مدونة المعارف

30‏/10‏/2016

وقفات مع سورة التكاثر : الخطبة الأخير لشهر الله المحرم 1438هــــ


الحمد لله الأول والآخر، والظاهر والباطن، واهب النعم، واسع الكرم، أحمده حمد من يعلم أنه مسبب الأسباب، وأشكره شكر من تاب إليه وأناب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العزيز الوهاب، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله النبي المصطفى الأواب، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما طلع نجم وغاب، وعلى آله وأصحابه الأخيار الأحباب، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الحساب.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عز وجل، قال تعالى:( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا* يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما).
أيها المؤمنون: سورة التكاثر من سور القرآن الكريم التي اشتملت على كثير من الدروس والعظات، والعبر والتوجيهات، التي لا يستغني عنها الإنسان في عقيدته وعباداته، وأخلاقه ومعاملاته، قال الله سبحانه:ألهاكم التكاثر* حتى زرتم المقابر* كلا سوف تعلمون* ثم كلا سوف تعلمون*كلا لو تعلمون علم اليقين* لترون الجحيم* ثم لترونها عين اليقين* ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) فمن أبرز ما تناولته السورة بيان حال بعض الناس في  التنافس على الدنيا ونسيان الآخرة.
وقوله سبحانه:ألهاكم التكاثر* حتى زرتم المقابر) أي انشغلتم بكثرة المال والعدد عن طاعة الله تعالى حتى متم ودفنتم في المقابر.
وقد حذر القرآن الكريم من طغيان حب المال على قلب المرء، فينسيه طاعة الله تعالى ويشغله عن ذكره، قال عز وجل:( يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون)
وقد أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كيفية التعامل مع المال، فقال لمن يتفاخر بماله:« يقول ابن آدم مالي مالي. وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت».
وحذر صلى الله عليه وسلم من التنافس في الدنيا فقال:« والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا، كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها وتلهيكم كما ألهتهم»
وبين صلى الله عليه وسلم أن ميدان التنافس يكون بالأعمال الصالحة التي يدخر الإنسان ثوابها لآخرته فقال :« يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله».
وقال بشر بن الحارث رحمه الله: لابن آدم في ماله ثلاث حسرات: يجمعه كله، ويتركه كله، ويسأل عنه كله.
أيها المسلمون: وتناولت سورة التكاثر مسألة اليقين في الله عز وجل، قال تعالى:كلا لو تعلمون علم اليقين* لترون الجحيم) أي لو تعلمون ما يكون في يوم القيامة من الأهوال كالبعث والحشر والحساب لشغلكم ذلك عن التنافس في الدنيا والمباهاة بزخرفها.

ومعنى اليقين في الله تعالى هو التصديق الجازم بأسماء الله تعالى وصفاته وحسن تدبيره، فيرضى العبد بقضائه وقدره، ليصل إلى أعلى مراتب الإيمان، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله.

وإذا وصل اليقين بالله تعالى إلى القلب امتلأ نورا وإشراقا، وخشية منه ومحبة وخوفا منه، ورضا وشكرا، وانتفى عنه كل ريب وشك، قال صلى الله عليه وسلم:« أفضل الأعمال عند الله إيمان لا شك فيه».
عباد الله: ومن اليقين أن تكون العلاقة بين العبد وربه قائمة على الثقة المطلقة، فقد حكى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل ممن كان قبلنا سأل رجلا أن يسلفه ألف دينار، فقال: ائتني بالشهداء أشهدهم. فقال: كفى بالله شهيدا. قال: فأتني بالكفيل. قال: كفى بالله كفيلا. قال: صدقت. فدفعها إليه إلى أجل مسمى، فلما حل أجل السداد خرج إلى البحر يلتمس مركبا يركبها، فلم يجد، فأخذ خشبة، فنقرها فأدخل فيها ألف دينار، وصحيفة منه إلى صاحبه، ثم دفع بها إلى البحر... فخرج الدائن ينتظره فإذا بالخشبة التى فيها المال، فأخذها لأهله حطبا، فلما نشرها وجد المال والصحيفة».
فانظروا عباد الله إلى يقين هذا الرجل، وكمال ثقته في الله، وكيف أن الله تعالى سخر له أمواج البحر لتنقل أمانته وتؤدي دينه.

اللهم هب لنا يقينا يربط قلوبنا بحبك، ولا يلهينا عن ذكرك، اللهم وفقنا لطاعتك وطاعة من أمرتنا بطاعته، عملا بقولك:( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ،  فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عز وجل في السر والعلن.

أيها المؤمنون: وختمت سورة التكاثر بالدعوة إلى المحافظة على نعم الله تعالى، وحسن تقديرها، وتمام تدبيرها، وعدم إتلافها أو الإفراط في استخدامها، قال الله سبحانه وتعالى:( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم)

فالإنسان مسؤول بين يدي مولاه، عما أنعم عليه، وقد ورد في هذا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فقال:« ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة ؟». قالا: الجوع يا رسول الله. قال:« وأنا والذي نفسى بيده لأخرجني الذى أخرجكما قوموا». فقاموا معه فأتى رجلا من الأنصار ... فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب ... وذبح لهم فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا، فلما أن شبعوا ورووا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر:« والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم».
فلينظر كل منا إلى ما منحه الله تعالى من النعم التي بين يديه، من العافية والمال والولد والعلم والاستقرار والرفاهية، وليحمد الله عليها ويشكره، ويذكر فضله ولا يجحده، وليسأله دوام النعم مع حلول البركة فيها، فإن الشكر يديم النعم ويبقيها.  

عباد الله: إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى فيه بملائكته وثلث بكم  فقال  تعالى:(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا»
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة الأكرمين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم عرفنا نعمك بدوامها، وألهمنا شكرها، ولا تعرفنا عليها بزوالها، اللهم إنا نسألك قلبا شاكرا، ولسانا ذاكرا، ورزقا طيبا، وعملا متقبلا، وعلما نافعا، وعافية في البدن، وبركة في العمر والذرية، اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وارض عنا وأرضنا، اللهم اجعل زادنا التقوى، وزدنا إيمانا ويقينا وفقها وتسليما، اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، اللهم إنا نسألك الفوز بالجنة والنجاة من النار، اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا حاجة إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

06‏/10‏/2016

الخطبة الأولى لشهر الله المحرم

الشَّبَابُ
الْخُطْبَةُ الأُولَى من شهر محرم لعام 1438
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي الشَّبَابِ قُوَّةً وَعَمَلاً، وَطَاقَةً وَأَمَلاً، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)([1]).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الإِنْسَانَ، وَكَلَّفَهُ أَنْ يُعَمِّرَ الأَرْضَ بِالْخَيْرَاتِ، وَيَسْتَثْمِرَ فِيهَا الطَّاقَاتِ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ :(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ)([2]). أَيْ لِتَقُومُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ وَإِعْمَارِ الأَرْضِ، وَنَشْرِ الْخَيْرِ فِيهَا، فَالإِنْسَانُ هُوَ أَسَاسُ الْبِنَاءِ، وَإِنَّ تَقَدُّمَ الأَوْطَانِ يَحْتَاجُ إِلَى طَاقَاتِ الشَّبَابِ، فَهُمْ ذُخْرُ الْوَطَنِ وَعُدَّتُهُ، وَقُوَّتُهُ وَطَاقَتُهُ، وَقَلْبُهُ النَّابِضُ، وَثَرْوَتُهُ الْمُتَجَدِّدَةُ، وَحَاضِرُهُ الْمَشْهُودُ، وَمُسْتَقْبَلُهُ الْمَوْعُودُ، وَهَلِ الْخَيْرُ إِلاَّ فِي الشَّبَابِ([3]). نَعَمْ فَالْخَيْرُ كُلُّ الْخَيْرِ فِي الشَّبَابِ، فَلَدَيْهِمْ آمَالٌ وَطُمُوحَاتٌ، وَقَضَايَا وَتَحَدِّيَّاتٌ، وَبِهِمْ تَنْهَضُ الْمُجْتَمَعَاتُ، وَتَتَحَقَّقُ الإِنْجَازَاتُ، وَفِيهِمُ الْهِمَّةٌ وَالعَطَاءُ، وَالْخَيْرُ وَالْبِنَاءُ، وَلَدَيْهِمْ مُؤَهَّلاَتٌ وَقُدُرَاتٌ؛ وَلِذَلِكَ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِاغْتِنَامِهَا، فَقَالَاغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ، وَذَكَرَ مِنْهَا: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ...»([4]). وَإِنَّ اغْتِنَامَ الشَّبَابِ يَجْعَلُهُمْ أَهَمَّ قُوَّةٍ وَطَنِيَّةٍ لِبِنَاءِ الْحَاضِرِ، وَرُكْنًا أَسَاسِيًّا فِي رِحْلَةِ الاِنْتِقَالِ إِلَى الْمُسْتَقْبَلِ.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ قِيَادَتَنَا الرَّشِيدَةَ تَضَعُ الشَّبَابَ فِي أَوْلَوِيَّاتِ اهْتِمَامَاتِهَا، وَتَثِقُ بِقُدْرَتِهِمْ عَلَى التَّحَدِّي وَالتَّمَيُّزِ وَالنَّجَاحِ، فَخَصَّصَتْ لَهُمْ وِزَارَةً لِلشَّبَابِ، وَأَقَامَتْ مَجْلِسَ الإِمَارَاتِ لِلشَّبَابِ، وَاسْتَثْمَرَتْ فِي تَعْلِيمِهِمْ وَتَثْقِيفِهِمْ وَصَقْلِ خِبْرَاتِهِمْ، وَتَنْمِيَةِ مَهَارَاتِهِمْ، وَالاِرْتِقَاءِ بِمُعَدَّلاَتِ أَدَائِهِمْ؛ وَتَأهِيلِهِمْ عَلَى أُسُسٍ مُسْتَقْبَلِيَّةٍ مُسْتَدَامَةٍ، وَتُشَجِّعُهُمْ عَلَى الإِبْدَاعِ وَالاِبْتِكَارِ، وَرَفْعِ مَعْنَوِيَّاتِهِمْ؛ لِيَنْطَلِقُوا بِقُوَّةٍ إِلَى آفَاقِ الْمُسْتَقْبَلِ؛ وَيَتَحَمَّلُوا مَسْؤُولِيَّتَهُمْ كَامِلَةً نَحْوَ وَطَنِهِمُ الَّذِي يَفْخَرُ بِهِمْ، وَمِنْ وَاجِبِهِ عَلَيْهِمْ أَنْ يَجْتَهِدُوا فِي الْمُضِيِّ بِهِ قُدُمًا لِتَحْقِيقِ طُمُوحَاتِهِ عَمَلاً بِقَوْلِهِ تَعَالَى:( هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ)([5]).
وَإِنَّ رَدَّ الْجَمِيلِ إِلَى الْوَطَنِ يَحْتَاجُ مِنَ الشَّبَابِ إِلَى الْعَمَلِ الْجَادِّ، وَالْحِرْصِ عَلَى الاِرْتِقَاءِ بِاسْتِمْرَارٍ، وَتَقْدِيمِ رُؤًى إِبْدَاعِيَّةً لِتَطْوِيرِ الأَفْكَارِ، وَالتَّزَوُّدِ بِالْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَقَدْ قَدَّمَ لَنَا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ أُنْمُوذَجًا شَابًّا فِي الاِجْتِهَادِ فِي الْعِلْمِ حَيْثُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِيَحْيَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ:( يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)([6]). أَيِ: الْفَهْمَ وَالْعِلْمَ وَالْجِدَّ وَالْعَزْمَ، وَالإِقْبَالَ عَلَى الْخَيْر، وَهُوَ فِي رَيْعَانِ الشَّبَابِ([7]).
وَالشَّبَابُ هُمْ سُفَرَاءُ أَقْوَامِهِمْ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، حَتَّى يَرْجِعُوا بِهِ إِلَى أَوْطَانِهِمْ، فَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَدِمْنَا عَلَى النَّبِىِّ r وَنَحْنُ شَبَابٌ، فَلَبِثْنَا عِنْدَهُ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً([8]). فَكَانُوا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَفْدًا مِنْ طُلاَّبِ الْعِلْمِ. وَهَكَذَا الشَّبَابُ يَجْتَهِدُونَ فِي دِرَاسَتِهِمْ وَيُخْلِصُونَ فِي وَظَائِفِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ، وَيَحْتَرِمُونَ قَانُونَ دَوْلَتِهِمْ، وَيُحَافِظُونَ عَلَى تَلاَحُمِ وَطَنِهِمُ الْغَالِي، فَهُوَ أَمَانَةٌ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :« إِنَّ اللَّهُ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ أَحَفَظَ أَمْ ضَيَّعَ»([9]). وَإنَّ الشَّبَابَ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ أَمَانَةَ الْوَطَنِ يَسْعَوْنَ إِلَى إِسْعَادِ النَّاسِ جَمِيعًا، وَتَقْدِيمِ النَّفْعِ لَهُمْ؛ قَالَ نَبِيُّنَا rأَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ»([10]).
أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ: إِنَّ دَوْلَةَ الإِمَارَاتِ الْعَرَبِيَّةِ الْمُتَّحِدَةِ دَوْلَةٌ شَابَّةٌ قَامَتْ عَلَى الشَّبَابِ، لأنَّهُمْ سِرُّ قُوَّتِهَا، وَإن الذي يَعْرِفُ تَارِيخَ قِيَامِ الاِتِّحَادِ يُدْرِكُ جَيِّدًا أَنَّ الشيخ/ زايد بن سلطان آل نهيان طَيَّبَ اللَّهُ ثَرَاهُ وَإِخَوَانَهُ الْمُؤَسِّسِينَ وَضَعُوا ثِقَتَهُمْ فِي الشَّبَابِ، وَحَفَّزُوهُمْ عَلَى التَّعَلُّمِ وَتَطْوِيرِ أَنْفُسِهِمْ لِخِدْمَةِ وَطَنِهِمْ، فَأَغْلَبُ الْمُتَعَلِّمِينَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ خِرِّيجِي الْجَامِعَاتِ كَانُوا مِنَ الشَّبَابِ فِي الْعِشْرِينَاتِ مِنْ أَعْمَارِهِمْ، فَتَوَلَّوْا الْمَهَامَّ، لِبِنَاءِ دَوْلَةِ الإِمَارَاتِ بِكُلِّ إِخْلاَصٍ وَعَزْمٍ، وَعَمِلُوا بِلاَ كَلَلٍ وَلاَ مَلَلٍ، وَكَانُوا عَلَى قَدْرِ الْمَسْؤُولِيَّةِ، وَإِنَّ الشَّبَابَ الْيَوْمَ مُطَالَبُونَ بِمُوَاصَلَةِ مَسِيرَةِ الآبَاءِ، وَالْحِفَاظِ عَلَى إِنْجَازَاتِهِمْ، فَبِالشَّبَابِ الْوَاعِي تَرْقَى الأُمَمُ, وَبِالأَخْلاَقِ تَدُومُ مَكَانَتُهَا، وَبِالْقِيَمِ النَّبِيلَةِ, وَالأَخْلاَقِ الْفَاضِلَةِ نُحَافِظُ عَلَى حَضَارَتِنَا, وَنَحْمِي مُنْجَزَاتِ وَطَنِنَا.
فَاللَّهُمَّ احْفَظْ شَبَابَنَا، وَأَدِمْ سَعَادَتَنَا، وَأَسْبِغْ عَلَيْنَا نِعَمَكَ، وَأَكْرِمْنَا بِفَضْلِكَ، وَوَفِّقْنَا لِطَاعَتِكَ أَجْمَعِينَ، وَطَاعَةِ رَسُولِكَ مُحَمَّدٍ الأَمِينِ r وَطَاعَةِ مَنْ أَمَرْتَنَا بِطَاعَتِهِ، عَمَلاً بِقَوْلِكَ:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)([11]).
نَفَعَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ،
 وَبِسُنَّةِ نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ،
 فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.


الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَيَا أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ، إِنَّ أَهَمَّ مَا نَتَوَاصَى بِهِ تَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَرْسِيخُ الْقِيَمِ النَّبِيلَةِ فِي الشَّبَابِ لِتَثْبِيتِ هُوِيَّتِهِمْ، وَتَعْزِيزِ تَلاَحُمِهِمْ، وَتَعْمِيقِ رُوحِ الاِنْتِمَاءِ لِوَطَنِهِمْ، وَالْوَلاَءِ لِقِيَادَتِهِمْ وَحُكَّامِهِمْ، وَالتَّحَلِّي بِالأَخْلاَقِ الْكَرِيمَةِ، وَهِيَ الرِّسَالَةُ الَّتِي بُعِثَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عَنْهَا:« إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ»([12]). وَإِنَّ الشَّبَابَ بِكَرِيمِ أَخْلاَقِهِمْ، وَجَمِيلِ صَنِيعِهِمْ، وَحُسْنِ فِعَالِهِمْ؛ يُعَبِّرُونَ عَنِ الْمَبَادِئِ الأَصِيلَةَ لِلْوَطَنِ الْمُسْتَمَدَّةَ مِنْ دِينِنَا الْحَنِيفِ، وَأَخْلاَقِ الآبَاءِ وَالأَجْدَادِ، وَيَحْرِصُونَ عَلَى نَشْرِ عَادَاتِهِ وَتَقَالِيدِهِ  بَيْنَ الأَجْيَالِ لِتَدُومَ عَلَى مَرِّ الزَّمَانِ.
فَيَا أَيُّهَا الشَّبَابُ: هَلِ اسْتَثْمَرْتُمُ الإِمْكَانَاتِ وَالْفُرَصَ الَّتِي وَفَّرَتْهَا لَكُمُ الدَّوْلَةُ؟
وَيَا أَيُّهَا الآبَاءُ وَالأُمَّهَاتُ: هَلْ قُمْتُمْ بِدَوْرِكُمْ فِي تَوْجِيهِ وَدَعْمِ الشَّبَابِ إِنَاثًا وَذُكُورًا لِتَحْقِيقِ طُمُوحَاتِكُمْ؟
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً»([13]).




([1]) آل عمران: 15.
([2]) الأنعام : 165.
([3]) الجامع لأخلاق الراوي: 1/310 ، والقائل هو حُذَيْفَةُ بن اليمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
([4]) السنن الكبرى للنسائي 10/400.
([5]) الرحمن : 60.
([6]) مريم : 12.
([7]) تفسير ابن كثير : (5/216).
([8]) متفق عليه.
([9]) صحيح ابن حبان : 4492.
([10]) الطبراني في المعجم الكبير : 13646.
([11]) النساء : 59 .
([12]) الأدب المفرد : 273، وأحمد:8952.
([13]) مسلم: 384.

الشيخ د.عبدالعزيز الفايز | لاتحرن إن الله معنا | مقطع مؤثر