مدونة المعارف

‏إظهار الرسائل ذات التسميات فقه الدعوة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات فقه الدعوة. إظهار كافة الرسائل

27‏/09‏/2016

شرح حديث (اتق الله حيثما كنت)


عن أبي ذر ومعاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن) رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

هذا الحديث أصل عظيم جامع في باب الوصايا والإرشاد وقد أوصى فيه النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث وصايا. وفيه مسائل:

الأولى:
 في الحديث الوصية بالتقوى وهي وصية عظيمة جامعة لحقوق الله وحقوق الخلق. والتقوى وصية الله للأولين والآخرين قال تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ). وقال تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ). والمعنى اتقوا سخطه وغضبه وهو أعظم ما يتقى. وقال تعالى: (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ). وحقيقة التقوى: أن يجعل العبد بينه وبين من يخافه ويحذره وقاية تقيه منه فتقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين غضب الله وسخطه وقاية من الأقوال والأفعال تقيه من ذلك. ويدخل في التقوى الكاملة فعل الواجبات وترك المحرمات والشبهات وفعل المندوبات وترك المكروهات وذلك أعلى درجات التقوى. قال طلق بن حبيب: (التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله). وقال عمر بن عبد العزيز: (ليس تقوى الله بصيام النهار ولا بقيام الليل والتخليط فيما بين ذلك ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله وأداء ما افترض الله فمن رزق بعد ذلك خيرا فهو خير إلى خير). وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميرا على سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيرا. وكان يكثر من وصيته لأمته في المجامع العامة والمناسبات الخاصة. ولم يزل السلف يتواصون بها. كان أبوبكر رضي الله عنه يقول في خطبته: (أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله وأن تثنوا عليه بما هو أهله وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة وتجمعوا الإلحاف بالمسألة فإن الله أثنى على زكريا وعلى أهل بيته فقال: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ).
الثانية:
 كمال التقوى وتمامها أن يذر العبد ما لا ريب فيه خشية الوقوع مما به ريب فيجعل شيئا من المباح حما وسياجا للحرام. قال أبو الدرداء: (تمام التقوى أن يتقي الله العبد حتى يتقيه مثقال ذرة حتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما يكون حجابا بينه وبين الحرام). وقال الحسن: (ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرا من الحلال خشية الحرام). وفي الحديث: (لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا باس به حذرا مما به بأس). وهذا يشمل سائر أبواب الدين باب الأموال والفروج ومعاملة الخلق والولايات والاتباع والابتداع وغير ذلك من الأمور. ومن أعظم ما يعين على ذلك طلب العلم والتفقه في الدين لأن أصل التقوى أن يعلم ما يتقى ثم يتقي ولذلك فإن كثيرا من العامة يجترحون الكبائر ويقعون في المعاملات المشكلة ثم بعد ذلك يسألون ويستفتون أهل العلم.
الثالثة:
 قوله صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت). مراده في السر والعلانية حيث يراه الناس وحيث لا يرونه وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: (أسألك خشيتك في الغيب والشهادة). رواه النسائي. ويروى في البزار أنه قال لمعاذ: (استحيي من الله استحياء رجل ذي هيبة من أهلك). وهذا هو السبب الموجب لخشية الله في السر فإن من علم أن الله يراه حيث كان وأنه مطلع على باطنه وظاهره وسره وعلانيته استحضر ذلك في خلواته وأوجب له ذلك ترك المعاصي في السر. قال بعض السلف لأصحابه: (زهدنا الله وإياكم في الحرام بزهد من قدر عليه في الخلوة فعلم أن الله يراه فتركه من خشيته). وقال الشافعي: (أعز الأشياء ثلاثة الجود من قلة والورع في خلوة وكلمة الحق عند من يرجى ويخاف). وكان الإمام أحمد ينشد:
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل --- خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة --- ولا أن ما يخفى عليه يغيب
وتقوى الله في السر علامة على كمال الإيمان وله تأثير عظيم في انشراح الصدر ونور الوجه وراحة البال وإلقاء الله لصاحبه الثناء والمحبة في قلوب المؤمنين. قال ابن مسعود: (ما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله ردائها علانية إن خيرا فخير وإن شرا فشر). وقال سليمان التيمي: (إن الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مذلته). فالسعيد من أصلح ما بينه وبين الله فإن من فعل ذلك أصلح الله ما بينه وبين الناس وألقى محبته وثناءه على لسان الخلق وجعل له القبول في الأرض. والشقي من أفسد ما بينه وبين الله ومن فعل ذلك أفسد الله ما بينه وبين الناس وألقى بغضه وذمه على لسان الخلق وجعل له الجفاء في الأرض.

الرابعة:
 لما كان العبد قد يقع منه أحيانا تفريط في التقوى وتقصير في طاعة الله أو انتهاك ما حرم الله لطبعه وغفلته وغلبة الشيطان شرع الله له وأمره فعل ما يمحو هذه السيئات بفعل الحسنات كما قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ). وفي الصحيحين عن ابن مسعود أن رجلا أصاب من امرأة قبلة ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلت هذه الآية فدعاه فقرأها عليه فقال رجل هذه له خاصة قال بل للناس عامة). وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أذنب عبد ذنبا فقال ربي إني عملت ذنبا فاغفر لي فقال الله علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب قد غفرت لعبدي ثم أذنب ذنبا آخر ..إلى أن قال في الرابعة فليعمل ما شاء). يعني ما دام على هذه الحال كلما أذنب استغفر والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا. وقد أخبر الله أن المتقين قد تقع منهم أحيانا الكبائر وهي الفواحش والصغائر وهي ظلم النفس لكنهم لا يصرون عليها بل يذكرون الله عقب معصيتهم ويستغفرونه ويتوبون إليه وتوبتهم هي ترك الإصرار وقد قال الله عز وجل في معرض الثناء عليهم: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ). يعني ذكروا عظمته وشدة بطشه وعذابه فاستغفروا من ذنوبهم ولم يستمروا على فعل المعصية.
وقوله: (أتبع الحسنة السيئة تمحها). ما المراد بالحسنة. فيها قولان:
الأول- يراد بالحسنة هنا التوبة وقد ورد ذلك صريحا في حديث مرسل. وقد ورد هذا المعنى كثيرا في كتاب الله. وظاهر هذه النصوص تدل على أن من تاب إلى الله توبة نصوحا واجتمعت شروط التوبة في حقه فإنه يقطع بقبول توبته كما يقطع بقبول إسلام الكافر وهذا قول جمهور العلماء وهو الصحيح.
الثاني- يراد بالحسنة مطلق العمل الصالح ما هو أعم من التوبة. وقد دلت على ذلك الآيات والأحاديث المتظافرة. والصحيح أن الحسنة في الحديث تشمل كلا القولين فهي تعم كل عمل صالح يكفر الخطايا والتوبة داخلة في ذلك.

الخامسة:
 للخطايا مكفرات دلت النصوص الشرعية على كثرتها وتنوعها ومن ذلك:(1) الوضوء: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره). رواه مسلم.(2) الصلاة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء قالوا لا يبقى من درنه شيء قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهم الخطايا). متفق عليه.(3) (4)المشي إلى الصلاة وانتظارها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات قالوا بلى يا رسول الله قال إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطى إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط).(5) الصوم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه). متفق عليه. وقد ثبت أن صوم يوم عاشوراء وعرفة يكفران الذنوب في الماضي والحاضر.(6) القيام: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه). متفق عليه.(7) العمرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة). رواه مسلم.(8) الحج: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدنه أمه). متفق عليه.(9) الصدقة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار). رواه الترمذي.(10) الذكر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر). متفق عليه.(11) الصبر على المصائب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه). رواه البخاري.
السادسة: 
اختلف العلماء: هل تكفر الأعمال الصالحة الكبائر والصغائر أم لا تكفر سوى الصغائر فقال بعضهم تكفر الكبائر والصغائر وهو قول ضعيف لا يلتفت إليه. وذهب أكثر العلماء إلى أنها لا تكفر سوى الصغائر أما الكبائر فلا بد لها من توبة خاصة لأن الله أمر العباد بالتوبة وجعل من لم يتب ظالما ولأن الشارع رتب كفارات وحدود لبعض الكبائر ولو كانت مجرد الأعمال الصالحة تكفرها لما شرع ذلك ولقول الله تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا). ويفسر الآية قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر). متفق عليه. وهذا القول هو الصحيح إن شاء الله لكثرة الأدلة عليه وموافقته لقواعد الشرع ومقاصده ولو كانت الكبائر تكفر بفعل الفرائض لم يبق لأحد ذنب يدخل به النار إذا أتى بالفرائض وهذا يشبه قول المرجئة وهو باطل. فعلى المسلم المتلطخ بالكبائر أن لا يغتر بعمله الصالح ويوقن أن هذه الكبائر تتقحم به النار في الآخرة ما لم يتب منها ويقلع عنها في الدنيا وليعلم أن الموقف خطير بين يدي الرب الجليل.
السابعة:
 الخلق الحسن من خصال التقوى ولا تتم التقوى إلا به وإنما أفرده النبي صلى الله عليه وسلم بالذكر للحاجة إلى بيانه فإن كثيرا من الناس يظن أن التقوى هي القيام بحق الله دون حقوق عباده لذلك يقصر كثير من الصالحين في حقوق الخلق أو يهملونها بالكلية لاشتغالهم بحقوق الله فجمع النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ في وصيته بين حق الله وحق عباده. وقد تكاثرت النصوص على فضل حسن الخلق والأمر به كما قال تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً). وقال تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاس). وجماع حسن الخلق بذل الندى وكف الأذى كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (البر حسن الخلق). رواه مسلم. وقال ابن المبارك: (هو بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى). وقال الشعبي: (حسن الخلق البذل والعطية والبشر الحسن). ولحسن الخلق أنواع كثيرة تعود إلى معناه منها: التواضع والجود والحلم والأناة والرفق والوفاء والصدق والنصيحة وأداء الأمانة والستر والإصلاح والرحمة وبر الوالدين والصلة والشجاعة والإيثار والعفو والبشر وطيب الكلام والعدل. ولحسن الخلق فوائد جمة ومزايا عظيمة: دخول الجنة وتثقيل ميزان العبد وكمال الإيمان وقرب المجلس من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة وبلوغ منزلة رفيعة في الدين وزيادة العمر وبسط الرزق وكشف الكرب واندفاع النقم وكسب محبة الخلق في الدنيا. 
الثامنة:
 كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا ما ترك خيرا إلا تمثل به وما ترك سوءا إلا هجره وكان قدوة حسنة في جميع أبواب الخير وخصال الإيمان كما قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). وقال أنس (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا) متفق عليه. وقد أثنى عليه الله سبحانه بقوله ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ). وكان يتمثل أخلاق القرآن الفاضلة كما قالت عائشة واصفة خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان خلقه القرآن). وكان كلامه وألفاظه من أطيب الكلام كما قال عبد الله بن عمرو بن العاص: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا) متفق عليه. وكان رفيقا بأهله وولده كما قال صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي). رواه الترمذي. وكان رفيقا بخادمه كما قال أنس: (خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين والله ما قال لي أفا قط ولا قال لي لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا). رواه مسلم. وكان حليما بأصحابه وكان متواضعا غاية التواضع وكان زاهدا في حطام الدنيا لا ينازع الناس في دنياهم وحظوظهم وكان متفانيا في هداية الخلق لربهم وكان رفيقا عادلا مع الكفار وكان رفيقا في إرشاد الجاهل والفاسق والتائب إلا إذا اقتضت المصلحة في التعنيف عنف وكان لا يغضب لنفسه فإذا انتهكت محارم الله غضب لله ونصرة لدينه والحاصل أن الله حباه وجبله ووفقه لمكارم الأخلاق ومحاسن الصفات فينبغي للمسلمين أن يتخذوا حياته وشمائله وفضائله مدرسة وقدوة حسنة للتربية على حسن الخلق ونشرها في الأجيال والمراكز التعليمية والدورات التدريبية. فأسأل الله أن يرزقنا الإخلاص في محبته واتباعه في هديه ظاهرا وباطنا ونصرة دينه والاجتهاد في نشر سنته.

13‏/06‏/2016

ذالك تأويل ما لم تستطيع عليه صبرا

{ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا} [سورة الكهف، الآية: 82]:
 
ثلاثة أمور لا يصبر عليها أكثر الناس ولا يتحملونها:
(1) الفشل في مشروع تحمّسوا له. 
(2) فقد حبيب تعلقوا به. 
(3) انتظار رزق خرق السفينة وقتل الغلام وحبس كنز اليتيميـن .. هي رحمـة من ربك وهي قصص تمثل ثلاثة أمور لابد أن تصادفنا في الحياة.
 
خرق السفينة: 
يمثل فشل مشروعك؛ قد يكون العيب الذي يحصل في حياتك هو سر نجاحك، ونجاتك في أمر قد يدمر نجاحك {وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [سورة الكهف، الآية: 79]!
 
قتل الغلام:
يمثل فقد ما نحب؛ قد يكون فقدك لما تحب هو رحمـة لك. قال تعالى: {فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} [سورة الكهف، الآية: 80] وبموته تحققت 3 رحمات:
(1) رحمة للغـلام - دخوله للجنة بلا ذنب.
(2) رحمة لوالديه - إبدالهما بخير في البر بهما.
(3) رحمة للمجتمع - من الطغيان والظلم.
 
حبس كنز اليتيمين:
يمثل تأخر رزقك؛ قد يكون تأخر الوظيفـة /الزواج / الأطفال في حياتك خير لك ورحمة {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبلُغَا أَشُدَّهُمَا} [سورة الكهف، الآية: 82] فقد كان اليتيمان عرضـة للأطماع وكانا في ضَعف عن تـدبـر أموالهما.
 
هي قصص تمثل 3 محاور رئيسة مـن قصـص حياتنا اليومية أراد الله أن يبين لنا بها أن الأصل في أمورنا كلها هي الرحمـة فلا نحزن على الظاهر وننسى الرحمات المبطنـة فيها من الله تعالى كل ذلك تجده في سورة الكهف التي جاء الأثر بفضيلة قراءتها يوم الجمعة.

20‏/04‏/2014

كن جبلا والحكاية كاملة للشيخ العريفي حفظه الله



في بداية سلوكي في طريق الدعوة.. دعيت لإلقاء محاضرة في إحدى القرى..
استقبلني المسئول عن الدعوة هناك.. ركبت سيارته.. كانت قديمة متهالكة.. تحدثت معه.. أخبرني أنه حديث عهد بزواج..
ثم اشتكى إليَّ من غلاء المهور في قريتهم.. حتى إنه لم يستطع أن يشتري سيارة جديدة.. أو على الأقل أحسن من سيارته..
دعوت له بالتوفيق.. ثم دخلت وألقيت المحاضرة.. وفي آخرها.. قرئت عليَّ الأسئلة.. وكان من بينها سؤال عن غلاء المهور..
ففرحت به وقلت : جاءك يا مهنا ما تتمنا!!

وانطلقت أتكلم عن غلاء المهور وتأثيره على الشباب والفتيات..
ثم ذكرت إن رسول الله عليه السلام ما زوج بناته بأكثر من خمسمائة درهم.. ثم رفعت صوتي قائلاً : يعني بناتكم أحسن من بنات النبي عليه السلام ؟!!

فصرخ رجل مُسن من طرف الصف قائلاً : إيش فيهم بناتنا ؟ فثار آخر وقال : يتكلم على بناتنا!! ونهض الثالث جاثياً على ركبتيه وقال : أوووه تتكلم على بناتنا ؟!

كنت في حال لا أحسد عليه.. وكنت في أوائل طريق الدعوة.. وحديث التخرج من الجامعة..

بقيت ساكتاً لم أنبس ببنت شفة.. نظرت إلى الأول لما تكلم وتبسمت.. فلما تكلم الثاني.. نظرت إليه أيضاً وتبسمت.. وكذلك الثالث..

كان بعض الشباب في آخر المسجد يتضاحكون.. وبعضهم قاموا وقوفاً ينظرون.. وكأني بهم يقولون : وقف حمار الشيخ في العقبة!!

لما رأوا هدوئي.. هدؤوا.. ثم قام أحدهم وقال : يا جماعة.. خلوا الشيخ يوضح قصده..

فسكتوا.. فشكرت له عمله.. ثم اعتذرت وأثنيت عليهم – وعلى بناتهم - ووضحت مرادي..

عند تعاملك مع الناس.. أنت في الحقيقة تصنع شخصيتك.. وتبني في عقولهم تصورات عنك.. يبنون على أساسها أساليب تعاملهم معك..

واحترامهم لك.. تأكد أن الأشجار الثابتة لا تقتلعها الرياح.. مهما اشتدت.. وإنما النصر صبر ساعة..

كلما زاد عقلك.. قل جهلك.. وإذا زاد قدرك.. قل غضبك..

كالبحر لا يحركه أي شيء.. ويا جبل ما تهزك ريح..

بل إنك لو استثارك شخص ما.. في مجلس.. أو بيت.. أو قناة فضائية.. أو محاضرة عامة..

فإنك إذا بقيت هادئاً لم تغضب ولم تثر.. مال الناس معك ضده..

كان أبو سفيان بن حرب مقبلاً بقافلة تجارة من الشام.. فخرج إليهم المسلمون لقتالهم..

ففر أبو سفيان بالقافلة.. وأرسل إلى قريش فخرجت بجيش عرمرم..

ووقعت معركة بدر بين المسلمين وقريش.. وانتصر المسلمون..

قتل من كفار قريش سبعون.. وأُسِر منهم سبعون..

رجع من تبقى من جيش قريش.. وهم جرحى.. وجوعى..

ثم وصل أبو سفيان بقافلته إلى مكة..

فمشى عبد الله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان ابن أمية..

في رجال من قريش ممن أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم يوم بدر..

فكلموا أبا سفيان ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة..

فقالوا : يا معشر قريش.. إن محمداً قد وتركم وقتل خياركم.. فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا ندرك منه ثأراً.. ففعلوا..

وقد قال الله فيهم : " إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون " .

فخرجت قريش.. بحدها وحديدها.. وجدها وأحابيشها..

وخرج معها من تابعها من بني كنانة وأهل تهامة.. وخرجوا معهم بالنساء لئلا يفر الرجال من القتال..

فخرج أبو سفيان بزوجته هند بنت عتبة..

وخرج عكرمة بن أبي جهل بزوجته أم حكيم بنت الحارث..

وخرج الحارث بن هشام بفاطمة بنت الوليد بن المغيرة..

فأقبل الكفار.. حتى نزلوا على شفير الوادي مقابل المدينة..

فلما سمع بهم رسول الله عليه السلام.. استشار أصحابه.. ما رأيكم ؟‍

نبقى في المدينة فإذا دخلوها علينا..

فقال له ناس لم يكونوا شهدوا بدراً : نخرج يا رسول الله إليهم نقاتلهم بـ "أحد"

ورجوا أن يصيبهم من الفضيلة ما أصاب أهل بدر..

فما زالوا برسول الله عليه السلام حتى لبس أداة الحرب..

ثم ندموا.. وقالوا : يا رسول الله أقم.. فالرأي رأيك..

فقال لهم : ما ينبغي لنبي أن يضع أداته بعد ما لبسها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه..

فلما نزل أبو سفيان والمشركون بأصل أحد فرح المسلمون الذين لم يشهدوا بدراً بقدوم العدو عليهم..

وقالوا : قد ساق الله علينا أمنيتنا..

ثم قال النبي عليه السلام لأصحابه :

"من رجل يخرج بنا على القوم من كثب -أي من قريب- من طريق لا يمر بنا عليهم" ؟

فقال رجل من بني حارثة بن الحارث اسمه أبو خيثمة :

أنا يا رسول الله..

فسلك به في أرض بني حارثة وبين أموالهم ومزارعهم..

حتى سلك به في مال لرجل اسمه : مربع ابن قيظي..

وكان رجلاً منافقاً ضرير البصر..

فلما سمع حِسّ رسول الله.. ومن معه من المسلمين..

قام يحثي في وجوههم التراب.. ويقول : إن كنت رسول الله فإني لا أحل لك أن تدخل في حائطي..

ثم أخذ الخبيث حفنة من التراب في يده.. ثم قال :

والله لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك..

فابتدره القوم..

فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

"لا تقتلوه.. فهذا الأعمى.. أعمى القلب.. أعمى البصر.. "

ومضى رسول الله.. ولم يلتفت إلى ذلك المنافق..
نعم..
لو كل كلب عوى ألقمته حجراً لأصبح الصخر مثقالاً بدينار

والكلاب تنبح.. والقافلة تسييييير..

نقلا من : http://arefe.ws/ar/index.php  
com=articles&do=details&id=36

05‏/03‏/2014

طلب العلم :


إن طلب العلم لا غنى عنه لأي شاب يريد عبادة ربه تبارك وتعالى والاستقامة على دينه ، فضلاً عمن يريد الدعوة لدين الله.
ولقد كان شباب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم يدركون أهمية العلم وفضله، بل وضرورته، ولذا حفظت لنا سيرهم المواقف العديدة من حرصهم على العلم وعنايتهم به، وهي مواقف يصعب استقصاؤها، لكني أشير إلى أهم ما وقفت عليه من خلال المظاهر الآتية:

المبادرة والحرص على التعلم والسماع :
فها هو أحد شباب الصحابة وهو عبد الله بن الحارث - رضي الله عنه - يقول: أنا أول من سمع النبي صلى الله عليه وسلّم يقول: "لا يبول أحدكم مستقبل القبلة" وأنا أول من حدث الناس بذلك. [رواه أحمد 17717، 17718].
إنها صورة من صور المبادرة في سماع العلم وتبليغه، وهو حين يكون أول سامع وأول مبلغ فلم يكن ذاك في مجتمع غافل بعيد عن العلم والعناية به، بل في مجتمع العلم والعلماء.
وكان عمرو بن سلمة - رضي الله عنه - وهو من صغار الصحابة حريصاً على تلقي العلم، فكان يتلقى الركبان ويسألهم ويستقرئهم حتى فاق قومه أجمع وأهَّله ذلك لإمامتهم، كما سبق قبل قليل في حفظ القرآن.
ويحكي لنا أحدهم وهو عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قرأ في الركعتين قبل الفجر وبعد المغرب بضعاً وعشرين مرة، أو بضع عشرة مرة: (قل يا أيها الكافرون). و (قل هو الله أحد)". [رواه أحمد 2/ 58 5214].
وفي إحدى روايات الحديث يقول: "رأيت رسول الله..".
إن هذا الاستقصاء والحرص دليل على مبلغ العناية بالتعلم، وحين ندرك أن ذلك كان في صلاة النافلة، وفي قراءة سرية نعلم مبلغ الجهد الذي بذله - رضي الله عنهما - في تتبع ذلك.
ولهذا كانوا يحرصون على تتبع أحواله صلى الله عليه وسلّم كما حكى زيد بن خالد - رضي الله عنه - إذ قال: "لأرمقن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلّم الليلة، فصلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة". [رواه مسلم 765].

حفظ العلم :
إن هذا الحرص على التحصيل والتعلم لم يكن شعوراً داخلياً فحسب بل نتج عنه التحصيل والحفظ والإدراك.
وهذه شهادة من عمران بن حصين - رضي الله عنه - في الحفظ لأبي قتادة في حديثه الطويل؛ إذ حدث أحد الرواة عنه وهو عبد الله بن رباح فقال: إني لأحدث هذا الحديث في مسجد الجامع إذ قال عمران بن حصين: انظر أيها الفتى كيف تحدث فإني أحد الركب تلك الليلة قال: قلت فأنت أعلم بالحديث، فقال: ممن أنت؟ قلت: من الأنصار، قال: حدث فأنتم أعلم بحديثكم قال فحدثت القوم فقال عمران: "لقد شهدت تلك الليلة وما شعرت أن أحدا حفظه كما حفظته". [رواه مسلم 681].
والنعمان بن بشير - رضي الله عنه - يذكر عن نفسه أنه حفظ ما لم يحفظه غيره إذ يقول: "أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة - العشاء - ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصليها لسقوط القمر لثالثة - غياب القمر ليلة الثالث من الشهر -". [رواه الترمذي 165، والنسائي 528، وأبو داود 419].

تخصيصه صلى الله عليه وسلّم لهم بالوصية والتعليم :
ومادام هؤلاء بهذا القدر من الحرص على العلم، والإقبال عليه والشغف به فقد عني صلى الله عليه وسلّم بتعليمهم؛ فتحفل السنة النبوية بالعديد من المواقف التعليمية التي يخص فيها صلى الله عليه وسلّم أحداً من هؤلاء بوصية أو موعظة أو تعليم حكمة، ومن ذلك:
تعليمه صلى الله عليه وسلّم لمعاذ - رضي الله عنه - مسألة من أعظم المسائل في التوحيد فيقول - رضي الله عنه -: كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلّم على حمار يقال عفير، فقال: "يا معاذ، هل تدري حق الله على عباده وما حق العباد على الله؟" قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً". [رواه البخاري 2856، ومسلم 30].
ولعظم شأن هذا الحديث لا يجد من صنف أو تحدث في توحيد الله مناصاً من إيراده والاستشهاد به.
ومرة أخرى يعلم صلى الله عليه وسلّم معاذاً - رضي الله عنه - باباً من أبواب الخير فيقول له: "ألا أدلك على باب من أبواب الجنة؟" قال: وما هو؟ قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله". [رواه أحمد 22057].
ويوصي صلى الله عليه وسلّم عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - وصية بالغة عظيمة، يرويها لنا بنفسه فيقول: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم بمنكبي فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل". [رواه البخاري 6416].
ومن ذلك تعليمه صلى الله عليه وسلّم للحسن - رضي الله عنه - دعاء القنوت. فيقول: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلّم كلمات أقولهن في قنوت الوتر: "اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت". [رواه الترمذي 464، والنسائي 1745، وأبو داود 1425، وابن ماجه 1178].
وعلَّمَ البراءَ بن عازب - رضي الله عنه - دعاءً للنوم فقال: "إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به. قال: فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلّم فلما بلغت: اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، قلت: ورسولك، قال: لا، ونبيك الذي أرسلت". [رواه البخاري 247، ومسلم 2710].
وروى شداد بن أوس - رضي الله عنه - حديث سيد الاستغفار: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" قال: "ومن قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة". [رواه البخاري 6306، والحديث يدل على قيمة تلقي العلم عن أهله، فمن كان أستاذه كتابه فخطؤه أكثر من صوابه].
وفي رواية للترمذي أنه صلى الله عليه وسلّم قال له: "ألا أدلك على سيد الاستغفار؟". [رواه الترمذي 3393].
إن كثيراً ممن يقرأ هذه النصوص يدرك منها حرص النبي صلى الله عليه وسلّم على تعليم أصحابه، وهو معنى صحيح بلا شك.
لكنها تدل بالإضافة إلى ذلك على حرص الشباب من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم على التعلم وطلب العلم، فالعلم لا يبذل إلا لمن يريده ويحرص عليه.

كتابة العلم :
وتميز بعضهم بالحرص على كتابة العلم إذ كانت الكتابة وسيلة لحفظه وضبطه، فن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم أحد أكثر حديثاً عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب". [رواه البخاري 113].
ويحدثنا هو - رضي الله عنه - عن ذلك فيقول: "كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلّم أريد حفظه، فنهتني قريش، وقالوا: أتكتب كل شيء تسمعه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا؟ فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ، فأومأ بأصبعه إلى فيه فقال: اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق". [رواه أحمد، وأبو داود 3646، والدارمي 490].

الحرص على السؤال :
ومن صور حرصهم على العلم - رضوان الله عليهم - السؤال، فتحفل السنة النبوية بالعديد من النصوص التي فيها سؤالهم له صلى الله عليه وسلّم عن مسائل من العلم وإجابته لهم صلى الله عليه وسلّم ومن ذلك:
ما يرويه لنا معاذ - رضي الله عنه - قال: "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلّم في سفر فأصبحت يوماً قريباً منه ونحن نسير فقلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني من النار، قال: لقد سألتني عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت".
ولما كان صلى الله عليه وسلّم مدركاً لحرصه - رضي الله عنه - زاده مما لم يسأل عنه - ثم قال: "ألا أدلك على أبواب الخير؟: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل. قال ثم تلا: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ...) حتى بلغ: (... يَعْمَلُونَ). [ السجدة: 16- 17] ثم قال: "ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد. ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت له: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه فقال: كف عليك هذا. فقلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم". [رواه أحمد 22077، والترمذي 2616].
ويسأل أنس بن مالك - رضي الله عنه - النبي صلى الله عليه وسلّم عن الرجل يرقد عن الصلاة أو يغفل عنها، قال: "ليصلها إذا ذكرها". [رواه أحمد 13267].
وحين تواجه أحدَهم واقعةٌ يبادر بالسؤال عن الحكم الشرعي فعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال أتى النبي صلى الله عليه وسلّم فتى شاب من بني سلمة فقال: إني رأيت أرنباً فحذفتها، ولم تكن معي حديدة أذكيها بها، وإني ذكيتها بمروة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلّم: "كل". [رواه أحمد 14499].
وحين تفوت أحدَهم سنة عن النبي صلى الله عليه وسلّم يسأل غيره عنها كما يحكي لنا عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أنه في يوم فتح مكة "دخل صلى الله عليه وسلّم على ناقة لأسامة بن زيد، حتى أناخ بفناء الكعبة، فدعا عثمان بن طلحة بالمفتاح، فجاء به ففتح، فدخل النبي صلى الله عليه وسلّم وأسامة وبلال وعثمان بن طلحة، فأجافوا عليهم الباب ملياً، ثم فتحوه، قال عبد الله - ابن عمر -: فبادرت الناس، فوجدت بلالاً على الباب قائماً، فقلت: أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ؟ قال: بين العمودين المقدمين، قال: ونسيت أن أسأله: كم صلى؟". [رواه أحمد 2/ 33 4890].
ويبلغ السؤال عن مسائل العلم عند بعضهم قدراً من الأهمية يجعله يبادر فيه كما يحكي لنا ابن عمر - رضي الله عنهما - عن نفسه قال: كنت أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلّم وهو يريد أن يدخل حجرته فأخذت بثوبه، فسألته فقال: "إذا أخذت واحداً منهما بالآخر فلا يفارقنك وبينك وبينه بيع". [رواه أحمد 5554].

العلم أهم حوائجهم :
والسؤال عن العلم أولى عند بعضهم من حوائجه الخاصة فحين قدم قوم إلى النبي صلى الله عليه وسلّم ومعهم شاب هو عبد الله بن واقد السعدي وكان أصغرهم سألوه حوائجهم أما هو فكان له شأن آخر، فلنستمع إليه يحدثنا عن حاجته:
وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم في وفد كلنا يطلب حاجته، وكنت آخرهم دخولاً على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله، إني تركت من خلفي وهم يزعمون أن الهجرة قد انقطعت، قال: "لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار".
وفي رواية: "فدخل أصحابي فقضى حاجتهم، وكنت آخرهم دخولاً، فقال: حاجتك".... [رواه أحمد 22387، والنسائي 4172].

الفهم والفقه :
والعلم لا يقف عند مجرد الحفظ والسؤال، بل لابد من الفقه والفهم؛ إذ هو الوسيلة لأن يتحول العلم إلى عمل ويبدو أثره على صاحبه، لذا فقد كان لشباب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم نصيب ورصيد من ذلك، سأل صلى الله عليه وسلّم أصحابه يوماً، فقال: "إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وهي مثل المسلم، حدثوني ما هي؟. فوقع الناس في شجر البادية، ووقع في نفسي أنها النخلة. قال عبد الله: فاستحييت، فقالوا: يا رسول الله، أخبرنا بها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: هي النخلة". [رواه البخاري 131، ومسلم 2811].
وعن علي - رضي الله عنه - قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم سرية واستعمل عليهم رجلاً من الأنصار، قال: فلما خرجوا قال: وجد عليهم في شيء فقال: قال لهم: أليس قد أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن تطيعوني؟ قال: قالوا: بلى، قال: فقال: اجمعوا حطباً ثم دعا بنار فأضرمها فيه، ثم قال: عزمت عليكم لتدخلنها، قال: فهمَّ القوم أن يدخلوها، قال: فقال لهم شاب منهم: إنما فررتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم من النار، فلا تعجلوا حتى تلقوا النبي صلى الله عليه وسلّم فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوا، قال: فرجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فأخبروه فقال لهم: "لو دخلتموها ما خرجتم منها أبداً إنما الطاعة في المعروف". [رواه أحمد 624، وهو في الصحيحين دون موضع الشاهد].
إن هذا الشاب مع فقهه وفهمه - رضي الله عنه - يضرب لنا مثلاً في التأني وعدم التعجل في إصدار الأحكام، وأن تكون مواقف المرء موزونة بميزان الشرع الدقيق، لقد تعارض لديه أمر النبي صلى الله عليه وسلّم بطاعة هذا الأمير، وكونه قد اتبع النبي صلى الله عليه وسلّم فراراً من النار، فلم يقل لا نطيعه، إنما قال: لا تعجلوا حتى تلقوا النبي صلى الله عليه وسلّم فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوا.
فما أجدر طالب العلم أن يتحلى بالاتزان والتأني في إصدار الأحكام، ومراعاة الأمر من جميع جوانبه.
ويناقش أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - أحد أصحابه فيقره صلى الله عليه وسلّم على ما ذهب إليه، فعنه - رضي الله عنه - قال: تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، فقال رجل: هو مسجد قباء، وقال رجل: هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم هو مسجدي، وفي رواية: فقال رجل من بني خدرة.
وقد بينت رواية مسلم أن الرجل من بني خدرة هو أبو سعيد، إذ هو الذي دخل على النبي صلى الله عليه وسلّم فسأله، فعن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: مر بي عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري قال قلت له: كيف سمعت أباك يذكر في المسجد الذي أسس على التقوى؟ قال: قال أبي: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلّم في بيت بعض نسائه فقلت: يا رسول الله أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ قال: فأخذ كفاً من حصباء فضرب به الأرض، ثم قال: "هو مسجدكم هذا" لمسجد المدينة، قال: فقلت: أشهد أني سمعت أباك هكذا يذكره. [رواه مسلم 1398].
إن الفهم والفقه هو الذي يعين على تحول العلم إلى عمل، واستثمار هذا العلم والاستفادة منه، وهو الذي يعين على الانضباط وعدم الجمود على ظاهر نص لم يفهمه المرء ولم يفقهه ومعارضة النصوص الأخرى به.
ولهذا أثنى المعلم الأول صلى الله عليه وسلّم على أولئك الذين يفقهون فعن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً، فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به". [رواه البخاري 79، ومسلم 2282].

شهادته صلى الله عليه وسلّم لهم بالعلم :
ويعطي صلى الله عليه وسلّم شهادة عظيمة - وهو الذي لا ينطق عن الهوى - بأن أعلم هذه الأمة بالحلال والحرام هو أحد شباب الصحابة - رضوان الله عليهم - ألا وهو معاذ بن جبل رضي الله عنه .
وشهادة لآخر من الشبان هو زيد بن ثابت - رضي الله عنه - فيشهد له صلى الله عليه وسلّم أنه أفرض الأمة. يقول صلى الله عليه وسلّم: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح". [رواه الترمذي 3790، وابن ماجه 155].
ومن جوانب عناية هؤلاء بالعلم، وسبقهم في تحصيله أن غالب المكثرين في الرواية هم من الشباب كجابر بن عبد الله، وابن عباس، وأنس، وأبي سعيد الخدري، وعبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - جميعاً.
ولئن كان من أسباب تميز هؤلاء بكثرة الرواية تأخر موتهم فهل هذا وحده هو السبب الأوحد؟. إننا حين ندرك أن الكثير من الصحابة غيرهم تأخر موتهم ومع ذلك لم تبلغ مروياتهم مبلغ هؤلاء، ندرك أن ثمت سبباً آخر يضاف لذلك ألا وهو عناية هؤلاء وحرصهم على السماع منه صلى الله عليه وسلّم أو السماع ممن سمع منه من كبار الصحابة، ويتضح ذلك من خلال سيرتهم وحرصهم على تتبع أحواله صلى الله عليه وسلّم. 


الاجتهاد وتحمل المشاق :
العلم مطلب نفيس لا يستطال ولا يدرك براحة الجسد، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم كانوا من أكثر الناس إدراكاً لهذه الحقيقة، وإليك هذا الشاهد من جلد وصبر حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - كما يروي ذلك بنفسه فيقول:
لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلّم قلت لرجل من الأنصار: هلم نسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم فإنهم اليوم كثير، فقال: واعجباً لك يا ابن عباس! أترى الناس يحتاجون إليك وفي الناس من أصحاب النبي عليه السلام من ترى؟ فترك ذلك وأقبلت على المسألة، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتيه وهو قائل، فأتوسد ردائي على بابه، فتسفي الريح علي التراب، فيخرج فيراني، فيقول: ياابن عم رسول الله، ألا أرسلت إلي فآتيك؟ فأقول: أنا أحق أن آتيك فأسألك، قال: فبقي الرجل حتى رآني وقد اجتمع الناس علي، فقال: هذا الفتى أعقل مني. [رواه الطبراني كما في المجمع 9/ 277، وقال: رجاله رجال الصحيح].

تعلم الإيمان:
عن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه – قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلّم ونحن فتيان حزاورة. [الحَزَوَّر هو الغلام إذا اشتد وقوي وخدم، وهو الذي قارب البلوغ. اللسان 4/ 187]. فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً". [رواه ابن ماجه 61].
فهو يذكر لنا - رضي الله عنه - جانباً مهماً من جوانب التعلم التي قد غفل عنها كثير من طلبة العلم اليوم، فأهملوا تعلم الإيمان ومسائله، وشعروا أن العلم إنما يتمثل في تعلم مسائل الأحكام وحدها، والعناية بجمع آراء الرجال واختلافهم حول مثل هذه المسائل، ونسي أولئك أصل الأصول وأساس الأسس، لذا فلا نعجب حين ندرك هذا الخلل أن نرى عدم التوافق بين ما يحمله بعض الناس من العلم وبين سلوكه وسمته.
ولقد كان السلف - رضوان الله عليهم - يعنون بذلك فها هو ابن مسعود - رضي الله عنه - يقول: "ليس العلم بكثرة الرواية، إنما العلم خشية الله". [جامع بيان العلم وفضله 2/ 52].
ومالك رحمه الله يقول: "العلم والحكمة نور يهدي به الله من يشاء وليس بكثرة المسائل". [جامع بيان العلم وفضله 2/ 52].
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم فشخص ببصره إلى السماء، ثم قال: "هذا أوان يختلس العلم من الناس، حتى لا يقدروا منه على شيء"، فقال زياد بن لبيد الأنصاري: يا رسول الله، وكيف يختلس منا وقد قرأنا القرآن؟ فوالله لنقرأنه ولنقرئه نساءنا وأبناءنا، فقال: "ثكلتك أمك يازياد، إن كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة، هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى فماذا يغني عنهم؟" قال جبير: فلقيت عبادة بن الصامت، قال: قلت: ألا تسمع ما يقول أخوك أبو الدرداء؟ فأخبرته بالذي قال، قال: صدق أبو الدرداء، إن شئت أخبرتك بأول علم يرفع من الناس: الخشوع، يوشك أن تدخل مسجد الجماعة فلا ترى فيه رجلاً خاشعاً. [رواه الدارمي 288]. فهل يعد الخشوع اليوم علماً؟
وقال عبد الأعلى التيمي: "من أوتي من العلم ما لايبكيه لخليق أن لا يكون أوتي علماً ينفعه، لأن الله تعالى نعت العلماء، ثم قرأ القرآن (إن الذين أوتوا العلم... إلى قوله... يبكون). [الإسراء: 107 - 109]". [أخرجه الدارمي 291].
وقيل لسعد بن إبراهيم: "من أفقه أهل المدينة؟ قال: أتقاهم لربه". [أخرجه الدارمي 295].

التأدب في طلب العلم وتوقير أهله : 
إن الطالب قد تسيطر عليه العناية بتحصيل العلم وحرصه عليه فينسى ما رواء ذلك ويقع في سوء الأدب مع من يعلمه.
أما الشباب من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم فلهم مع ذلك شأن آخر فعنايتهم - رضوان الله عليهم - بالسؤال وحرصهم عليه لم تكن لتخرجهم عن حدود الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلّم فها هو أحدهم وهو البراء بن عازب - رضي الله عنه - يقول: "إن كان لتأتي علي السنة أريد أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن شيء فأتهيب منه، وإن كنا لنتمنى الأعراب". [رواه أبو يعلى].
ومن صور ذلك ما سبق من أدب ابن عباس - رضي الله عنهما - وتوسده الباب وامتناعه عن طرقه.
ولهذا عني أهل العلم ببيان آداب طالب العلم مع من يعلمه العلم، فيجدر بالشاب أن يتعلم مثل هذه الآداب ويلزم نفسه بها.

العبادة :
لقد كان شباب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم وهم تلاميذ مدرسة النبوة قدوة لمن بعدهم في العبادة والاجتهاد فيها.
ومما حفظته لنا السير من عبادتهم - رضوان الله عليهم - ما حدث به النعمان ابن بشير - رضي الله عنه - على منبر حمص إذ قال: "قمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليلة ثلاث وعشرين في شهر رمضان إلى ثلث الليل الأول، ثم قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، ثم قام بنا ليلة سبع وعشرين حتى ظننا أن لا ندرك الفلاح، قال: وكنا ندعو السحور الفلاح...". [رواه أحمد 18432].
إن شهود النعمان بن بشير - رضي الله عنه - هذه الصلاة مع ما وصف من حالها وهو صغير ليعطي الشاب المسلم الدافع والعزيمة للتأسي بهم - رضوان الله عليهم - والاجتهاد في عبادة ربه.
ومع شاب آخر من شباب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم وهو عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - فيقول: كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلّم إذا رأى رؤيا قصها على النبي صلى الله عليه وسلّم ، فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على النبي صلى الله عليه وسلّم ، وكنت غلاماً أعزب، وكنت أنام في المسجد على عهد النبي صلى الله عليه وسلّم ، فرأيت في المنام كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا فيها ناس قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، فلقيهما ملك آخر فقال لي: لن تراع، فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على النبي صلى الله عليه وسلّم فقال: "نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي بالليل" قال سالم: فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلاً. [رواه البخاري 3738- 3739].
وعبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - زوجه أبوه امرأة فكان يتعاهدها، فتقول له: نعم الرجل لم يكشف لنا كنفاً ولم يطأ لنا فراشاً - تشير إلى اعتزاله - فاشتكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فكان معه الحوار الطويل حول الصيام وختم القرآن وقيام الليل، وكان مما قاله - رضي الله عنه -: "دعني أستمتع من قوتي ومن شبابي".
وإنكار النبي صلى الله عليه وسلّم عليه ليس منصباً على حرصه على العبادة، إنما لكونه قد حمل نفسه مالا تطيق، ولهذا فلا غنى للشاب عن التوازن وألا يحمل نفسه مالا تطيق، وفي الوقت نفسه ينبغي ألا يكون ذلك حاملاً له على إهمال العبادة وعدم العناية بها.
وكان محمد بن طلحة - رضي الله عنه - يلقب بالسجاد لكثرة صلاته وشدة اجتهاده في العبادة، ولقد وصفه قاتله بذلك حين رفع عليه السيف فقال له محمد: نشدتك بحم، فأنشأ يقول:

وأشعث قوام بآيات ربه قليل الأذى فيما ترى العين مسلم
ضممت إليه بالقناة قميصه فخر صريعاً لليدين وللفم
على غير ذنب أن ليس تابعاً علياً ومن لايتبع الحق يَظْلم
يذكرني حاميم والرمح شاجر فهلا تلا حاميم قبل التقدم.

[أسد الغابة 5/ 93- 94].

وكان عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما - صواماً قواماً كما قال عنه ابن عمر - رضي الله عنهما - "أما والله إن كنت ما علمت صواماً قواماً وصولاً للرحم". [رواه مسلم 2545].

العبادة لا تفارقهم حتى في البيوت :
ولقد عمر أولئك - رضوان الله عليهم - بيوتهم بالعبادة والطاعة، فكانوا أسعد الناس بوصية النبي صلى الله عليه وسلّم: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر". [رواه مسلم 780].
حين سئل نافع رحمه الله عما يفعله ابن عمر - رضي الله عنهما - في منزله قال: لا تطيقونه: الوضوء لكل صلاة، والمصحف فيما بينهما. [رواه ابن سعد، وانظر:. سير أعلام النبلاء 3/ 215].
واليوم يشعر كثير من الشباب الصالحين أن بقاءه في منزله يكون مدعاة للزلل ومواقعة المعصية فلعل مما يعينه على تجاوز هذه المشكلة أن يأخذ بهذا الهدي النبوي فيكون له نصيب من عبادة الله في بيته ليعتاد العبادة وتصبح ديدناً له وشأناً.

وحتى في السفر :
والعبادة عند شباب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم ليست في حال الإقامة فحسب بل حتى في السفر فعن ابن أبي مليكة رحمه الله قال: "صحبت ابن عباس من مكة إلى المدينة، فكان إذا نزل قام شطر الليل، فسأله أيوب كيف كانت قراءته؟ قال: قرأ (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ). [ق: 19] فجعل يرتل ويكثر في ذلك النشيج". [سير أعلام النبلاء 3/ 342].
والأمر في السفر لا يقتصر على الصلاة بل يمتد إلى الصيام إذ يقول حمزة بن عمرو الأسلمي - رضي الله عنه -: يا رسول الله، أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل علي جناح؟ فقال رسول الله: "هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه". [رواه مسلم 1121 وفي رواية للبخاري 1943: "وكان كثير الصيام"]. وفي بعض روايات الحديث "إني رجل كثير الصيام، أفأصوم في السفر؟".
والشاهد من هذا الحديث ليس مجرد الصيام في السفر، إنما هو في عناية هذا الصحابي رضي الله عنه بالصيام، كما توضح ذلك الرواية الأخرى، والصيام من العبادات التي يحتاجها كل مسلم والشباب بالأخص إذ أوصاهم صلى الله عليه وسلّم بذلك في قوله: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء". [رواه البخاري 5065 ومسلم 1400].

الحرص على أعمال الخير:
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة"، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد تعلق نعليه في يده الشمال، فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلّم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلّم مثل مقالته أيضاً، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلّم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت قال: نعم قال: أنس وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله قلت: يا عبد الله، إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر ثم ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول لك ثلاث مرار: "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة" فطلعت أنت الثلاث مرار، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به فلم أرك تعمل كثير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم ؟ فقال: ما هو إلا ما رأيت، قال: فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق". [رواه أحمد 3/ 166].
وسأل أنس - رضي الله عنه - النبي صلى الله عليه وسلّم أن يشفع له، كما يحدثنا هو عن ذلك: سألت النبي صلى الله عليه وسلّم أن يشفع لي يوم القيامة، فقال: "أنا فاعل" قال قلت: يا رسول الله، فأين أطلبك؟ قال: "اطلبني أول ما تطلبني على الصراط"، قال قلت: فإن لم ألقك على الصراط؟ قال: "فاطلبني عند الميزان"، قلت: فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال: "فاطلبني عند الحوض، فإني لا أخطئ هذه الثلاث المواطن". [رواه الترمذي 2433، وأحمد 12831].
واليوم لسنا بحاجة إلى أن نتبع فلاناً لننظر ماذا يفعل، ولن نستطيع أن نسأل النبي صلى الله عليه وسلّم أن يشفع لنا ونسأله أين نلقاه، لكن أبواب الخير وطرقه والأسباب التي يحصل بها المرء بإذن الله على الشفاعة قد بينها لنا صلى الله عليه وسلّم أتم بيان، فلم يبق إلا العمل.
ومن رحمة الله بعبادة أن وسع لهم أبواب التقرب والعبادة من تلاوة وذكر وصيام وصدقة، فيشعر المسلم أن أبواب الخير واسعة، ومجالات الإحسان ليست قاصرة على نوع من أنواع الطاعات.
فعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "أربعون خصلة أعلاهن منيحة العنز ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلا أدخله الله بها الجنة".
قال حسان: "فعددنا ما دون منيحة العنز، من رد السلام، وتشميت العاطس، وإماطة الأذى عن الطريق ونحوه، فما استطعنا أن نبلغ خمس عشرة خصلة". [رواه البخاري 2631].

02‏/03‏/2014

فقه الدعوة الفردية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين نبينا محمد  وعلى ءآله وصحبه أجمعين 
أما بعد : 
إنها لسعادة غامرة حقًا، تلك التي يعيشها قلب الداعية المؤمن حين يطرق سمعه نداء نبي الهدى له من وراء السنين: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير مما طلعت عليه الشمس".
إنها سعادة المستبشر الطامع في ذلك الثواب الجزيل الذي وعد الله جل وعلا به كل عامل نشيط أعطى المجهود من نفسه في دلالة الخلق على ربه، ولمثل هذه السعادة كان أحد الصالحين يقول:"إذا رأيت وجه مريد صادق قد أفلح على يدي شبعت وارتويت واكتسيت كيف خرج مثله من تحت يدي".
أجل، فهذا ريّ الداعية الصادق وذاك شبعه وتلك كسوته، يوم أن يوفقه الله في نقل مسلم من ركب الهوى والضلال، إلى رحاب الإيمان والالتزام، محدثًا بذلك اختلالاً في ميزان القوة بين أولياء الرحمن وحزب الشيطان،
ثم تتوالى الانتشالات تجر من بعدُ اختلالات، حتى يأتي ذلك اليوم الموعود الذي يشفي الله فيه صدور دعاة مؤمنين، فتطيش فيه كفة الباطل المزهوة أمام كفة الحق الراسخ التليد، كان ذلك في يقين الدعاة حتمًا مقضيًا "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ" (الرعد: 17).
ولكن دون هذا الأجر الجزيل وذاك النصر المأمول مفاوز وفلوات لا يجيد شق طريقها، والسير عبر دروبها إلا كل داعية بصير، ذو رأي سديد، وبصر حديد، تستقبل العقول الضمآى كلماته، وتحتضن القلوب الحيرى توجيهاته وتصويباته، القائمة على منهج الرحمة والتيسير، ...مستلهما كل ذلك من توجيه القرآن: "قُُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ" (يوسف:108).
تأتي هذه المقالة في إطار بيان دور الدعوة الفردية، وأسسها وأساليبها، ومراحلها.علَّها تكون خير دليل لمن يسلك هذا الدرب الصعب، أو يرنو إلى اقتحامه، وإنه يسير لمن يسَّره الله عليه.
1-أهمية الدعوة وضرورتها:
حاجة المسلم إلى توجيه أخيه المسلم وإرشاده حاجة لا تنقطع أبداً، وحاجة الأمة إلى تناصح أفرادها وتآزرهم بما يكفل لهم حفظ أمتهم ويستبقيها رفيعة العماد وطيدة الأركان، تُعدُّ أولى الاهتمامات، وأساس الضروريات.
هذا المدخل يفرض علينا طرح سؤال ملحِّ:من يتحمل عبء التبليغ والتوجيه والتعريف بالله ونبيه، وبالدين إجمالاً ؟
الجواب:إنها الأمة الإسلامية، فوظيفتها أن تدعم الخير، وأن تعلي من صوت المعروف، وأن تحمي قواعد الإيمان، وأن تجعل من كيانها موئلاً للفضائل، وأن تكره الآثام وتنكر لفاعليها، وتعقِّب على أخطائهم وخطاياهم بالتفنيد والرد. وظيفة هذه الأمة حراسة وحي السماء وإبقاء مناره عالياً يومض بالإشعاع الهادي كي يهتدي به السائرون في ظلمات البر والبحر: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" (آل عمران: 104)، بل إن هذه الوظيفة هي دلالة الخيرية الواردة في الآية القرآنية: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" (آل عمران 110).
فكما جاء الرسول(ص) من عند الله معلما ومبشراً ونذيراً، وكما أخرج هذه الأمة من العمى إلى الهدى، فعلى أتباعه أن يشيعوا الحق الذي شرفوا به، وأن ينشروا الرسالة التي نزلت بينهم، وأن يكونوا جسراً تعبر عليه الهداية لتعم أرجاء الأرض "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً"(البقرة 143).
لقد فهم السلف الصالح هذه الوظيفة وأدرك أبعادها وجليل آثارها: فهم أن آداء الدعوة واجب، وأن إبلاغ رسالات الله حق، وأن حبس أنوار الإسلام عن التائهين والحيارى جريمة...فهموا كل هذا فانطلقوا ينشرون الخير ويوجِّهون الخلق ويرسمون للحائرين المنهج.

2-تعريف الدعوة الفرديَّة: عبارةٌ عن علاقةٍ موجَّهةٍ بين الداعي والمدعو قائمةٍ على الاحتكاك المباشر والاتصال القويِّ الذي يهدف إلى توجيه فكر المدعوِّ وسلوكه وفق المنهج الإسلاميّ.
فهي لا تحتاج إلى خطيبٍ بارع، ولا إلى عالمٍ فقيه، بل تحتاج إلى مسلمٍ ملتزمٍ بإسلامه فهماً وسلوكاً تمثَّل وصف الله تعالى لنبيِّه(ص): "عزيزٌ عليه ما عنتُّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم" (التوبة 128).
فالدعوة بهذا المفهوم كالمستشفى، تعالج المرضى بالمعاصي لا الأصحاء بالطاعات، فهل يُعقل أن يستقبل المستشفى الأصحاء ويترك المرضى! فالداعي كالطبيب، لا يعقل أن يعطي الدواء لصحيح وبترك مريضاً ؟ أو أن يقاطع الطبيب المريض لأنه مريض ؟!
إن العاصي مريض يتألَّم بالأضرار التي يجنيها من معاصيه (كذب، سرقة، زنا،...) ثم هو لا يجد من يلجأ إليه غير الدعاة، أفيلجأ إلى مريض مثله أو أكثر مرضاً ؟
لو قاطع كل الدعاة من يدعونهم، فمن يدعون إذن ؟وكيف ستصل دعوتهم للناس؟! إن الكل سيشقى-دعاة ومدعوين- لغياب نظام الإسلام في حياتهم.
3-ميزات الدعوة الفردية:
هناك ميزات عدة للدعوة الفردية كما يلي:
1- الدعوة الفردية توجِّه المدعو توجيهاً متكاملاً، فلا تقتصر على جانب واحد وتهمل الباقي، وهذا ما يُعرَف بالشمولية في التربية،فمن خلالها يمكن التنبيه على كثير من الأخطاء التي يقع فيها المدعو.
2- تُحدث الدعوة الفردية صلة بين المدعو والداعية مما يهيئ المدعو للاستجابة، بخلاف الدعوة الجماعية التي لا تواصل فيها في غالب الحالات.
3- بالدعوة الفردية يمكن الرد على كثير من الشبهات التي تُلْقى على مسامع الأفراد، والتي لا يمكن التحدث بها في الدعوة الجماعية.
4 - بالدعوة الفردية يمكن إيصال الحق إلى الذين نفروا- أو نُفِّرُوا- عن سماعه وعن مجالسة الدعاة.
5- الدعوة الفردية لا تحتاج إلى غزارة علم بقدر ما تحتاج إلى حكمة في الدعوة، فالطالب في مدرسته، والموظف في مكتبه، والعامل في مصنعه، وهكذا يمكن القيام بها في أي مكان وفي أي وقت، فهي تتميَّز بالحرية المطلقة في كل الحالات والظروف.
6- تُكسب الداعية خبرة ومعرفة بأحوال الناس، وتكسر الحاجز الوهمي الذي تضعه بين الناس.
7 - تتيح للداعية أن يطبق ما تعلمه من مفاهيم؛ كالصبر، والتضحية، وهي في نفس الوقت عملية بناء لشخصيته الاجتماعية.

03‏/01‏/2014

الحوار مع المخالفين بقلم/ محمد بن عبد السلام الأنصاري


لقد كان من سنن الله الكونية وجود الاختلاف بين الناس؛ وتباين عقائدهم ونحلهم؛ وتفرق آرائهم وأهوائهم؛ وهو مصداق قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ... ﴾ [هود: 118، 119].

وهذا الاختلاف الكوني واقع لا محالة؛ وهو من الابتلاء والتمحيص الذي بلي به بنو آدم بعضهم من بعض.

وقد أمر الله عز وجل المؤمنين الذين هم حملة الحق ومشاعل الهدى بدعوة غيرهم إلى الهدى ودين الحق الذين يحملونه؛ وكان أول المأمورين بذلك هم صفوة البشر من الرسل والأنبياء؛ كما قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ... ﴾ [النحل: 125]. والخطاب إليهم خطاب للمؤمنين بالتبع.

وإن من أوائل طرق تبليغ الدعوة وأساليبها: أسلوب الحوار؛ فهو من أنجع الوسائل؛ ومن أقرب الطرق للوصول إلى المدعو، حيث تزاح الحواجب، وتقل الوسائط بين المرسل والمتلقي.


وللحوار أهمية بالغة في الدعوة إلى الله تعالى، ويبين تلك الأهمية الحوارات التي جرت بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وبين أممهم، ومن أمثلة ذلك:


الحوار الذي جرى بين إبراهيم عليه الصلاة والسلام وبين قومه عبدة الكواكب؛ حيث توصل بمحاورتهم إلى إبطال عقائدهم الفاسدة، وقد سجل القرآن ذلك الحوار كما في قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾[الأنعام: 74-81].


وفي موقف آخر لحوار الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأبيه وقومه يعرض القرآن ذلك الحوار بأبهى حلة في دلالة واضحة لمكانة الحوار في الدعوة إلى الله تعالى ومكانته في إثبات الحجة وقطع ما يتشبث به المشركون؛ حيث ذكر تعالى ذلك في قوله: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ﴾ [الأنبياء: 51 - 70].


والحوار كما هو مطلوب مع المخالفين في المعتقد؛ فهو من باب أولى مطلوب مع الموافقين في الأصول؛ ولا يمكن إزالة الشبه العالقة في أذهان المخالفين عمومًا إلا باستنطاقهم ومجالستهم والحوار معهم.


ولذلك كان من أساليب النبي صلى الله عليه وسلم في معالجة بعض السلوك المنحرف أو الاعتقاد الخاطئ محاورته لأصحابه رضوان الله عليهم وتصحيح ما قد يقعون فيه من أخطاء؛ ومن أبين ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده (36/ 545) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: ) إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ. مَهْ. فَقَالَ: " ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا ". قَالَ: فَجَلَسَ قَالَ: " أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟ " قَالَ: لَا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ ". قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟ " قَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ ". قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟ " قَالَ: لَا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ ". قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟ " قَالَ: لَا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ ". قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟ " قَالَ: لَا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ ". قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: "( اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ " قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ )


فانظر أخي الكريم في هذا الحوار النبوي الراقي كيف أقنع ذلك الشاب الذي تتوقد الشهوة في جسده؛ وجعله لا يلتفت إلى انتهاك أعراض المسلمين؛ ولا النظر إلى فاحشة الزنا مرة أخرى.


وقد انتهج صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المنهج في جعل الحوار أساسًا من أساسيات الدعوة وتبليغ الرسالة وإقامة الحجة على المخالفين.


وقد ذكرت كتب التاريخ والسير حادثة الخوارج الذين خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكيف أرجع منهم الآلاف بإرسال ابن عباس رضي الله عنهما إليهم عندما ناظرهم وحاورهم؛ وبين لهم خطأ طريقهم وخطورة خروجهم على إمام المسلمين.

فالحاصل أن الحوار أساس من أسس الدعوة إلى الله تعالى؛ وركيزة أساسية لتبليغ الرسالة؛ ومنهج نبوي؛ ونهج راشدي؛ سار عليه الأئمة والعلماء.

ومن بيده الحق وهو على صراط مستقيم لا يخشى من الحوار؛ لأن الحق يعلو ولا يعلى عليه؛ بل الحوار من وسائل أهل الحق؛ ولا يخشى من الحوار إلا من لا يملك من الحجة ما يدافع به عن معتقداته وآرائه.

30‏/10‏/2013

حَديثُ الثَّقلَينِ (كتاب الله وعترتي) (كتاب الله وسنتي) دِراسة حديثية فقهية


الحمدُ لله ربِّ العالَمِين، والصَّلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسَلين، وعلى آله وأصحابه الغُرِّ الميامين، وعلى تابعيهم بإحسانٍ ومَن سار على نهجِهم واقْتفَى آثارَهم إلى يومِ الدِّين.
أمَّا بعدُ:

فإنَّ حديثَ الثَّقلَينِ - ((تَركتُ فِيكم الثَّقلين، ما إن تمسَّكتُم بهما، لن تضلُّوا: كِتابَ اللهِ، وعِترتي أهلَ بيتي))- مِن الأحاديثِ التي كثُر فيها القولُ صِحَّةً وضعفًا، وتباينتْ فيه الأفهام، واشتبه على بعضِ الناس معناه؛ فأردتُ بهذه الدِّراسة المختصرة للحديث توضيحَ الصواب فيه، وتنتظم هذه الدراسةُ في ثلاث مسائلَ:
المسألة الأولى: ألفاظ الحديث، وتخريجها.
المسألة الثانية: معنى الحديث.
المسألة الثالثة: الردُّ على الشُّبَه المثارة حوله.
المسألة الأولى: ألفاظ الحديث، وتخريجها.
جاء حديث الثَّقلين بلفظ: ((... كتاب الله، وعِترتي أهلَ بيتي)) عن جمْعٍ من الصَّحابة؛ منهم: علي بن أبي طالب، وأبو سعيد الخُدري، وجابر بن عبد الله، وجُبَير بن مُطعِم، وحُذيفة بن أَسيد، وزَيد بن أرقمَ، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن حَنطب، ونُبَيط بن شُرَيط، (رضي الله عنهم أجمعين)، بألفاظٍ مختلفة - كما سيأتي.

وجاء بلفظ: ((كِتَابَ الله، وسُنَّتي))، أو: ((... وسُنَّة نبيِّه)) عن جمْع من الصَّحابة أيضًا؛ منهم: عُمر بن الخطَّاب، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عبَّاس، وأبو هُريرَة، وأبو سعيد الخدريُّ، وأنس بن مالك، وعبد الله بن أبي نَجيحِ، وعُروة بن الزُّبير، وعَمرو بن عوف المـُزَني، وموسى بن عُقبةَ، وناجية بن جُنْدُب، (رضي الله عنهم أجمعين)، بألفاظٍ مختلفة - كما سيأتي.
وليس واحدًا منها في أحد الصَّحيحين - البخاري ومسلم - بل الذي في صحيح مسلم ليس فيه التمسُّك بالعِترة ولا بالسُّنة، بل فيه التمسُّك بالكتاب، والوصيةُ بالعترة، ولفظُه: ((أنا تاركٌ فِيكم ثَقلينِ: أوَّلهما: كتابُ الله، فيه الهُدى والنُور؛ فخُذوا بكتاب الله، واستمسِكوا به، فحثَّ على كِتاب الله ورغَّب فيه، ثم قال: وأهلُ بَيْتي، أُذكِّركم اللهَ في أهلِ بيتي، أُذكِّركم اللهَ في أهل بيتي، أُذكِّركم الله في أهلِ بَيتي))، وسيأتي بيانُ ذلك بالتفصيل.
والحاصل: أنَّ حديث الثقلينِ جاء تارةً بالأمْر بالتمسُّك بالكتاب والسُّنَّة، وتارةً بالتمسُّك بالكتاب والعِترة، وتارةً أخرى بالتمسُّك بالكتاب والوصيةِ بأهلِ بيت النبيِّ صلَّى الله عليه وعليهم وسلَّمَ، وسمَّى الكتاب ثَقلًا، وجاء في بعض الروايات والطرق تسمية السُّنة ثَقلًا، وجاء في بعضها تسمية العِترة ثَقلًا.
أولًا: الأحاديث التي ذُكرت فيها العترة دون السنة
جاء ذِكر العترة دون الأمر بالتمسُّك أو الأخْذ بها، أو الحث على اتِّباعها مِن حديث: عليِّ بن أبي طالب([1]) وأبي سعيدٍ الخدريِّ([2])، وجابر بن عبد الله([3])، وجُبَير بن مُطعِم([4])، وحُذيفةَ بن أَسيد([5])، وزيد بن أرقمَ([6])، وزيد بن ثابت([7])، وعبد الله بن حَنْطَب([8])، ونُبَيط بن شُرَيط([9])، رضي الله عنهم، ومن ألفاظ ذلك: ((وَاللَّهُ سَائِلُكُمْ عَنِ اثْنَتَيْنِ: عَنِ الْقُرْآنِ، وَعَنْ عِتْرَتِي))، وهذه لن أتعرَّض لها؛ رغبةً في الاختصار.
وجاء ذِكرها مع الحثِّ على التمسُّك بها تارةً بقوله: ((مَا إنْ أخذتُم به))، وتارةً: ((ما إنْ تمسَّكتُم به))، وأخرى: ((إنِ اتَّبعتُموهما))، من حديث: عليِّ بن أبي طالب، وجابر بن عبد الله، وأبي سعيدٍ الخُدريِّ، وزيد بن أرقمَ، وزيد بن ثابتٍ، رضي الله عنهم، وهذا تفصيلها([10]):

1- حديثُ عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه: ((تركتُ فيكم ما إنْ أخذتُم به لن تضلُّوا: كتابَ الله، سببُه بيده وسببُه بأيديكم، وأهلَ بَيتي))([11]).

2- حديثُ زَيد بن ثابتٍ رضي الله عنه: ((إني تاركٌ فيكم ما إن تمسَّكتُم به لن تضلُّوا: كتاب الله، وعِترتي أهل بيتي؛ فإنَّهما لن يفترقَا حتى يرِدَا عليَّ الحوضَ))([12]).

3- حديث زَيد بن أرقمَ رضي الله عنه: ((إنِّي تاركٌ فيكم ما إن تمسَّكتُم به لن تضلُّوا بعدي - أحدُهما أعظمُ من الآخَر -:كتاب الله، حبْلٌ ممدودٌ من السَّماء إلى الأرض، وعِترتي أهل بيتي، ولن يتفرَّقَا حتى يرِدَا عليَّ الحوضَ، فانظروا كيف تَخلُفوني فيهما))([13]).

وفي لفظ آخر: ((أيُّها الناس، إنِّي تاركٌ فيكم أمرينِ لن تضلُّوا إن اتَّبعتموهما، وهما: كتابُ الله، وأهلُ بيتي عِترتي))([14]).

4- حديثُ جابرِ بن عبد الله رضي الله عنهما: ((يا أيُّها الناس، إني تركتُ فيكم ما إنْ أخذتُم به لن تضلُّوا: كتاب الله، وعِترتي أهْلَ بَيتي))([15]).

5- حديث أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه: ((إنِّي قد تركتُ فيكم ما إنْ أخذتم به، لن تضلُّوا بعدي: الثَّقلَينِ - أحدهما أكبرُ مِن الآخَر - كتاب الله، حبْلٌ ممدود من السَّماء إلى الأرض، وعِترتي أهل بيتي، ألَا وإنهما لن يَفترِقَا حتى يرِدَا عليَّ الحوضَ))([16]).

وفي لفظ آخر: ((تركتُ فيكم ما إنْ تمسَّكتم به، فلن تضلُّوا: كتابَ الله، وأهلَ بيتي))([17]).

وفي لفظ آخر: ((إني تاركٌ فيكم ما إنْ تمسَّكتم به، لن تضلُّوا بعدي - أحدهما أعظمُ من الآخَر -: كتاب الله، حبلٌ ممدود من السَّماء إلى الأرض، وعِترتي أهْل بيتي، ولن يتفرَّقَا حتى يرِدَا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تَخلُفوني فيهما))([18]).

ثانيًا: الأحاديث التي ذُكرت فيها السنة دون العترة
جاء الحثُّ على التمسُّك بكتاب الله وسُنَّة نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّمَ في أحاديثَ عن عددٍ من الصَّحابة - كما تقدَّم - وهي:
1- حديث عُمرَ بن الخطَّاب رضي الله عنه: ((تركتُ فيكم أمرين لن تضلُّوا بعدهما: كتابَ الله جلَّ وعزَّ، وسُنَّةَ نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّمَ)) ([19]).

2- حديث عبد الله بن عُمرَ رضي الله عنهما: ((...وما عطَّلوا كتابَ الله وسُنَّةَ رسولِه، إلَّا جعَل الله بأسَهم بينهم))([20]).

3- حديث عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما: ((تركتُ فيكم أيُّها الناس، ما إنِ اعتصمتم به، فلن تضلُّوا أبدًا: كتاب الله، وسُنَّة نبيِّه))([21]).

4- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: ((قد تركتُ فيكم بَعْدي ما إن أخذتُم، لم تضلُّوا: كتاب الله، وسُنَّة نبيِّكم صلَّى الله عليه وسلَّمَ))([22]).
5- حديث أبي هُرَيرة رضي الله عنه: ((إنِّي قد خَلَّفتُ فيكم اثنين، لن تضلُّوا بعدهما أبدًا: كتاب الله، وسُنتي، ولن يتفرَّقَا حتى يرِدَا عليَّ الحوض))([23]).
6- حديث أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه: ((يا أيُّها الناس, إنِّي قد تركتُ فيكم الثَّقلين: كتاب الله، وسُنَّتي؛ فاستنطِقوا القرآن بسُنَّتي, ولا تعسفوه؛ فإنَّه لن تعمَى أبصارُكم , ولن تَزِلَّ أقدامكم, ولن تقصرَ أيديكم ما أخذتُم بهما))([24]).
7- حديث عُروة بن الزُّبير رضي الله عنهما: ((تركتُ فيكم ما إنِ اعتصمتُم به، لن تضلُّوا أبدًا: أمرين بيِّنينِ: كتاب الله، وسُنَّة نبيِّكم))([25]).
8- حديث عبد الله بن أبي نَجِيح رضي الله عنه: ((تركتُ فيكم ما إن اعتصمتُم به، فلن تضلُّوا أبدًا: كتاب الله، وسُنَّة نبيِّه))([26]).
9- حديث عَمرو بن عوف المُزني رضي الله عنه: ((تركتُ فيكم أمرين، لن تضلُّوا ما تمسكتم بهما: كِتاب الله، وسُنَّة نبيِّه))([27]).

10- حديث موسى بن عُقْبة رضي الله عنه رضي الله عنه: ((... لن تضلُّوا بعده أبدًا، أمرًا بيِّنًا: كِتاب الله، وسُنَّة نبيِّه))([28]).
11- حديث ناجية بن جُنُدب رضي الله عنه: ((تركتُ فيكم ما إنْ أخذتم به، لم تضلُّوا: كتاب الله، وسُنَّته بأيديكم! ويقال: قد تركتُ فيكم: كتابَ الله، وسُنَّة نبيِّه))([29]).
12- وعن مالكٍ أنَّه بلَغَه أنَّ رسولَ اللَّه صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: ((تَركتُ فيكُم أمرَينِ، لن تضِلُّوا ما تَمسَّكتُم بهما: كِتابَ اللَّه، وسُنَّةَ نَبيِّه))([30]).
الخلاصة :
ورد حديث الثقلين بلفظ: (كتاب الله وعترتي) ولفظ : (كتاب الله وسنتي) بأسانيد ضعيفة، وبأسانيد جياد يصح الاحتجاج بها ، والله أعلم.
المسألة الثانية: معنى الحديث وفقهه
يُسمَّى هذا الحديث "حديث الثقلين"؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّمَ كما في بعض ألفاظه: ((إنِّي تاركٌ فيكم الثَّقَلينِ))، والثَّقَل: (المتاع المحمولُ على الدَّابَّة)([31])؛ قال القاضي عياض: (قِيل سُمِّيَا بذلك؛ لعِظم أقدارهما، وقيل: لشدَّة الأخْذ بهما)([32])، وقال النوويُّ: (سمِّيَا ثَقلين؛ لعظمهما، وكبير شأنهما)([33])، وقال البغويُّ: (فجَعلهما ثَقلينِ؛ إعظامًا لقدرهما)([34]).
وقد تمسَّك الشِّيعةُ ومَن تلوَّث بلوثتهم بلفظ: ((كتاب الله، وعِترتي)) حتى زعَموا زعمًا باطلًا أنَّ الأمر بالتمسُّك بالكتاب والعِترة جاء في صحيح مسلم، وتمسَّك بعض أهلُ السُّنَّة بلفظ: ((كِتاب الله، وسُنَّتي)) حتى ضعفوا لفظ ((وعِترتي))!
والأولى الجمع، حيث لا تعارض بينهما، كما سيتضح ذلك من خلال البحث.
وقبل نقْل أقوال العلماء وفَهمهم للحديث تجدُر الإشارة إلى أنَّ الأمر بالتمسُّك بالكتاب والسُّنَّة والاعتصام بهما، من أساسيات هذا الدِّين، وقد جاء الأمرُ به في كِتاب الله تعالى، وفي الأحاديثِ الصَّحيحة، فسواء صحَّ لفظ: ((كتاب الله، وعِترتي))، أو لفظ: ((كتاب الله، وسُنَّتي))، أو لم يصحَّ منهما شيء، فالتمسُّك بالسُّنَّة كالتمسُّك بالقرآن، سواءً بسواء، وهذه جملةٌ من الآيات والأحاديث التي تدلُّ على ذلك:

قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36].


وقال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31].

وقال: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7].

وقال صلَّى الله عليه وسلَّمَ: ((عليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلفاء المهديِّين الراشِدين، تمسَّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجِذ))([35]).

وقال: ((فمَنْ رَغِبَ عن سُنَّتي، فلَيسَ منِّي))([36]).

وقال: ((خَيْر الحَديثِ كِتابُ الله، وخَير الهُدَى هُدَى مُحمَّدٍ))([37]).

وقال: ((ألَا إنِّي أوتيتُ الكِتابَ ومثلَهُ معهُ))([38]).

أقوال العلماء في معنى الحديث:

1- قال ابن قُدامة المقدسيُّ: (لا نسلِّم أنَّ المراد بالثقلين: القرآن، والعِترة، وإنَّما المراد: القرآن والسُّنة، كما في الرِّواية الأخرى: ((تركتُ فيكم أمرين لن تضلُّوا ما تمسَّكتم بهما: كتاب الله، وسُنَّة رسوله))، أخرجه مالكٌ في الموطأ([39])، وإنَّما خصَّ - صلَّى الله عليه وسلَّمَ - العترةَ بالذِّكر؛ لأنَّهم أخبرُ بحاله صلَّى الله عليه وسلَّمَ)([40]).

2- وقال الآمديُّ: (لا نُسلِّم أنَّ المراد بالثَّقلينِ: الكتاب، والعترة، بل الكتاب، والسُّنَّة، على ما رُوي أنَّه قال: "كِتاب الله، وسُنَّتي")([41]).

3- وقال شيخ الإسلام ابنُ تَيميَّة: (إنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال عن عِترته: إنَّها والكتاب لن يَفترِقَا حتى يرِدَا عليه الحوضَ، وهو الصادقُ المصدوق؛ فيدلُّ على أنَّ إجماع العِترة حُجَّة، وهذا قولُ طائفةٍ من أصحابنا، وذكره القاضي في المعتمَد، لكن العترة هم بنو هاشم كلهم: ولد العبَّاس، وولد عليٍّ، وولد الحارث بن عبد المُطَّلب، وسائر بني أبي طالب وغيرُهم، وعليٌّ وحده ليس هو العِترة، وسيِّد العِترة هو رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ... [و] إجماع الأمَّة حُجَّة بالكتاب والسُّنَّة والإجماع، والعترة بعضُ الأمَّة، فيلزم من ثُبوت إجماعِ الأمَّة إجماعُ العِترة)([42]).
4- وقال ابنُ حجر الهيتميُّ: (وفي روايةٍ صحيحة: ((إنِّي تاركٌ فيكم أمرين، لن تضلُّوا إن تبعتموهما، وهما: كتابُ الله، وأهلُ بيتي عِترتي))... وفي روايةٍ: (( كِتاب الله، وسُنَّتي)) وهي المرادُ من الأحاديث المقتصِرة على الكتاب؛ لأنَّ السُّنة مبيِّنة له، فأغْنى ذِكرُه عن ذكرها، والحاصل: أنَّ الحثَّ وقَع على التمسُّك بالكتاب، وبالسُّنة، وبالعلماء بهما من أهل البَيت)([43]).
5- وقال الملا عليٌّ القاري: (أهلُ البيت غالبًا يكونون أعرفَ بصاحب البيت وأحواله؛ فالمراد بهم أهلُ العلم منهم، المُطَّلعون على سِيرته، الواقفون على طريقته، العارفون بحُكمه وحِكمته، وبهذا يصلُح أن يكونوا مقابلًا لكتاب الله سبحانه، كما قال: {وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ})([44]).
6- وقال الألبانيُّ: (من المعروف أنَّ الحديث ممَّا يَحتجُّ به الشِّيعة، ويَلهجون بذلك كثيرًا، حنى يتوهَّم بعضُ أهل السُّنة أنهم مصيبون في ذلك، وهم جميعًا واهمون في ذلك، وبيانُه من وجهين:
الأوَّل: أنَّ المراد من الحديث في قوله صلَّى الله عليه وسلَّمَ: ((عِترتي)) أكثرُ ممَّا يريده الشِّيعة، ولا يردُّه أهلُ السُّنة، بل هم مستمسكون به، ألَا وهو أنَّ العترة فيه هم أهلُ بيته صلَّى الله عليه وسلَّمَ، وقد جاء ذلك موضَّحًا في بعض طرقه كحديث الترجمة: ((وعِترتي أهْل بيتي))، وأهل بيته في الأصل: هم نِساؤه صلَّى الله عليه وسلَّمَ، وفيهنَّ الصِّدِّيقةُ عائشةُ رضي الله عنهن جميعًا...، وتخصيص الشِّيعة (أهل البيت) في الآية بعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، دون نِسائه صلَّى الله عليه وسلَّمَ من تحريفهم لآياتِ الله تعالى؛ انتصارًا لأهوائهم ...
الوجه الآخَر: أنَّ المقصود من ((أهل البيت)) إنَّما هم العلماءُ الصالحون منهم، والمتمسِّكون بالكتاب والسُّنة؛ قال الإمام أبو جعفر الطحاويُّ رحمه الله تعالى: (العِترة: هم أهلُ بيتِه صلَّى الله عليه وسلَّمَ، الذين هم على دِينه، وكذلك المتمسِّكون بأمْره)).
والحاصل: أنَّ ذِكر أهل البيت في مقابل القرآن في هذا الحديث كذِكر سُنة الخلفاء الراشدين مع سُنَّته صلَّى الله عليه وسلَّمَ في قوله: ((فعليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخلفاء الرَّاشدين...))... إذا عَرفتَ ما تقدَّم، فالحديث شاهدٌ قويٌّ لحديث ((الموطأ)) بلفظ: ((تركتُ فيكم أمرينِ لن تضلُّوا ما تمسَّكتم بهما: كتاب الله، وسُنَّة رسوله))([45]).

المسألة الثالثة: الردُّ على الشُّبه المثارة حوله

أثار الشِّيعة ومَن تأثر بهم شُبهةً حول هذا الحديث، طارت في الآفاق، وصدَّقها بعضُ الناس، وتساءل عنها آخَرون،خلاصتها: أنَّ حديث الأمر بالتمسُّك بالعِترة واتِّباع أهل بيت النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ صحيح، وأنَّه ثابتٌ في صحيح مسلم، بخِلاف التمسُّك بالسُّنة؛ فلم يُروَ في أحد الصَّحيحين، وأسانيده ضِعاف.

والردُّ على ذلك من وجوه:

الوجه الأول: ليس في صحيح مسلم الأمرُ باتِّباع العِترة، بل أمَر فيه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ بالأخْذ بكتاب الله، والتمسُّك به، وحثَّ عليه، ورغَّب فيه، ثم أوْصَى فيه أصحابَه بأهلِ بيته، وكان هذا في حَجَّة الوداع قبل موته صلَّى الله عليه وسلَّمَ، ولفظ الحديث: ((أيُّها النَّاسُ، فإنَّما أنا بَشَرٌ يوشِك أنْ يأتيَ رسولُ ربي فأُجيبَ، وأنا تاركٌ فيكم ثَقلَينِ:أوَّلهما: كتابُ الله، فيه الهُدى والنُّور؛ فخُذوا بكتابِ الله، واستمسِكوا به - فحثَّ على كتاب الله، ورغَّب فيه - ثم قال: وأهل بَيتي، أُذكِّركم الله في أهْل بيتي، أُذكِّركم اللهَ في أهل بيْتي، أُذكِّركم اللهَ في أهْل بيتي))([46]).


قال أبو العبَّاس القرطبيُّ: وقوله : ((وأهل بيتي، أُذكِّركم الله في أهل بيتي - ثلاثًا))؛ هذه الوصية، وهذا التأكيد العظيم يَقتضي : وجوبَ احترام آل النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ وأهل بيته، وإبرارَهم، وتوقيرهم، ومحبَّتهم وجوبَ الفروض المؤكَّدة، التي لا عُذرَ لأحد في التخلُّف عنها. هذا مع ما عُلِم من خصوصيتهم بالنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ، وبأنهم جزءٌ منه؛ فإنَّهم أصولُه التي نشأ منها، وفروعُه التي تنشأ عنه)([47]).
وقال ابنُ كثير: (ولا تُنكَرُ الوصاةُ بأهل البيت، والأمر بالإحسان إليهم، واحترامهم وإكرامهم؛ فإنَّهم من ذريَّة طاهرة، مِن أشرف بيت وُجد على وجه الأرض، فَخرًا وحسَبًا ونسَبًا، ولا سيَّما إذا كانوا متَّبِعين للسُّنة النبويَّة، الصَّحيحة الواضحة الجليَّة، كما كان عليه سلفُهم، كالعبَّاس وبنِيه، وعليٍّ وأهل بيتِه وذُريَّته، رضي الله عنهم أجمعين)([48]).

وقال ملا علي القاري: ( "فخُذوا بكِتاب الله"، أي: استنباطًا وحِفظًا وعِلمًا، ((واستمسكوا به))، أي: وتمسَّكوا به اعتقادًا وعملًا، ومِن جملة كتاب الله العملُ بأحاديث رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ؛ لقوله سبحانه: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]، {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80] و{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] - وفي رواية: ((فتمسَّكوا بكتاب الله، وخُذوا به)) - ((فحَثَّ)) - بتشديد الـمُثلَّثة - أي: فحرَّض أصحابَه ((على كتاب الله))، أي: على محافظةِ ومراعاةِ مبانيه ومعانيه، والعمل بما فيه، ((ورغَّب فيه)) -بتشديد الغَين المعجَمة-، أي: ذكَر المرغِّبات من حصول الدرجات في حقِّه، ثم يمكن أنَّه رهَّب وخوَّف بالعقوبات لِمَن ترك متابعةَ الآيات، فيكون حذفه من باب الاكتفاء، ويمكن أنَّه اقتصر على البشارة؛ إيماءً إلى سَعة رحمة الله تعالى، وأنَّ رحمته للعالَمِين، وأمَّته أمَّة مرحومة.

(ثم قال)، أي: النبيُّ عليه السَّلام ((وأهل بيتي))، أي: وثانيهما أهْلُ بيتي ((أُذكِّركم الله)) - بكسر الكاف المشدَّدة - أي: أُحذِّركموه، ((في أهل بيتي)): وُضِع الظاهر موضعَ المضمر؛ اهتمامًا بشأنهم، وإشعارًا بالعِلَّة، والمعنى: أُنبِّهكم حقَّ الله في محافظتهم، ومراعاتهم واحترامهم وإكرامهم، ومحبَّتهم ومودَّتهم، ... كرَّر الجملة لإفادة المبالَغة، ولا يبعُد أن يكون أراد بأحدهما آلَه، وبالأخرى أزواجَه؛ لِمَا سبَق من أنَّ أهل البيت يُطلق عليهما)([49]).
وقال ابن باز: (نحن معكم في محبَّة أهل البيت الملتزمين بشريعة الله، والترضِّي عنهم، والإيمان بأنَّهم من خِيرة عباد الله؛ عملًا بوصية رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ حيث قال في حديث زيد بن أَرقمَ المُخرَّج في صحيح مسلم : "إني تاركٌ فيكم ثَقلينِ: أولهما: كتاب الله، فيه الهُدى والنُّور؛ فخُذوا بكتابِ الله، وتمسَّكوا به... ثم قال: وأهل بيتي، أُذكِّركم الله في أهل بيتي، أُذكِّركم الله في أهْل بيتي")([50]).
وقال في موضع آخَر: ((إني تاركٌ فيكم ثَقلينِ: أوَّلهما: كتاب الله، فيه الهُدى والنُّور؛ فخُذوا بكتاب الله، واستمسكوا به، ثم قال: وأهل بيتي، أُذكِّركم الله في أهل بيتي))، يعني بهم: زَوجاتِه، وقَراباتِه من بني هاشم, يُذكِّر الناس بالله في أهل بيته، بأن يَرفُقوا بهم, وأن يُحسنوا إليهم, ويكفُّوا الأذى عنهم, ويُوصوهم بالحقِّ, ويُعطوهم حقوقَهم ما داموا مستقيمين على دِينه، متَّبِعين لشريعته عليه الصَّلاة والسَّلام)([51]).
فالحديث - إذن - فيه الوصيةُ والتذكير بآل بيته صلَّى الله عليه وسلَّمَ بعدَ موته، وليس فيه الأمرُ بالتمسُّك والاتباع. ولم يقل أحدٌ من علماء الأمة ممن تعرض لشرح الحديث أن أفراد عترته صلى الله عليه وآله وسلم يكون لقولهم من المنزلة مثل ما للقرآن، فضلاً عن أن يكون أولى بالاتباع من سنة سيد ولد عدنان صلى الله عليه وسلم.
الوجه الثاني: على تقدير أن ما صح من الأحاديث جاء فيها الأمر بالاتباع فقد جاء في الحديث: ((وعِترتي أهل بيتي))،وعترة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ هم بنو هاشم كلهم، من ولد العبَّاس، وولد عليٍّ، وولد الحارثِ بن عبد المطَّلب، وسائر بني أبي طالب وغيرهم([52])، وليس هم فقط عليَّ بن أبي طالب وابْنَيه: الحسن والحسين، وذُريتهم - كما تزعم الإماميَّةُ الاثنا عشرية - كما أنَّ أهل بيته يدخُل فيهم أزواجُه رضي الله عنهن؛ فعبد الله بن عبَّاس، وعائشةُ رضي الله عنهم - وهما من أكثر الصَّحابة روايةً عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ، ومن أكثرهم فقهًا وعِلمًا - داخلان في هذا الحديث بلا شكٍّ دخولًا أوليًّا. وهذا الأمر لا يرتضيه من يحتج بهذا الحديث على تقديم العترة في رأيهم وما ينقلونه هم عنهم على أدلة التشريع المتفق عليها.
الوجه الثالث: ما المقصودُ بعِترة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ؟
هل هم الذين صحِبوه ورَوَوْا عنه، كعليِّ بن أبي طالب، وابنيه: الحسن والحسين، والعبَّاس بن عبد المطَّلب وابنيه: عبد الله وعُبيد الله، وجعفر بن أبي طالب وابنه عبد الله، وعَقيل بن أبي طالب؟
أمْ عليُّ بن أبي طالب وذُريَّته، بل وأحد عَشرَ رجلاً منهم فقط، كما تزعُم الشيعة؛ تحكُّمًا منهم بلا برهانٍ ولا بيِّنة؟!
أم أنَّهم عامَّة العِترة، وفيهم - كما هو الواقع اليوم - السُّنِّي، والشِّيعي، والزَّيدي، والصُّوفي، والعالم والجاهل؟
فمَن هم العترة المعنيُّون في الحديث؟
لا يمكن أن يَستقيم فَهْمُ الحديث إلَّا بجَمْعه مع اللَّفظ الآخَر (كتاب الله وسُنَّتي)؛ فنفهَم منه - إذن - أن العِترة هم المتَّبعون لسُنة النبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم.
الوجه الرابع: تقدَّم معنا أنَّ اتباع السُّنة كاتِّباع القرآن، وفيهما الأمرُ بالاقتداء بصحابة رسولِ الله، وليسوا كلُّهم من العترة، بل في الحديث الصحيح الأمر بالتمسُّك بسُنَّة الخلفاء الراشدين؛ ((عليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخُلفاء المهديِّين الرَّاشدين؛ تمسَّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجِذ))، وفيهم أبو بكر، وعمر، وعُثمان، وهم ليسوا من العترة، بل في الحديث الصحيح: ((اقتدُوا باللذَيْنِ من بعدي: أبي بكرٍ وعمرَ))([53])، ومع ذلك فتعظيم أهل السُّنَّة للسُّنَّة عصَمَهم من أن يجعلوا الاقتداء بأبي بكرٍ وعمرَ أصلًا من أصول الإسلام مقابل الكتاب والسُّنَّة.
الوجه الخامس: على فرض أن ما صح من الأحاديث جاء فيها الأمر بالاتباع فماذا لو خالفتِ العترةُ كتابَ الله؟ مَن يجب علينا نتَّبع منهما؟!

لا شكَّ يجب أنْ نتبع كتابَ الله، ومَن شكَّ في ذلك، فقد كفَر!

إذن العِترة تابعةٌ لكتاب الله، وفي كتاب الله الأمرُ باتِّباع سُنَّة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ؛ {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}، {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}؛ إذن العترة تابعةٌ للسُّنة باتِّباعها لكتاب الله، فكان مردُّ العِترة للسُّنة، والحمد لله ربِّ العالمين. بل إن شرف العترة ومكانتهم فرعٌ على شرف من شرَّفهم الله به، وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يستقيم في شرعٍ ولا عقلٍ تقديم التابع على المتبوع، والفرع على الأصل، لمن كان له عقل يعي به، والله المستعان.

الخاتمة:
حَديثُ الثَّقلين - ((إنِّي تاركٌ فيكم الثَّقَلين)) - جاء بلفظ: ((كتاب الله، وعِترتي أهْل بَيتي))، وبلفظ: ((كِتاب الله وسُنَّتي))، وقد اختلف العلماءُ في تصحيحها وتضعيفها، ولم يرِدْ في صحيح مسلم كما يظنُّ ويُردِّد البعض، ومردُّ العِترة إلى الكتاب والسُّنَّة، والحمدُ لله ربِّ العالمين.

وأخيرًا:

فلا بدَّ هنا مِن تذكير كلِّ مَن يَمُتُّ إلى هذه العِترة الشَّريفة بصِلة، بما أنعم الله به عليهم من النَّسَب الشَّريف، وبما أوجبه الله على عباده المؤمنين من محبَّتهم ومودَّتهم، مِن أنَّ هذه نِعمةٌ يُسألون عنها يوم القِيامة.


فيا مَن شرَّفكم اللهُ تعالى بهذا النَّسَب، إيَّاكم أن تغترُّوا بما يُنمِّقه لكم مَن ضلَّ سعيُه، وعمِي عن الرَّشاد منهجُه، ممَّن يريد أن يتجاوز بكم خيرَ المنازل التي وضعَكم اللهُ تعالى ورسولُه صلَّى الله عليه وسلَّم بها!
وإيَّاكم والفرحَ ببعض أقوال أهل الأهواء التي ضخَّمت من هذا الحديث، وأوهمت بإعطاء العِترة من المكانة في التَّشريع ما لم يأذنْ به الله؛ فكلُّ عاقل منكم يعلم أنَّه ليس في قوله هو ولا فِعله ولا هَدْيه فلاحٌ إلَّا بمقدار اتِّباعه واستمساكه بهَدْي النبيِّ المعصوم صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم.
ومِن ثَمَّ فلا حاجةَ، ولا فرحَ، ولا مزيَّةَ، ولا فخرَ لأحدٍ منكم بأن يظنَّ أنَّ قولَه أو فِعله، أو قول أحدٍ من الناس وفِعله يكون حُجَّةً بمنزلة قول محمَّد بن عبد الله، وفِعله، صلواتُ الله وسلامُه وبركاتُه عليه.
أسأل اللهَ تعالى أن يَدلَّنا على الحقِّ، وأن يُرشِدنا إلى الصِّراط المستقيم.

والحمدُ لله ربِّ العالَمين،،،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) أخرجه البزَّار (864)، وأبو نُعَيم في ((حلية الأولياء)) (9/64).

([2]) أخرجه أحمد (11119) و(11147)، وأبو يَعلَى (1027) وابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (2/194)، وابن الجَعد في ((مسنده)) (2711)، والآجُريُّ في ((الشريعة)) (1702)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (3/66) (2679).

([3]) أخرجه الخطيب في ((المتفق والمفترق)) (2/31)

([4]) أخرجه ابن أبي عاصم في ((السُّنة)) (1465)

([5]) أخرجه بَقيُّ بن مَخلَد في ((الحوض والكوثر)) (16)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (3052) و(2683)، وأبو نُعَيم في ((حلية الأولياء)) (1/355).

([6]) أخرجه أحمد (19332)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (3/66)، و(5/167)، والبزَّار (4325) والنَّسائي في ((السُّنن الكبرى)) (8464)، والطَّحاوي في ((شرح مُشكِل الآثار)) (1765).

([7]) أخرجه أحمد (21618) و(21697)، وابن أبي شَيبة في ((المصنف)) (32337)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (5/153) (4921).

([8]) أخرجه الطبراني كما في ((مجمع الزوائد)) (5/198).

([9]) أوردَه الذهبيُّ في ((نسخة نُبيط)) (29).

([10]) واختصارًا سأذكر الشاهدَ منها فقط.

([11]) أخرجه إسحاقُ بن رَاهُوْيهِ كما في ((إتحاف الخِيَرة المَهَرة)) للبُوصِيري (7/210)، و((المطالب العالية)) لابن حجر (4/252). والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (1760). وفي سنده كثير بن زيد: قال أحمد بن حنبل: ما أرى به بأسا، وقال ابن معين: ليس به بأس، وقال أبو زرعة: صدوق فيه لين، وقال النسائي: ضعيف، وقال أبو جعفر الطبري: وكثير بن زيد عندهم ممن لا يحتج بنقله. وقال ابن حبان: كان كثير الخطأ على قلة روايته لا يعجبني الاحتجاج به إذا انفرد، وقال ابن حجر: صدوق يخطىء.

ينظر: ((الجرح والتعديل)) (841)، ((الضعفاء والمتروكين)) (505)، ((المجروحين)) (894)، ((تقريب التهذيب)) (5611)، ((تهذيب التهذيب)) (745).

والحديث صحَّح إسناده الحافظ ابن حجر في ((المطالب العالية)) (4/252).

([12]) [إسناده ضعيف] أخرجه عَبْدُ بن حُمَيد في ((مسنده)) (240).

وفي سنده يحيى بن عبد الحميد الحِمَّاني؛ متَّهم بالكذب، وسِرقةِ الحديث. ينظر: ((تهذيب التهذيب)) لابن حجر (399)، ((تقريب التهذيب)) لابن حجر (7591).

([13]) أخرجه الترمذي (3788)، والفَسَوي في ((المعرفة والتاريخ)) (1/536)، والشَّجري في ((ترتيب الأمالي)) (738). قال الترمذيُّ: (حسن غريب). وفي سنده عليُّ بن المنذر كوفي؛ قال عنه النَّسائي: شيعيٌّ محض، ثِقة. وقال ابن حجر: صدوق يتشيَّع. ينظر: ((الجرح والتعديل)) لابن أبي حاتم (1128)، و((تقريب التهذيب)) لابن حجر (4803)، وفي سنده أيضًا: محمَّد بن فُضيل؛ قال أحمد: كان يتشيَّع، وكان حسنَ الحديث. ووثَّقه يحيى بن معين، وذكَره ابن حبَّان في ((الثقات))، وقال: كان يَغْلُو في التشيُّع. وقال أبو داود: كان شيعيًّا محترقًا. ينظر: ((تهذيب الكمال)) للمزي (26/297)، و((تهذيب التهذيب)) لابن حجر (660).

والحديث ضعَّفه الإمام أحمد؛ قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة في ((منهاج السنة )) (7/394): (سُئل عنه أحمدُ بن حنبل، فضعَّفه، وضعَّفه غيرُ واحد من أهل العِلم، وقالوا: لا يصحُّ)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (3788).

([14]) [إسناده ضعيف] أخرجه الحاكم (4577)، والشجري في ((ترتيب الأمالي)) (712). وفي سنده: محمَّد بن سَلمة بن كُهَيل؛ واهٍ. ينظر: ((الثقات)) لابن حبان (10505)، ((ميزان الاعتدال)) للذهبي (7614).

([15]) [إسناده ضعيف] أخرجه الترمذي (3786)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (3/66) (2680)، قال الترمذي: حسنٌ غريبٌ من هذا الوجه. وقال الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (5/89): (لم يَروِ هذا الحديثَ عن جعفر بن محمَّد إلَّا زيدُ بن الحسن الأنماطي)، وزيد هذا قال عنه أبو حاتم: منكَر الحديث، وقال الذهبي: ضُعِّف. وضعَّفه ابن حجر. ينظر: ((الجرح والتعديل)) لابن أبي حاتم (2533)، ((الكاشف)) للذهبي (1731)، ((تقريب التهذيب)) لابن حجر (2127).

والحديث صحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (3786).

([16]) [إسناده ضعيف] أخرجه أحمد (11578)، وابن أبي عاصم في ((السنة)) (1553)، وأبو يَعلَى (1140)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (3/65) (2678)، والبغوي في ((شرح السنة)) (3914) واللفظ له. وفي سنده عطية العوفي ضعفه أحمد، وأبو حاتم الرازي وقال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به ولا كتابة حديثه إلا على جهة التعجب. وقال ابن حجر: صدوق يخطئ كثيرا وكان شيعيًّا مدلسًا. ينظر: ((الجرح والتعديل)) لابن أبي حاتم (6/383)، ((المجروحين)) لابن حبان (2/176)، ((تقريب التهذيب)) لابن حجر (4616)

([17]) [إسناده ضعيف] أخرجه أحمد في ((فضائل الصحابة)) (170)، وفي سنده: إسماعيل بن موسى ابن بنت السُّدِّي؛ قال ابن عدي: أنكروا عليه الغلو في التَّشَيُّع وَأما في الرِّواية فقد احتمله النَّاس وَرووا عنه. ينظر: ((الكامل في الضعفاء)) (1/529)

وفيه: أبو الجَحَّاف - واسمه داود بن أبي عَوف؛ قال ابن حجر: صدوق، شيعيٌّ، ربَّما أخطأ. ينظر: ((تقريب التهذيب)) (1811).

وفيه عطيَّة العَوفي؛ ضعيف، وقد تقدم الكلام عليه.

([18]) [إسناده ضعيف] أخرجه الترمذي (3788). قال الترمذي: حسنٌ غريب. وفي سنده عطيَّة العوفي أيضًا، والحديث صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (3788).

([19]) [إسناده ضعيف] أخرجه بَحْشَل في ((تاريخ واسط)) (ص50)، وفي سنده مجهول.

([20]) أخرجه البيهقيُّ في ((شُعب الإيمان)) (3315).

ضعَّف إسنادَه البيهقيُّ، والسَّخاوي في ((الأجوبة المرضية)) (2/546)، وصحَّحه لغيره الألبانيُّ في ((صحيح الترغيب)) (2187).

([21]) [صحيح] أخرجه الحاكم في ((المستدرك))، والمروزيُّ في ((السُّنة)) (68)، والعُقيلي في ((الضعفاء الكبير)) (2/250)، (318)، والبيهقي في ((دلائل النبوة)) (5/449).

قال الحاكم: احتجَّ البخاريُّ بأحاديث عِكرمة، واحتجَّ مسلمٌ بأبي أُويس، وسائرُ رُواته متَّفق عليهم. وقال المنذريُّ في ((الترغيب والترهيب)) (1/61): أصلُه في الصَّحيح. وجوَّد طريقَه ابنُ الملقِّن في ((البدر المنير)) (6/693)، وصحَّح إسنادَه ابنُ القيِّم في ((تهذيب السنن)) (7/279)، وصحَّحه ابن العربي في ((أحكام القرآن)) (4/250)، والألبانيُّ في ((صحيح الترغيب)) (40).

([22]) [إسناده ضعيف] أخرجه أبو نُعَيم في ((تاريخ أصبهان)) (1/138).

وفيه يَزيد الرَّقَاشي: قال البخاري: تكلَّم فيه شُعبة. وقال أبو داود عن أحمدَ: لا يُكتب حديث يزيد. وقال ابن مَعِين: رجل صالح وليس حديثُه بشيء. وقال أبو حاتم: في حديثه ضَعْف. وقال النَّسائي والحاكمُ أبو أحمد: متروكُ الحديث. وقال ابن عَديٍّ: له أحاديثُ صالحةٌ عن أنس وغيره، وأرجو أنه لا بأسَ به؛ لروايةِ الثقات عنه. ينظر: ((تهذيب التهذيب)) لابن حجر (11/271)

([23]) أخرجه البزَّار (8993) واللفظ له، والعُقيلي في ((الضعفاء الكبير)) (2/250)، وابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (4/69)، والدارقطني (4/245)، والحاكم (4321).

وفي سنده صالحٌ الطَّلحي؛ ضعَّفوه، انظر: ((ذخيرة الحفاظ)) لابن القيسراني (2/1010)، و((المهذب)) للذهبي (8/4105)، والحديث صحَّحه ابن حزم في ((الإحكام في أصول الأحكام)) (2/251)، والألبانيُّ في ((صحيح الجامع)) (3232).

([24]) [إسناده ضعيف] أخرجه الخطيب في ((الفقيه والمتفقه)) (1/275).

فيه: سيف بن عُمر؛ قال ابن مَعين: ضعيفُ الحديث. وقال أبو حاتم: متروكُ الحديث، يُشبه حديثُه حديثَ الواقديِّ. وقال أبو داود: ليس بشيءٍ. وقال النَّسائيُّ والدارقطنيُّ: ضعيف. ينظر: ((تهذيب التهذيب)) لابن حجر (4/259).

وفيه أيضًا: أَبَان بن إسحاق الأسديُّ، والصَّبَّاح بن محمَّد؛ مختلَف فيهما. ينظر: ((تهذيب التهذيب)) لابن حجر (1/275)، و((المجروحين)) لابن حبان (1/413)، و((معرفة الثقات)) للعجلي (757) و((تقريب التهذيب)) لابن حجر (2898).

([25]) [إسناده ضعيف] أخرجه البيهقي في ((دلائل النبوة)) (5/448).

وفيه: عبد الله بن لَهِيعة؛ ضعيفٌ. ينظر: ((الجرح والتعديل)) لابن أبي حاتم (5/147)، ((المجروحين)) لابن حبان (1/431)، ((تاريخ أسماء الضعفاء والكذابين)) لابن شاهين (ص118)، ((الكاشف)) للذهبي (2934)، و((تقريب التهذيب)) لابن حجر (3563).

([26]) أخرجه الطبريُّ في ((تاريخه)) (12/181) بإسناد رجالُه ثقات، إلَّا شيخ الطبري محمَّد بن حُمَيد الرازي.

([27]) [إسنادُه ضعيفٌ جدًّا] أخرجه ابن عبد البَرِّ في ((جامع بيان العلم وفضله)) (1389)، والشجري في ((ترتيب الأمالي)) (753)؛ وفيه إسحاق بن إبراهيم الحُنَينيُّ، وكثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف؛ ضعيفان. ينظر: ((تهذيب التهذيب)) لابن حجر (1/194) و(8/377).

([28]) أخرجه البيهقيُّ في ((دلائل النبوة)) (5/448).

وفيه: ابن أبي أويس؛ قال أحمد: لا بأسَ به. وقال يحيى بن مَعين: صدوق، ضعيفُ العقل، ليس بذلك. وقال أبو حاتم الرازي: محلُّه الصدق، وكان مغفَّلًا. ((الجرح والتعديل)) (613).

([29]) أورده الواقديُّ في ((مغازيه)) (2/577).

والواقديُّ: متروك الحديث. ينظر: ((تهذيب التهذيب)) لابن حجر (9/323).

([30]) أخرجه مالك بلاغًا في ((الموطأ)) (2/899).

قال ابن عبد البَرِّ في ((التمهيد)) (24/331): محفوظٌ، معروفٌ، مشهورٌ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عند أهل العِلم، شهرةً يكاد يُستغنَى بها عن الإسناد.

([31]) انظر: ((الفائق)) للزمخشري (1/170).

([32]) انظر: ((مشارق الأنوار على صحاح الآثار)) (1/134).

([33]) انظر: ((شرح صحيح مسلم)) (15/180).

([34]) انظر: ((تفسير البغوي)) (7/447).

([35]) أخرجه أبو داود (4607)، والترمذيُّ (2676)، وابن ماجه (42)، وأحمد (17184)، من حديث العِرباض بن ساريةَ رضي الله عنه.

قال الترمذيُّ: حسنٌ صحيح، وصحَّحه البزَّار كما في ((جامع بيان العلم)) لابن عبد البَرِّ (2/1164)، وابنُ تيميَّة في ((مجموع الفتاوى)) (20/309)، وابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (9/582)، والعراقي في ((الباعث على الخلاص)) (1)، وابن حجر العسقلاني في ((موافقة الخبر الخبر)) (1/136).

([36]) أخرجه البخاريُّ (5063)، ومسلم (1401) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

([37]) أخرجه مسلم (867) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.

([38]) أخرجه أبو داود (4604)، والترمذي (2664)، وابن ماجه (12)، وأحمد (17213) من حديث المِقدام بن مَعْدِ يكَرِبَ رضي الله عنه. جوَّد إسنادَه أحمدُ الحكمي في ((معارج القبول)) (3/1217)، وابنُ باز في ((مجموع فتاواه)) (1/245)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4604)، وحسَّنه لغيره الوادعيُّ في ((صحيح دلائل النبوة)) (591)، وصحَّح إسنادَه ووثَّق رجالَه شُعيبٌ الأرناؤوط في تحقيق ((مسند أحمد)) (4/130).

([39]) بلاغًا، وتقدَّم تخريجه.

([40]) ((روضة الناظر)) (1/470).

([41]) ((الإحكام في أصول الأحكام)) (1/308).

([42]) ((منهاج السنة النبوية)) (7/393-397).

([43]) ((الصواعق المحرِقة)) (2/439).

([44]) ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) (9/ 3975).

([45]) ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (4/260).

([46]) أخرجه مسلم (2408) من حديث زيد بن أَرقمَ رضي الله عنه.

([47]) ((المفهِم لِمَا أشكل من تلخيص كتاب مسلم)) (20/51).

([48]) ((تفسير ابن كثير)) (7/201).

([49]) ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) (9/3967).

([50]) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (3/37).

([51]) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (9/34).

([52]) انظر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر))لابن الأثير، مادة (عتر)، ((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (7/395)، ((التنوير شرح الجامع الصغير)) للصنعاني (2/376).

([53]) أخرجه الترمذي (3662)، وابن ماجه (97)، وأحمد (23293).

حسنه الترمذي، وابن عبدالبر في ((جامع بيان العلم)) (2/1165)، وابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (1/143)، وصححه ابن العربي في ((العواصم من القواصم)) (252)، وابن الملقن في ((شرح البخاري)) (13/555)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (3662).