مدونة المعارف

‏إظهار الرسائل ذات التسميات دينة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات دينة. إظهار كافة الرسائل

28‏/11‏/2016

{وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ}

من أجل الحكم والمواعظ في القرآن الكريم بيان أفضلية الآخرة وعظيم عاقبة من تزود لها، قال الله تعالى:{وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ} [الأعلى:17]، وفي ذلك يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: "وللآخرة خير من الدنيا في كل وصف مطلوب، وأبقى لكونها دار خلد وبقاء وصفاء، والدنيا دار فناء، فالمؤمن العاقل لا يختار الأردأ على الأجود، ولا يبيع لذة ساعة، بترحة الأبد، فحب الدنيا وإيثارها على الآخرة رأس كل خطيئة" (تفسير السعدي).

وفي السنة النبوية منبع عذب للارتواء بمثل كريم لمعرفة قدر الآخرة والسعي لها، فعَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها: " أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَقِيَ مِنْهَا؟ قَالَتْ: مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا كَتِفُهَا، قَالَ: بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا»(الألباني)، فما أجمل الألفاظ النبوية في تقرير هذه الحقيقة التي يدركها المخلصون ويتسابق في تفعيلها المؤمنون، وذلك إدراكا للأجر وتحصيلا للثواب واستعدادا ليوم الحساب، فلنسارع بعمل الخير، ولنكرس أموالنا وأوقاتنا ومواردنا للموعد العظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين، ولنعلم يقينا أن الآخرة خير وأبقى.

نسأل الله الملك القدوس أن يرزقنا الحكمة والعمل الصالح، والحمد لله رب العالمين ونصلي ونسلم على خير الخلق أجمعين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.

02‏/06‏/2016

رمضان أهلا يا شهر الخير والبركة

(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ))
هذه الآية وهي قوله تعالى :
((شَهْرُ رَمَضَانَ )):
هي آية تفسيرية للأيام التي أمرنا في الصيام فيها في قوله تعالى :
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{183} أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ ))
والشهر بعمومه :
إنا سمي بهذا الاسم لاشتهاره بين الناس
ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام :
((الصوم يوم يصوم الناس ، والفطر يوم يفطر الناس  ))
ولذا يرى بعض العلماء: أن من رأى الهلال وحده يعني من رأى هلال رمضان لوحده فإنه لا يصوم مع أنه رآه فإذا رأى الهلال ثم ردت شهادته فإنه والحالة هذه عند بعض العلماء لا يصوم
لماذا ؟
لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال :
((الصوم يوم يصوم الناس،والفطر يوم يفطر الناس  ))
ولأن الشهر ما هلَّ واشتهر بين الناس  ، وهذا الشهر لم يشتهر إلا عند هذا الشخص بمفرده
وسمي رمضان بهذا الاسم :
– وكان يسمى في الجاهلية ناتق يسمى بشهر ناتق لكنه في الإسلام سمي برمضان
لماذا سمي شهر رمضان بهذا  الاسم ؟
قال بعض العلماء :
لأنه يرمض يعني يحرق الذنوب
فمن مزايا هذا الشهر:
أنه يحرق  الذنوب مأخوذ من :
الرمضاء
وذلك أن الرمل إذا ضربته الشمس انبعثت منه حرارة وكذلك الأرض إذا ضربت بحرارة الشمس يقال : هذه أرض  رمضاء
ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام – كما عند مسلم – قال : (( صلاة الأوابين ))
يعني :
صلاة الضحى وصلاة من هو أوَّاب  رجَّاع تواب إلى الله :
(( صلاة الأوابين حين ترمض الفصال ))
يعني  :
حين يشتد الحر
يعني : قبيل الظهر بما يقارب النصف الساعة أو أكثر بقليل
هذا هو وقت صلاة الأوابين يؤدون فيه صلاة الضحى
قال عليه الصلاة والسلام :
(( صلاة الأوابين حين ترمض الفصال ))
ما هي الفصال ؟
الفصال : هي صغار الإبل فإنها تمشي في الرمضاء فإذا احترقت أخفافها من شدة الحرارة بركت
فهذا هو وقت صلاة الأوابين يصلون فيه صلاة الضحى
إذاً :
سمي هذا الشهر بهذا الاسم لأنه يرمض الذنوب ويحرقها
وهذا واضح من قوله عليه الصلاة والسلام :
((  من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))
(( من قام رمضان – يعني : صلاة التراويح – من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))
(( من قام ليلة القدر – وليلة القدر أين ؟ في رمضان – من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))
وقول النبي عليه الصلاة والسلام:
لما صعد المنبر وقال : آمين آمين آمين
فقال الصحابة : علام آمَّنتَ يا رسول الله ؟
فقال : آتاني جبريل وقال : يا محمد رغم انف امرئ أدرك شهر رمضان فمات فلم يغفر له فأبعده الله فأدخله النار قلْ : آمين فقلتُ : آمين ))
إذاً :
هذا الشهر فرصة لنا أن نكفر فيه سيئاتنا وذلك بالإقبال على الله وبترك الذنوب
ولذا :
أتيحت لنا الأسباب هيئت لنا الفرص :
(( يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر ))
وقال بعض العلماء :
سمي هذا الشهر بهذا الاسم لأن حرارة الموعظة تصل إلى القلوب
فالقلوب مقبلة :
فحينما يتحدث المتحدث وحينما يعظ الواعظ تجد أن القلوب المؤمنة التقية مقبلة على هذه  الموعظة وتستقبل هذه الموعظة برحابة صدر بل إن هذه الموعظة يكون لها أثرها الإيجابي على سلوك المسلم في هذا الشهر مما لا يكون في غيره
وقال بعض العلماء :
لأن هذا الصوم يقع في شهر حار ،
وإن كنتم تذكرون :
فإن النصارى وقع أمر وجوب  الصيام عليهم في شهر حار فلما امترض أحد زعمائهم أضافوا إليه عشرين يوما فأصبحت خمسين يوما
كما صح بذلك الخبر عن ابن حنظلة الصحابي رضي الله عنه
ثم لما شق عليهم هذا العدد في هذا الشهر الحار نقلوه إلى شهر ربيع
ولذا سيأتي معنا في قوله تعالى :
((وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ))
على أوجه بعض التفسير :
أن الله هدانا لهذا الشهر مما لم يهد إليه النصارى وهذا كيوم الجمعة :
فإن النبي عليه الصلاة والسلام :
قال عن يوم الجمعة :
(( أضل الله عنه اليهود والنصارى ، وهدانا الله له فالجمعة لنا والسبت لليهود والأحد للنصارى ))
فلوقوع الصيام في هذا الشهر الحار:
سمي برمضان
ولا مانع أن تصدق هذه الأوصاف كلها على هذا الشهر
فقوله تعالى :
((شَهْرُ رَمَضَانَ ))
ما مزاياه ؟
ما سماته ؟
((الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ))
فإذا كان هذا الشهر امتاز على غيره من بين سائر الشهور أن القرآن  أنزل فيه
فما هو واجبنا تجاه هذا الكتاب العظيم في هذا الشهر العظيم ؟
ما واجبنا ؟
ما الذي يلزمنا ؟
ما الذي ينبغي لنا ؟
أن نحرص على تلاوة هذا الكتاب في هذا الشهر، وأن نتأمل أثناء قراءته وأن نتدبر
لماذا ؟
لأنه شهر القرآن
ولذا يذكر القرآن مع الصيام في أحاديث مما يدل على أن تلاوة كتاب الله جل وعلا مع الصوم له مزية لا تكون في وقت غير الصيام :
قال النبي عليه الصلاة والسلام :
(( الصيام والقرآن – انظروا كيف جمع النبي عليه الصلاة والسلام بين هاتين العبادتين ))
ما هاتان العبادتان ؟
الصيام وتلاوة القرآن
قال :
(( الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام : ربي  منعته الطعام والشراب بالنهار فشفعني فيه ويقول القرآن : ربي  منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان ))
وهذا القرآن ينافح عنك
وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:
في معجم الطبراني وحسنه الألباني رحمه الله قال :
(( إن القرآن ليلق صاحبه يوم القيامة كالرجل الشاحب فيقول : أنا الذي أظمأت نهارك وأسهرتُ ليلك فيعطى  ويقال له : اقرأ وكلما قرأ آية ارتفع درجة في الجنة ))
سورة البقرة وآل عمران :
تأتيان يوم القيامة كأنهما غيايتان تحاجان عن صاحبهما
هذا القرآن كنز ودرة ثمينة بين أيدينا :
فواجب علينا :
أن نحرص عليه حتى نحوز الفضل والثواب العميم من الله جل وعلا  ولاسيما في هذا الشهر
أيها الأحبة في الله :
نحن الآن في الليلة الثانية عشرة :
هل خُتمَ كتاب الله جل وعلا ؟
كلٌ يسأل نفسه
كان السلف-  بل قبل ذلك في هذا الشهر-  يجب أن تفرغ الأذهان من الأشغال ، ومن الصوارف ، وأن تقبل على الله جل وعلا
فهذا الشهر أيام
كان العلماء في السابق إذا دخل هذا الشهر رفعوا أيديهم عن الكتب لا يقرءون ولا يدرسون ولا يعلمون
وإنما قراءة لكتاب الله جل وعلا لأنه شهر القرآن بدليل قوله تعالى :
((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ))
كان البعض منهم يختم في اليوم مرة واحدة
بل ذُكر عن الشافعي رحمه الله:
أنه يختم في رمضان ستين ختمة :
ختمة بالليل ، وختمة بالنهار
النبي عليه الصلاة والسلام كان جبريل يدارسه القرآن
متى ؟
في رمضان وإذا دارسه :
ماذا قال ابن عباس ؟
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة
لماذا ؟
القرآن يؤثر في النفوس
نحن الآن نتلو كتاب الله جل وعلا ولكن التأثير قليل بل إن البعض إذا قرأ صفحة أو صفحتين ملت نفسه
وهذه مصيبة ومرض عضال ينبغي أن نتعافى منه ، وأن نبحث عن السبب
ولذا قال عثمان رضي الله عنه قال :
(( لو طهرت قلوبكم ما شبعت من كلام ربكم ))
لو طهرت هذه القلوب من الذنوب ما شبعت من كلام ربكم
يقول شيخ الإسلام رحمة الله عليه عند قوله تعالى :
{لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ }
الواقعة79
الذين هم الملائكة طهروا من الله جل وعلا
قال :
(( كلما كان المسلم طاهر القلب نظيف القلب من الذنوب كلما كان أفهم لكتاب الله جل وعلا ))
يقول بعض السلف :
كان يشق عليّ قيام الليل يقول :
(( كابدته عشرين سنة ثم تلذذت به عشرين سنة ))
إذاً :
هو لذة راحة
عثمان رضي الله عنه قائل هذه المقولة التي أسلفتها :
(( لو طهرت قلوبكم ما شبعت من كلام ربكم )) مات والمصحف بين يديه
أعز بيت في الدنا بيت ربنا
وخير جليس في الزمان كتابه
ما لك أنيس إلا كتاب الله
لن تجد الراحة إلا معه :
((وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ))
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ ))
ولذا قال جل وعلا :
((الم{1} ذَلِكَ الْكِتَابُ )) :
أول سورة البقرة :
((ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ{2} ))
لن تجد الراحة إلا إذا تلوت كتاب الله جل وعلا بالتأمل بالتدبر
ولذا يقول ابن عباس رضي الله عنهما :
يقول :
(( لأن أقرأ سورة أرتلها – يعني بتدبر – أحب إليّ من أن أقرأ القرآن كله ))
ابن مسعود يقول :
(( لا تهذوا هذا القرآن هذ الشعر ولا تنثروه نثر الدقل وقفوا عند عجائبه ، وحركوا به القلوب ، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة ))
هكذا
ولذا فهم الصحابة رضي الله عنهم أن هذا القرآن منبع الخير وسعادة الإنسان
فيقول أبو عبد الرحمن السلمي :
(( حدثنا الذين كانوا يُقروءننا القرآن كابن مسعود وعثمان أنهم ما كانوا يتجاوزون عشر آيات حتى يحفظوها ويتعلموها ويعملوا بما فيها قال :
((فجمعوا بين العلم والعمل ))
إذا سدت عليك الأبواب إذا  ضاقت عليك الحيل إذا نزلت بك الهموم إذا ادلهمت بك الكروب اقرأ كتاب الله جل وعلا تجد الراحة والسعادة والطمأنينة
شيخ الإسلام رحمة الله عليه:
لما سجن ظلما واعتداء وعدوانا لما سجن حبس في القلعة ثم منعت منه الكتب  ومنعت منه الأقلام ومنعت منه الأوراق
كُفت يداه عن العلم فماذا صنع ؟
معه كنز في قلبه
ولذا ماذا  كان يقول ؟
يقول :
(( أنا جنتي في  قلبي  ))
يقول :
(( مساكين هؤلاء  حبسوني ولم يعرفوا الكنز والدرر التي أحملها ))
ولذا لما أودعوه في السجن وأغلقوا الباب قال : ((فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ }الحديد13
يقول :
(( أنا جنتي في صدري  ))
جنة ماذا ؟
التلذذ بكتاب الله
(( أينما رحلت فهي معي لا تفارقني ))
حافظ لكتاب الله جل وعلا :
(( إن حبسوني فخلوة ، وإن قتلوني فشهادة ، وإن أخرجوني من بلدي فسياحة ))
يقول :
(( والله لو نفوني )) ـــــــــ انظروا إلى حسن الظن بالله عز وجل
هذا رجل يتحدث ، وهو يثق بالله جل وعلا
يقول :
(( لو نفوني إلى قبرص  )) ــــ وكانت في ذلك الوقت ليست بديار إسلام
قال :
(( لو نفوني إلى قبرص لدعوتهم ولأسلموا ))
ثقة بالله
ابن القيم يقول :
(( كنا نزوره في السجن ))
يقول :
(( نحن  خارج السجن فإذا اشتدت بنا المخاوف وساءت منا الظنون آتيناه في السجن فما هو إلا ان يحدثنا ونحدثه حتى يذهب عنا ذلك كله ))
يفرج عنهم
هو في السجن يفترض أن يكون العكس :
حينما تأتي إلى سجين تنفس عنه ترفع عنه بعض همومه تسليه ببعض الكلمات
سبحان الله!
أما أن يكون العكس السجين هو الذي يخفف عن الزائر
هذا يدل على يدل ماذا  ؟
يدل على عظم الإيمان الذي وصل إليه رحمة الله عليه
فمنعت منه الكتب ومنع أصحابه وطلابه أن يزوره وكان ممن سجن معه أخوه
يقول :
(( فجعل يتلو كتاب الله جل وعلا كلما ختمه عاد ))
وهذا دأبه
فصدرت منه كلمة
حبس من هؤلاء  ظلما واعتداء  وبغيا ولما منع أصبح هذا المنع الذي في ظاهره نقمة أصبح لديه نعمة لأنه تفرغ بقلبه وقالبه وكليته على هذا القرآن العظيم :
فيقول :
(( والله لو أعطيتُهم ملء هذه القلعة ذهبا على أن أوفي لهم هذه النعمة ما وفيت بحقهم ))
يقول :
هم أصبحوا سببا في  حصول هذا النعيم القلبي لي
وليس  هذا بعجب
ولذا يقول أخوه :
(( جعل يتلو كتاب الله جل وعلا فلفظ أنفاسه الأخيرة عند قوله تعالى :
((إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ{54} فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ{55}  ))
هذه إن شاء الله علامة ودلالة على حسن خاتمة هذا الرجل
إذاً هذه لذة
يقول إبراهيم بن أدهم رحمه الله يقول :
(( لو يعلم الملوك ))
الملوك ماذا لديهم من النعيم الحسي ؟
من نعيم الدنيا ؟
حدِّث  ، وحدِّث ، وحدِّث
ربما لا تستطيع أن تصف النعيم الذي يتقلب فيه الملوك صباح مساء ولاسيما في هذا الزمن مع التقدم والرقي والتقنية  والكماليات
يقول :
(( لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليها بالسيوف ))
لحاربونا عليها بالسيوف حتى يأخذوا منها ولو جزءا يسيرا من هذه النعمة
نعمة ماذا ؟
نعمة العبادة
نعمة تلاوة كتاب الله عز وجل
يقول بعض السلف :
" إنه ليمر بقلبي أحيانا ساعات أقول من اللذة والسعادة والأنس والطرب يقول :
(( يمر بقلبي ساعات أقول : إن كان أهل الجنة ماذا ترون وماذا تسمعون من كلام الله عز وجل عن نعيم أهل الجنة ؟
(( فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ))
ويقول :
(( إنه ليمر بالقلب ساعات أقول : إن كان أهل الجنة في مثل ما أنا فيه من النعيم الآن إنهم لفي نعيم ))
يقول :
إن كان هذا النعيم الذي أشعر به هو في الجنة والله إنهم لفي نعيم
هل نشعر بهذا النعيم ؟
يقول بعض السلف :
(( مساكين أهل الغفلة ))
ربما توافرت له أسباب الراحة والسعادة والحياة من ملذاتها من مطالبها من شهواتها ومع ذلك –
سبحان الله ! – لا تزيده هذه الملذات والشهوات إذا كان منصرفا عن الله لا تزيده إلا ضيقا وحرجا  :
((وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي ))
ما هو ذكره جل وعلا ؟
هذا القرآن
((وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ))
((إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ{13} وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ{14} ))
يقول ابن القيم :
(( لا تظن ان النعيم الذي هو للأبرار والجحيم الذي هو للفجار إنما هو محصور في الآخرة لا بل في الدور الثلاث ))
الأبرار في  نعيم :
في  دنياهم
وفي قبورهم
وفي أخراهم
الفجار في  جحيم :
في  دنياهم
وفي قبورهم
وفي أخراهم
فنحن بحاجة ماسة أكيدة إلى أن نرجع إلى كتاب الله
وخذ  من الفوائد والثمرات إذا أقبلت على هذا الكتاب
والله ما سعدت الأجيال الماضية من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولا انتصرت ولا ارتفعت لها راية ولا علت لها كلمة إلا بهذا القرآن
والله لو عاد المسلمون إلى كتاب الله لصلحت أحوالهم في جميع الأشياء
والله لو كان هذا القرآن يتلى في بيوت المسلمين ويعمل به في بيوت المسلمين لما وجدت البيوت هما ولا حزنا ولا مرضا
نعم
نور
هدى
لكن من يقبل عليه ؟
بل  كلما تلوته تؤيد :
(( ما اجتمع قوم – كما عند مسلم – ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ــ
هذا هو موضع الشاهد : يتلون ماذا ؟
- يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ))
أسيد بن حضير :
لما كان يقرأ سورة الكهف في الليل – لكن قراءة بتأمل بتدبر – وكان لديه فرس وعنده ابن صغير رضيع يدعى بيحيى ، فلما تلا سورة الكهف إذا به يسمع لهذا الفرس صهيلا فخشي أن تطأ هذا الطفل الرضيع ، فإذا سكت عن القراءة سكنت الفرس ، يعود إلى القراءة تعود الفرس إلى الصهيل ثلاث مرات
فقام خيفة على هذا الرضيع أن تطأه الفرس
فيقول :
قمت فلما قمت رأيت مثل الظلة في السماء
نور
فلما أصبحت غدوت إلى النبي عليه الصلاة والسلام فأخبرته فقال :
اقرأ يا ابن حضير اقرأ يا ابن حضير
يعني : لماذا لم تستمر في القراءة ؟
قال : يا رسول الله إني خفت على يحيى أن تطأه
قال عليه الصلاة والسلام : تلك الملائكة دنت لصوتك ولو ظللت تقرأ لانكشفت للناس  لا تتوارى عنهم
إذاً الملائكة
ولذا :
جاء في  حديث أن المسلم كلما قرأ كلما دنا منه الملك إلى فمه ، وكلما قرأ  آية وقعت في فم الملك
(( من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول : الم حرف  ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف ))
الحمد :
أول كلمة في سورة الفاتحة
الحمد لك بها خمسون حسنة
فضل وكرم من الله
فلماذا  تنصرف القلوب
ولماذا لا تلتهج الألسن بقراءة هذا الكتاب ؟
والله إنها لفرصة لنا في هذا الشهر لأن المسلم في هذا الشهر يعان فيه ما لا يعان في غيره
فعلى الاقل أن يختم كتاب الله لو مرة واحدة :
هذا أقل أقل أقل أقل القليل
وإلا  يفترض  فرضا ليس بملزم وإنما على سبيل الندب ان يختم في كل ثلاث  ليال
كما كان العلماء والصحابة رضي الله عنهم يحرصون عليه
الصحابة رضي الله عنهم كانوا يختمون القرآن في كل أسبوع مرة
فقوله تعالى :
((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ))
يدل على ماذا ؟
يدل على فضل تلاوة كتاب الله عز وجل في هذا الشهر
قوله :
((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ))

إعداد / فضيلة الشيخ  : زيد بن مسفر البحري

16‏/03‏/2014

النفاق أساس الشر ....


عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أربع من كُنَّ فيه كان منافقاً خالصاً. ومن كانت فيه خَصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتُمِنَ خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدَر، وإذا خاصم فجر" متفق عليه.

النفاق أساس الشر. وهو أن يظهر الخير، ويبطن الشر. هذا الحدُّ يدخل فيه النفاق الأكبر الاعتقادي، الذي يظهر صاحبه الإسلام ويبطن الكفر. وهذا النوع مُخرج من الدين بالكلية، وصاحبه في الدَّرْك الأسفل من النار. وقد وصف الله هؤلاء المنافقين بصفات الشر كلها: من الكفر، وعدم الإيمان، والاستهزاء بالدين وأهله، والسخرية منهم، والميل بالكلية إلى أعداء الدين؛ لمشاركتهم لهم في عداوة دين الإسلام. وهم موجودون في كل زمان، ولا سيما في هذا الزمان الذي طغت فيه المادية والإلحاد والإباحية.



والمقصود هنا: القسم الثاني من النفاق الذي ذكر في هذا الحديث فهذا النفاق العملي – وإن كان لا يخرج من الدين بالكلية – فإن دهليز الكفر، ومن اجتمعت فيه هذه الخصال الأربع فقد اجتمع فيه الشر، وخلصت فيه نعوت المنافقين، فإن الصدق، والقيام بالأمانات، والوفاء بالعهود، والورع عن حقوق الخلق هي جماع الخير، ومن أخص أوصاف المؤمنين. فمن فقد واحدة منها فقد هدم فرضاً من فروض الإسلام والإيمان، فكيف بجميعها؟.


فالكذب في الحديث يشمل الحديث عن الله والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من كذب عليه معتمداً فليتبوأ مقعده من النار ) {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} يشمل الحديث عما يخبر به من الوقائع الكلية والجزئية. فمن كان هذا شأنه فقد شارك المنافقين في أخص صفاتهم، وهي الكذب الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم  : "إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار. ولا يزال الرجل يكذب ويتحرّى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً"


ومن كان إذا ائتمن على الأموال والحقوق والأسرار خانها، ولم يقم بأمانته، فأين إيمانه؟ وأين حقيقة إسلامه؟

وكذلك من ينكث العهود التي بينه وبين الله، والعهود التي بينه وبين الخلق متصف بصفة خبيثة من صفات المنافقين.

وكذلك من لا يتورع عن أموال الخلق وحقوقهم، ويغتنم فرصها، ويخاصم فيها بالباطل ليثبت باطلاً، أو يدفع حقاً. فهذه الصفات لا تكاد تجتمع في شخص ومعه من الإيمان ما يجزي أو يكفي، فإنها تنافي الإيمان أشد المنافاة.


واعلم أن من أصول أهل السنة والجماعة: أنه قد يجتمع في العبد خصال خير وخصال شر، وخصال إيمان وخصال كفر أو نفاق. ويستحق من الثواب والعقاب بحسب ما قام به من موجبات ذلك وقد دلّ على هذا الأصل نصوص كثيرة من الكتاب والسنة. فيجب العمل بكل النصوص، وتصديقها كلها. وعلينا أن نتبرأ من مذهب الخوارج الذين يدفعون ما جاءت به النصوص: من بقاء الإيمان وبقاء الدين، ولو فعل الإنسان من المعاصي ما فعل، إذا لم يفعل شيئاً من المنكرات التي تخرج صاحبها من الإيمان. فالخوارج يدفعون ذلك كله، ويرون من فعل شيئاً من الكبائر ومن خصال الكفر أو خصال النفاق خارجاً من الدين، مخلداً في النار. وهذا مذهب باطل بالكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة.

12‏/10‏/2013

حجـا مبرورا وذنبا مغفورا وعمـلا مقبـولا وتجارة لن تبـور:



الحج

1- إذا كان ضحى اليوم الثامن من ذي الحجة فاحرم بالحج من مكانك الذي أنت نازل فيه، فاغتسل إن تيسر لك والبس ثياب الإحرام، ثم قل: لبيك حجاً، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
2- ثم اخرج إلى منى وصل بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصراً بلا جمع.
3- فإذا طلعت الشمس فسر إلى عرفة وصل بها الظهر والعصر جمع تقديم على ركعتين ركعتين ، وامكث فيها إلى غروب الشمس ، وأكثر من الذكر والدعاء هناك مستقبل القبلة.
4- فإذا غربت الشمس فسر من عرفة إلى مزدلفة وصل بها المغرب والعشاء والفجر، ثم امكث فيها للدعاء والذكر إلى قرب طلوع الشمس.
وإن كنت ضعيفاً لا تستطيع مزاحمة الناس عند الرمي فلا بأس أن تسير إلى منى آخر الليل لترمي الجمرة قبل زحمة الناس.
5- فإذا قرب طلوع الشمس فسر من مزدلفة إلى منى ، فإذا وصلت إليها فاعمل ما يلي:أ- ارم جمرة العقبة ، وهي أقرب الجمرات إلى مكة بسبع حصيات متعاقبات واحدة بعد الأخرى وكبر مع كل حصاة .ب- اذبح الهدي وكل منه ووزع على الفقراء ، والهدي واجب على المتمتع والقارن .ج- احلق رأسك أو قصره ، والحلق أفضل (المرأة تقصر منه بقدر أنملة).
تعمل هذه الثلاثة مبتدئاً بالرمي ثم الذبح ثم الحلق إن تيسر، وإن قدمت بعضها على بعض فلا حرج .
وبعد أن ترمي وتحلق أو تقصر تحل التحلل الأول ؛ فتلبس ثيابك ويحل لك جميع محظورات الإحرام إلا النساء .
6- ثم انزل إلى مكة وطف طواف الإفاضة (طواف الحج) واسع بين الصفا والمروة سعي الحج.
وبهذا تحل التحلل الثاني ويحل لك جميع محظورات الإحرام حتى النساء .
- ثم اخرج بعد الطواف والسعي إلى منى فبت فيها ليلتي أحد عشر أثنى عشر.
8- ثم ارم الجمرات الثلاث في اليوم الحادي عشر والثاني عشر بعد الزوال ، تبتدئ بالأولى وهي أبعدهن عن مكة ، ثم الوسطى ، ثم جمرة العقبة ، كل واحدة بسبع حصيات متعاقبات ، تكبر مع كل حصاة ، وتقف بعد الجمرة الأولى والوسطى تدعو الله مستقبل القبلة، ولا يجزئ الرمي قبل الزوال في هذين اليومين.
9- فإذا أتممت الرمي في اليوم الثاني عشر فإن شئت أن تتعجل فاخرج من منى قبل غروب الشمس ، وإن شئت أن تتأخر – وهو أفضل – فبت في منى ليلة الثالث عشر وارم الجمرات الثلاث في يومها بعد الزوال كما رميتها في اليوم الثاني عشر.
10- فإذا أردت الرجوع إلى بلدك فطف عند سفرك بالكعبة طواف الوداع سبعة أشواط. والحائض والنفساء ليس عليهما طواف الوداع.

06‏/08‏/2013

هل يجوز إخراج زكاة الفطر نقدا؟


نص الفتوى
بسم الله الرحمن الرحيم
الأصل في زكاة الفطر أنه يجب إخراجها من الطعامفقد فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً. ذلك في عدة أحاديث منها ما رواهالبخاري (1503)، ومسلم (984) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال:"فرضرسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير".ومنذلك أيضاً ما أخرجه البخاري (1506) ومسلم (985) من حديث أبي سعيد الخدري رضي اللهعنه: "كنا نخرج زكاة الفطرصاعا من طعام، أو صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، أو صاعا من أقط، أو صاعا من زبيب".لذلكاختلف أهل العلم في إخراج زكاة الفطر نقداً على ثلاثة أقوال:
القولالأول: أنه لا يجوز إخراجها نقداً، وهذا مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة.
القولالثاني: أنه يجوز إخراجها نقداً، وهذا مذهب الحنفية، ووجه في مذهب الشافعي، وروايةفي مذهب أحمد.
القولالثالث: أنه يجوز إخراجها نقداً إذا اقتضت ذلك حاجة أو مصلحة، وهذا قول في مذهبالإمام أحمد، اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.
وقداستدل كل فريق من هؤلاء بأدلة. فأما من منع إخراج زكاة الفطر نقداًفاستدل بظاهر الأحاديث التي فيها الأمر بإخراج زكاة الفطرمن الطعام.
وأمامن قال بجواز إخراج زكاة الفطر نقداً، فقال إن المقصود منها إغناء الفقير يومالعيد، وحصول الإغناء بالنقود قد يكون أبلغ.وأمامن ذهب إلى الجواز عند الحاجة أو المصلحة فقالوا: إن الأصل إخراج زكاة الفطرطعاماً، لكن يمكن أن يخرج عن هذا الأصل إذا كان في إخراجها نقداً مصلحة أو دفعحاجة. واستدلوا لذلك بعدة شواهد منها ما رواه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم من أنمعاذ بن جبل رضي الله عنه قال لأهل اليمن حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلمإليهم: "ائتوني بعرض ثياب خميس، أو لبيس في الصدقة مكان الشعير، والذرة أهونعليكم، وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة".
وممايلتحق بالمصلحة والحاجة المجيزة لإخراج النقد مكان الطعام في زكاة الفطر، إذا كانيترتب على إخراجها طعاماً مشقة، فالمشقة منتفية في هذه الشريعة. وهذا القول وهوجواز إخراج زكاة الفطر نقداً عند الحاجة أو المصلحة أقرب هذه الأقوال إلى الصواب؛لما فيه من الجمع بين الأدلة، وتحقيق المصلحة ودفع المشقة، والله أعلم.

المرجع موقع الشيخ خالد المصلح حفظه الله .
/ http://www.almosleh.com/Fatwa_Disp.aspx?hid=3265

15‏/07‏/2013

تصفيد الشياطين


في شهر رمضان تصفد الشياطين وتفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران, ويعتق فيها الرحمن رقاباً من بني الإنسان, ويفيض القلب ويذوب وينساب مع آيات القرآن. فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر. باب من الخير اصطفاك الله وفضلك على غيرك بحضوره فكم ممن حضر معنا رمضان الماضي هو الآن بين الأموات. ومع استعداد المتقين الصالحين لموسم الطاعات, يعد شياطين الإنس لهم الكثير والكثير من الموبقات ليتسلموا الراية من إخوانهم شياطين الجن, وليقولوا لهم بلسان حالهم, ستصفدون ونحن مكانكم فلا تقلقوا. أخي هذه دعوة صريحة من موقعنا المبارك لمقاطعة المسلسلات والأفلام في نهار رمضان وليله. قال النبي صلى الله عليه وسلم :«من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه»[رواه البخاري]. وتقبل الله منّا ومنك صالح الأعمال وشهركم مبارك إن شاء الله وكل عام وأنتم والأمّة الإسلامية بكل خير, وقد عمّ أرجائها الأمن والأمان والنصر والتمكين. مع رجاء تعميم هذه المقاطعة في جميع المواقع والمنتديات.

01‏/08‏/2012

خواطر رمضانية وداعية


خواطر رمضانية
ايها الضيفُ تمهّل .. كيفَ ترحل ؟!
والحنايا مُثقلات ، وَ المطايا تَترجّل !
كيف ترحل ؟
هل عُتِقنا؟ !
...أم بقينا في المعاصي نتكبل ؟!
أيُّها الشهر الفضيل تمهّل ،
خذ فؤادي حيث سرت َ،
فحنيني يتنَقّل !
أي فوزٍ غير فوزك والأماني حين نُقبَل*
يَ رَبّ بلِغنا ليله القدر ولا تَحرمنا ثوابها
ربـــى إمنُن علينا بِجميل عَفوك ولا تُخرجنا من شَهركَ الكريم إلا وقَد غَفرت لنا ..
يــــــــاآآآآآرب ....

25‏/01‏/2012

كم من صدقة أنقذت صاحبها

كم من صدقة أنقذت صاحبها، وكم أطفئت من غضب رب السماء، وكم من همّ وضيق وكربة فرجتها الصدقة الخالصة التي وضعها العبد المؤمن في كف فقير فوقعت أولاً في يد الرحمن، فكانت لصاحبها نورًا وبرهانًا ونجاة في الدنيا والآخرة. والآيات والأحاديث والآثار التي تدعو للصدقة وتحض عليها وتبين فضلها كثيرة جدًا، والمواقف من حياة المتصدقين وواقعهم كثيرة، كلها ذات عبر ودلالات وتؤكد للسامع والقارئ ومن قبل المشاهد المعاصر على عظم مكانة الصدقة، وأهميتها ودورها الخفي والذي قد لا يشعر به كثير من الناس حتى من المتصدقين أنفسهم في إنقاذ صاحبها من النوازل والبلايا العظيمة، تمامًا مثلما حصل للثلاثة الذين حبسوا في الغار، وفي هذه القصة العجيبة التي سنرويها أعظم دليل على فضل الصدقة التي هي طوق نجاة من كل همّ وضيق وكربة.
فلقد روى الإمام الشوكاني في كتابه الرائع «البدر الطالع بمحاسن ما بعد القرن السابع» في المجلد رقم (1) ص493، في ترجمة علي بن محمد بن أحمد البكري من علماء اليمن في القرن التاسع الهجري، روى هذه القصة العجيبة في فضل الصدقة، وقد نص على تواترها وانتشارها بين أرجاء القطر اليماني على اتساعه وضعف الاتصالات بين أهله لوعورة طرقه وسبله، وذلك حتى لا يبقى لطاعن ولا متهكم على أمثال هذه القصص سبيل، وحتى لا نتهم بتغييب العقول أو تكريس الخرافات كما سبق وفعل ذلك بعض دعاة الزمان، والله عز وجل وكيلنا وحسيبنا.
ومفاد هذه القصة أن رجلاً من أهل بلدة باليمن تسمى الحمرة وتقع في غرب اليمن قريبًا من ساحل البحر الأحمر، كان يعمل بالزراعة، ومشهورًا بالصلاح والتقوى وكثرة الإنفاق على الفقراء وخاصة عابري السبيل، وقد قام هذا الرجل ببناء مسجد، وجعل فيه كل ليلة سراجًا يوقد لهداية المارة وطعام عشاء للمحتاجين، فإن وجد من يتصدق عليه أعطاه الطعام وإلا أكله هو وقام يصلي لله عز وجل تنفلاً وتطوعًا، وهكذا دأبه وحاله.
وبعد فترة من الزمن وقع القحط والجفاف بأرض اليمن، وجفت مياه الأنهار وحتى الآبار، وكان هذا الرجل يعمل في الزراعة، ولا يستغني عن الماء لحياته وزراعته، وكانت له بئر قد غار ماؤها، فأخذ يحتفرها هو وأولاده، وأثناء الحفر وكان الرجل في قعر البئر انهارت جدران البئر عليه، وسقط ما حول البئر من الأرض وانردم البئر كله على الرجل، فأيس منه أولاده، ولم يحاولوا استخراجه من البئر وقالوا قد صار هذا قبره وبكوا عليه وصلوا واقتسموا ماله ظنًا منهم وفاته.
لم يعلم الأولاد ما جرى لأبيهم في قاع البئر المنهار، ذلك أن الرجل الصالح عندما انهدم البئر كان قد وصل إلى كهف في قاع البئر، فلما انهارت جدران البئر سقطت منه خشبة كبيرة منعت باقي الهدم من الحجارة وغيرها أن تصيب الرجل، وبقي الرجل في ظلمة الكهف ووحشته لا يرى أصابعه من شدة الظلمة، وهنا وقعت الكرامة وجاء الفرج بعد الشدة، وظهر دور الصدقة في أحلك الظروف، إذ فوجئ الرجل الصالح بسراج يزهر فوق رأسه عند مقدمة الكهف أضاء له ظلمات قبره الافتراضي، ثم وجد طعامًا هو بعينه الذي كان يحمله للفقراء في كل ليلة، وكان هذا الطعام يأتيه كل ليلة وبه يفرق ما بين الليل والنهار، ويقض وقته في الذكر والدعاء والمناجاة والصلاة.
ظل العبد الصالح حبيس قبره ورهين بئره ست سنوات، وهو على حاله التي ذكرناها، ثم بدا لأولاده أن يعيدوا حفر البئر وإعمارها من جديد، فحفروها حتى وصلوا إلى قعرها حيث باب الكهف، وكم كانت المفاجأة مروعة والدهشة هائلة عندما وجدوا أباهم حيًا في عافية وسلامة، فسألوه عن الخبر فأخبرهم وعرفهم أن الصدقة التي كان يحملها كل ليلة بقيت تحمل له في كربته وقبره كل ليلة حتى خرج من قبره بعد ست سنوات كاملة.

المصدر: البدر الطالع (1/493).

25‏/09‏/2011

فضل البكاء من خشية الله تعالى وشوقا إليه


قال الله تعالى : ( وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ) [الإسراء: 109] . وقال تعالى: ( أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ ) [لنجم: 59 ، 60] .

1/446 ـ وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : اقرأ علي القرآن )) قلت: يا رسول الله أقرأ عليك ، وعليك أنزل ؟ ! قال : (( إني أحب أن أسمعه من غيري )) فقرأت عليه سورة النساء ، حتى جئت إلى هذه الآية : ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً )[النساء:41] قال : (( حسبك الآن )) فالتفت إليه ، فإذا عيناه تذرفان . متفق عليه(299) .

2/447 ـ وعن أنس رضي الله عنه قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط : (( لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً )) قال فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين . متفق عليه (300) ، وسبق بيانه في باب الخوف .

3/448 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم)) رواه الترمذي(301). وقال حديث حسن صحيح .

4/449 ـ وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله تعالى ، ورجل قلبه معلق في المساجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه ، وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال ، فقال : إني أخاف الله تعالى ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه )) متفق عليه(302) .



الـشـرح

قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ: باب فضل البكاء من خشية الله عز وجل ، يعني خوفاً منه وشوقاً إليه تبارك وتعالى ، وذلك أن البكاء له أسباب : تارة يكون الخوف ، وتارة يكون الألم ، وتارة يكون الشوق ، وغير ذلك من الأسباب التي يعرفها الناس .

ولكن البكاء من خشية الله إما خوفاً منه وإما شوقاً إليه تبارك وتعالى ، فإذا كان البكاء من معصية فعلها

الإنسان ؛ فهذا البكاء سببه الخوف من الله عز وجل ، وإذا كان عن طاعة فعلها ، كان هذا البكاء شوقاً إلى الله سبحانه وتعالى .

وذكر المؤلف رحمه الله آيتين : آية فيها الثناء على الذين يبكون من خشية الله وهي قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ) [الإسراء: 107] أي أوتوا العلم من قبل القرآن ، وهم أهل الكتاب ( إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً ) [الإسراء: 107 ، 108] ، يعني إن وعد ربنا واقع لا محالة ، فإن هنا للتوكيد .

( وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ) (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ) يعني عليها ، والمراد المبالغة في السجود ، حتى تكاد أذقانهم تضرب بالأرض من شدة المبالغة في سجودهم ( وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ) خشوعاً في القلب يظهر أثره وعلامته على الجوارح .

والآية الثانية قوله تعالى : ( أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ) [لنجم: 59 ، 60] ، وهذا ذم لهم أن يضحك الإنسان من القرآن ويعجب منه عجب استنكار وسخرية ولا يبكي منه ، والقرآن أعظم واعظ ، يعظ الله به القلوب ، لكنه إذا ورد على قلوب كالحجارة والعياذ بالله ؛ فإنها لا تلين ولكنها تزداد صلابة . نسأل الله العافية .

ثم ذكر المؤلف حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب منه أن يقرأ عليه القرآن ، فقال : يا رسول الله ، كيف أقرؤه عليك وعليك أنزل ؟ يعني : أنت أعلم به مني ، فكيف أقرؤه عليك ؟ . قال : (( إني أحب أن أسمعه من غيري )) .

هكذا قال النبي عليه الصلاة والسلام ، وفيه إشارة إلى أن الإنسان قد يكون إنصاته لقراءة غيره أخشع لقلبه مما لو قرأ هو ، وهو كذلك أحياناً ، فأحياناً إذا سمعت القرآن من غيرك خشعت وبكيت ، لكن لو قرأته أنت خشعت على هذه الهيئة .

فقرا عليه سورة النساء ، فلما بلغ هذه الآية العظيمة : ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً ) [النساء:41] ، يعني ماذا تكون حالك ؟ ! وماذا تكون حالهم ؟ !

كيف هنا للاستفهام ، والاستفهام يشد النفس وينبه القلب ( إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيد ) يوم القيامة .

والشهداء طائفتان من الناس :

الطائفة الأولى : الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ، كما قال تعالى : ( وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) [البقرة: 143] .

والثانية : أهل العلم الذين ورثوا الأنبياء ، فإنهم شهداء بعد ميراث الأنبياء بعد أن يموت الأنبياء ، فالشهداء على الخلق هم العلماء بعد الرسل يشهدون بأن الرسل بلغوا، ويشهدون على الأمة بأن الرسالة قد بلغتهم ، ويالها من ميزة عظيمة لأهل العلم ، أن يكونوا هم شهداء الله في أرضه .

يقول : ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً ) ، وقد ذكر الله في سورة الجاثية (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً ) على ركبها ( كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا ) كتاب الأعمال ، أو إلى كتابها الذي نزل

عليها بالوحي ( تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) .

يقول : ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ ) يعني يا محمد ( عَلَى هَؤُلاء ) الأمم ( شَهِيداً ) ماذا تكون الحال . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( حسبك الآن )). قال ابن مسعود : فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان.

يبكي عليه الصلاة والسلام خوفاً من هذه الحالة الرهيبة العظيمة . ففي هذا دليل على البكاء من قراءة القرآن وأن الإنسان يبكي من قراءة القرآن .

وذكر المؤلف حديثاً آخر سبق لنا شرحه وهو أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال : (( لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً )) يعني لو تعلمون ما أعلم من حقائق الأمور التي أخفاها الله عنكم وعلمها الرسول صلى الله عليه وسلم لكنه أخفاها عن الخلق رحمة بهم وعلمها النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يؤمر بإبلاغها للناس ، وقد يكون المراد بذلك حقائق ما أخبره أنه يعلم شيئاً من الحقائق لا يعلمها الناس ، فالله أعلم .

ولما قال صلى الله عليه وسلم : (( لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قيلا ً ولبكيتم كثيراً )) غطى الصحابة وجوههم ولهم خنين . يعني أصوات بكاء . يبكون لأن المراد بقول الرسول عليه الصلاة والسلام : (( لو تعلمون ما أعلم )) التحذير مما علمه عليه الصلاة والسلام ، فجعلوا يبكون رضي الله عنهم وأرضاهم ، وهذا يدل على كمال إيمانهم ، وكمال تصديقهم بما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم .
ثم ذكر المؤلف حديث أبي هريرة المشهور ، وقد سبق أيضاً ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)) وذكر منهم : (( رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه )) ذكر الله بأسمائه وصفاته وأفعاله ، وأحكامه وآياته ، ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ، إما شوقاً إليه ، وإما خوفاً منه ، فهذا من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .

والمراد بالظل هنا : ظل يخلقه الله عز وجل يوم القيامة يظلل فيه من شاء من عباده ، وليس المراد ظل نفسه جل وعلا ؛ لأن الله نور السموات والأرض ، ولا يمكن أن يكون الله ظلاً من الشمس ، فتكون الشمس فوقه وهو بينها وبين الخلق ، ومن فهم هذا الفهم فهو بليد أبلد من الحمار ؛ لأنه لا يمكن أن يكون الله عز وجل تحت شيء من مخلوقاته ، فهو العلي الأعلى ، ثم هو نور السموات والأرض .

قال النبي عليه الصلاة والسلام (( حجابه )) يعني حجاب الله (( النور ، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه )) (303) ، يعني لو كشف هذا الحجاب ـ والحجب أيضاً من نور ، لكنها نور دون نور البارئ عز وجل . لو كشف الله هذا النور لأحرقت سبحات وجهه أي بهاؤه وعظمته ونوره ، ما انتهى إليه بصره من خلقه ، وبصره ينتهي إلى كل شيء .

والمعنى لو كشفه لأحرق هذا النور كل شيء ، كيف يكون المراد بالظل ظل الرب عز وجل ؟! لكن كما قلت : بعض الناس أجهل من الحمار ، لا يدري ما يترتب على قوله الذي يقوله في تفسير كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا يمكن أن يريد الرسول عليه الصلاة والسلام هذا .

حتى الرواية التي وردت في ظل عرشه فيها نظر ؛ لأن المعروف أن العرش أكبر من السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم ، السموات السبع والأرضين السبع بالنسبة للكرسي كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض ، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة ، فكيف يكون العرش تحت الشمس يظل الناس ؟!

لو صح الحديث لقلنا : ربما يكون طرف العرش مثلاً ، والله عز وجل على كل شيء قدير ، لكن هذه اللفظة في صحتها نظر ، والصواب أنه ظل يخلقه الله عز وجل في ذلك اليوم ؛ إما من الغمام أو من غير ذلك ، الله أعلم ، لكنه ظل يستر الله به من شاء من عباده حر الشمس .

وإنما قال : (( يوم لا ظل إلا ظله )) ؛ لأننا في الدنيا نستظل بالبناء الذي نبنيه ، ونستظل بالأشجار التي تغرس ، ونستظل بسفوح الجبال ، وبالجدران ، وبغير ذلك ، نستظل بأشياء نحن نصنعها بأيدينا وبأشياء خلقها الله عز وجل .

لكن في الآخرة ليس هناك ظل ، قال الله تعالى : ( وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً )[طـه:105]، كل الجبال تنسف مهما عظمت، أكبر الجبال وأعظمها تنسف ؛ تكون رملاً ، هباءً منثوراً ، تطير في الجو ( وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ) [النمل:88] ، تطير في الهواء وإن كنت تظنها جامدة لا تتحرك .

وقد سمعت عن بعض الناس المتأخرين يقول : (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً ) يعني في الدنيا ، وأن هذا دليل على أن الأرض تدور ، وعلل ذلك بان يوم القيامة يقين ليس فيه شيء من الحسبان .

وهذا من جهله وعدم معرفته ؛ لأن الله تعالى قال : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (ا1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ) [الحج: 1 ، 2] ، هذا من يراهم على خلاف الواقع ، فالأمر إذا ذهل الإنسان ولو كان أمامه شيء متيقن ، فإنه تضيع حواسه وإدراكا ته .

المهم أن قوله (( يوم لا ظل إلا ظله )) أي : إلا الظل الذي يخلقه الله عز وجل ، يظل به من شاء من عباده . وهذا هو الشاهد .

قوله : (( ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه )) فأنت يا أخي إذا ذكرت الله فاذكر ربك خالي القلب ، لا تفكر في شيء ، إن فكرت في شيء لم يحصل لك أن تبكي من خشية الله أو الشوق إليه ؛ لأنه لا يمكن أن يبكي الإنسان وقلبه مشغول بشيء آخر ، كيف تبكي شوقاً إلى الله وخوفاً منه وقلبك مشغول بغيره؟! ولهذا قال( ذكر الله خالياً)) يعني : خالي القلب مما سوى الله عز وجل ، خالي الجسم أيضاً، ليس عنده أحد حتى يكون بكاؤه رياء وسمعه، فهو مخلص القلب ، فهذا أيضاً ممن يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله . أسأل الله أن يظلني وإياكم في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .



* * *



5/450 ـ وعن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال ( أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء .))

حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي(304) في الشمائل بإسناد صحيح .

6/451 ـ وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب رضي الله عنه : (( إن الله عز وجل أمرني أن أقرأ عليك : ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا ) قال : وسماني ؟ قال : (( نعم )) فبكى أبي . متفق عليه(305) . وفي رواية : فجعل أبي يبكي .

7/452 ـ وعنه قال : قال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما ، بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، انطلق بنا إلى أم أيمن رضي الله عنهما نزورها كما كان رسول الله يزورها ، فلما انتهينا إليها بكت فقالا لها : ما يبكيك ؟ أما تعلمين أن ما عند الله تعالى خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : إني لا أبكي أني لا أعلم أن ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكني أبكي أن الوحي قد أنقطع من السماء ؛ فهيجتهما على البكاء ، فجعلا يبكيان معها . رواه مسلم(306) . وقد سبق في باب زيارة أهل الخير .

8/453 ـ وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لما اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه ، قيل له في الصلاة ، فقال (( مروا أبا بكر فليصل بالناس )) فقالت عائشة رضي الله عنها : إن أبا بكر رجل رقيق ، إذا قرأ القرآن غلبه البكاء ، فقال : (( مروه فليصل )) .

وفي رواية عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت : إن أبا بكر إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء . متفق عليه(307) .

9/454- وعن إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عّوف أنَّ عبدَ الرحمنِ بن عَوف رضي الله عنهُ أتي بطَعام وكان صائماً ، فقال قُتل مًُصعب بن عُمير رضي الله عنه وهو خير مني. فلم يوجد له ما يكفنُ فيه إلا بُردة إن غطي بها رأسهُ بدت رجلاه وإن غُطي بها رجلاهُ بدا رأسُه، ثم بسط لنا من الدنيا ما بُسِط - أو قال : أعطينا من الدنيا ما أُعطينا- وقد خشينا أن تكُون حسناتنا عُجلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعامَ. رواه البخاري



الشـرح

هذه الأحاديث التي ذكرها المؤلف في باب البكاء من خشية الله أو من الشوق إليه سبحانه وتعالى، ذكر فيها عدة أحاديث ، منها: حديث عبد الله ابن الشخير رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي وكان لصدره أزيز كأزيز المرجل.

المرجل: القِدر يغلي على النار وله صوت معروف، وأزيز صدر النبي صلى الله عليه وسلم كان من خَشية الله بلا شك، فهذا بكاء من خشية الله.

وذكر حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأُبي بن كعب" إن الله عز وجل أمرني أن أقرأ عليك : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ) (البينة:1) ، فقال : وسماني لك ؟ قال: "نعم". فبكى أُبي.

لكن هذا البكاء يحتمل أن يكون شوقاً إلى الله عزَّ وجلَّ؛ لأن أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقرأ هذه السورة على أُبي تدل على رفعة أُبي بن كعب رضي الله عنه، ويحتمل أن يكون ذلك من الفرح؛ فإن الإنسان ربما يبكي إذا فرح، كما أنه يبكي إذا حزن.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله أحاديث كلها تدل على البكاء على الحزن على ما مضى، منها حديث أم أيمن رضي الله عنها حين زارها الصحابيان: أبو بكر وعمر، أتيا إليها كما كان النبي صلى الله عليه وسل يزورها، فلما أتيا إليها بكت فقالا لها :"ما يبكيك"؟ أما عملت أن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت بلى إني لا أبكي أني لا أعلم". يعني: بل أنا أعلم" ولكن أبكي لأن الوحي قد انقطع من السماء" انقطع الوحي " فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها".

وكذلك حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه حين جيء إليه بالطعام وهو صائم، والصائم يشتهي الطعام عادة، ولكنه رضي الله عنه تذكر ما كان عليه الصحابة الأولون، وهو رضي الله عنه من الصحابة الأولين من المهاجرين رضي الله عنهم، لكنه قال احتقاراً لنفسه قال: إن مصعب بن عمير رضي الله عنه كان خيراً مني.

وكان مصعبٌ رجلاً شاباً، كان عند والديه بمكة وكان والداه أغنياء، وأمه وأبوه يلبسانه من خير اللباس : لباس الشباب والفتيان، وقد دلّلاه دلالاً عظيماً، فلما أسلم هجراه وأبعداه، وهاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكان مع المهاجرين، وكان عليه ثوب مرقع بعدما كان في مكة عند أبويه يلبس أحسن الثياب، لكنه ترك ذلك كله مهاجراً إلى الله ورسوله.

وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم أحد ، فاستشهد رضي الله عنه، وكان معه بردة- أي ثوب- إذا غطوا به رأسه بدت رجلاه- وذلك لقصر الثوب- وإن غطوا رجليه بدا رأسه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يستر به رأسه وأن تستر رجلاه بالإذخر؛ نبات معروف.

فكان عبد الرحمن بن عوف يذكر حال هذا الرجل ، ثم يقول: إنهم قد مضوا وسلموا مما فتح الله به من الدنيا على من بعدهم من المغانم الكثيرة، كما قال تعالى : (وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا) (الفتح:19) .

ثم قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه :" قد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا"؛ لأن الكافر يجزى على حسناته في الدنيا، وله في الآخرة عذاب النار، والمؤمن قد يجزى في الدنيا وفي الآخرة، لكن جزاء الآخرة هو الأهم.

فخشي رضي الله عنه أن تكون حسناتهم قد عجلت لهم في هذه الدنيا، فبكى خوفاً وفرقاً، ثم ترك الطعام رضي الله عنه.

ففي هذا دليلٌ على البكاء من خشية الله ومخافة عقابه، والله الموفق
.


-----------------------



(299) رواه البخاري ، كتاب التفسير ، باب نساؤكم حرث لكم ، رقم ( 4582 ) ، ومسلم ، كتاب صلاة المسافرين ، باب فضل استماع القرآن . . . ، رقم ( 800 ) .

(300) رواه البخاري ، كتاب التفسير ، باب قوله : ( لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُم ) رقم ( 4621 ) ، ومسلم ، كتاب الفضائل ، باب توقيره صلى الله عليه وسلم . . . ، رقم ( 2359 ) .

(301) رواه الترمذي ، كتاب فضائل الجهاد ، باب ما جاء في فضل الغبار في سبيل الله ، رقم ( 1632 ) .

(302) رواه البخاري ، كتاب الأذن ، باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء ، رقم ( 600 ) ، ومسلم ، كتاب الزكاة ، باب فضل إخفاء الصدقة ، رقم ( 1031 ) .

(303) أخرجه مسلم ، كتاب الإيمان ، باب في قوله عليه السلام : إن الله لا ينام ، رقم ( 179 ) .

(304) رواه أبو داود ، كتاب الصلاة ، باب البكاء في الصلاة ، رقم ( 904 ) .

(305) رواه البخاري ، كتاب مناقب الأنصار ، باب مناقب أبي بن كعب ، رقم ( 3809 ) ، ومسلم ، كتاب صلاة المسافرين ، باب استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل والخلق ، رقم ( 799 ) .

(306) رواه مسلم ، كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل أم أيمن . . . ، رقم ( 2454 ) .

(307) رواه البخاري ، كتاب الأذان ، باب حد المريض أن يشهد الجماعة ، رقم ( 664 ) ، ومسلم ، كتاب الصلاة ، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر ، رقم ( 418 ) [ 94 ] .

المصدر موقع الشيخ رحمه الله
http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18200.shtml

12‏/09‏/2011

وبشر المخبتين


بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى : \" وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35) سورة الحج.
وقال تعالى :\" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23) سورة هود .

قال الرازي :\" { فإلهكم إله واحد } فلا تذكروا على ذبائحكم غير اسم الله { فَلَهُ أَسْلِمُواْ } أي اخلصوا له الذكر خاصة بحيث لا يشوبه إشراك ألبتة ، والمراد الانقياد لله تعالى في جميع تكاليفه ، ومن انقاد له كان مخبتاً فلذلك قال بعده { وَبَشّرِ المخبتين } والمخبت المتواضع الخاشع . قال أبو مسلم : حقيقة المخبت من صار في خبت من الأرض ، يقال أخبت الرجل إذا صار في الخبت كما يقال أنجد وأشأم وأتهم ، والخبت هو المطمئن من الأرض . وللمفسرين فيه عبارات أحدها : المخبتين المتواضعين عن ابن عباس وقتادة وثانيها : المجتهدين في العبادة عن الكلبي وثالثها : المخلصين عن مقاتل ورابعها : الطمئنين إلى ذكر الله تعالى والصالحين عن مجاهد وخامسها : هم الذين لا يظلمون وإذا ظلموا لم ينتصروا عن عمرو بن أوس .

ثم وصفهم الله تعالى بقوله : { الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } فيظهر عليهم الخوف من عقاب الله تعالى والخشوع والتواضع لله ، ثم لذلك الوجل أثران أحدهما : الصبر على المكاره وذلك هو المراد بقوله : { والصابرين على مَا أَصَابَهُمْ } وعلى ما يكون من قبل الله تعالى ، لأنه الذي يجب الصبر عليه كالأمراض والمحن والمصائب . فأما ما يصيبهم من قبل الظلمة فالصبر عليه غير واجب بل إن أمكنه دفع ذلك لزمه الدفع ولو بالمقاتلة والثاني : الاشتغال بالخدمة وأعز الأشياء عند الإنسان نفسه وماله . أما الخدمة بالنفس فهي الصلاة ، وهو المراد بقوله : { والمقيمي الصلاة } وأما الخدمة بالمال فهو المراد من قوله : { وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ } قرأ الحسن { والمقيمي الصلاة } بالنصب على تقدير النون ، وقرأ ابن مسعود والمقيمين الصلاة على الأصل .تفسير الرازي 11/199.

وقال ابن عاشور في تفسيره :\" وقد أتبع صفة {المُخْبِتِينْ} بأربع صفات وهي: وجل القلوب عند ذكر الله، والصبر على الأذى في سبيله، وإقامة الصلاة، والإنفاق. وكل هذه الصفات الأربع مظاهر للتواضع فليس المقصود من جمع تلك الصفات لأن بعض المؤمنين لا يجد ما ينفق منه وإنما المقصود من لم يخل بواحدة منها عند إمكانها. والمراد من الإنفاق الإنفاق على المحتاجين الضعفاء من المؤمنين لأن ذلك هو دأب المخبتين. وأما الإنفاق على الضعيف والأصحاب فذلك مما يفعله المتكبرون من العرب كما تقدم عند قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} . وهو نظير الإنفاق على الندماء في مجالس الشراب. ونظير إتمام الإيسار في مواقع الميسر، كما قاله النابغة:

أني أتمم أيساري وأمنحهم * * * مثنى الأيادي وأكسو الجفنة الأدما
والمراد بالصبر: الصبر على ما يصيبهم من الأذى في سبيل الإسلام. وأما الصبر في الحروب وعلى فقد الأحبة فمما تتشرك فيه النفوس الجلدة من المتكبرين والمخبتين. وفي كثير من ذلك الصبر فضيلة إسلامية إذا كان تخلقا بأدب الإسلام قال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} الآية.التحرير والتنوير 17/188.
وقال القرطبي عن عمرو بن أوس، قال: المخبتون: الذين لا يظلمون، وإذا ظلموا لم ينتصروا.تفسير القرطبي 18/527.
وقال البقاعي :\" أي المخبتين الذين هم في غاية السهولة واللين والتواضع لربهم بحيث لا يكون عندهم شيء من كبر وينظرون عواقب الأمر وما أعد عليها من الأجر. نظم الدرر 1/85.
وقال القشيري :\" أي اسْتَسلموا لِحُكمه بلا تعبيسٍ ولا استكراهٍ من داخل القلب . تفسير القشيري 5/194.
وقال صاحب الدر المنثور :\" وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان اذا رأى الربيع بن خثيم قال : وبشر المخبتين وقال له : ما رأيتك إلا ذكرت المخبتين .السيوطي : الدر المنثور 6/49.

دَخَلَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَدِينَةَ ، فَأَقَامَ بِهَا ثَلاثًا ، فَقَالَ : مَا هَا هُنَا رَجُلٌ مِمَّنْ أَدْرَكَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُنَا ؟ فَقِيلَ لَهُ : بَلَى ، هَا هُنَا رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ : أَبُو حَازِمٍ . فَبَعَثَ إِلَيْهِ ، فَجَاءَهُ ، فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ : يَا أَبَا حَازِمٍ ! مَا هَذَا الْجَفَاءُ ؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو حَازِمٍ : وَأَيَّ جَفَاءٍ رَأَيْتَ مِنِّي ؟ فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ : أَتَانِي وُجُوهُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كُلُّهُمْ وَلَمْ تَأْتِنِي . فَقَالَ لَهُ : أُعِيذُكَ بِاللهِ أَنْ تَقُولَ مَا لَمْ يَكُنْ ، مَا جَرَى بَيْنِي وَبَيْنَكَ مَعْرِفَةٌ آتِيكَ عَلَيْهَا . فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ : صَدَقَ الشَّيْخُ . فَقَالَ سُلَيْمَانُ : يَا أَبَا حَازِمٍ ! مَا لَنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ ؟ فَقَالَ أَبُو حَازِمٍ : لأَنَّكُمْ أَخْرَبْتُمُ آخِرَتَكُمْ ، وَعَمَّرْتُمْ دُنْيَاكُمْ ؛ فَأَنْتُمْ تَكْرَهُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا مِنَ الْعُمْرَانِ إِلَى الْخَرَابِ . قَالَ : صَدَقْتَ يَا أَبَا حَازِمٍ ، فَكَيْفَ الْقُدُومُ ؟ قَالَ : أَمَّا الْمُحْسِنُ ؛ فَكَالْغَائِبِ يُقْدِمُ عَلَى أهله ، وما الْمُسِيءُ ؛ فَكَالآبِقِ يُقْدِمُ عَلَى مَوْلاهُ . قَالَ : فَبَكَى سُلَيْمَانُ ، وَقَالَ : لَيْتَ شِعْرِي ! مَا لَنَا عِنْدَ اللهِ يَا أَبَا حَازِمٍ ؟ فَقَالَ أَبُو حَازِمٍ : اعْرِضْ نَفْسَكَ عَلَى كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ تَعْلَمْ مَا لَكَ عِنْدَ اللهِ . فَقَالَ : يَا أَبَا حَازِمٍ ! أَيْنَ نُصِيبُ تِلْكَ مِنْ الْمَعْرِفَةِ مِنْ كِتَابِ اللهِ ؟ فَقَالَ أَبُو حَازِمٍ : عِنْدَ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ( 13 ) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ( 14 ) ) [ الانفطار : 13 - 14 ] . فَقَالَ سُلَيْمَانُ : يَا أَبَا حَازِمٍ ! فَأَيْنَ رَحْمَةُ اللهِ ؟ قَالَ أَبُو حَازِمٍ : { قَرِيبٌ من المحسنين } [ الأعراف : 56 ] . قَالَ سُلَيْمَانُ : يَا أَبَا حَازِمٍ ! مَنْ أَعْقَلُ النَّاسِ ؟ فَقَالَ أَبُو حَازِمٍ : مَنْ تَعَلَّمَ الْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهَا النَّاسَ . فَقَالَ سُلَيْمَانُ : فَمَنْ أَحْمَقُ النَّاسِ ؟ قَالَ أَبُو حَازِمٍ : مَنْ حَطَّ فِي هَوَى رَجُلٍ وَهُوَ ظَالِمٌ فَبَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ . فَقَالَ سُلَيْمَانُ : يَا أَبَا حَازِمٍ ! مَا أَسْمَعُ الدُّعَاءِ ؟ قَالَ أَبُو حَازِمٍ : دُعَاءُ الْمُخْبِتِينَ [ إِلَيْهِ ] . قَالَ سُلَيْمَانُ : يَا أَبَا حَازِمٍ ! فَمَا أَزْكَى الصَّدَقَةُ ؟ فَقَالَ أَبُو حَازِمٍ : جُهْدُ الْمُقِلِّ . فَقَالَ سُلَيْمَانُ : يَا أَبَا حَازِمٍ ! مَا تَقُولُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ ؟ فَقَالَ أَبُو حَازِمٍ : اعْفِنَا مِنْ هَذَا . قَال سُلَيْمَانُ : نَصِيحَةٌ بَلَّغْتَهَا . فَقَالَ أَبُو حَازِمٍ : إِنَّ نَاسًا أَخَذُوا هَذَا الأَمْرَ مِنْ غَيْرِ مُشَاوَرَةٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَلا إِجْمَاعٍ مِنْ رَأْيِهِمْ ، فَسَفَكُوا فِيهَا الدِّمَاءَ عَلَى طَلَبِ الدُّنْيَا ، ثُمَّ ارْتَحَلُوا عَنْهَا ، فَلَيْتَ شِعْرِي مَا قَالُوا وَمَا قِيلَ لَهُمْ ؟ ! فَقَالَ بَعْضُ جُلَسَائِهِ : بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا شَيْخُ : فَقَالَ أَبُو حَازِمٍ : كَذَبْتَ ! إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَخَذَ عَلَى الْعُلَمَاءِ لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا يَكْتُمُونَهُ . فَقَالَ سُلَيْمَانُ : يَا أَبَا حَازِمٍ ! كَيْفَ لَنَا أَنْ نَصْلُحَ ؟ فَقَالَ أَبُو حَازِمٍ : تَدَعُوا التَّكَلُّفَ ، وَتَتَمَسَّكُوا بِالْمُرُوءَةِ . فَقَالَ سُلَيْمَانُ : يَا أَبَا حَازِمٍ ! كَيْفَ الْمَأْخَذُ لِذَلِكَ ؟ قَالَ أَبُو حَازِمٍ : تَأْخُذُهُ مِنْ حَقِّهِ وَتَضَعُهُ فِي أَهْلِهِ . فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ : اصْحَبْنَا يَا أَبَا حَازِمٍ وَتُصِيبُ مِنَّا وَنُصِيبُ مِنْكَ . فَقَالَ أَبُو حَازِمٍ : أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ ذلك . فقال سُلَيْمَانُ : وَلِمَ ؟ قَالَ : أَخَافُ أَنْ أَرْكَنَ إِلَيْكُمْ شَيْئًا قَلِيلا فَيُذِيقَنِي ضَعْفُ الْحَيَاةِ وَضَعْفُ الْمَمَاتِ . فَقَالَ سُلَيْمَانُ : فَأَشِرْ عَلَيَّ يَا أَبَا حَازِمٍ . فَقَالَ أَبُو حَازِمٍ : اتَّقِ أَنْ يَرَاكَ حَيْثُ نَهَاكَ ، وَأَنْ يَفْقِدَكَ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكَ . قَالَ سُلَيْمَانُ : يَا أَبَا حَازِمٍ ! ادْعُ لنا بخير . فقال أَبُو حَازِمٍ : اللهُمَّ إِنْ كَانَ سُلَيْمَانُ وَلِيَّكَ ؛ فَيَسِّرْهُ لِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَإِنْ كَانَ عَدُوَّكَ ؛ فَخُذْ إِلَى الْخَيْرِ بِنَاصِيَتِهِ . قَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ : عِظْ . قَالَ : قَدْ أَوْجَزْتَ ، إِنْ كُنْتَ وَلِيَّهُ ، وَإِنْ كُنْتَ عَدُوَّهُ ؛ فَمَا يَنْفَعُكَ أَنْ أَرْمِيَ عَنْ قَوْسٍ بِغَيْرِ وَتَرٍ . فَقَالَ سُلَيْمَانُ : يَا غُلامُ ! إِيتْ بمئة دِينَارٍ . ثُمَّ قَالَ : خُذْهَا يَا أَبَا حَازِمٍ . فَقَالَ أَبُو حَازِمٍ : لا حَاجَةَ لِي بِهَا ، إِنِّي أَخَافُ أن يكون لِمَا سَمِعْتَ مِنْ كَلامِي ، إِنَّ مُوسَى [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ] لَمَّا هَرَبَ مِنْ فِرْعَوْنَ وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ ، وَجَدَ عَلَيْهَا الْجَارِيَتَيْنِ تَذُودَانِ ، فَقَالَ : مَا لَكُمَا عَوْنٌ ؟ قَالَتَا : لا . فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ ، فَقَالَ : { رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خير فقير } [ القصص : 24 ] ، وَلَمْ يَسَلِ اللهَ أَجْرًا عَلَى دِينِهِ ، فَلَمَّا أَعْجَلَ بِالْجَارِيَتَيْنِ الانْصِرَافُ ؛ أَنْكَرَ ذَلِكَ أَبُوهُمَا ، وَقَالَ : مَا أَعْجَلُكُمَا الْيَوْمَ ؟ ! قَالَتَا : وَجَدْنَا رَجُلا صَالِحًا فَسَقَى لَنَا . فَقَالَ : فَمَا سَمِعْتُمَاهُ يَقُولُ ؟ قَالَ : قَالَتَا : سَمِعْنَاهُ يَقُولُ : { رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ من خير فقير } [ القصص : 24 ] . قَالَ : يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا جَائِعًا ، تَنْطَلِقُ إِلَيْهِ إِحْدَاكُمَا فَتَقُولُ لَهُ : إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا . فَأَتَتْهُ تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ - قَالَ : عَلَى إِجْلالٍ - ؛ قَالَتْ : إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا . قَالَ : فَجَزِعَ مِنْ ذَلِكَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ ، وَكَانَ طَرِيدًا فِي فَيَافِي الصَّحْرَاءِ ، فَأَقْبَلَ وَالْجَارِيَةُ أَمَامَهُ ، فَهَبَّتِ الرِّيحُ ، فوصفتها له ، وكانت ذا خُلُقٍ ، [ فَقَالَ لَهَا : كُونِي خَلْفِي ] ، وَأَرِينِي السَّمْتَ . فَلَمَّا بَلَغَ الْبَابَ دَخَلَ ، إِذَا طَعَامٌ مَوْضُوعٌ ، فَقَالَ لَهُ شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلامُ : أَصِبْ يَا فَتًى مِنْ هَذَا الطَّعَامِ . قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ : أَعُوذُ بِاللهِ . قَالَ شُعَيْبٌ : وَلِمَ ؟ قَالَ مُوسَى : لأَنَّا فِي [ أَهْلِ ] بَيْتٍ لا نَبِيعُ دِينَنَا بِمِلْءِ الأَرْضِ ذَهَبًا . قَالَ شُعَيْبٌ : لا وَاللهِ ! وَلَكِنَّهَا عَادَتِي وَعَادَةُ آبَائِي ، نُطْعِمُ الطَّعَامَ وَنُقْرِي الضَّيْفَ . فَجَلَسَ مُوسَى ، فَأَكَلَ ، فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الدَّنَانِيرُ عِوَضًا لِمَا سَمِعْتَ مِنْ كَلامِي ، فَلأَنْ أَرَى أَكْلَ الْمَيْتَةِ وَالدَّمَ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ آخُذَهَا . فَكَأَنَّ سُلَيْمَانَ أُعْجِبَ بِأَبِي حَازِمٍ . فَقَالَ بَعْضُ جُلَسَائِهِ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! أَيَسُرُّكَ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ مِثْلُهُ ؟ قَالَ الزُّهْرِيُّ : إِنَّهُ لَجَارِي مُنْذُ ثَلاثِينَ سَنَةً ، مَا كَلَّمْتُهُ بِكَلِمَةٍ قَطُّ . فَقَالَ لَهُ أَبُو حَازِمٍ : صَدَقْتَ ، إِنَّكَ نَسِيتَ اللهَ فَنَسِيتَنِي ، وَلَوْ أَحْبَبْتَ اللهَ ؛ لأَحْبَبْتَنِي . قَالَ الزُّهْرِيُّ : أَتَشْتِمُنِي ؟ فَقَالَ سُلَيْمَانُ : بَلْ أَنْتَ شَتَمْتَ نَفْسَكَ ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ لِلْجَارِ على جاره حَقًّا ؟ فَقَالَ أبَوُ حَازِمٍ : إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا كَانُوا عَلَى الصَّوَابِ ، وَكَانَتِ الأُمَرَاءُ تَحْتَاجُ إِلَى الْعُلَمَاءِ ؛ فَكَانَتِ الْعُلَمَاءُ تَفِرُّ بِدِينِهَا مِنَ الأُمَرَاءِ ، فَاسْتَغْنَتِ الأُمَرَاءُ عَنِ الْعُلَمَاءِ ، وَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ ؛ فَشُغِلُوا وَانْتَكَسُوا ، وَلَوْ كَانَ عُلَمَاؤُنَا هَؤُلاءِ يَصُونُونَ عِلْمَهُمْ لَمْ تَزَلِ الأُمَرَاءُ تَهَابُهُمْ . قَالَ الزُّهْرِيُّ : كَأَنَّكَ إِيَّايَ تُرِيدُ وَبِي تُعَرِّضُ ؟ ! قَالَ : هُوَ مَا تَسْمَعُ . قَالَ : وَقَدِمَ هِشَامٌ المدينة مرة أخرة ، فَأَرْسَلَ إلى أَبِي حَازِمٍ ، فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا حَازِمٍ ! عِظْنِي وَأَوْجِزْ . قَالَ أَبُو حَازِمٍ : اتَّقِ اللهَ ! وَازْهَدْ فِي الدُّنْيَا ؛ فَإِنَّ حَلالَهَا حِسَابٌ ، وَحَرَامَهَا عَذَابٌ . قَالَ : لَقَدْ أَوْجَزْتَ يَا أَبَا حَازِمٍ . فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا حَازِمٍ ! ارْفَعْ حَوَائِجَكَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ . قَالَ أَبُو حَازِمٍ : هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ! قَدْ رَفَعْتُ حَوَائِجِي إِلَى مَنْ لا تُخْتَزَلِ الْحَوَائِجُ دُونَهُ ؛ فَمَا أَعْطَانِي مِنْهَا قَنِعْتُ بِهِ ، وَمَا مَنَعَنِي مِنْهَا رَضِيتُ ، وَقَدْ نَظَرْتُ فِي هَذَا الأَمْرِ ؛ فَإِذَا هُوَ نِصْفَانِ : أَحَدُهُمَا لِي ، وَالآخَرُ لِغَيْرِي ؛ فَأَمَّا مَا كَانَ لِي ؛ فَلَوِ احْتَلْتُ فِيهِ بِكُلِّ حِيلَةٍ مَا وَصَلْتُ إِلَيْهِ قَبْلَ أَوَانِهِ الَّذِي قُدِّرَ لِي فِيهِ ، وَأَمَّا الَّذِي لِغَيْرِي ؛ فَذَلِكَ الَّذِي لا أُطْمِعُ نَفْسِي فِيمَا مَضَى ، وَلَمْ أطعمها فِيمَا بقي ، وَكَمَا مُنِعَ غَيْرِي رِزْقِي كَذَلِكَ مُنِعْتُ رِزْقَ غَيْرِي ؛ فَعَلَى مَا أَقْتُلُ نَفْسِي ؟ !. ابن عبد البر : المجالسة وجواهر العلم 8/149.

وذكر ابن حبان في صحيحه باب \" ذِكْرُ الإِخْبَارِ عَنْ وَصْفِ مُحَاسَبَةِ اللهِ جَلَّ وَعَلاَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُخْبِتِينَ مِنْ عِبَادِهِ فِي الْقِيَامَةِ\".ثم ذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم , عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ صَفْوَانِ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ ، قَالَ : بَيْنَا نَحْنُ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ نَطُوفُ بِالْبَيْتِ ، إِذْ عَارَضَهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ : يَا ابْنَ عُمَرَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ النَّجْوَى ؟ فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : يَدْنُو الْمُؤْمِنُ مِنْ رَبِّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ ، ثُمَّ يُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ ، فَيَقُولُ : هَلْ تَعْرِفُ ؟ فَيَقُولُ : رَبِّ أَعْرِفُ ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَبْلُغَ ، قَالَ : فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ ، ثُمَّ يُعْطَى صَحِيفَةَ حَسَنَاتِهِ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ ، فَيُنَادَى عَلَى رُؤُوسِ الأَشْهَادِ : {هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود].

وعن أبي سعيد المقبري قال لما طعن أبو عبيدة قال يا معاذ صل بالناس فصلى معاذ بالناس ثم مات أبو عبيدة بن الجراح فقام معاذ في الناس فقال يا أيها الناس توبوا إلى الله من ذنوبكم توبة نصوحا فإن عبد الله لا يلقى الله تائبا من ذنبه إلا كان حقا على الله أن يغفر له ثم قال إنكم أيها الناس قد فجعتم برجل والله ما أزعم أني رأيت من عباد الله عبدا قط أقل غمزا ولا أبر صدرا ولا أبعد غائلة ولا أشد حبا للعاقبة ولا أنصح للعامة منه فترحموا عليه رحمه الله ثم أصحروا للصلاة عليه فوالله لا يلي عليكم مثله أبدا فاجتمع الناس وأخرج أبو عبيدة وتقدم معاذ فصلى عليه حتى إذا أتى به قبره دخل قبره معاذ بن جبل وعمرو بن العاص والضحاك بن قيس فلما وضعوه في لحده وخرجوا فشنوا عليه التراب فقال معاذ بن جبل يا أبا عبيدة لأثنين عليك ولا أقول باطلا أخاف أن يلحقني بها من الله مقت كنت والله ما علمت من الذاكرين الله كثيرا ومن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ومن الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما وكنت والله من المخبتين المتواضعين الذي يرحمون اليتيم والمسكين ويبغضون الخائنين المتكبرين.الحاكم في مستدركه ج3/ص296 ح5148.

وعن زر بن حبيش قال : قرأت القرآن من أوله إلى آخره على على بن أبى طالب ، فلما بلغت الحواميم قال : لقد بلغت عرائس القرآن ، فلما بلغت رأس ثنتين وعشرين آية من حمعسق {والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات} الآية بكى حتى ارتفع نحيبه ، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : يا زر أمن على دعائي ، ثم قال : اللهم إني أسألك إخبات المخبتين ، وإخلاص الموقنين ، ومرافقة الأبرار واستحقاق حقائق الإيمان ، والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم ووجوب رحمتك ، وعزائم مغفرتك ، والفوز بالجنة ، والنجاة من النار يا زر إذا ختمت فادع بهذه فإن حبيبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرني أن أدعو بهن عند ختم القرآن. (ابن النجار) [كنز العمال 4221]أورده الذهبي في الميزان (3/108) ، والحافظ في اللسان (2/480) .

عن عبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين ) ومن قرأ مائة آية كتب له قنوت ليلة ومن قرأ مائتي آية كتب من القانتين ومن قرأ أربع مائة كتب من المخبتين ومن قرأ ألف آية أصبح وله قنطار ألف ومائتا أوقية الأوقية خير مما بين السماء والأرض ومن قرأ ألفي آية كان من الموجبين ). أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد (2/268) قال الهيثمى : فيه يحيى بن عقبة بن أبى العيزار وهو ضعيف . وأخرجه الضياء (8/278 ، رقم 341) .
المصدر صيدالفوائد :د. بدر عبد الحميد هميسه