مدونة المعارف

30‏/12‏/2009

الدعوة إلى الله في السلوك اليومي


إن الدعوة الى الله جزء من حياة المسلم اليومية في بيته ومع أسرته وفي عمله وطريقه ومع زملائه وفي جميع أحواله ، قال تعالى " ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين "
وإن من أعظم وسائل الدعوة الى الله السلوك العملي للداعية وثبات المسلم على مبادئه وأخلاقه التي هذبه بها دينه الإسلامي الحنيف ، فالطبيب المسلم يدعو الى الله بسلوكه قبل قوله لأن تأثير الأفعال أبلغ من الأقوال ، والإيمان كما هو معلوم ما وقر في القلب وصدقه العمل ، لذا فإن إلتزام الطبيب المسلم وإتقانه لعمله وحرصه الشديد على مرضاه وأدائه لما أوكل إليه من مهمات على أكمل وجه ومراقبة الله في ذلك ، وحسن تعامله مع مرضاه وزملائه ورؤسائه ومرءوسيه من أعظم الوسائل التي تأسر القلوب وتعطي صورة مشرقة للطبيب المسلم ، أما عندما يكون الطبيب المسلم مهملاً في عمله كسولاً لا يتقن ما أوكل إليه من مهمات فإن ذلك ينفر القلوب من حوله ولا يكون لدعوته تأثير على الآخرين .
وإن العودة لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته وأخلاقه فهو القدوة لهذه البشرية قال تعالى " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً "
وهكذا يرى المسلم كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن سلوكاً عملياً في حياته اليومية في بيته ومع أزواجه رضوان الله عليهن أجمعين ومع أصحابه رضوان الله عليهم ، بل وحتى مع أعدائه من الكفار والمنافقين ، يتأدب بآدابه التي شرعها الله قال تعالى " وإنك لعلى خلق عظيم " وعن عائشة رضى الله عنها قالت " كان خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم القرآن " رواه مسلم .
وعن أنس رضي الله عنه قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً " متفق عليه .
إن الدعوة الى الله تحتاج الى إخلاص العمل لله عز وجل وإصلاح النفس وتهذيبها وتزكيتها وأن يكون لدى الداعية فقه في الدعوة الى الله وفق منهج الله الذي شرعه لعباده ، وهذا الجانب يحتاج من الطبيب إلى التفقه في الدين في الأمور التي تواجهه في ممارساته اليومية ، وسؤال أهل العلم قال تعالى " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " ومجالسة العلماء وحضور بعض حلقات الذكر وطلب العلم في مجال التخصص .
ولكي نحاول أن نترجم أقوالنا إلى سلوكيات يومية في حياتنا فدعونا نبدأ هذا اليوم الجديد في حياة طبيب مسلم في بداية مشواره العملي ، وهو يذهب في الصباح الباكر إلى عمله في المستشفى أو المركز الصحي وهو يستشعر النية فينوي بعمله التقرب إلى الله وإعانة إخوانه المرضى ونفعهم ، فإنه بهذه النية الخالصة لله ينال بها أجري الدنيا والآخرة ، فإذا دخل المستشفى وشارك في اللقاء الصباحي لمناقشة الحالات المرضية لإخوانه المرضى فانه ينوي بذلك طلب العلم ، لإتقان هذه الأمانة ورفع كفاءته العلمية ، ومن ثم يكون هناك المرور على المرضى المنومين ، يستشعر بذلك نية زيارة المرضى فينال بذلك أجر عظيماً لزيارة المريض ، ومن ثم ينهمك الطبيب المسلم في عمله بكل جد وإخلاص وإتقان ، فيستمع الى مرضاه ويتواضع معهم ويعطف عليهم ، ويغض بصره عما حرم الله ، ويبذل قصارى جهده في علاجهم وفق المنهج العلمي الصحيح مع التوكل على الله ودعاء الله لهم بالشفاء .
والطبيب المسلم يتفقد أحوال مرضاه مع الطهارة وأداء الصلاة ،فإن بعض المرضى قد يجهل ذلك فيؤخر الصلاة عن وقتها أو يتكاسل عنها جهلاً منه بأحكام الطهارة والصلاة للمريض ، ولذا فإنه ينبغي توجيه المرضى لذلك برفق ولين وحسن أدب ، وهناك ولله الحمد والمنه الكثير من النشرات والكتيبات لعلمائنا الأفاضل وفقهم الله وغفر لهم عن أحكام طهارة وصلاة المريض والتي يمكن إهداءها للمرضى .
وعندما يرى الطبيب المسلم منكراً من المنكرات في المستشفى أو في محيط عمله أو في طريقه فإنه يتذكر واجباً شرعياً وركناً أساسياً وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيسعى في إنكار المنكر بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه بشرط أن يكون ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة وإلتزام الرفق واللين والبعد عن الغلظة ورفع الأصوات وإثارة الآخرين ، وألا يترتب على ذلك مفسدة ، فالمسلم مأمور بالتوجيه والإرشاد وليس عليه تحقيق النتائج فإن التوفيق والهداية بيد الله عز وجل.
وهذا الجانب يحتاج إلى فقه الداعية في أساليب الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وألا تترك هذه إلى إجتهادات شخصية بل يجب أن يكون ذلك وفق أدب وأخلاق المسلم المتفقه في دينه الذي يدعو إلى الله على بصيرة، ولعل مما يساعد على ذلك ما أنشأته وزارة الصحة حديثاً من مكاتب دينية في المستشفيات للقيام ببعض هذه المهمات وفق أسس وأنظمة المستشفى حتى لا يترتب على ذلك مفاسد.
وعندما يحين موعد الآذان تجد الطبيب المسلم يقف وقفة قصيرة بدون أن يؤثر ذلك على عمله، مع كلمات الآذان فيرددها ويستشعر معانيها فتزكوا بذلك النفس وتزداد قوة وعزيمة لأداء الصلاة تلك الشعيرة العظيمة والمحطة الإيمانية التي ينبغي المحافظة عليها في أوقاتها مع جماعة المسلمين، والحرص على الصف الأول لما في ذلك من الأجر العظيم كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل النداء والصف الأول .
والطبيبة المسلمة ينطبق عليها ما ذكر ، مع أهمية أداءها لعملها بسكينة ووقار وحشمة بعيدة عن الاختلاط بالرجال ، متأدبة بكلامها ، وتصرفاتها ومتحجبة بالحجاب الشرعي الذي تتعبد الله به ، صابرة محتسبة الأجر من الله في تخفيف الآلام عن بنات جنسها ، فالطبيبة المسلمة داعية إلى الله بسلوكها وحسن أدبها مع بنات جنسها من المريضات والعاملات والممرضات ن تحب الخير للآخرين ، ذات روح ونفس زكية في تعاملاتها ، ومع ذلك فهي تحرص على التوازن في حياتها ، فلا يطغى جانب على أخر ، فتهتم بأسرتها وزوجها وأولادها مع إتقانها لعملها الطبي الهام .
وأؤكد أن الطبيبة المسلمة يجب أن تكون قدوة حسنة في التزامها بالحجاب الشرعي في محيط العمل لتكون بذلك داعية بسلوكها ، وعليها أن توجه أخواتها ممن تساهلن بالحجاب بالرفق واللين والموعظة الحسنة وان تبين لهن أن الحجاب عبادة لله عز وجل وليست قيداً أو عادة تضيق المرأة منها مع تذكيرهن بقوله تبارك وتعالى " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم .... الآية " .
وهكذا تجد أن الطبيب المسلم والطبيبة المسلمة يدعو إلى الله من خلال سلوكها اليومي ، فالدعوة جزء هام من حياتهما يحتسبان الأجر فيهما من الله عز وجل قال تعالى " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين "
والله أسال أن يوفق اخوتي وأخواتي من العاملين في المجال الصحي لما فيه الخير في الدنيا والآخرة ن وان يعيننا على إصلاح أنفسنا ، والدعوة إلى الله بالقول والعمل انه ولى ذلك والقادر عليه

وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .


المصدر / أطباء الحرمين

28‏/12‏/2009

فيضٌ من الرحمات

" ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكراً عليماً " [النساء: 147]
انسابت كلمات هذه الآية إلى مسمعي بهدوءٍ لا يُضاهى .. وكأنني أسمعها لأول مرة ..
فأدمعت عيني وأيقظت في قلبي نبضاً اشتقتُ له ..
وجلستُ أتأمل معناها.. يا الله! .. ما أرحمك بنا!

:
(( جعل الله الرحمة مائة جزء، أنزل في الأرض جزءاً واحداً، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه ))
حديث صحيح

(( الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ))
حديث صحيح
(( إن رحمتي تغلب غضبي ))
حديث قدسي صحيح
(( فَٱللَّهُ خَيْرٌ حَـٰفِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرحِمِينَ ))
[يوسف:64]
(( وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْء فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـوٰةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِـئَايَـٰتِنَا يُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِىَّ ٱلامّىَّ ))
[الأعراف:156، 157]
(( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَـٰتٍ لّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبّكَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ ))
[الزخرف:22]
ورحمة ربك خير مما يجمعون ..
كم مرة يسّر لنا الله عز وجل طاعة ً ؟ وكم مرة عسّر علينا معصية وأبعدها عنا ؟
كم مرة كان بيننا وبين الموت بضعة شعيرات فأنجانا برحمته ؟ كم مرة ابتُلينا بكربٍ عظيم لم نعلم الحكمة منه إلا بعد سنوات ؟
كم مرة يسّر الله عز وجل لنا سبُلاً لأمور ٍ كنا نشعر أنه يستحيل علينا تحقيقها فأتانا التيسير من حيث لم نحتسب ..؟
كم مرة سمعنا أو قرأنا عن قصة رجل أخّره نومه عن موعد الطائرة فغادرت المطار قبل أن يصل.. فحزن لذلك واشتد همّه فإذا به عند المساء يسمع خبر سقوط تلك الطائرة التي كان سيستقلها ؟
كم مرة سمعنا قصصاً مشابهة لتلك القصة التي تتجلى فيها رحمة الله جل في علاه ، ولطفه بنا ..؟
كم مرة سمعنا عن خطبة شابٍ وفتاة انتهت لسببٍ مفاجئ لم يفهم كلا الطرفين مغزاه إلا بعد فترة من الزمن ..
فحمدا الله أن أنهى أمرهما وأبدلهما خيراً وإلا كانت حياتهما ستصبح بحراً متلاطم الأمواج ..؟
فالحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه..
الحمد لله على نعمة الرحمة التي يغمرنا بها جل في علاه..
فيضٌ من الرحمة واللهِ نعيش فيه يا أخواتي .. فهلا استشعرنا هذه الرحمات التي تحيط بنا وشكرنا هذه النعمة ؟
والكون كله يشهد بذلك..
فمن رحمة الله عز وجل بنا أننا لا نرى الجراثيم والبكتيريا وإلا لأصبحت حياتنا لا تُطاق ..
ومن رحمة الله عز وجل بنا أننا لا نسمع الأصوات العالية جداً والتي يبلغ ارتفاعها : 16000 هرتز.. وإلا لتسبب ذاك الارتفاع لآذاننا بفقدان السمع ..
ومن رحمة الله بنا أن لم يجعل كل أعمال المؤمن تنقطع بعد وفاته.. بل جعل الدعاء والصدقة تصلان ميزان حسناته..
فتكون له رحمة من الله جل في علاه.. وبنفس الوقت تكون سلواناً لمن فارقه من أهله وأحبابه.. تثلج صدورهم وتشعرهم بشيء من الاطمئنان على من فارقوا ..
من رحمة الله عز وجل أنه يرسل لنا رسائل بسيطة المبنى عظيمة المعنى .. تهز كياننا وتغيّر مجرى حياتنا من الخطأ إلى الصواب وتوقظ نفوسنا الغافلة ..
فمن تلك الرسائل : موت قريب أو صديق .. حادث .. خبر مؤثر .. كلمة نسمعها في محاضرة.. والكثير الكثير من الرسائل الربانية التي تصلنا فتحدث نقلة نوعية في حياتنا..
حتى همومنا وجراحنا ما هي إلا هدايا القدر .. أرسلها لنا الله عز وجل لكي تكون كفارة ً لذنوبنا في الدنيا..
ولـولا الـهــدى ربنــا واليقـيـن ........ لضاعت زهــور الجـراح سـدى
جــراحـي ومــاذا تكـون الجـراح ....... أليسـت جراحي هدايـا القـدر؟
إذا ما ارتضيـت يــطيــر الجنــاح ...... يـكحــل بالنــور عـيـن القمــر
لك الحمد في الليل حتى الصباح ... لك الحمد في الصبح حتى السحر
جراحــي وما لي جراح ســوى ...... ذنـوبـي فكيـف أداوي الـذنـوب؟

لو تأمل كلّ منا ما حوله لوجد رحمة الله عز وجل تحيط به من كل جانب..
سبحان من أجرى لهاجر زمزما بين الرمال القاحلة..
سبحان من ساق الهداية لأهل سبأ من خلال هدهد ..
سبحان الرحمن الرحيم ..

المؤمن مرآة أخيه(*)


عن أبي هريرة _رضي الله عنه قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "المؤمن مرآة أخيه"(1) هذا الحديث حسنه بعض أهل العلم، وقد اشتمل على معان حسنة. وفيه جملة بليغة من الذي قال: "بعثت بجوامع الكلم"(2)، قال أبوموسى: "وكان رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قد أعطي جوامع الكلم بخواتمه"(3).
فالعبارة الواحدة منه _عليه الصلاة والسلام_ تحتاج منا إلى كتابات كثيرة ومقالات عديدة ثم لا نستوفي بذلك ما فيها من حكم وعبر فحديث: "يا أبا عمير ما فعل النغير؟"(4) من العلماء من صنف فيه كابن القاص الذي انتزع منه ستين فائدة، وزاد عليها بعضهم!
وهذه العبارة الجامعة منه _صلى الله عليه وسلم_: "المؤمن مرآة أخيه"، فيها ضوابط النصيحة في ثوب المثال.
وذلك لأن المثل أوقع في النفس من الكلام المجرد وأبقى في الذهن ولذا كثر في القرآن، وهذه العبارة منه _صلى الله عليه وسلم_ يسميها البلاغيون بالتشبيه البليغ، وهو ما حذف منه الأداة ووجه الشبه كما في هذا الحديث، والمراد أن المسلم يعمل عمل المرآة لصاحبها، فماذا تعمل المرآة وكيف تعمل؟
المرآة تكشف الأدران البدنية التي تلحق بنا وكذا المسلم يكشف لأخيه ما به من عيوب وأدران معنوية وذلك من خلال المناصحه.
والمرآة تكشف الأدران الحسية بلطف، فليس لها عصا غليظة تشير بها إلي موضع الدرن في الجسد، وكذا المسلم يبين لأخيه العيوب بأسلوب حسن وكلام لطيف لأنه يرى أن عليه إصلاحه.
والمرآة لا تكشف العيوب لغير حاملها فلا تكشف الأدران لغير حاملهاكذا المسلم لا يفضح أخاه، بل يناصحه في السر ومما ينسب للإمام الشافعي قوله:
تغمدني بنصحك في انفرادٍ

وجنبني النصيحة في الجماعة

فإن النصح بين الناس نوع
من التوبيخ لا أرضى استماعه


والمرآة لا تذهب بعد أن تكشف الأدران بل تبقي معينة علي إزالتها، وكذا المسلم يبقي معين لك علي إزالة ما أنت فيه من الأخطاء والعيوب، ولا ينتقد نقداً سلبياً هداماً لأجل النقد فحسب.
ثم إن المرآة لا تحدث بصورتك غيرك، ولا تعرضها لسواك في غيبتك، فلا تفشي سرك عند الآخرين، وكذلك ينبغي أن يكون الأخ المسلم.
بل إن المرآة لا تحفظ الصورة التي نكون عليها سابقا، فإذا أتى أحد بعدُ لا يرى من وقف أمامها حال كونه متسخاً، أو حال إزالته الأوساخ عن جسده، وكذا المسلم فإنه ينسي ما بأخيه من العيوب بمجرد أن تزول عنه، وتبقى صورة أخيه خالية من العيوب في ذهنه، فضلاً عن أن يبث ما رأى من عيب.
وبقدر ما تكون المرآة نقية يكون كشفها للعيوب أوضح وشفافيتها في ذلك أكثر، وكذا المسلم بقدر ما تكون نفسه أنقى وقلبه لله أتقي يكون شعوره بالعيب والخطاء أكثر، ولذا فإن على المسلم أن يصحب تقيا عارفا يعرفه عيوب نفسه، وقد قال عمر _رضي الله عنه_: "رحم الله عبداً أهدى إلي عيوبي".
وأخيراً كثير من الناس يعرضون أنفسهم علي المرآة كلما مر عليه وقت أو تغير لهم حال كالنوم مثلاً، فكذا ينبغي للعاقل أن يطلب النصيحة من أهل الصلاح والتقي كل ما مر عليه زمان، أو طرأ عليه طارئ، وليجعل أهل الخير والعقل مرآته.
والله المسؤول أن يصلح أحوالنا، وأحوال المسلمين،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فضيلة الشيخ / أ.د. ناصر بن سليمان العمر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر موقع المسلم .. (*) من إعداد المكتب العلمي لفضيلة الشيخ ناصر العمر بإشرافه.
(1) أرجه ابن وهب في الجامع، والبيهقي في الشعب 6/113/7645 والبخاري في الأدب المفرد 239وغيرهم وله شواهد تنظر الصحيحة للألباني رقم (926) 2/596.
(2) متفق عليه من حديث أبي هريرة؛ البخاري 3/1087 (2815)، ومسلم 1/371 (523).
(3) صحيح مسلم 3/1585 (2001).
(4) متفق عليه من حديث أنس؛ البخاري 5/2291 (5850)، ومسلم 3/1692 (2150).