المدعو.. فليس كل إنسان يدعى بنفس الطريقة التي يدعى بها غيره.. فالمثقف يختلف عن الجاهل، والملحد يختلف عن المشرك، والمنكر للبعث يختلف عن المتحير والمتشكك.. وهكذا .

وخلاصة الأمر هو ما قاله صاحب كتاب "الدعوة قواعد وأصول / "32: أن الدعوة هي "دعوة الناس إلى دين الإسلام بكل ما تحمل هذه الكلمة من معاني إسلام الوجه لله في صغير الأمر وكبيره، دعوة إلى الإسلام بشموله وعمومه، بدينه ودولته، بعقيدته وشريعته، بنظامه وأخلاقه بقيادته وريادته، بجهاده وعبادته، بدنياه وآخرته، بكل ما أنزل الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من فعل المأمور، وترك المحظور، والصبر على المقدور.. مقتفين في ذلك أثره، ومتبعين خطاه، سائرين على نهجه، متبعين لا مبتدعين، مخبتين لله، متميزين برسالته، محققين لقوله تعالى: {فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم، وقل أمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله بينا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا جدة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير}(اهـ).
واضعين نصب أعيننا القاعدة الكبرى في الدعوة وهي قوله تعالى آمرا نبيه: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين}.

24‏/08‏/2014

كيف تخاطب الآخرين وتؤثِّر فيهم؟! *


الحمد لله, والصلاة والسلام على خير خلق الله, معلم الناس الخير نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – وعلى آله وصحبه ومن والاه.. أما بعد/
فقد أرسل الله نبيه شعيب عليه السلام داعيًا لقومه, مُخرجٌ إياهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم والإيمان, مدعمًا إياه بحجة وبيان, فكان سلاحه هو الخطابة؛ لذلك سميّ شعيبٌ عليه السلام بخطيب الأنبياء, فالخطابة والحديث مع الآخرين من أهم الأساليب التي يجب أن يتحلى بها الدعاة إلى الله تبارك وتعالى.. ولنا في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة الحسنة في ذلك, فهو خير معلم وخير مربي عرفته البشرية جمعاء.
وللمهارة في الحديث والخطابة أساليب وطرق لابد من معرفتها حتى يتم المقصود, فقد يتم دعوتك في أي وقت من الأوقات إلى إلقاء خطبة في أي من الاجتماعات التي تشارك فيها أو المؤتمرات التي تحضرها، سواء كانت هذه الاجتماعات خاصة بأعمالك أو حياتك الاجتماعية أو المهنية أو الدعوية، وقد تكون في أحد الاحتفالات ويطلب منك توجيه كلمة إلى الحاضرين، وفي كثير من اجتماعات الأعمال قد يطلب منك طرح عرض تقديمي عن تطور العمل في أحد المشروعات التي تشارك فيها أو تشرف عليها.
ومن خلال هذه الدقائق القليلة سنحاول – بحول الله وقوته – الحديث عن أهم هذه الأساليب والمهارات التي تجعلك خطيبًا مفوهًا وناجحًا.. من خلال التجارب المشاهدة من الواقع, ومن نصائح ذوي الخبرة في هذا المجال المهم.

يقول " ويدنر " في كتابه كيفية مخاطبة الآخرين: (إن مهارات الاتصال تعد إحدى المهارات الأساسية التي يجب أن تتحلى بها القيادات، فإذا فشل المستمعون في فهم كلمتك، أو إذا انصرف عدد كبير منهم عن الإنصات لك نتيجة الإحساس بالملل مما تقوله، تكون قد افتقدت القدرة على التواصل مع الجمهور).

أخي الحبيب- إذا لم تجعل منك خطيبًا مفوهًا، فإنها ستعينك حتمًا على تجنب الكثير من الأخطاء الشائعة التي يرتكبها الكثيرون عند مخاطبة الآخرين, لاحظ أن هذه النصائح تعتمد بشكل رئيسي على محاولة التقليل من العادات التي تعوق قدرة الفرد على مخاطبة الآخرين بطريقة واضحة تؤثِّر فيهم..فإذن,,

عليك بالبساطة :
يعتقد الكثيرون أن نمط حديثهم لا بد أن يكون تفصيليًا ومعقدًا، إلا أن الواقع أظهر أن أفضل الخطباء عادة ما يتسم خطابهم بالبساطة، فالهدف الرئيسي من خطابك هو التواصل مع الآخرين، وعليه حاول أن تتجنب ما يمكن أن يشتت أذهان المستمعين عنك، وعند إعداد كلمتك اجعل الأفكار التي تريد توصيلها إلى الآخرين هي محور تفكيرك وقم ببناء كلمتك حول هذه الأفكار.

تحدث بشكل طبيعي :
أنت لست ممثلاً، بل متحدث، وعليه كن على طبيعتك ولا تحاول تقمص أي شخصية أخرى، وفي هذا الصدد يقول "ويدنر" إن هناك عدداً كبيراً من الخطباء الذين يحاولون محاكاة وتقليد نمط الكلام ولهجة خطباء آخرين يريدون أن يتشبهوا بهم، تحدث فقط بالطريقة التي تعودت أن تتحدث بها دومًا، فأنت لست مضطرًا لكي تكون خطيبًا مفوهًا أن تبني أنماط الآخرين في الحديث.

الاتصال بالعين :
خلال تلقيك دروسًا في القيادة، فإن مدرب القيادة يوجهك إلى ضرورة النظر في المرايا بشكل مستمر، ولذا فأنت طوال عملية القيادة تنظر في المرآة اليمنى فاليسرى، ثم المرآة التي في المنتصف، كذلك الأمر عند إلقاء كلمتك، لا تركز بصرك على مركز القاعة فحسب، بل اعمل على تقليب بصرك في شتى أرجاء القاعة التي تلقي فيها كلمتك محققًا التواصل مع المخاطبين في مختلف أنحاء القاعة، تماما مثلما تقلب عينيك بين شتى المرايا أثناء القيادة.

تحكم في يديك :
تعد اليدان إحدى الوسائل الرئيسية للتواصل مع الجمهور المخاطب بعد الوجه، ومن المفضل عند استهلال الخطبة إراحة اليدين على المنصة التي تلقي منها كلمتك، وإذا لم تكن هناك منصة يمكن طي اليدين أمامك أو خلفك، فمن بين الأخطاء الشائعة التي يقع فيها الكثير من المتحدثين الإكثار من تحريك اليدين بسبب وبدون سبب مما يشتت ذهن المستمعين ويحول دون الإنصات بتركيز لما يقوله المتحدث، ومن المؤسف أن الإكثار من تحريك اليدين هو الأمر الذي سيبقى في أذهان المستمعين، بدلًا من الأفكار التي كنت ترغب في توصيلها إليهم.. وقد يكون ذلك نافعًا في بعض الأحيان, لتوصيل الفكرة أو إيضاح الصورة, كما كان يحكى عن أخد الخطباء على المنبر أنه حين أراد الحديث عن فرعون فتلا قول الله تعالى: " إن فرعون علا في الأرض.." الآية, فقام برفع إصبعه عند قوله " علا " ثم قام بخفضها إلى الأرض عند قوله " في الأرض " وكأن علوه في الأرض كان علوًا متدنيًا لم يتجاوز الثرى إلى الثريا, وهو العلو المحمود –أي العلو للثريا-.

كن متحمساً لما تطرحه :
لا يهم الموضوع الذي تطرحه في كلمتك بقدر ما تهم قدرتك على إقناع جمهور المستمعين بمدى إيمانك وتحمسك لهذا الموضوع، لا تحاول أن تتصنَّع، ولكن حاول أن تظهر بشكل تلقائي مدى حماسك وانتمائك للشركة أو المهنة، فالجمهور يعشق المتحدثين الذين يظهرون حماسًا شديدًا للموضوع الذي يتحدثون فيه، أظهر هذا الحماس في صوتك ونظراتك ولهجتك في التحدث إلى الجمهور بحيث تنقل هذا الحماس وهذه العاطفة إلى المستمعين أنفسهم.

كن متوازناً :
لا تحاول أن تضمن العرض التقديمي الكثير من النقاط التي ستتناولها في كلمتك، فقط ضمنه النقاط الأساسية واترك التفاصيل للورق المطبوع الذي يمكن للمستمعين قراءته في وقت لاحق، استخدم برنامج الباور بوينت – مثلاً- لعرض شريحة أو اثنتين تتضمنان النقاط الرئيسية، ولكن لا تسرف في ذلك، فيجب أن تظل عيون المستمعين وآذانهم معلقة بك أنت، لا بشاشة العرض، وبين الفينة والأخرى انقل تركيز المستمعين إلى الشاشة ثم إليك مرة أخرى، لا تجعل عرض أي شريحة يستغرق أكثر من خمس ثوان، وإلا تكون قد ضمنت هذه الشريحة أكثر مما ينبغي، وإذا ما كان هناك أمر يتسم بالتعقيد وترغب في توصيله إلى المستمعين يمكنك أن تقدم لهم فكرة عامة عن هذا الأمر وتترك التفاصيل للورق المطبوع الذي يتم توزيعه على المستمعين.

تول إدارة العلاقات قبل وبعد إلقاء كلمتك :
إن الناس عادة ما تنصت بشكل أفضل إلى المتحدثين الذين يعرفونهم من قبل، فهذه المعرفة توفر قدرًا من الثقة في شخص المتكلم وفيما سيطرحه من أفكار، ولذا قد يكون من المستحب أن تقوم بجولة في القاعة التي ستلقي فيها كلمتك قبل بدء الاجتماع محاولا تعريف المستمعين بك, أو إذا كانت محاضرة أو درس علم فيُنبه إليه قبل البدء بأيام حتى يستعد الحضور لقدوم هذا الضيف أو المربي.

استخدم القصص :
لا تعتمد في كلمتك على مجرد سرد الحقائق، بل اعمل على أن تضمِّن كلمتك قصصًا وخبرات من الحياة تعلق بأذهان المستمعين عند العودة إلى منازلهم، خذ الوقت الكافي الذي يمكنك من رسم صورة في أذهان المستمعين لما تطرحه من أفكار, وهذه من أنجح وأنفع الطرق والأساليب لإيصال المعنى للمستمعين من خلال ربطهم بقصة أو حدث من الواقع, والمُجرب والمُربي يعرف ذلك تمامًا, ويعلم جيدًا مدى تأثيره على من يقوم بدعوتهم.

اعرف جيداً ما تريد أن تطرحه :
لا يوجد أفضل من أن يكون الفرد مستعدًا بكافة المواد والمعلومات التي يحتاج إليها عند إلقاء كلمته، فإن مثل ذلك الأمر يجنبه ما قد يتعرض له من مواقف محرجة إذا ما اعتلى منصة الخطابة دون أن يكون مهيأ لشتى الاحتمالات، تفاعل مع المستمعين.. تعمد من وقت لآخر أثناء إلقاء كلمتك أن تطلب رأي المستمعين فيما تقول, وأن تمنحهم فرصة طرح أسئلة، فإن مثل ذلك الأمر يكسر الرتابة ويمنحك استراحة، كما يوفر في ذات الوقت أيضًا فرصة للمستمعين للتواصل معك, ومع بعضهم البعض.

تجنب الإحباط :
أنت لا تعرف السبب الحقيقي الذي يجعل أحد الحاضرين لا ينصت لما تقول أو لماذا يغادر آخر القاعة، وهناك العديد من الأسباب التي تحول بين هذا وبين الإنصات بشكل جيد لما تقول؛ كما قد تكون هناك أسباب أخرى لا تتصل بك من قريب أو بعيد هي التي دعت البعض إلى مغادرة القاعة، افترض أنها أسباب أخرى هي التي دعت إلى ذلك واستمر في إلقاء كلمتك.

لا تتجاوز الوقت المحدد لك :
وهذه أيضاً من الأمور المهمة جدًا, والتي ينبغي على المتحدث أو المحاضر أو الخطيب مراعاتها والانتباه إليها, فالتحدث لفترات طويلة وتجاوز الوقت المحدد لكلمتك هي أسرع طريقة تفقد بها المستمعين القدرة على التواصل معك, والتركيز فيما تقول، ونصيحتي من خلال التجربة هي محاولة أن تنهي كلمتك في الوقت المحدد لها، بل من الأفضل أن تتمكن من الانتهاء منها قبل الموعد المحدد، فذلك سوف ينال إعجاب المستمعين.
فمن خلال هذه النصائح – أخي الحبيب – إذا التزمت بها أو ببعضها فستجعلك حتمًا خطيبًا ناجحًا, ومربيًا حاذقًا, وداعية فعّال وناجح تستطيع أن تجذب أنظار الناس إليك بمنتهى السهولة واليسر, كما يؤهلك للسير في طريق دعوتك وعملك بنجاح وتقدم.
وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير والصلاح لأمة الإسلام, وجعلنا الله وإياكم من العالمِين العاملين لهذا الدين العظيم, ومن المتبعين لهديّ سيد المرسلين - وخير معلم للبشر أجمعين- بفهم سلف الأمة رضوان الله تعالى عليهم وعلى من سار على دربهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.. آمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..

هذا المقال للكاتب : محمد بن شعبان أبو قرن

---------------------------
* استفدنا في بحثنا هذا من توجيهات إخواننا الأفاضل في بداية طريق الدعوة إلى الله, من خلال الندوات والمحاضرات حول كيفية مخاطبة الآخرين والجماهير من خلال منابر الخطابة وحلقات ودروس العلم.. مع التصرف البسيط والإضافات من التجارب والخبرات المكتسبة من الآخرين.
المرجع / http://saaid.net/aldawah/346.htm

30‏/06‏/2014

اختطاف حرمة رمضان ...


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فقد اصطفى الله تعالى شهر رمضان وخصه بخصائص ليست في غيره من الأشهر منها :

= وجوب صيامه بل جعله ركناً من أركان الإسلام الخمسة .قال تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) ولمن صامه ممتثلا ما جاء في أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) البخاري(38)

= شرع قيامه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) البخاري (37).

= فيه ليلة القدر .( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) وقال نبينا صلى الله عليه وسلم (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) رواه البخاري (1901) ومسلم (760)

= أنزل فيه كتابه قال تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) بل أنزل فيه كتبه كذلك فعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْفُرْقَانُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ ) أحمد (16984) وحسنه الألباني.

= شهر رمضان هو شهر القرآن عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ". البخاري (6) وكان من هدي السلف في هذا الشهر كثرة تلاوة القرآن حتى جاء عن الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- أنه كان يختم في رمضان ستين ختمة وما ذاك إلا لعظم أجر تلاوته فيه .

= مشروعية الاعتكاف فيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم -رضي الله عنها -: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ . رواه البخاري (2026)

= تُصفد فيه مردة الشياطين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ) البخاري (3277)

= عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ) رواه الترمذي(682) وصححه الحاكم(1532) .

= مضاعفة أجر الصائم بما لا يعلم قدره إلا الله تعالى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "(كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي ) مسلم(1151)

=دعاء جبريل عليه السلام على من لم يغفر له في رمضان عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر، فقال : (آمِينَ آمِينَ آمِينَ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ حِينَ صَعِدْتَ الْمِنْبَرَ قُلْتَ: آمِينَ آمِينَ آمِينَ، قَالَ: (إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي، فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ ) رواه البخاري في الأدب (907) وصححه ابن خزيمة (1888) وابن حبان(907) فكما نرى في تلك الأحاديث وغيرها كثرة أسباب مغفر الذنوب "الصيام وقيام رمضان وقيام ليلة القدر" وهيأ الله تعالى لعباده أسباب ذلك من تصفيد للشياطين ، وسلسلة مردة الجن ، ورغب عباده بأن فتح لهم أبواب الجنة كلها ، وأغلق أبواب النار كلها ، وقد أدرك ذلك سلفنا الصالح فكانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ليظفروا بما سبق ذكره من فضائل ، ولما علموا ماله من مزايا .

أما نحن في عصرنا هذا فمن أشهر وجيوش من شياطين الإنس يعلنون ما سيبثونه من سموم في شهر رمضان عبر شاشات التلفزيون والصحف ، ويزينون به الباطل والمنكرات عند المشاهدين اختطافاً لحرمة الشهر قال تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) وبدأوا بالإعلان والدعوة لمشاهدة ما سيبث عبر قنواتهم من مسلسلات هابطة ( عري – خمور- كلمات نابية وبذيئة- انحرافات عقدية وشركية -ومسلسلات عن نكاح المحارم– نشر للدعارة – مخدرات- وبرامج كرتون تمثل أسماء الله الحسنى ، ومسابقات يقدمها نساء متبرجات تبرجا فاحشا ) وغيرها كثير وتتابع تلك البرامج كل ذلك لجر الناس واختطافهم من شهرهم ، والحول بينهم وبين القيام بما يوجب لهم مغفرة الذنوب ، وجعل الصيام فقط خاصا بالامتناع عن الأكل والشرب وفي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) رواه البخاري (1903) ، ومن الزور مشاهدة تلك المحرمات ، واقتناء تلك القنوات التي تبث تلك السموم ، والتي مع الأسف كثير من ملاكها ممن يحمل جنسية هذه البلاد المباركة ، ويتم دعمها بأموال بعض تجارنا بالدعاية فيها وهذا من المشاركة في نشر الفجور في هذا الشهر عن رفاعة –رضي الله عنه- أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى، فرأى الناس يتبايعون، فقال:( يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ)، فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه، فقال:(إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ فُجَّارًا، إِلاَّ مَنْ اتَّقَى اللَّهَ، وَبَرَّ، وَصَدَقَ) رواه الترمذي(1210) وقال : حديث حسن صحيح . فهل من تقوى الله تعالى الإعلان في قنوات تحارب دين الله تعالى جهارا نهارا .
لذا أرى أنه يجب علينا :
إخراج تلك القنوات من بيوتنا عن معقل رضي الله عنه سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» البخاري (7151) ومسلم (142).
= مقاطعة المعلنين من تجارنا ممن يعلن فيها لأنهم يتعاونون معها على الإثم والعدوان روى ابن عباس –رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (مَنْ أَعَانَ بَاطِلًا لِيُدْحِضَ بِبَاطِلِهِ حَقًّا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه الحاكم (7052) وصححه وذكر الألباني في الصحيحة (1020) وهؤلاء يعينون تلك القنوات بدعمها بإعلانهم فيها ؛ لتدحض الحق ، وتنشر الرزيلة ، وتفسد الأخلاق فمثلا من يعلن من تجار الرز فيها لا نخرج منه زكاة الفطر وبهذا يتضرر ضررا بالغا مما سيجعله يمتنع من الإعلان فيها ، وكذا غير الرز من المنتجات الأخرى كالشاي والمنظفات والحلويات والأطعمة والألبسة ، والسيارات ، وغيرها وهذا سيحد من دعم تلك القنوات .
= وأقول لأصحاب تلك القنوات ما قاله الله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)
وقال تعالى(لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25) وقال صلى الله عليه وسلم (مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ) مسلم(1017) من حديث جرير –رضي الله عنه-
= وأقول لكم أيها الصائمون : ما قاله تعالى (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) وما قاله رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) رواه البخاري (1903)
ولنتذكر جميعا قول ربنا الرحمن (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) اللهم وفقنا لصيام وقيام رمضان إيمانا واحتسابا ، واجعلنا من المقبولين ، اللهم اهد أصحاب تلك القنوات وردنا وإياهم إليك ردا جميلا والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

08‏/05‏/2014

أهمية الوقت

بسم الله الرحمن الرحيم                   

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم
 إن من المعلوم عند كل مسلم أن لله تعالى أن يقسم بما شاء من مخلوقاته ، وأنه لا يقسم إلا بعظيم ، وكلما تكرر القسم بشيء دل على أهميته ، ولو تدبرنا قوله تعالى (والفجر) آية 1 من سورة الفجر . ، وقوله عز وجل ( والليل إذا يغشى 1* والنهار إذا تجلى2 )آية 1 ، 2 ، من سورة الليل وقوله سبحانه ( والضحى 1* والليل إذا سجى ) ، من سورة الضحى .، لوجدنا أنها أجزاء الوقت . ثم تدبر أيضاً قوله تعالى : ( والعصر ) آية 1 من سورة العصر ،تدرك أنه أقسم بالزمان كله ، وما هذا إلا لأهميته ، وهذه الأهمية مصدرها أن الوقت هو الزمن الذي تقع فيه الأعمال ، وهذه الأعمال ( خيرها وشرها ) هي التي يقدمها البشر لينالوا بها جزاء الخالق .
إذا عرفنا تبين لنا أهمية الوقت ، فهو في الحقيقة حياتنا على هذه الأرض لكي نقدم فيها ما يوصلنا إلى الغاية التي لأجلها خلقنا ، فالوقت هو الحياة .
و الوقت نعمة وأمانة يضيعها كثير من الناس ، يضيعونها على أنفسهم ، وعلى أمتهم ، قال صلى الله عليه وسلم ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ) . رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب ما جاء في الرقاق 11/229 ، ح (6412) وللوقت خاصية ، وهي إنه إذا ذهب لم يرجع ، وهذا يدفعنا لاستغلال كل لحظة منه ، كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول : ( إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك ).رواه البخاري موقوفاً في الرقاق 2 باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ( كن في الدنيا كأنك غريب ) رقم (6416)
 * من مظاهر الفراغ :
إن من تراه يجول في الشوارع الساعات الطوال بلا هدف ، مضيع لوقته ، ومن تراه يجلس الساعات الطوال يرغب ما لا يعود عليه في دينه ولا في دنياه ، مضيع لوقته ، وكل من اشتغل بما لا يرضي الله فقد ضيع وقته .

* التحسر على فوات الأوقات :
إذا تنبه العاقل ، وتذكر ما مضى من أيام عمره ، فإنه يندم على الساعات التي قضاها في اللهو والبطالة ، وأشد ساعات الندم حين يقبل المرء بصحيفة عمله ، فيرى فيها الخزي والعار ، قال تعالى : ( يومئذ يتذكر الإنسان وإنا له الذكرى 23، يقول يا ليتني قدمت لحياتي 24).الآيتان 23 ، 24 من سورة الفجر . وقال تعالى : ( أن تقول نفس يا حسرتي ما قطرت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين ).آية 56 من سورة الزمر .
فالعاقل من ندم اليوم حيث ينفعه الندم ، واستقبل لحظات عمره ، فعمرها قبل أن يأتي اليوم الذي لا ينفع فيه الندم .

* من أسباب تضييع الوقت :
1ـ عدم وضوح الغاية :
إن عدم وضوح الغاية ، أو عدم وجودها ، أو عدم التفكير فيها ، أو عدم الانشغال بها والسعي لأجلها هو أعظم سبب لضياع الأوقات .
فمن حدد هدفاً يسعى إليه ـ أياً كان الهدف ـ فإنه لن يضيع وقته ، فالطالب الذي يريد التفوق لا يكثر اللهو ، ومن يريد الزواج يسعى لتحصيله بأسبابه ، ومن يريد أن يكون تاجراً يسعى لتحصيل ذلك ، وهكذا فحري بمن غايته الوصول إلى الجنة ونعميها أن يسعى جاداً لتحصيلها ، قال تعالى : (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنةٍ عرضها كعرض السماء والأرض ).آية 21 من سورة الحديد .
وفي الحديث ( من خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل ، ألا إن سلعة الله عالية ، ألا إن سلعة الله الجنة ).رواه الترمذي ، كتاب صفة القيامة ، باب (18) ح (2450) وقال حديث حسن غريب ، ورواه الحاكم 4/307،308 ، وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
وكل هدف نبيل يسعى المؤمن لتحصيله فيه إصلاح دينه ، أو دنياه ، أو أمته ، إذا أخلص فيه النية ووافق فيه الطريقة الشرعية فإنه طريق لتحصيل تلك الغاية .
2ـ مرافقة الزملاء غير الجادين الذي يضيعون الأوقات سدى ، ولا يستفيدون من عمرهم وشبابهم .
3ـ الفراغ ، وعدم معرفة ما ينبغي أن يشغل به وقت .
4ـ كثرة الملهيات والمغريات فإذا انشغل بها المؤمن ضاع وقته وخسر عمره .
5ـ قلة الأعوان ـ من الأهل والأصحاب ـ على استغلال الوقت .

* استغلال الوقت :
ينبغي العناية بالوقت وملئه بالعمل حتى لا يوجد فراغ ، فالفراغ داعٍ إلى الفساد ، والنفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية .
إن الشباب والفراغ والجده مفسدة للمرء أي مفسدة
إن وضوح الهدف ، ومعرفة أهمية الوقت ، سبب لاستغلاله ، فعليك بترتيب وقتك وتنظيمه واستغلاله بأن تجعل لك جدولاً يومياً وأسبوعياً وخلال الإجازات لكي تستغل وقتك على الوجه المطلوب .
وصور استغلال الوقت أكثر من أن تحضر ، ومنها المحافظة على الصلوات في الجماعة ، والتبكير إلى المسجد وذكر الله ، وقراءة القرآن وخدمة الوالدين ، وصلة الأرحام ، والزيارات النافعة ، وعيادة المرضى ، والتعلّم والتعليم ، والدعوة إلى الخير ، والتفكر في خلق الله ، والتفكير في مصالح نفسك ومصالح وطنك وأمتك ، والعمل النافع المنتج ، وكتابة البحوث ، وحضور حلق العلم والقرآن ، والاستماع لكل نافع ومفيد ، ومساعدة المحتاجين و، وغير ذلك كثير ، بل إن انشغالك بالمباح ، ولو كان نوماً أو اضطجاعاً بنية ترويح النفس لتستعيد نشاطها وتقوى على الطاعة ـ من استغلال الوقت .
قال معاذ رضي الله عنه : أما أنا فأنام وأقوم ، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي . رواه البخاري ، كتاب المغازي ، باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن 8/60 (ح4341 ، 4342 ،4344،4345) ومسلم كتاب الإمارة ، باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها 3/1456 برقم (1733) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : معناه أن يطلب الثواب في الراحة ، كما يطلبه في التعب ، لأن الراحة إذا قصد بها الإعانة على العبادة حصل بها الثواب .أهـ.فتح الباري 8/62 بتصرف يسير .
والمراد بقومته هنا : قيامه الليل وصلاته .

* من صور الحرص على الاستفادة من الوقت :
1- قال عبد الرحمن بن حاتم الرازي عن حاله مع أبيه ( أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي ) : ربما كان يأكل فأقرأ عليه ، ويمشي وأقرأ عليه ، ويدخل الخلاء وأقرأ عليه ، ويدخل البيت لطلب شيء وأقرأ عليه سير أعلام النبلاء 13/251..
2- قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : كنا بمصر سبعة أشهر ، لم نأكل فيها مرقة ، كل نهارنا مقسم لمجالس الشيوخ ، وبالليل النسخ والمقابلة ، قال : فأتينا يوماً أنا ورفيق لي شيخاً ، فقالوا : هو عليل ، فرأينا في طريقنا سمكاً أعجبنا ، فاشتريناه ، فلما صرنا إلى البيت حضر وقت مجلس ، فلم يمكنا إصلاحه ومضينا إلى المجلس ، فلم نزل حتى أتى عليه ثلاثة أيام وكان أن يتغير ، فأكلناه نيئاً ، لم يكن لنا فراغ أن نعطيه من يشويه ، ثم قال : لا يستطاع العلم براحة الجسد . سير أعلام النبلاء 13/266.
ومسك الختام الله أسال للجميع العلم النافع والعمل الصالح

                                                                         نقل بتصرف وتعديل
                                                                                          الكاتب / علي بن عبدالعزيز الراجحي

05‏/05‏/2014

رمضان فرصة ذهبية للأئمة والخطباء...


مما لا شك فيه أن رمضان فرصة ذهبية للأئمة والخطباء ، فهو موسم من مواسم الخير ، تهفوا القلوب والأرواح فيه إلى الله عزوجل ، تمتليء المساجد بالمصلين ، يستمع الناس إلى دروس العلم ، تَكثُر فيه الصدقات ، هو بحق منهج حياة لو أحسنا العمل فيه ، بل هو دورة تدريبية لما بعد رمضان .

والأئمة والخطباء هم فرسان هذا الشهر ، يقع عليهم عبء تعبئة الناس لهذا الشهر ، فهم مؤثرون في الناس وإلا أصبح الناس في مهب الريح تتخطفهم الشياطين وأعوانهم عبر الفضائيات والقنوات .
إن الإعلام يستعد لهذ الشهر في عرض منتجاته من أفلام ومسلسلات وفوازير وغيرها من البرامج ، وذلك عن طريق الإعلانات المشوقه . وانتشرت هذه الكلمات " انتظرونا في رمضان " " كله حصري على التلفزيون ... " " قريباً في رمضان " " العرض الأول " ، وخطفت الناس هذه الإعلانات من قناة إلى قناة ، والسؤال : هل استعد الإعلام الدعوي لهذا الشهر ؟ ما هي المشوقات والجواذب التي أعدتها المساجد في هذا الشهر ؟
وأرجو أن يكون هذا البرنامج المقترح مما يساعد في وضع خطة لهذا الشهر الكريم ، فهيا بنا نعرف فقرات هذا البرنامج .

الفقرة الأولى  :
ماذا قبل رمضان ؟
هذا هو السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا نحن الأئمة والخطباء ، هل أعددنا جمهورنا الكريم لرمضان ؟ أم أننا ننتظر حتى يدخل رمضان ؟ كثير من الأئمة والخطباء ينتظرون دخول رمضان ، فيبدأون بكل حماسة ثم ما يلبثون حتى تقل حماستهم ؛ نظراً لأن المساجد عادت من جديد إلى ما كانت عليه ، هل تعلم لماذا ؟ لأننا لم نُعِد الجمهور لرمضان .

وسائل مهمة قبل رمضان :
1- خطبة بعنوان " كيف نستعد لرمضان " ، وحبذا لوكانت في بداية شعبان أو في رجب .
- دروس مسجدية للحديث عن " عبادات رمضان وكيفية تجويدها " الصوم وأحكامه " ، " الصلاة وآدابها " ، " فضل القرآن الكريم " ، " أهمية الصدقة " ، هذه أهم العبادات في رمضان والسؤال : هل من الأفضل أن نحدِّث الناس عن هذه العبادات قبل رمضان ؟ أم في رمضان ؟ !

3- قد نتناول هذه الموضوعات التي ذكرناها في خطبة الجمعة أيضاً ويضاف إليها " فضل صلاة الفجر " فضل السنن " وغيرها من عبادات رمضان .

4- تهيئة الناس للخير وذلك عن طريق :
• شنطة رمضان ( تؤخذ من أصحاب الحي وتوزع على الفقراء)
• الإعلان عن أنشطة المسجد في رمضان وذلك مثل " انتظرونا في رمضان "، وتكتب لوحة في مكان ظاهر في المسجد لتعريف الناس بالأنشطة .

الفقرة الثانية: 
برنامج مقترح لرمضان
1- يبدأ هذا البرنامج بالفجر وصلاته بالمسجد .
• خاطرة الفجر (سؤال وجائزة ) قد يقوم أحد شباب المسجد بإعدادها ويشرف عليها إمام المسجد ، ومتابعتها يومياً ، وتسلم الجائزة في درس المغرب أو بعد صلاة التراويح .

2- درس العصر
• يتناول فيه الخطيب في بداية الشهر " فضل شهر رمضان " ثم يخصصها بعد ذلك للحديث عن :

- سلسلة من السلاسل (حلقات الدار الآخرة ) (قصص الأنبياء) (شرح حديث مطوَّل ) (فقه العبادات ) .

3- درس المغرب
• قد يقوم البعض باستكمال درس العصر .
• قد يقوم البعض بالاكتفاء بدرس العصر .

4- الترويحات
• الترويحات لها أهمية كبيرة فهي تتم بين صلاة التراويح .
 وهي بمثابة دافع للجمهور على استكمال الصلاة والإحساس فيها بالخشوع وقد تتم هذه الخواطر في :
- الحديث عن آية من آيات القرآن والتي يقرأها الإمام في التراويح .
- الحديث عن " سلسلة إحياء القلوب " .

5- خطبة الجمعة
وخطبة الجمعة في رمضان لها أهمية خاصة وأقترح :
- أن تخصص هذه الخطبة لمناقشة قضايا تهم الأمة وذلك لأن الناس في رمضان أقرب إلى الخير والتأثير يكون أقوى ، فقد يأخذ الخطيب قضية من القضايا ويحاول أن يقنع الناس بها ، وعلى سبيل المثال " الزواج وأهم مشاكله " " الإيجابية وأهميتها" خطورة الغفلة " " أهمية العمل " " الإشاعات وخطورتها" .

الفقرة الثالثة  :
هناك آداب وفضائل يغفل عنها كثير من المصلين ومنها :
• الجلوس في المسجد حتى الشروق .
• قراءة ورد قرآني مع مجموعة .
• تصحيح التلاوة وتجويدها .
• أذكار الصباح والمساء .
فعلى الخطيب أن يذكّر الناس بهذه الفضائل ويشاركهم فيها .

الفقرة الرابعة :
وصايا هامة لإخواني من الأئمة والخطباء .
• استعن بالله عزوجل واجعل نصب عينيك قول النبي – صلى الله عليه وسلم – " لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم " [ رواه مسلم ]
• ان تعد أدواتك ومواد خطبك ودروسك مبكراً .
• لا تنس أن تستعد لرمضان .
• لا تنس حظك في رمضان من القرآن والذكر .
• أنت أول المستمعين لكلامك ، فكن قدوة لغيرك .
• أن تُعْلي دائماً من همة جمهورك .
• أن تحدد هدفك في كل خطاب لك ؛ لكي يصل إلى الناس واضحاً ومفهوماً .
• جدد من خطابك ولا تجعله يسير على وتيرة واحدة .
• استمع إلى ما يطلبه جمهورك ، وحبذا لو قمت بعمل استبيان لمعرفة اهتمامات جمهورك ، فلا نريد أن نكون في وادٍ وجمهورنا الحبيب في وادٍ آخر .
• انظر بعد كل خطبة أو درس أو خاطرة إلى مستمعيك وقيّم نفسك وموضوعك ، وعلى هذا الأساس حدد القادم .

هذه بعض الاقتراحات التي أقدمها لإخواني من الأئمة والخطباء ، والتي أرجو من المولى – تبارك وتعالى – أن ينفعنا بها وأن يخرجنا من رمضان على الوجه الذي يرضيه عنا ، اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان .

منقول للفائدة :
إعداد /  حسام العيسوي إبراهيم 

29‏/04‏/2014

اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ...

الحمد لله القائل: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ) {القصص:68}
والاختيار هو الاجتباء والاصطفاء الدال على ربوبيته ووحدانيته وكمال حكمته وعلمه وقدرته.
ومن اختياره وتفضيله اختياره بعض الأيام والشهور وتفضيلها على بعض، وقد اختار الله من بين الشهور أربعة حُرماً قال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ) {التوبة: 36}

وهي مقدّرة بسير القمر وطلوعه لا بسير الشمس وانتقالها كما يفعله الكفار.
والأشهر الحرم وردت في الآية مبهمة ولم تحدد أسماؤها وجاءت السُنة بذكرها: فعن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام خطب في حجة الوداع وقال في خطبته: (إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القَعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان )رواه البخاري:1741في الحج باب الخطبة أيام منى، ورواه مسلم:1679في القسامة باب تحريم الدماء.

ما سبب تسمية رجب بمضر ؟
وسمي رجب مضر لأن مضر كانت لا تغيره بل توقعه في وقته بخلاف باقي العرب الذين كانوا يغيّرون ويبدلون في الشهور بحسب حالة الحرب عندهم وهو النسيء المذكور في قوله تعالى :
(إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِه الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّه ) سورة التوبة:37.
وقيل أن سبب نسبته إلى مضر أنها كانت تزيد في تعظيمه واحترامه فنسب إليهم لذلك.

فضّل الله (تعالى) بعض الأيام والليالي والشهور على بعض، حسبما اقتضته حكمته البالغة؛ ليجدّ العباد في وجوه البر،ويكثروا فيها من الأعمال الصالحة، ولكن شياطين الإنس والجن عملوا على صد الناس عن سواء السبيل، فزينوا لطائفة من الناس أن مواسم الفضل والرحمة مجال للهو والراحة، فابتدعوا أموراً وأعمالاً لم ترد على النبي صلى الله عليه وسلم .

إن الابتداع في الدين من الأمور الخطيرة التي تناقض نصوص الكتاب والسنة فالنبي صلى الله عليه لم يمت إلا وقد اكتمل الدين ،

وكان من أواخر ما خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً [المائدة:2].

قال عليه الصلاة والسلام : ((عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، إاياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)).
فلا بد للمسلم إذاً أن يستسلم لشرع وأمر رسوله ويسأل هل فعله الذي يفعل موجود في سنته عليه الصلاة والسلام أم عمل به سلف الأمة وخيارها؟
فإن لم يجد من ذلك شيئا فلا يغتر بكثرة الهالكين ، ولا يكن دليله أنه وجد الناس يعملون هذا العمل،فهو لهم تبع، فالله تعالى يقول: (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ).
قال حسان بن عطية: "ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها ، ولا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة"الحلية ، 6/73.

قال أيوب السختياني: "ما ازداد صاحب بدعة اجتهاداً إلا زاد من الله بعداً" الحلية ، 3/9.

من أبرز تلك المواسم البدعية: ما يقوم به بعض العباد في كثير من البلدان في شهر رجب، لذا سنذكر بعض الأمور تخص ذلك.

من الأمور البدعية في شهر رجب: صلاة الرغائب، صلاة أم داود في نصف رجب،الاحتفال بالاسراء والمعراج، التصدق عن روح الموتى في رجب، أدعيه مخصوصة ومبتدعة لشهر رجب، وتخصيص تلك الليلة بزيادة عبادة كقيام ليل أو صيام نهار، تخصيص زيارة المقابر في رجب وهذه بدعة محدثة أيضا فالزيارة تكون في أي وقت من العام.

هل لـ (رجب) فضل على غيره من الشهور؟:
قال ابن حجر: "لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه ، ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه....)

وقال أيضاً: "وأما الأحاديث الواردة في فضل رجب ، أو في فضل صيامه ، أو صيام شيء منه صريحة: فهي على قسمين: ضعيفة ، وموضوعة...)

بدعة صلاة الرغائب:

أولاً: صفتها: وردت صفتها في حديث موضوع عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما من أحد يصوم يوم الخميس (أول خميس من رجب) ثم يصلي فيما بين العشاء والعتمة يعني ليلة الجمعة اثنتي عشرة ركعة ، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة و((إنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ)) ثلاث مرات، و((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)) اثنتي عشرة مرة ، يفصل بين كل ركعتين بتسليمة ، فإذا فرغ من صلاته صلى عليّ سبعين، فيقول في سجوده سبعين مرة: (سبوح قدوس رب الملائكة والروح) ، ثم يرفع رأسه ويقول سبعين مرة: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم ، إنك أنت العزيز الأعظم ، ثم يسجد الثانية فيقول مثل ما قال في السجدة الأولى ، ثم يسأل الله (تعالى) حاجته ، فإنها تقضى".. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده ، ما من عبد ولا أَمَة صلى هذه الصلاة إلا غفر الله له جميع ذنوبه ، ولو كانت مثل زبد البحر ، وعدد الرمل ، ووزن الجبال ، وورق الأشجار ، ويشفع يوم القيامة في سبعمئة من أهل بيته ممن قد استوجب النار. (إحياء علوم الدين ، للغزالي)

من فتاوي ابن تيمية رحمه الله :
وقال ابن تيمية: "وأما صلاة الرغائب: فلا أصل لها ، بل هي محدثة ، فلا تستحب ، لا جماعة ولا فرادى؛ فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن تخص ليلة الجمعة بقيام أو يوم الجمعة بصيام..)

وقد كان الرؤساء من أهل الكتاب يمنعهم الإسلام خوف زوال رئاستهم ، وفيهم نزل
(( فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاًً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ)) [البقرة:

الإسراء والمعراج:
من أعظم معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم-: الإسراء به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، ثم العروج به السماوات السبع فما فوقها ، وقد انتشر في بعض البلدان الاحتفال بذكراها في ليلة السابع والعشرين من رجب ، ولا يصح كون ليلة الإسراء في تلك الليلة...

فروي أن النبي عليه الصلاة والسلام وُلد في أول ليلة منه، وأنه بعث في ليلة السابع والعشرين منه، وقيل: في الخامس والعشرين، ولا يصح شيء من ذلك، وروي بإسناد لا يصح عن القاسم بن محمد أن الإسراء بالنبي كان في السابع والعشرين من رجب..

قال ابن حجر عن ابن دحية: "وذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب ، قال: وذلك كذب" )تبيين العجب ص 6)

على أنه لو ثبت تعيين ليلة الإسراء والمعراج لما شرع لأحد تخصيصها بشيء؛ لأنه لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أحد من صحابته أو التابعين لهم بإحسان أنهم جعلوا لليلة الإسراء مزية عن غيرها ، فضلاً عن أن يقيموا احتفالاً بذكراها ، بالإضافة إلى ما يتضمنه الاحتفال بها من البدع والمنكرات. (ذكر بعض تلك المنكرات: ابن النحاس في تنبيه الغافلين ، ص 497)
فتوى الشيخ ابن باز رحمه الله :
"الاحتفال بليلة ( 27 ) اعتقادا أنها ليلة الإسراء والمعراج ، كل ذلك بدعة لا أصل له في الشرع ، وليلة الإسراء والمعراج لم تعلم عينها ، ولو علمت لم يجز الاحتفال بها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بها ، وهكذا خلفاؤه الراشدون وبقية أصحابه رضي الله عنهم ، ولو كان ذلك سنة لسبقونا إليها .

والخير كله في اتباعهم والسير على منهاجهم كما قال الله عز وجل : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) سورة التوبة :100)
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) متفق على صحته "

الذبح في رجب وما يشبهه:
مطلق الذبح لله في رجب ليس بممنوع كالذبح في غيره من الشهور ، لكن كان أهل الجاهلية يذبحون فيه ذبيحة يسمونها: العتيرة .
العتيرة: كانت العرب في الجاهلية تذبح ذبيحة في رجب يتقربون بها لأوثانهم. فلما جاء الإسلام بالذبح لله تعالى بطل فعل أهل الجاهلية، وليس لذلك كله أصل في السنة.
وقد اختلف أهل العلم في حكمها: فذهب الأكثرون إلى أن الإسلام أبطلها ، مستدلين بقوله كما عند الشيخين عن أبي هريرة (رضي الله عنه): "لا فرع ولا عتيرة" رواه البخاري ومسلم.

(من حديث أخرجه ابوداود والنسائي وابن ماجة وصححه الحاكم وابن المنذر عن نُبيشة قال:
نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب فما تأمرنا. قال : ( اذبحوا في أي شهر كان ) الحديث.

قال ابن حجر: فلم يبطل رسول الله عليه الصلاة والسلام العتيرة من أصلها وإنما أبطل خصوص الذبح في شهر رجب (

روي عن ابن عباس (رضي الله عنهما) أنه كان يكره أن يتخذ رجب عيداً"
(لطائف المعارف ، ص 227)

تخصيص رجب بصيام أو اعتكاف:
وقد كان عمر رضي الله عنه ينهى عن صيام رجب لما فيه من التشبه بالجاهلية كما ورد عن خرشة بن الحر قال: ( رأيت عمر يضرب أكف المترجبين حتى يضعوها في الطعام ويقول: كلوا فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية ) [الإرواء:957 وقال الألباني: صحيح.
قال الإمام ابن القيم: ( ولم يصم عليه الصلاة والسلام الثلاثة الأشهر سرداً "أي رجب وشعبان ورمضان" كما يفعله بعض الناس ولا صام رجباً قط ولا استحب صيامه.
قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ: "لم يثبت في شهر رجب ولا في صيامه ولا في صيام أيام معينة منه ولا في قيام ليلة معينة فيه حديث صحيح يصلح للحجة", (لطائف المعارف ، ص 228.)
وقال ابن القيم: "كل حديث في صيام شهر رجب وصلاة بعض الليالي فهو كذب مفترى",
وقال الشوكاني ـ رحمه الله ـ: "جميع ما ورد فيه من النصوص إما موضوع مكذوب وإما ضعيف شديد الضعف".
وفي فتاوى اللجنة الدائمة: ( أما تخصيص أيام من رجب بالصوم فلا نعلم له أصلاً في الشرع).

العمرة في رجب:
يحرص بعض الناس على الاعتمار في رجب ، اعتقاداً منهم أن للعمرة فيه مزيد مزية ، وهذا لا أصل له ، فقد روى البخاري عن ابن عمر (رضي الله عنهما) ، قال: "إن رسول الله اعتمر أربع عمرات إحداهن في رجب ، قالت (أي عائشة): يرحم الله أبا عبد الرحمن ، ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهِدُه ، وما اعتمر في رجب قط" صحيح البخاري.

وقد نص العلامة "ابن باز"على أن أفضل زمان تؤدى فيه العمرة: شهر رمضان؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "عمرة في رمضان تعدل حجة" ، ثم بعد ذلك: العمرة في ذي القعدة؛ لأن عُمَرَه كلها وقعت في ذي القعدة ، وقد قال الله سبحانه وتعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)[الأحزاب: 21 - فتاوى إسلامية(

وقال ابن العطار: "وما يفعله الناس في هذه الأزمان من إخراج زكاة أموالهم في رجب دون غيره من الأزمان لا أصل له ، بل حكم الشرع أنه يجب إخراج زكاة الأموال عند حولان حولها بشرطه سواء كان رجباً أو غيره"

لا حوادث عظيمة في رجب:
قال ابن رجب: "وقد روي أنه كان في شهر رجب حوادث عظيمة ، ولم يصح شيء من ذلك ، فروي أن النبي ولد في أول ليلة منه ، وأنه بعث في السابع والعشرين منه ، وقيل في الخامس والعشرين ، ولا يصح شيء من ذلك..."( لطائف المعارف ، ص233)

ما حُكم الزيادة في العبادات وغيرها لقولنا أن شهر رجب شهر مُحرم ؟
فتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
وقد ورد في هذا الشهر صلوات وأذكار لكنها ضعيفة لا تثبت بـها حجـة، ولا تثبت بـها سُنّـة وإذا ثبت ذلك فإنه لا يجوز للإنسان أن يقول: هذا شهرٌ محرم سأزيد فيه من صلاتي وسأزيد فيه من ذِكْرِي، وأزيد فيه من صيامي أو ما أشبه ذلك.
لمــاذا لا يجــوز؟
لأن النبي صلى الله عليه على وآله وسلم أدرك هذا الشهر... أليس كذلك؟
هل زاد فيه على غيره؟.... لا.
إذا لم يزد فيه على غيره فليس من حقنا أن نقول إنه شهرٌ محرم نزيد فيه على غيره؛ لأننا نحن متّبعون ولسنا مبتدعين......)
إذاً علينا أن لا نخص شهر رجب إلا بما خصّـه الله به ورسوله، أنّه شهر محرم يتأكّد فيه اجتناب المحرمات، وأنه لا يحل فيه القتال مع الكفار، فإنه شهرٌ محرم، والأشهر الحُرُم لا قتال فيها إلا إذا بدؤونا بالقتال، أو كان ذلك سلسلة قتالية امتدّت إلى الشهر المحرم.
كذلك نحن الآن في النصف الأخير من شهر رجب مقبلون على شهر شعبان.. فهل لشهر شعبان مزيّـة على غيره؟
الجواب: نعـم، فيه مَزِيّـة على غيره في الصيام فقط، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يُكثر من صيامـه حتى كان يصومـه كلّه إلا قليلاً منه، فإكثار الصيام في شعبان من السُّـنّـة، أما في رجب فـلا ... ))

نسأل الله أن يجعلنا ممن يعظّمون حرماته ويلتزمون بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً إنه ولي ذلك والقادر عليه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. 
======================= 
المصادر الالكترونية التي تم الجمع والترتيب بفضل الله من:
www.saaid.net
http://www.alminbar.net
http://www.binbaz.org
http://www.islam-qa.com/
http://www.kalemat.org

22‏/03‏/2014

فن الإلقاء بكل بساطة واختصار :


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
تنصح الناس بنية صالحة أمر جيد والأجود أن تتمتع بمهارات مهمة بسيطة , أهمها البساطة والاختصار , وهذا من أجمل ما فى نصائح الحبيب عليه الصلاة والسلام وبما أننى من محبى منهج \" ما قل ودل \" فنبدأ بما تريد أيها الحبيب بدون تطويل او تكلف .
1-
• خوف المواجهة :
- سبب الخوف والقلق والتوتر من الإلقاء هو انشغالك وخوفك من تقييم الناس لك .
- الذى عليك أن تنشغل بالتخطيط ودقة معلوماتك والمهارات التى ستستعملها .
- القلق البسيط لا ضرر منه فهو يزيد انتباهك لكن عندما يزيد فهو يُنسيك ما تريد قول .
- من ضمن أسباب الخوف هو الخوف من عدم وجود كلام تقوله فليس معك غير الأدلة التى ستستشهد بها .
- الحواشي التي حول الآيات والأحاديث ستعرف كيف تضعها عندما نتكلم عن كيفية تحضير الموضوع .

• في المقدمة :
- تدخل في الموضوع مباشرة بدون مقدمات طويلة وكثرة تكلف .
- نجاح الكلمة أو الخطبة من نجاح المقدمة , أى الدخلة القوية المؤثرة .
- تبدأ المقدمة بموقف مؤثر قصير يدل على ما تريد أن تتكلم فيه بعد ذلك .
- ممكن تبدأ المقدمة بالآتى
[ آية – حديث – قصة قصيرة – خبر مثير – سؤال للجمهور ] .
- أفضل ما تبدأ به – فى نظرى وتجربتى – هو الموقف المؤثر القصير .


2-
• وأنت تتكلم مع الناس [ فن الإلقاء ] .
- وأنت تتكلم كُن على طبيعتك [ أى كما تتكلم مع أى صديق لك بكل بساطة وبدون تكلف ] .
- لا تٌقلد أحداً من الدعاة فالناس يكرهون ذلك .
- كلامك فصل واضح أى لا يكن سريعاً فتأكل أواخر بعض الكلمات ولا يكن بطيئاً مملاً .
- قم بتوزيع النظر على الجهات التي يجلس فيها الناس ولا تنظر لجهة واحدة .
- لا تُكثر من الكلام عن سلبيات الناس والواقع والمجتمع فهذه طريقة سلبية منتشرة عند الخطباء تزيد الاحباط لدى الناس .
- استخدم لغة الجسد وإشارة يدك بدون إفراط .
- لا تُشر للناس وأنت تقول كلمة \أنت \فى معرض الذم وتشير بها فى معرض المدح .
- تغيير نبرة الصوت ضرورى خلال كلامك فلا تستمر على نبرة واحدة .
- تعلم فن الوقفات , تقف قبل الكلمة أو الجملة المؤثرة أو بعدها ليتأملها المستمع لكن بدون إفراط .
- تضغط على بعض الكلمات المؤثرة وأنت تنطقها .
- فى نهاية كلامك تختصر عناصرك التى تكلمت فيها ثم تختم كلامك بجملة مختصرة مؤثرة تثبت فى ذهن المستمع .

• تحضير الموضوع
- اختر موضوع مناسب لجمهورك [ واحد بيتكلم عن فضل الوالدين فى ملجأ أيتام !! ] .
- لابد لموضوعك أن يكون محدد فى نقاط أو عناصر فى ذهنك .
- يساعدك على تحديد عناصر أى موضوع أن تستخدم كلمات معينة مثل [ لماذا – كيف – فوائد – أضرار ] .

3-
مثال :
كيف تتخلص من همومك أو ذنوبك أو الكسل أو ... أو ... الخ .
لماذا تأخر النصر ؟ لماذا قال يوسف عليه السلام لأبيه ؟! ولم يقل لأمه أو عمه أو ... ؟!!
فوائد المداومة العمل الصالح ... فوائد قيام الليل ... فوائد مجالسة الصالحين ...
أضرار التدخين لكن مع ذكر وسائل عملية واقعية للتخلص منه .. أضرار الغيبة والنميمة ... وهكذا .


• الحواشى
كيف تجد كلام تقوله غير الآيات والأحاديث التى معك ؟ وكيف ومتى تذكر الآية أو الحديث لأن الرهبة تحتاج لكلام قمت بتحضيره سابقاً وخصوصاً فى البداية ؟
الجواب : قبل أن تذكر الآية تشرحها ثم تذكرها وكذلك الحديث وهذا مثال وأنت تتكلم عن خطر اللسان والكلام :
قوله تعالى {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} [الإسراء : 53] ...
تشرح تقول مثلاً :
ومما يوضح خطر اللسان أيها الأحبة أن الله عز وجل أمرنا أن نختار الكلام الذى نقوله قبل قوله , بل من الكلام ما هو حسن وما هو احسن فأمرنا أن نقول الأحسن لأن الشيطان ينتظر خروج الكلمة من أخيك فيوسوس لك أنه يريد كذا وكذا من السوء ونحن نعلم عداوة الشيطان للإنسان من قديم الزمن وهذا واضح فى قوله تعالى وتذكر الآية :
{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} [الإسراء : 53] ...

مثال فى شرح حديث :
نحن فى زمان فتن وكثُر الكلام وفى وسط ظلمات الفتن كلنا يبحث عن النجاة وأمر النجاة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بخطر الكلام أيها الأحبة الكرام وهذا يوضحه الحديث عندما ذهب الصحابى الجليل عقبة بن عامر يسأل الرسول عليه الصلاة والسلام فقال عقبة رضى الله عنه : [ يا رسول الله ما النجاة ؟ قال عليه الصلاة والسلام : \" أمسك عليك لسانك \" ] ..

• الاختصار [ السُنة المفقودة ] .
- خير الكلام ما قَل ودل \" فلا يكفى أن يكون قليل بل لابد أن يدل \" .
- شخص كلامه كثير فهو واحد من إثنين [ 1- مش عارف عاوز يقول إيه ... 2- عنده شهوة الكلام ] .
- الكلام عندما يكثر يُنسى بعضه بعضاً \" ما قل وكفى خير مما كثُر وألهى , أى ألهى عن المقصود من الكلام أصلاً \" .
- أخر وأهم نصيحة \" تدعوا لتحصل على الأجر تنشط وتستمر , لكن تدعوا ليستجيب الناس يصيبك الإحباط \" .
- أسأل الله عز وجل أن يرضى عنك فإن لم يرض عنك فليعفوا عنك , قل آمـــيـــــن .

منقول من موقع صيد الفوائد للفائد.
الكاتب :هانى عرفة .. مصر بتصرف يسير 

13‏/03‏/2014

أهمية الصبر في الدعوة إلى الله تعالى


أهمية الصبر في الدعوة إلى الله تعالى

الصبر في الدعوة إلى الله تعالى من أهم المهمات ,ومن أعظم
الواجبات على
الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى ,والصبر وإن كان واجبًا
بأنواعه على كل
مسلم ,فإنه على الدعاة إلى الله من باب أولى وأولى ؛
ولهذا أمر الله به
إمام الدعاة وقدوتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
تعالى:{وَاصْبِرْ
وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ
عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ
فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ *إ ِنَّ اللَّهَ مَعَ
الَّذِينَ اتَّقَوْا
وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}(1),وقال تعالى :{فَاصْبِرْ
كَمَا صَبَرَ
أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ
لَهُمْ}(2),وقال
تعالى :{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ
فَصَبَرُوا عَلَى مَا
كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا
مُبَدِّلَ
لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ
الْمُرْسَلِينَ}
(3),فهذا سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم قد أمره الله
بالصبر وأتباعه من باب أولى .
والله عز وجل قد أوضح للناس أنه لابد من الابتلاء
,والاختبار ,والامتحان
لعباده وخاصة الدعاة إلى الله تعالى ؛ ليظهر الصادق من
الكاذب ,والمؤمن
من المنافق ,والصابر من غيره وهذه سنة الله في خلقه ,قال
سبحانه : {الم *
أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا
آَمَنَّا وَهُمْ لَا
يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ
فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا
وَلَيَعْلَمَنَّ
الْكَاذِبِينَ}(4),وقال عز وجل :{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
حَتَّى نَعْلَمَ
الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ
أَخْبَارَكُمْ}(5).

وقال عليه الصلاة والسلام : ( أشد الناس بلاء الأنبياء ثم
الأمثل فالأمثل
يبتلي الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلبًا اشتد
بلاؤه ...)(6),وقد
ذم الله عز وجل من لم يصبر على الأذى من أجل الدعوة إلى
الله فقال
سبحانه :{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا
بِاللَّهِ فَإِذَا
أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ
كَعَذَابِ اللَّهِ }
(7) ,ولهذا قال سبحانه :{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا
الْجَنَّةَ
وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ
قَبْلِكُمْ
مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا
حَتَّى يَقُولَ
الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ
اللَّهِ أَلَا
إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}(8) ,وقال تعالى :{مَا كَانَ
اللَّهُ
لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ
حَتَّى يَمِيزَ
الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}(9).

* وتبرز أهمية الصبر في الدعوة إلى الله عز وجل في عدة أمور
منها:-
1/ إن الابتلاء للدعاة إلى الله تعالى لا بد منه فلو سلم
أحد من الأذى
لسلم رسل الله عليهم الصلاة والسلام وعلى رأسهم إمامهم
محمد بن عبد الله
عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام فقد أوذوا فصبروا
,وجاهدوا حتى نصرهم
الله على أعداء الدعوة إلى الله تعالى ,ولاشك أن كل داعية
مخلص يصيبه
الأذى وإن سلم أحد فذلك من أندر النوادر .
2/ الصبر يحتاجه الداعية إلى الله في دعوته في ثلاثة
أحوال:
أ- قبل الدعوة بتصحيح النية والإخلاص ,وتجنب دواعي
الرياء والسمعة وعقد
العزم على الوفاء بالواجب.
ب/ أثناء الدعوة ,فيلازم الصبر عن دواعي التقصير
والتفريط ,ويلازم
الصبرعلى استصحاب ذكر النية وعلى حضور القلب بين يدي
الله تعالى ولا
ينساه في أمره.
جـ/ بعد الدعوة وذلك من وجوه:

* أن يصبر نفسه عن الإتيان بما يبطل عمله ,فليس الشأن
الإتيان
بالطاعة ,وإنما الشأن في حفظها مما يبطلها.
* أن يصبر عن رؤيتها والعجب بها , والتكبر,والتعظم بها .
* أن يصبر عن نقلها من ديوان السر إلى ديوان العلانية ,فإن
العبد يعمل
العمل سرًا بينه وبين الله سبحانه فيكتب في ديوان السر
,فإن تحدث به نقل
إلى ديوان العلانية. (10).

3/ الصبر في الدعوة إلى الله عز وجل بمثابة الرأس من الجسد
,فلا دعوة لمن
لا صبر له كما أنه لا جسد لمن لا رأس له ,ولهذا قال ابن
القيم - رحمه
الله تعالى - : " الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد
ولا إيمان لمن
لا صبر له كما أنه لا جسد لمن لا رأس له" (11) ,فإذا كان ذلك
في الإيمان
فالصبر في الدعوة إلى الله من باب أولى.
4/ الصبر في الدعوة إلى الله تعالى من أعظم أركان السعادة
الأربعة قال
سبحانه وتعالى : {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ
لَفِي خُسْرٍ *
إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
وَتَوَاصَوْا
بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}(12) , كما قال ذلك
سماحة العلامة
ابن باز رحمه الله تعالى .
5/ الصبر من أعظم أركان الخُلق الحسن الذي يحتاجه كل مسلم
عامة وكل داعية
إلى الله خاصة وقد أشار إلى ذلك الإمام ابن القيم رحمه
الله تعالى .(13)
6/ الصبر في الدعوة إلى الله من أهم المهمات ؛ولهذا ذكر
الله-عز وجل- في
القرآن الكريم في نحو تسعين موضعاً كما قاله الإمام
أحمد. (14)



7/ الصبر في الدعوة إلى الله عز وجل من أعظم القربات ومن
أجل الهبات ولم
أعلم-على قلة علمي-أن هناك شيئاً غير الصبر يُجازى ويثاب
عليه العبد بغير
حساب قال عز وجل{ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ
أَجْرَهُم بِغَيْرِ
حِسَابٍ} (15),اللهم إلا الصيام فإن الصيام من الصبر.



8/ الدعوة إلى الله سبيلها طويل تحف به المتاعب والآلام ؛
لأن الدعاة إلى
الله يطلبون من الناس أن يتركوا أهواءهم وشهواتهم التي
لا يرضاها الله عز
وجل وينقادوا لأوامر الله , ويقفوا عند حدوده, ويعملوا
بشرائعه التي
شرع , فيتخذ أعداء الدعوة من هذه الدعوة عدواً يحاربونه
بكل سلاح وأمام
هذه القوة لا يجد الدعاة مفراً من الاعتصام باليقين
والصبر ؛ لأن الصبر
سيف لا ينبو ومطية لا تكبو, ونور لا يخبو.
9/ الصبر في مقام الدعوة إلى الله تعالى هو وصف الأنبياء
والمرسلين صلوات
الله وسلامه عليهم أجمعين, وعليه مدار نجاح دعوتهم إلى
الله تعالى, ولا
شك أن الداعية إذا فقد الصبر كان كمن يريد السفر في بحر
لجي بغير
مركب{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا
يَسْتَخِفَّنَّكَ
الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}(16),ولهذا أوصى به الحكماء من
أتباع
الأنبياء , فهذا لقمان الحكيم عندما أوصى ابنه بالأمر
بالمعروف والنهي عن
المنكر قرن ذلك بالصبر{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ
وَأْمُرْ
بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ
عَلَى مَا أَصَابَكَ
إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}(17),فهو عندما أمره
بتكميل نفسه
بطاعة الله أمره أن يكمٌل غيره وأن يصبر على ما ينزل به
من الشدائد
والابتلاء.
10/ الداعية إلى الله عز وجل لا يكون قدوة في الخير مطلقاً
إلا بالصبر
والثبات عليه كما قال سبحانه في صفات عباد الرحمن

:{
وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا }(18),وهذه الإِمامة في الدين لا
تحصل قطعاً إلا 
بالصبر , فقد جعل الله الإِمامة في الدين موروثة بالصبر
واليقين{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ
بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}(19),فإن الدين كله علم بالحق وعمل به
والعمل به لا بد فيه من صبر , والداعية لا بد له من أن يعلم الحق ويعمل به حتى يقوم بالدعوة , ولا يقوم بالدعوة إلا بالصبر على
ما أصابه.
11/ الصبر ينتصر به الداعية على عدوه-مع الأخذ بالأسباب-
من الكفار والمنافقين , والمعاندين, وعلى من ظلمه من المسلمين ولصاحبه تكون العاقبة
الحميدة , قال عز وجل:{وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (20) ,وقال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ
مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ
أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}(21), وحكى الله عن يوسف عليه الصلاة
والسلام قوله وبأي شيء نال النصر والتمكين فقال لإخوته حينما سألوه
{قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ
يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي
قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ
وَيِصْبِرْ فَإِنَّ
اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}(22) ,ولابد
بعون الله تعالى
وتوفيقه من النصر للداعية المتقي الصابر العامل بما
أمره ربه, ومن ذلك
الأخذ بجميع الأسباب المشروعة {وَاصْبِرْ فَإِنَّ
اللّهَ لاَ يُضِيعُ
أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}(23).
12/ الصبر من أهم المهمات للداعية؛ لأنه لا يكون داعية
موفقاً إلا إذا
كان صابراً على دعوته وما يدعو إليه , صابراً على ما
يعترض دعوته من
معارضات , صابراً على ما يعترضه من أذى.
13/ الصبر يشتمل على أكثر مكارم الأخلاق , فيدخل فيه
الحلم؛ فإنه صبر عن
دواعي الانتقام عند الغضب, والأناة: صبر عن إجابة دواعي
العجلة, والعفو
والصفح صبر عن إجابة دواعي الانتقام, والجود والكرم صبر
عن إجابة دواعي
الإمساك , والكيس: صبر عن إجابة دواعي الكسل والخمول ,
والعدل صبر إذا
تعلق بالتسوية بين المتماثلين , وسعة الصدر صبر عن الضجر
, والكتمان وحفظ
السر صبر عن أظهار ما لا يحسن إظهاره , والشجاعة صبر عن
إجابة دواعي
الفرار, وهذا يدل على أهمية الصبر في الدعوة إلى الله
تعالى وأن الداعية
لا يسعه أن يستغنى عنه في جميع أحواله.



14/ الصبر نصف الإيمان: فالإيمان نصفان: نصف صبر ونصف شكر
قال تعالى:
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}
(24),وقال صلى
الله عليه وسلم عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس
ذلك لأحد إلا
للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له, وإن أصابته
ضراء صبر فكان
خيراً له...). (25)
15/ الصبر سبب حصول كل كمال فأكمل الخلق أصبرهم؛ لأن كمال
الصبر بالعزيمة
والثبات فمن لم يكن له عزيمة فهو ناقص, ومن كان له عزيمة
ولكن لا ثبات له
عليها فهو ناقص , فإذا انضم الثبات إلى العزيمة أثمر كل
مقام شريف وحالٍ
كامل, ولهذا يُروَى " اللهم إني أسألك الثبات في الأمر
والعزيمة على
الرشد " (26) , وشجرة الثبات والعزيمة لا تقوم إلا على ساق
الصبر .
16/ الصبر يجعل الداعية إلى الله عز وجل يضبط نفسه عن أمور
لابد له من
الابتعاد عنها ومنها: ضبط النفس عن الاندفاع بعوامل
الضجر, والجزع,
والسأم, والملل, والعجلة, والرعونة, والغضب, والطيش,
والخوف, والطمع,
والأهواء, والشهوات, وبالصبر يتمكن الداعية أن يضع
الأشياء مواضعها
ويتصرف في الأمور بعقل واتزان , وينفذ ما يريد من تصرف في
الزمن المناسب
بالطريقة المناسبة الحكيمة, وعلى الوجه المناسب, بخلاف
عدم الصبر الذي
يوقع في التسرع والعجلة, فيضع الداعية الأشياء في غير
مواضعها, ويتصرف
فيخطئ في تحديد الزمان, ويسئ في طريقة التنفيذ, وربما
يكون صاحب حق فيكون
مفسداً, ولو أنه اعتصم بالصبر لسلم من ذلك كله بإذن الله
تعالى
(27) ,وبهذا يتضح أن الصبر ضروري للداعية يسلح به ويتصف به
في محاور
ثلاثة: الصبر على طاعة الله والدعوة إليه , والصبر عن
محارم الله ,
والصبر على أقدار الله المؤلمة, وكل هذه المحاور الثلاثة
لها ارتباط وثيق
بوظيفة الدعوة إلى الله عز وجل؛ لأنها تجعل الداعية قدوة
حسنة لغيره من
الناس. (28)



17/ الصبر ذو مقام كريم وخلق عظيم ؛ ولهذا قرنه الله
بالقيم العليا في
الإسلام, ومن هذه القيم التى قرنه بها ما يأتي :

* قرنه باليقين {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً
يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا
لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}(29).

* وربطه الله تعالى بالشكر في أربع سور{ إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآيَاتٍ
لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} (30) .

* وجمعه مع التوكل {الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى
رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ } (31) .

* وقرنه بالصلاة {اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ
وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ
مَعَ الصَّابِرِينَ} (32) .

* وقرنه بالتسبيح ولاستغفار {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ
رَبِّكَ فَإِنَّكَ
بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ
تَقُومُ} (33).

* وجمعه مع الجهاد {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ
هَاجَرُواْ مِن
بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ
إِنَّ رَبَّكَ مِن
بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}(34) .

* وربطه بالتقوى { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ
فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ
عَزْمِ الأُمُورِ}(35).

* وربطه بالحق {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا
بِالصَّبْرِ} (36).

* وقرنه بالرحمة { وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ
وَتَوَاصَوْا
بِالْمَرْحَمَةِ} (37) .



18/ رتب الله تعالى خيرات الدنيا والآخرة على الصبر ومن
ذلك:

* معية الله مع الصابرين {إِنَّ اللَّهَ مَعَ
الصَّابِرِينَ} (38) .

* محبة الله للصابرين {وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}
(39) .

* صلوات الله ورحمته على الصابرين { وَبَشِّرِ
الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ
إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ
وَإِنَّا إِلَيْهِ
رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ
رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }(40) .

* ضمان النصر والمداد للصابرين {بَلَى إِن تَصْبِرُواْ
وَتَتَّقُواْ
وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ
رَبُّكُم بِخَمْسَةِ
آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ*وَمَا
جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ
بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا
النَّصْرُ إِلاَّ
مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}(41).

* الحفظ من كيد الأعداء {إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ
تَسُؤْهُمْ وَإِن
تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن
تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ
لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا } (42).

* استحقاق دخول الجنة {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ
الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا
وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا}(43).

وهذه الفضائل قليل من كثير , ولله در القائل :

الصبر مثل اسمه مرٌ مذاقته لكن عواقبه أحلى من العسل

11‏/03‏/2014

الولاء والبراء

الولاء والبراء معناه محبة المؤمنين وموالاتهم، وبغض الكافرين ومعاداتهم، والبراءة منهم ومن دينهم، هذا هو الولاء والبراء كما قال الله سبحانه في سورة الممتحنة: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4]، وليس معنى بغضهم وعداوتهم أن تظلمهم أو تتعدى عليهم إذا لم يكونوا محاربين، وإنما معناه أن تبغضهم في قلبك وتعاديهم بقبلك، ولا يكونوا أصحابا لك، لكن لا تؤذيهم ولا تضرهم ولا تظلمهم، فإذا سلموا ترد عليهم السلام وتنصحهم وتوجههم إلى الخير، كما قال الله عز وجل: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: 46]، وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى وهكذا غيرهم من الكفار الذين لهم أمان أو عهد أو ذمة، لكن من ظلم منهم يجازى على ظلمه، وإلا فالمشروع للمؤمن الجدال بالتي هي أحسن مع المسلمين والكفار مع بغضهم في الله للآية الكريمة السابقة، ولقوله سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]، فلا يتعدى عليهم ولا يظلمهم مع بغضهم ومعاداتهم في الله، ويشرع له أن يدعوهم إلى الله، ويعلمهم ويرشدهم إلى الحق لعل الله يهديهم بأسبابه إلى طريق الصواب، ولا مانع من الصدقة عليهم والإحسان إليهم لقول الله عز وجل: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]، ولما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن تصل أمها وهي كافرة في حال الهدنة التي وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة على الحديبية.

المرجع : http://ar.islamway.net/fatwa/45805?ref=w-new

08‏/03‏/2014

لماذا الدعوة إلى توجيه العلوم والمعارف توجيهاً إسلامياً ؟


بسم الله الرحمن الرحيم  


الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
فتأتي الدعوة إلى التوجيه الإسلامي للعلوم والمعارف استجابةً لحاجة البشرية المُلحة في وقتنا الحاضر إلى إعادة النظر في مختلف العلوم والمعارف المُعاصرة من الناحية المنهجية التي تفتقر إلى التوجه الإسلامي الصحيح الذي لا بد منه ، ولا غنى عنه لتصحيح مسار هذه العلوم ، وتحقيق أهدافها المنشودة لاسيما وأن معظم المناهج التعليمية في عالمنا الإسلامي تعتمد اعتماداً كلياً على معطيات ومسلمات الفكر الغربي المعاصر المستمد من الحضارة الغربية المعاصرة ؛ وهو فكرٌ حضاري تغلب عليه صفة " العَلْمَنة " التي نفذت إلى صميم نظامنا التعليمي ، وأحدثت الشرخ الكبير الذي عزل علوم الدنيا عن علوم الدين ، وأفسد الإطار القيمي ، والأخلاقي ، والروحي ، الذي كان يحكم ويُرشد نشاطنا التعليمي كله . وعلى الرغم من أن الحضارة الغربية المُعاصرة قد أحرزت تقدماً حضارياً لافتاً للنظر في بعض الجوانب العلمية المعاصرة ، الأمر الذي ترتب عليه أن تكون رائدةً في هذا الجانب وحده ؛ إلا أن هناك جوانب أُخرى على قدرٍ كبيرٍ من الأهمية لم تتمكن حضارة الغرب من مجرد الاقتراب منها ؛ وعلى رأسها الجوانب العقدية التي تفتقر إليها تلك الحضارة بصورةٍ لافتةٍ للنظر . 

وهذا يعني أن الغاية المنشودة من عملية التوجيه الإسلامي للعلوم والمعارف العلمية والأدبية والتربوية تتمثل في العمل على تخليصها و تنقيتها من مختلف التصورات المادية والإلحادية المنتشرة في الغرب ، والمبنية على وجهات النظر الفلسفية البشرية القاصرة ، وإخضاعها بالكلية لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف ، وقيمه ، وضوابطه ، وتوجيهاته ، وآدابه النابعة من الأصول والمصادر الإسلامية الأصيلة المتمثلة في ( القرآن الكريم ، والسُّنة النبوية المطهرة ) ؛ بحيث تستمد منها مفاهيمها الأساسية ومنطلقاتها الرئيسة .مع مراعاة أن تكون عملية التوجيه مواكبةً لظروف العصر ومتغيراته ؛ وملائمةً لتحقيق مصالح البشرية المختلفة في كل زمانٍ ومكان . إلا أن هناك سؤالاً يفرض نفسه قائلاً : ما هي العلوم والمعارف التي تحتاج إلى توجيهٍ إسلامي ؟

وهنا تأتي الإجابة لتوضح أن هناك تصنيفاً مبدئياً معروفاً للعلوم والمعارف يُقسِّم موضوعات مباحث هذه المعارف والعلوم إلى : 
* العلوم الشرعية : مثل علوم العقيدة وأصولها ، والفقه وأصوله ، والقرآن وعلومه ، والحديث وعلومه ..إلخ .
* العلوم الإنسانية والاجتماعية : مثل الاجتماع ، والاقتصاد ، والسياسة ، والنفس ، والفلسفة ، والأدب ، والفنون ..إلخ .
* العلوم الطبيعية : مثل علوم الفيزياء ، والكيمياء ، والفلك ، وطبقات الأرض ، والهندسة ، والرياضيات ، .. إلخ .

إذا ما سلمنا بصحة هذا التصنيف واعتمدناه فإن الحاجة إلى عملية توجيه العلوم والمعارف تختلف - ولا شك - باختلاف هذه الأقسام الثلاثة ؛ إذ أن العلوم الشرعية لا تحتاج إلى عملية التوجيه ؛ لأنها تشتمل في أصلها على المصدر والمقياس الذي سيتم من خلاله توجيه بقية العلوم والمعارف الأخرى . في حين تأتي العلوم الإنسانية والاجتماعية وما في حكمها في حاجةٍ ماسةٍ وضروريةٍ إلى عملية التوجيه الإسلامي ؛ لأن موضوعها الرئيس ومحور ارتكازها يتمثل في النفس الإنسانية على المستويين الفردي والاجتماعي . وهي شديدة التأثر بالظروف والعوامل الحياتية وما فيها من تجارب وخبراتٍ زمانيةٍ ومكانية ؛ إضافةً إلى تأثرها بمختلف الفلسفات البشرية ، وما تشتمل عليه من الآراء والأفكار ووجهات النظر المتباينة ؛ فكان من الضروري أن تخضع هذه العلوم وما في حكمها لعملية التوجيه الإسلامي للعلوم حتى تضبط اختلافها وتُصحح مسارها .

أما العلوم الطبيعية فتأتي في المرتبة التالية للعلوم الإنسانية والاجتماعية إن لم تتساو معها في الحاجة إلى عملية التوجيه الإسلامي ، فعلى الرغم من أنها تعتمد في الأساس على مجموعةٍ من الحقائق والقوانين العلمية التي لا نزاع فيها ، ولا خلاف حولها بين الناس ؛ إلا أنها في حاجةٍ ماسةٍ وضروريةٍ وهامةٍ لعملية التوجيه لتُركز على ضبط هذه الحقائق العلمية ، وحُسن توظيفها ، وتسخيرها علمياً وعملياً لما جاءت به تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وخدمة للمصالح الإنسانية سواءً على مستوى الفرد أو الجماعة ؛ حتى تكون – بإذن الله – نافعةً ومفيدةً لا ضارةً ومدمرة . 

كيفية تحقيق عملية التوجيه الإسلامي للعلوم والمعارف ؟
كثيرةٌ هي المقترحات والتوصيات التي يمكن أن تُسهم إسهاماً فاعلاً في تحقيق عملية التوجيه الإسلامي للعلوم ، وبخاصة متى تم تنفيذها والعمل بموجبها . وكثيرون هم القادرون على الإسهام المباشر في هذه العملية الحيوية في مختلف المجالات والميادين سواءً على مستوى الأفراد أو الجماعات في مختلف مرافق ومؤسسات المجتمع المسلم التي تتكامل أدوارها معاً لتحقيق عملية التوجيه المطلوبة ؛ إلا أن أبرز الجهات التي لا يُمكن إغفال دورها في هذا الشأن هي المؤسسات العلمية والتعليمية وبخاصةٍ الجامعات ، والمعاهد ، ومراكز البحث العلمي التي يقع عليها الجزء الأكبـر من هذه المهمة العظيمة ؛ لأنها تزخر بكثيـرٍ من الطاقات البشرية الفاعلة ؛ المتمثلة في العُلماء ، والمفكرين ، والأساتذة ، والباحثين ، وطلبة العلم ، والدعاة وغيرهم من الغيورين الذين عليهم أن يحتسبوا هذا العمل الجليل عند الله تعالى ، وأن يحرصوا على توظيف طاقاتهم ، وإمكاناتهم ، ومواهبهم بشكلٍ فاعلٍ ومنظمٍ لخدمة هذه العملية بصورةٍ يمكن من خلالها تحقيق الأهداف المقصودة ، والغايات المنشودة ؛ لإعادة بناء الأمة المسلمة وتصحيح مسارها . 
والخلاصة أننا بحاجةٍ ماسةٍ إلى عملية التوجيه الإسلامي للعلوم والمعارف حتى تتمكن الأمة بذلك من العودة إلى ذاتها ، وبناء هويتها المميزة التي تُمكنها من الانطلاق مرةً أخرى إلى بناء حضارة الأمة المسلمة التي وصفها الله سبحانه وتعالى بأنها خير أُمةٍ أُخرجت للناس . والله نسأل أن يوفقنا جميعاً لما فيه الخير والسداد ، والهداية والرشاد والحمد لله رب العباد .




المرجع : http://www.saaid.org/Doat/arrad/15.htm


04‏/03‏/2014

أقوال السف في الصدق :


- قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه حينما بويع للخلافة: "أيها الناس، إني قد وليت عليكم، ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوِّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة" (رواه الطبري في (التاريخ) [3/210]، وابن الأثير في (الكامل) [2/192]).
- وقال عمر: "لا يجد عبد حقيقة الإيمان حتى يدع المراء وهو محقٌّ، ويدع الكذب في المزاح، وهو يرى أنَّه لو شاء لغلب" ((روضة العقلاء) لابن حبان. ص [55]).
- وعن عبد الله بن عمرو قال: "ذر ما لست منه في شيء، ولا تنطق فيما لا يعنيك، واخزن لسانك كما تخزن دراهمك (رواه البيهقي في (الشعب) [7/66] [4653]، وابن حبان (روضة العقلاء) [55]). 
- وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} [البقرة من الآية:42] أي لا تخلطوا الصدق بالكذب (رواه الطبري في (تفسيره) [1/568]).

- وعن إسماعيل بن عبيد الله قال: "كان عبد الملك بن مروان يأمرني أن أُجنِّب بنيه السمن، وكان يأمرني أن لا أطعم طعامًا حتى يخرجوا إلى البراز -البراز: المكان الفضاء من الأرض البعيد الواسع. انظر: (لسان العرب) لابن منظور [5/309])- وكان يقول: علِّم بنيَّ الصدق كما تعلمهم القرآن، وجنبهم الكذب، وإن فيه كذا وكذا يعني القتل" ((روضة العقلاء) لأبي حاتم البستي. ص [51]). 
- وقال ميمون بن ميمون: "من عُرف بالصدق جاز كذبه، ومن عرف بالكذب لم يجز صدقه" ((عيون الأخبار) لابن قتيبة [2/27]).

- وقال الفضيل بن عياض: "ما من مضغة أحب إلى الله من لسان صدوق، وما من مضغة أبغض إلى الله من لسان كذوب" ((روضة العقلاء) لأبي حاتم البستي. ص [52]).

- وقالوا: "من شرف الصدق أن صاحبه يصدق على عدوه" ((عيون الأخبار) لابن قتيبة [2/26]). 
- وقال الأحنف لابنه: "يا بني، يكفيك من شرف الصدق، أنَّ الصادق يُقبل قوله في عدوه، ومن دناءة الكذب، أن الكاذب لا يُقبل قوله في صديقه ولا عدوه، لكلِّ شيء حِليةٌ، وحليةٌ المنطق الصدق؛ يدلُّ على اعتدال وزن العقل" ((نهاية الأرب في فنون الأدب) للنويري [3/224]).

- وقال إبراهيم الخواص: "الصادق لا تراه إلا في فرض يؤديه، أو فضل يعمل فيه" ((مدارج السالكين) لابن القيم [3/20]).

- وقيل: ثلاث لا تخطئ الصادق: الحلاوة والملاحة والهيبة" ((مدارج السالكين) لابن القيم [3/20]).

- وقال أبو حاتم: "الصدق يرفع المرء في الدارين كما أنَّ الكذب يهوي به في الحالين، ولو لم يكن الصدق خصلة تحمد؛ إلا أنَّ المرء إذا عرف به قُبل كذبه، وصار صدقًا عند من يسمعه؛ لكان الواجب على العاقل أن يبلغ مجهوده في رياضة لسانه حتى يستقيم له على الصدق، ومجانبة الكذب، والعيُّ في بعض الأوقات خير من النطق؛ لأنَّ كلَّ كلام أخطأ صاحبه موضعه، فالعيُّ خير منه" ((روضة العقلاء) ص [54]). 
- وقال الجنيد: حقيقة الصدق: أن تصدق في موطن لا ينجيك منه إلا الكذب" ((مدارج السالكين) لابن القيم [3/20]).

- وقال القيني: "أصدق في صغار ما يضرني، لأصدق في كبار ما ينفعني" ((عيون الأخبار) لابن قتيبة [2/28]).

- وقال بعض البلغاء: "الصادق مصان جليل، والكاذب مهان ذليل). وقال بعض الأدباء: (لا سيف كالحق، ولا عون كالصدق ((أدب الدنيا والدين) للماوردي. ص[270]).

- وقال بعضهم: "من لم يؤدِّ الفرض الدائم لم يقبل منه الفرض المؤقت، قيل: وما الفرض الدائم؟ قال: الصدق وقيل: من طلب الله بالصدق أعطاه مرآة يبصر فيها الحق والباطل، وقيل: عليك بالصدق حيث تخاف أنه يضرك؛ فإنه ينفعك، ودع الكذب حيث ترى أنه ينفعك؛ فإنه يضرك، وقيل: ما أملق -أملق الرجل، فهو مملق إذا افتقر. ((لسان العرب) [10/ 348])- تاجر صدوق" ((مدارج السالكين) لابن القيم [3/22]).

- وروي أن بلالًا لم يكذب منذ أسلم، فبلغ ذلك بعض من يحسده، فقال: اليوم أكذبه فسايره، فقال له: يا بلال ما سنُّ فرسك؟ قال عظم، قال: فما جريه؟ قال: يحضر -الحضر: ارتفاع الفرس في عدوه. ((القاموس المحيط) ص [376])- ما استطاع. قال: فأين تنزل؟ قال: حيث أضع قدمي. قال: ابن من أنت؟ قال ابن أبي وأمي. قال: فكم أَتى عليك؟ قال: ليالٍ وأيامٌ، الله أعلم بعدها. قال: هيهات، أعيت فيك حيلتي، ما أتعب بعد اليوم أبدًا" ((نهاية الأرب في فنون الأدب) للنويري [3/225]).

06‏/01‏/2014

العنوسة في الدول العربية تشكل الخطر الأعظم

ملايين من الفتيات العربيات تجاوز عمرهن سن الثلاثين ولم يدخلن عش الزوجية بعد، وهو ما يعني أن ملايين من الشباب أيضًا تجاوز سن الثلاثين، وهو عازف عن الزواج أو غير قادر على تكاليفه.

الخطير في مشكلة العنوسة إذا ما أضفنا لها نسبة المطلقات والأرامل مع ضغط الغريزة الفطرية، في ظل ضعف الوازع الديني للأسف، أن هذا كله يشكل أرضًا خصبة لانتشار أفكار وسلوكيات تدعو إلى الفاحشة، وتشرع للرذيلة والإباحية، وخاصة في ظل توافر وسائل الاتصال الاجتماعي، الأمر الذي ينتج عنه تهديد منظومة القيم بالمجتمع، وانتشار علاقات غير شرعية، وتفشي ظواهر غريبة عن مجتمعنا، كالزواج السري، وهروب الفتيات، مما ينذر المجتمع كله بكوارث أخلاقية قد لا ينجو منها بيت.

صحيح أن مشكلة العنوسة باتت من المشكلات العالمية، إلا أن أغلب هذه الدول وخاصة المجتمع الغربي تعاطت معها بأسلوب يتسم بقصر النظر، منفلت من كل ضابط، أسفر عن ملايين من الأمهات العازبات، وملايين من الأطفال الذين ولدوا من أصدقاء لا من آباء شرعيين، وهو ما سيجر مصائب وكوارث على البشرية، لا يمكن أن تقبل بها مجتمعاتنا المسلمة بأي حال.

لكن العجب كل العجب حين يكون لدى المجتمعات المسلمة حلول ربانية كاملة، وقيم إسلامية صحيحة توصي بتزويج من نرضى دينه وخلقه، وتؤكد على عدم المغالاة في المهور، والبعد عن التفاخر بالعصبيات، واجتناب الإسراف في إقامة الأعراس المكلفة، والمغالاة في شراء الذهب وغير ذلك من مظاهر البذخ والترف. ومع ذلك يكون من بين المسلمين من يفعل ذلك كله، ومنهم يتشدد في مسائل النسب والقبيلة لدرجة تقف عائقا يعطل الفتاة عن الزواج مدى حياتها، ومنهم من يرفض تزويج ابنته طمعًا في راتبها الشهري، ومن بينهم كذلك من يقدم الأعراف والعادات التي لا تمت للإسلام بصلة، وفي كل هذا مؤشر يعبر عن مدى قرب قيمنا وأعرافنا عن قيم الإسلام الصحيحة.

لقد تباطأنا كثيرًا في الأخذ بالعلاج الإسلامي، حتى تفاقمت هذه المشكلة إلى حد ينذر بالخطر، وعلى الرغم مما تقوم به بعض الجمعيات الخيرية من مساع حميدة كفكرة حفلة الزواج الجماعي التي انطلقت في عدد من البلدان العربية؛ لتوفير مصروفات حفلة مستقلة لكل زوجين، إلا أن هذه الجهود وحدها لا تكفي لمواجهة مشكلة خطيرة بهذا الحجم، إذ يجب أن تضع الحكومات العربية هذه القضية ضمن الأولويات التي تسعى لمعالجتها من خلال مواجهة مشكلة البطالة، وارتفاع الأسعار وإحداث ثورة معرفية كبرى لترقية الوعي المجتمعي ونشر قيم الإسلام وفضائله.

لقد أضحت ظاهرة العنوسة والمطلقات والأرامل مشكلة أمن قومي عربي، إن لم تتضافر الحكومات المخلصة لمواجهتها، فإن القيم والأخلاق والهوية باتت مهددة بشكل غير مسبوق عن أي وقت مضى.