مدونة المعارف

01‏/09‏/2015

سؤال وجواب مهم

السؤال:السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أكرمني الله بعائلةٍ مُحِبَّة للخير، تنسى الإساءة، وتُكرم الضيف، وتُحسن إلى اليتيم وتَصِل الرَّحِم، لكن للأسف كلُّ هذا يقابَل بالإساءة من الآخرين، ولا نجد مَن، يعترف بالجميل، بل قد يصل الأمر إلى الظلم والعنف والإساءة للسمعة والتجريح!
هذه المشكلةُ تُعاني منها عائلتي كلها - بكل أسف - وهنا السؤال:
هل نحن مخطئون بكثرة الإحسان لغيرنا؟ أو أن ما يحدث لنا قد يكون بسبب ذنوبنا؟ وماذا عسانا أن نفعلَ؟
الإجابة:الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
عظيمٌ أن يُرْجِعَ المسلم ما يَمُرُّ به من ابتلاءاتٍ إلى ذنوبه؛ فيدفعه هذا إلى التوبة العامة والخاصة؛ أعني: التوبة منالذنوب عامة، ومما اقترف مِن سيئة معينةٍ.
أما شكْواك مِن نكران الناس للمعروف، وجميل الصفات؛ فهذا كثيرٌ في الخلْق، إلا ما ندر، وهو اختبارٌ وامتحان للعبد فيما أنعم الله عليه مِن نِعَمٍ، وهذه حكمةُ الله في خلْقِه؛ خَلَقَ ليبتلِيَ ويمتحنَ ويختبرَ، فيظهر في العيان وواقع الناس ما كان مكنونًا داخل النفس، ومِن ثَم يترتب عليه آثارُه المقَدَّرة في كيان الوجود، وفق ما يظهر مِن نتائج ابتلائه.
فالحياةُ كلها - أيتها الفاضلة - ابتلاءٌ وامتحانٌ؛ كما قال الله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان: 2]، فالاختبارُ محكُّ الإيمانِ، ويتبين به الصادقُ مِن الكاذب، والمؤمنُ مِن المنافق، والطيبُ مِن الخبيث، فمَن صبر نجا مِن فتنة أعظم منها، ومَن لم يَصْبِرْ عليها وقَع في فتنة أشد منها.
فالفتنةُ في كل شيءٍ لا بد منها في الدنيا؛ ليعلمَ الصادق مِن الكاذب، لا سيما إن كان في الأعمال المتعدِّية للغير؛ كالصدقة، ليظهر هل يفعله لله فيصبر ويحتسب ويستمر؟ أو فعَلَهُ لغير الله؛ كحبّ الصيت، فيتحسر ويترك العمل.
فالعلاجُ الناجعُ لشكواكِ - أيتها الابنة الكريمة - هو إخلاص العمل لله، ومراقبته، واحتساب الأجر عنده سبحانه، وتحمُّل الأذى فيه، وهذا يتطلَّب استعانةً عظيمةً بالله.
واعلمي - أيتها الفاضلة - أنَّ الله تعالى امتحن عبادَهُ بعضهم ببعض؛ كما قال سبحانه: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان: 20].
وهذا عامٌّ في جميع الخلْقِ، امتحن بعضهم ببعض، فامتحن الرسلَ بالمرسل إليهم ودعوتهم إلى الحق والصبر على أذاهم، وتحمُّل المشاقّ في تبليغهم رسالات ربهم، وامتحن المرسل إليهم بالرسل، وهل يطيعونهم وينصرونهم ويصدقونهم؟ أو يكفرون بهم ويردون عليهم ويقاتلونهم؟
وامتحن العلماء بالجهال؛ هل يعلمونهم وينصحونهم ويصبرون على تعليمهم ونصحهم وإرشادهم ولوازم ذلك؟ وامتحن الجهال بالعلماء، هل يطيعونهم ويهتدون بهم؟ وامتحن الملوك بالرعية، والرعية بالملوك، وامتحن الأغنياء بالفقراء، والفقراء بالأغنياء، وامتحن الضعفاء بالأقوياء، والأقوياء بالضعفاء، والسادة بالأتباع والأتباع بالسادة.
وامتحن المالك بمملوكه، ومملوكه به، وامتحن الرجلَ بامرأته وامرأته به، وامتحن الرجال بالنساء والنساء بالرجال، والمؤمنين بالكفار والكفار بالمؤمنين، وامتحن الآمرين بالمعروف بمَن يأمرونهم، وامتحن المأمورين بهم؛ ولذلك كان فقراء المؤمنين وضعفاؤهم مِن أتباع الرسل فتنةً لأغنيائهم ورؤسائهم، امتنعوا من الإيمان بعد معرفتهم بصدق الرسل، وقالوا: {لَوْ كانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إلَيْهِ} [الأحقاف: 11] وقالوا لنوح - عليه السلام -: {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ} [الشعراء: 111]، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} [الأنعام: 53].
فإذا رأى الشريفُ الرئيسَ المسكينَ الذليلَ قد سبَقه إلى الإيمان ومُتابَعة الرسول، حمي وأنف أن يُسلمَ، فيكون مثله، وقال: أسلم فأكون أنا وهذا الوضيع على حدٍّ سواء؟
وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ} [الفرقان: 20]: قال الزجاج: "أي أتصبرون على البلاء، فقد عرفتم ما وجد الصابرون".
قرن الله سبحانه الفتنةَ بالصبر ها هنا، وفي قوله: {ثُمَّ إنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا} [النحل: 110]، فليس لمن قد فُتِنَ بفتنة دواءٌ مثل الصبر، فإن صبر كانت الفتنة مُمَحِّصة له، ومخلِّصة من الذنوب، كما يخلص الكير خبث الذهب والفضة؛ قاله ابن القيِّم في إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (2/ 160-162)
فالنفسُ الإنسانيةُ مليئةٌ بالانحرافات والالتواءات، والرغائبِ وأهواءِ القلوبِ، مِن الحرص والشُّحّ وحبِّ الخير للذات، وألوان غيرها كثير مِن ذوات الصدور، والدينُ الإسلامي عالَج هذا كله لتحقيق منهج الله في الأرض في صورة عمليةٍ واقعةٍ.
والشعراءُ والأدباءُ والمصلحون أشاروا لشيءٍ مِن تلك الالتواءات النفسية، ومِن أروع ما قيل قولُ أبي الطيب المتنبِّي:
وَمَا قَتَلَ الأَحْرَارَ  كَالعَفْوِ  عَنْهُمُ        ومَنْ لَكَ بِالحُرِّ الَّذِي يَحْفَظُ اليَدَا
إِذَا أَنْتَ أَكْرَمْتَ  الكَرِيمَ  مَلَكْتَهُ        وَإِنْ أَنْتَ أَكْرَمْتَ  اللَّئِيمَ  تَمَرَّدَا

فاثْبُتي على فِعْلِ الخير أنت وأسرتك، وأدِّي الذي عليك في مُواجهة التواءات النفس البشرية وجهْلِها، واعتزازها بما ألِفَتْ واستكبارها، واصبروا على التكاليف الإسلامية وعلى أذى الناس؛ حتى يحكمَ الله في الوقت المقدَّر كما يريد، واجعلي دائمًا نصب عينك هذه الآية الفاذة: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34].
وفقنا الله وجميع المسلمين للعمل بالكتاب والسنة.

28‏/05‏/2015

علي الهويريني ضيف برنامج لقاء الجمعة مع عبدالله المديفر - الدراما في رمضان

مرويات آل البيت في مصادر أهل السنة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله سلم وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

   يشكل على البعض القول بأن كتب أهل السنة مليئة بالأحاديث التي يرويها الصحابة، بينما لا نجدها تحوي من الأحاديث التي يرويها علي وفاطمة والحسن والحسين (رضي الله عنهم) الذين تربوا في أحضان النبي (صلى الله عليه وسلم) ورأوه أكثر مما رآه غيرهم إلا القليل؟ فهل السبب هو عدم وجود طريق صحيح إليهم؟ أم ماذا؟... إلى آخر هذه الشبهات.

والردّ على هذه الشبهة أن مقياس كثرة الروايات لا علاقة لها بالقُرب من النبي (صلى الله عليه وآله سلم) أو البُعد عنه، ولا تقدّم الإسلام أو تأخّره؛ وإنما المقياس التفرّغ لهذا الشأن، والتحديث بما سُمِع. فأحاديث أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) مثلاً قليلة، وذلك لاشتغاله بأعباء الخلافة، وبحروب الردّة. وكذلك الفاروق عمر (رضي الله عنه). وهذا خالد بن الوليد قليل الحديث جداً، وذلك لاشتغاله بالجهاد والمرابَطة. وكذا الكثير من الصحابة (رضي الله عنهم).

ومن جانب آخر، فالحسن (رضي الله عنه) وُلِد في السنة الثالثة للهجرة، والحسين (رضي الله عنه) ولد بعده بسنة؛ فعلى هذا تكون أعمارهم قُرابة السبع والست سنوات عند موت النبي (صلى الله عليه وآله سلم)؛ وهما يُعدّان من صغار الصحابة. وأما أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) فإن مروياته عند أهل السنة أكثر من مروياته عند غيرهم، وهو أكثر الخلفاء الراشدين رواية، وذلك لتأخّر وفاته وكثرة الرواة عنه.

أما المكثرين من الصحابة كعائشة، وأبي هريرة، والعبادلة، وغيرهم: فقد جاء عن أبي هريرة (رضي الله عنه) ذكر بعض أسباب ذلك بقوله: إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة! ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثاً، ثم يَتلو: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} إلى قوله {وَأنا التَّوّابُ الرَّحِيمُ}. إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله (صلى الله عليه وآله سلم) بِشبع بطنه، ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون. متفق عليه.

إلى غير ذلك من الأسباب التي تجعل الراوي أكثر أو أقل من غيره في الرواية.

ثم أعلم أن آل البيت ليسوا محصورين بأصحاب الكساء وذريتهم (رضي الله عنهم) فحسب، بل هم أعم من هذا الحصر، كما هو مبين في مظانه. فهذا ابن عباس حبر الأمة وتُرجمان القرآن (رضي الله عنهما) مثلاً، وهو من سادات أهل البيت، مروياته في كتب أهل السنة تبلغ الآلاف.

وهناك بحث جميل يبين كثرة روايات آل البيت (رحمهم الله) في كتب أهل السنة يحمل عنوان "الرد الجلي على شبهة عدم رواية أهل السنة عن آل علي" جمع فيه مصنفه عشرات الآلاف من الروايات عن آل علي بن أبي طالب (رضي الله عنهم) من مصادر أهل السنة، فليراجعه من أراد.

ونسأل الله أن يوفقنا لما فيه الخير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


للمرزيد للرد على شبهات الشيعة  : http://alburhan.com/main/articles.aspx?article_no=5884#.VWbQY3Iaa_c

29‏/01‏/2015

هداية إلهام لأمة خير الانام

الخطبة الأولى:
أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابتَغُوا إِلَيهِ الوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا في سَبِيلِهِ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ} [المائدة:35].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: رَوَى مُسلِمٌ وَغَيرُهُ عَن عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قُلِ اللَّهُمَّ اهدِني وَسَدِّدْني، وَاذكُرْ بَالهُدَى هِدَايَتَكَ الطَّرِيقَ، وَبِالسَّدَادِ سَدَادَ السَّهمِ».
الهِدَايَةُ وَالسَّدَادُ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ضَرُورَةٌ يَحتَاجُ إِلَيهَا كُلُّ مَن في الأَرضِ، الرَّجُلُ وَالمَرأَةُ، وَالصَّغِيرُ وَالكَبِيرُ، وَالطَّائِعُ وَالعَاصِي، وَالمُؤمِنُ وَالكَافِرُ، جَمِيعُهُم يَحتَاجُونَ إِلى الهِدَايَةِ وَالسَّدَادِ، وَكُلُّهُم في ضَرُورَةٍ إِلى أَن يَستَهدُوا رَبَّهُم وَيَطلُبُوا مِنهُ التَّوفِيقَ وَالرَّشَادَ. وَحِينَ يَظُنُّ بَعضُ النَّاسِ أَنَّهُ قَد بَلَغَ الغَايَةَ في الهِدَايَةِ، أَو لَبِسَ ثَوبَ الكَمَالِ في السَّدَادِ، فَإِنَّهُ لا بُدَّ أَن يَتَذَكَّرَ أَنَّهُ قَد أُوجِبَ عَلَيهِ أَن يَقرَأَ في كُلِّ يَومٍ أَكثَرَ مِن سَبعَ عَشرَةَ مَرَّةً قَولَ اللهِ جل وعلا: {اِهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} [الفاتحة:5]، وَلْيَتَذَكَّرْ قَولَ المَولى تعالى في الحَدِيثِ القُدسِيِّ الَّذِي رَوَاهُ مُسلِمٌ: «يَا عِبَادِي، كُلُّكُم ضَالٌّ إِلاَّ مَن هَدَيتُهُ، فَاستَهدُوني أَهدِكُم».

وَلْيَتَذَكَّرِ المُسلِمُ أَيضًا أَنَّ أَهدَى النَّاسِ عليه الصلاة والسلام كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيلِ افتَتَحَ صَلاتَهُ بِقَولِهِ: «اللَّهُمَّ رَبَّ جِبرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ عَالِمَ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنتَ تَحكُمُ بَينَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَختَلِفُونَ، اهدِنِي لما اختُلِفَ فِيهِ مِن الحَقِّ بِإِذنِكَ إِنَّكَ تَهدِي مَن تَشَاءُ إِلى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ» (رَوَاهُ مُسلِمٌ). وَعِندَ النَّسَائيِّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ عن جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا استَفتَحَ الصَّلاةَ كبَّرَ ثمَّ قالَ: «إنَّ صَلاتي وَنُسُكي وَمَحيَايَ وَمَمَاتي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرتُ وَأَنَا مِنَ المُسلِمِينَ، اللَّهُمَّ اهدِني لأَحسَنِ الأَعمَالِ وَأَحسَنِ الأَخلاقِ لا يَهدِي لأَحسَنِهَا إِلاَّ أَنتَ، وَقِني سَيِّئَ الأَعمَالِ وَسَيِّئَ الأَخلاقِ لا يَقِي سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنتَ»، وَعَنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما قَالَ: "عَلَّمَني رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ في قُنُوتِ الوِترِ: «اللَّهُمَّ اهدِني فِيمَن هَدَيتَ، وَعَافِني فِيمَن عَافَيتَ...»" (الحَدِيثَ رَوَاهُ أَهلُ السُّنَنِ وَغَيرُهُم وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ).

نَعَم أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّ العِبَادَ بِحَاجَةٍ إِلى رَبِّهِم في كُلِّ لَحظَةٍ مِن لَحَظَاتِ حَيَاتِهِم، وَلا غِنى لهم عَنهُ طَرفَةَ عَينٍ أَو لَمحَ بَصَرٍ، وَتَزدَادُ هَذِهِ الحَاجَةُ وَتَتَأَكَّدُ، وَنَحنُ اليَومَ في عَالمٍ اضطَرَبَت فِيهِ الأَفكَارُ وَتَاهَتِ العُقُولُ، وَحَارَتِ الأَفهَامُ وَزَلَّتِ الأَقدَامُ، وَتَكَلَّمُ الرُّوَيبِضَةُ وَنَطَقَ السُّفَهَاءُ، وَتَولىَّ الأَصَاغِرُ وَتَعَالَمَ الجُهَلاءُ، وَاجتَرَأَ فِيهِ كُلُّ مَن هَبَّ وَدَبَّ عَلَى شَرعِ اللهِ، وَتُكُلِّمَ فِيهِ بِغَيرِ عِلمٍ وَلا حُجَّةٍ، وَشُرِّقَ وَغُرِّبَ بِلا دَلِيلٍ وَلا بُرهَانٍ، حَتى تَزَعزَعَت بَعضُ الثَّوَابِتِ في قُلُوبِ أُنَاسٍ وَكَادُوا يَضِلُّونَ، بَل ضَلَّ مَن ضَلَّ وَانتَكَسَ مَنِ انتَكَسَ، وَهَذَا هُوَ عَينُ مَا ذَكَرَهُ الحَبِيبُ عليه الصلاة والسلام وَخَافَهُ عَلَى أُمَّتِهِ حَيثُ قَالَ: «إِنَّ اللهَ تعالى لا يَقبِضُ العِلمَ انتِزَاعًا يَنتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقبِضُ العِلمَ بِقَبضِ العُلَمَاءِ، حَتى إِذَا لم يُبقِ عَالمًا اتَّخذَّ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فَأَفتَوا بِغَيرِ عِلمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ). وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ أَخوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتي الأَئِمَّةُ المُضِلُّونَ» (رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ). وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ أَخوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ» (رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ).

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّ الهِدَايَةَ الَّتِي نَحتَاجُ إِلَيهَا، وَحَرِيٌّ بِنَا أَن نُلِحَّ عَلَى اللهِ في سُؤَالِهَا وَطَلَبِهَا، لَيسَت هِدَايَةَ العِلمِ فَحَسبُ، فَهَذِهِ لم تَزَلْ وَللهِ الحَمدُ مَوجُودَةً وَإِن عَلاها مَا عَلاهَا مِن غَبَشٍ بِسَبَبِ الأَئِمَّةِ المُضِلِّينَ وَالمُتَعَالِمِينَ المُتَفَاصِحِينَ، وَلَكِنَّ الهِدَايَةَ الأَهَمَّ وَالأَجَلَّ وَالأَعظَمَ، وَالَّتي هِيَ مَحضُ عَطَاءٍ مِنَ اللهِ لِمَن شَاءَ مِن عِبَادِهِ، حَيثُ لا يَملِكُهَا إِلاَّ هُو عز وجل، هِيَ هِدَايَةُ التَّوفِيقِ وَالإِلهَامِ، وَالإِيصَالِ إِلى الخَيرِ وَالتَّثبِيتِ عَلَيهِ، قَالَ سبحانه: {لَيسَ عَلَيكَ هُدَاهُم وَلَكِنَّ اللهَ يَهدِي مَن يَشَاءُ} [البقرة:272]، وَقَالَ تعالى: {إِنَّكَ لا تَهدِي مَن أَحبَبتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهدِي مَن يَشَاءُ} [القصص:56]، وَقَالَ جل وعلا: {مَن يَهدِ اللهُ فَهُوَ المُهتَدِ وَمَن يُضلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرشِدًا} [الكهف:17]، وَقَالَ سبحانه: {فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهدِيَهُ يَشرَحْ صَدرَهُ لِلإِسلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجعَلْ صَدرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام:125].


فَالقُلُوبُ بِيَدِ اللهِ سبحانه يُدخِلُ الإِيمَانَ بِرَحمَتِهِ في أَيٍّ مِنهَا شَاءَ، وَيَمنَعُهُ بِعَدلِهِ وَحِكمَتِهِ مَن شَاءَ، وَيُيَسِّرُ الهِدَايَةَ لِمَن شَاءَ، وَيَخذُلُ مَن شَاءَ، وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّم ٍلِلعَبِيدِ، وَمَن أَرَادَ أَن يَعرِفَ قَدرَ هَذِهِ الهِدَايَةِ وَعَظِيمِ امتِنَانِ اللهِ بها عَلَى مَن يَشَاءُ، فَلْيَنظُرْ إِلى أُولَئِكَ الَّذِينَ وَصَلَت بهم عُقُولُهُم إِلى غَزوِ الفَضَاءِ، وَصَنَعُوا مَا يُمَكِّنُهُم مِنَ العَيشِ تَحتَ المَاءَ، وَاهتَدُوا بِتَفكِيرِهِم إِلى صِنَاعَةِ أَعتَى القَنَابِلِ وَأَدَقِّ الأَجهِزَةِ، ثم هُم مَعَ هَذا لم يُهدَوا لِيَحنُوا ظُهُورَهُم لِرَبِّهِم رُكَّعًا، وَلم يُوَفَّقُوا لِتَعفِيرِ جِبَاهِهِم بَينَ يَدَي مَولاهُم سُجَّدًّا، وَبَقُوا مُنغَمِسِينَ في أَوحَالِ الضَّلالِ، مُظلِمَةً بِهِ أَروَاحُهُم وَقَلُوبُهُم، طَويلاً مِنهُ شَقَاؤُهُم وَعَنَاؤُهُم، قَد رَضُوا بِالحَيَاةِ الدُّنيَا وَاطمَأَنُّوا بها، وَغَفَلُوا عَن آيَاتِ اللهِ الشَّرعِيَّةِ وَالكَونِيَّةِ، لا يَرجُونَ في الآخِرَةِ فَوزًا وَلا فَلاحًا، وَلا يَنتَظِرُونَ نَجَاةً وَلا سَعَادَةً.

وَهَكَذَا إِخوَةَ الإِيمَانِ فَإِنَّ مَن لم يَهدِهِ اللهُ لِطَرِيقِ الحَقِّ وَيُوَفِّقْهُ لِسُلُوكِهِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ نَادَاهُ صَوتُ الفِطرَةِ مِن دَاخِلِهِ، أَو بَدَت أَمَامَهُ الحِجَجُ الدَّامِغَاتُ وَالآيَاتُ البَيِّنَاتُ، إِلاَّ أَنَّهُ لا يُؤمِنُ وَلا يَعرِفُ طَرِيقَ الحَقِّ، وَمِن أَكبَرِ أَسبَابِ ذَلِكَ وَالعِلمُ عِندَ اللهِ الكِبرُ وَالطُّغيَانُ وَالاعتِدَادُ بِالنَّفسِ وَالعِنَادُ، وَشِدَّةُ الغَفلَةِ وَعَدَمُ الخُضُوعِ لِلحَقِّ وَإِن ظَهَرَ، قَالَ سبحانه: {سَأَصرِفُ عَن آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ في الأَرضِ بِغَيرِ الحَقِّ وَإِن يَرَوا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤمِنُوا بها وَإِن يَرَوا سَبِيلَ الرُّشدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُم كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنهَا غَافِلِينَ} [الأعراف:146]، وَقَالَ سبحانه: {وَنُقَلِّبُ أَفئِدَتَهُم وَأَبصَارَهُم كَمَا لم يُؤمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُم في طُغيَانِهِم يَعمَهُونَ} [الأنعام:110]، وَقَالَ جل وعلا: {وَإِذَا مَا أُنزِلَت سُورَةٌ فَمِنهُم مَن يَقُولُ أَيُّكُم زَادَتهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتهُم إِيمَانًا وَهُم يَستَبشِرُونَ . وَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَتهُم رِجسًا إِلى رِجسِهِم وَمَاتُوا وَهُم كَافِرُونَ} [التوبة:124-125]، وَقَالَ عز وجل: {نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم} [الحشر:19]، وَقَالَ تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُم وَاللهُ لَا يَهدِي القَومَ الفَاسِقِينَ} [الصف:5].

أَلا فَمَا أَحرَى المُسلِمَ أَن يَنطَرِحَ بَينَ يَدَي رَبِّهِ وَيُقبِلَ عَلَيهِ مُخلِصًا مِن قَلبِهِ، وَيَسأَلَهُ سُؤَالَ الخَائِفِ الذَّلِيلِ الخَاضِعِ المُستَكِينِ، أَن يَهدِيَهُ وَيُعِينَهُ وَيُرشِدَهُ وَيُسَدِّدَهُ، وَيُثَبِّتَهُ عَلَى الهُدَى حَتى يَلقَاهُ، وَمَن فَعَلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ حَرِيٌّ بِأَن يَزِيدَهُ اللهُ مِن فَضلِهِ، كَمَا قَالَ سبحانه: {وَالَّذِينَ اهتَدَوا زَادَهُم هُدًى وَآتَاهُم تَقوَاهُم} [محمد:17]، وَقَد وَجَّهَ بِذَلِكَ نَبِيُّنَا عليه الصلاة والسلام مَن يُحِبُّهُ وَأَمَرَهُ بِهِ، فَعَن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ بِيَدِهِ يَومًا ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ، وَاللهِ إِني لأُحِبُّكَ»، فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: "بِأَبي أَنتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَنَا وَاللهِ أُحِبُّكَ"، قَالَ: «أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ، لا تَدَعَنَّ في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ أَن تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ» (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائيُّ وَغَيرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ).

قَالَ شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيِّمِيَّةَ رحمه الله: "إِذَا أُلهِمَ العَبدُ أَن يَسأَلَ اللهَ الهِدَايَةَ وَيَستَعِينَهُ عَلَى طَاعَتِهِ أَعَانَهُ وَهَدَاهُ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ سَعَادَتِهِ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ، وَإِذَا خُذِلَ العَبدُ فَلَم يَعبُدِ اللهَ وَلم يَستَعِنْ بِهِ وَلم يَتَوَكَّلْ عَلَيهِ، وُكِلَ إِلى حَولِهِ وَقُوَّتِهِ، فَيُوَلِّيهِ الشَّيطَانَ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَشَقِيَ في الدُّنيَا وَالآخِرَة". وَقَالَ رحمه الله: "وَلِهَذَا كَانَ أَنفَعُ الدُّعَاءِ وَأَعظَمُهُ وَأَحكَمُهُ دُعَاءَ الفَاتِحَةِ {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِم وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:5-7]، فَإِنَّهُ إِذَا هَدَاهُ هَذَا الصِّرَاطَ أَعَانَهُ عَلَى طَاعَتِهِ وَتَركِ مَعصِيَتِهِ، فَلَم يُصِبْهُ شَرٌّ لا في الدُّنيا وَلا في الآخِرَةِ... اللَّهُمَّ اهدِنَا وَيَسِّرِ الهُدَى لَنَا، وَأَلهِمْنَا رُشدَنَا وَقِنَا شَرَّ أَنفُسِنَا.


الخطبة الثانية:
أَمَّا بَعدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ تعالى وَاحمَدُوهُ عَلَى مَا هَدَاكُم، وَإِيَّاكُم وَالنُّكُوصَ عَلَى الأَعقَابِ إِيَّاكُم ثُمَّ إِيَّاكُم، فَإِنَّ مِنَ الظُّلمِ البَيِّنِ وَالخُسرَانِ الفَادِحِ، أَن يَهدِيَ اللهُ عَبدًا لِلإِيمَانِ وَيُذِيقَهُ حَلاوَتَهُ، ثم يَكفُرَ نِعمَةَ اللهِ عَلَيهِ، وَيَغتَرَّ بِكَثرَةِ المُتَسَاقِطِينَ مِن حَولِهِ، فَيَختَارَ لِنَفسِهِ طَرِيقَ الشَّقَاءِ بَعدَ السَّعَادَةِ، وَيُفَرِّطَ فِيمَا حَصَّلَ وَيَخسَرَ ما اكتَسَبَ، قَالَ سبحانه: {كَيفَ يَهدِي اللهُ قَومًا كَفَرُوا بَعدَ إِيمَانِهِم وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَاللهُ لَا يَهدِي القَومَ الظَّالمِينَ . أُولَئِكَ جَزَاؤُهُم أَنَّ عَلَيهِم لَعنَةَ اللهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجمَعِينَ . خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنهُمُ العَذَابُ وَلا هُم يُنظَرُونَ . إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعدِ ذَلِكَ وَأَصلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:86-89]، وَقَالَ تعالى: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَومًا بَعدَ إِذْ هَدَاهُم حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ} [التوبة:115].

وَإِنَّ المُؤمِنَ لَيَعجَبُ مِن قَومٍ اصطَفَاهُم اللهُ وَاختَارَهُم، وَجَعَلَهُم حَمَلَةً لِلعِلمِ وَقَادَةً لِلعَمَلِ، وَمَحَطًّا لأَنظَارِ المُسلِمِينَ وَقُدُوَاتٍ لِلسَّالِكِينَ، ثم هُم يَتَقَهقَرُونَ وَيَتَرَاجَعُونَ، وَيَنقَادُونَ لِهَوى أَنفُسِهِم وَشَهَوَاتِهِم، فَيُوَجِّهُونَ قُلُوبَهُم وَيَرمُونُ بِأَبصَارِهِم لِقَومٍ مِنَ المَغضُوبِ عَلَيهِم أَوِ الضَّالِّينَ، وَيُقَلِّدُوهُم في أَخلاقِهِم وَعَادَاتِهِم، أَو يَسعَوا في فَرضِ شَيءٍ مِن أَنظِمَتِهِم الضَّالَّةِ عَلَى مُجتَمَعَاتِ المُسلِمِينَ، غَافِلِينَ أَو مُتَغَافِلِينَ، عَن أَنَّ ذَلِكَ خُذلانٌ وَخَسَارَةٌ وَظُلمٌ، وَاستِبدَالٌ لِلأَدنى بِالَّذِي هُوَ خَيرٌ، قَالَ سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاءَ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم إِنَّ اللهَ لا يَهدِي القَومَ الظَّالمِينَ} [المائدة:51] إِنَّهُ إِتْبَاعُ النُّفُوسِ أَهوَاءَهَا، هُوَ شَرُّ أَمرَاضِهَا وَأَدوَائِهَا، وَأَشَدُّ مَا يَصرِفُهَا عَنِ الهُدَى وَيَصُدُّهَا عَنِ الحَقِّ، قال سبحانه: {قُلْ فَأتُوا بِكِتَابٍ مِن عِندِ اللهِ هُوَ أَهدَى مِنهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُم صَادِقِينَ . فَإِن لم يَستَجِيبُوا لَكَ فَاعلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهوَاءَهُم وَمَن أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيرِ هُدًى مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهدِي القَومَ الظَّالمِينَ} [القصص:49-50].
.
أَلا فَلْنَحذَرْ الضَّلالَ وَالمُضِلِّينَ، فَقَد قَالَ رَبُّنَا سبحانه: {يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُم وَيَهدِيَكُم سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبلِكُم وَيَتُوبَ عَلَيكُم وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيكُم وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيلاً عَظِيمًا} [النساء:26-27].

الكاتب / عبد الله بن محمد البصري