مدونة المعارف

02‏/11‏/2014

برنامج الهرم يستضيف الشيخ الدكتور عوض القرني

برنامج الهرم يستضيف الشيخ الدكتور عوض القرني

برنامج الهرم مع محسن العواجي 7 رمضان 1433

برنامج الهرم سليمان العيدي 1 رمضان 1433

برنامج الهرم مع القارئ سعد الغامدي 5 رمضان 1433

صحبة الجنة _ أهداء للأصدقاء _ كلمات : منال الفياض ~ إنشاد : أسامة السلمان

برنامج الهرم مع الشيخ الدكتور عائض القرني

برنامج الهرم الحلقه الاولى مع الشيخ محمد العريفي

الهرم مع الشيخ عبد الله السلمي

27‏/10‏/2014

القرءان الكريم كاملا الشيخ الحصري ....

محاضره مبكيه للشيخ صالح المغامسي حفظه الله

لاتحزن كاملة عائض القرني بجوده عاليه mb3

محاضرة ( الكون يُسَبِّح ) من اقوى محاضرات عائض القرني

22‏/09‏/2014

ومحياي 2 مع د.وليد فتيحي | الحلقة4 | #ألم_نجعل_له_عينين | #ومحياي2 @wama...

ومحياي 2 مع د.وليد فتيحي | الحلقة3 | #التنمر | #ومحياي2 @wama7yaya

ومحياي 2 مع د.وليد فتيحي | الحلقة 20 | #سنن_التمكين | #ومحياي2 @wama7yaya

ومحياي 2 مع د.وليد فتيحي | الحلقة 19 | #الأخطاء_الطبية | #ومحياي2 @wama7...

ومحياي 2 مع د.وليد فتيحي | الحلقة 18 | #الصبر | #ومحياي2 @wama7yaya

ومحياي 2 مع د.وليد فتيحي | الحلقة 17 | #التفاؤل | #ومحياي2 @wama7yaya

15‏/09‏/2014

سواعد الإخاء 2 - الحلقة التاسعة والعشرون 29 - النسخة الرسمية HD

برنامج سواعد الإخاء 2 | الحلقة رقم 27 | رمضان 1435 هـ

سواعد الإخاء 2 - الحلقة الثالثة والعشرون 23 - النسخة الرسمية HD

سواعد الإخاء 2 - الحلقة الثانية والعشرون 22 - النسخة الرسمية HD

01‏/09‏/2014

محاضرة نسائم الجنة للشيخ توفيق الصائغ والشيخ نبيل العوضي

التخطيط الدعوي أمر مهم :


فوجئ المسلمون والمهتمون بأمور الدعوة إلى الله وكذا الحال بالجهات العاملة في مجال الدعوة بالأحداث التي وقعت في الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001م، وما تبع ذلك من تضييق للإجراءات الإدارية والمالية، بل ومطالبة من قبل البعض بالتوقف عن العمل الدعوي أوتقليله حسبما تقتضيه الظروف الدولية والمحلية فيما عرف فيما بعد بفقه ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر..
وهذه الأحداث- من وجهة نظري- بعيداً عن أسبابها وما أحدثته من نتائج على الإسلام والمسلمين والدعوة بشكل خاص إلا أنها بينت عدداً من الحقائق والدروس التي ينبغي الوقوف عندها ملياً من قبل الدعاة والقائمين على شؤون الدعوة في كل مكان.. ومن ذلك:
- أننا لانملك خاصية الإنذار المبكر لمثل تلك الأحداث والأزمات عند ظهور بعض التشنجات والانحرافات الفكرية التي تنذر بخطر جسيم على أمة الإسلام والبشرية قاطبة وبالتالي فإننا لانملك التوجيه المناسب والقرار الصائب تجاه ما قد يحدث.
- كما أننا لانملك القدرة على الفحص الدقيق والمستمر لخططنا الدعوية- إن وجدت- ولانملك القدرة علي التنبؤ بواقع البيئة الداخلية والخارجية من حولنا لنعمل على ضوء ذلك.. ولم نستفد من الآخرين الذين قطعوا شوطاً كبيراً في مجال التخطيط البعيد المدى أو الاستراتيجي لنشر أضاليلهم وأباطيلهم .
- عدم القدرة على المرونة والعمل في ضوء ما يتاح لنا من بدائل وإمكانات. بل تخبط البعض وظهرت الحيرة والارتباك على البعض الآخر. ولجأ البعض إلى المناداة فرحين بالوقوف التام عن نشر الدعوة ومساعدة المسلمين في مساجدهم ومدارسهم ومراكزهم الإسلامية. بل بات البعض يكيل التهم ويوجه اللوم إلى البعض الآخر. صحيح أن بعض الدعاة والجهات المحسوبة على الدعوة وقع في تجاوزات وأخطأ وأساء التصرف في المجتمع الذي يعيش فيه سواء في بلاده أو في بلاد أخرى استضافته وأحسنت إليه.. مما كان له أعظم الضرر على الدعوة والدعاة.
- إن وجد مخططون استراتيجيون للأعمال الدعوية في مؤسساتنا الدعوية المعنية وفق المنهج النبوي الكريم (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة..) فإنهم لايملكون الرؤية الواضحة والقدرة على المبادرة الإيجابية. بل ربما اكتفوا بالقيام بأعمال في شكل ردود أفعال إزاء ما يفاجأون به من تغيرات.
والأسئلة التي تطرح نفسها اليوم على الساحة الدعوية:
- هل استنفذنا طاقاتنا وهل استخدمنا مواردنا وقدر اتنا البشرية والمادية؟
- هل انتهت الفرص الإيجابية المتاحة والتي يمكن العمل من خلالها في مجال الدعوة؟
- هل بدأنا بطرح بعض البدائل والخيارات المناسبة الأخرى والتي تضمن لنا الاستمرار بكفاءة وإنتاجية أكثر من دون أن تحدث أي إحراج للدعاة أو لأصحاب القرار؟
إننا وبكل صراحة لم نحدد أهدافنا الدعوية التي نريد الوصول إليها وفق جدول زمني محدد ولم نضع خططاِ نسير عليها وفق رؤية واضحة. وليس هناك متابعة حقيقية لواقعنا وأدواتنا ووسائلنا المشروعة حتى تحقق- بإذن الله- تلك الأهداف المشروعة المنشودة التي أكاد أجزم بأن معظم العاملين في مجال الدعوة إلى الله في الخارج بالذات تنقصهم الكفاءة والقدرة ووضوح الرؤية والرسالة والتقويم المستمر للعمل. بل إن الأمر يسير كيفما اتفق.
ولهذا تزيد الإخفاقات وتكثر الأخطاء والملحوظات وكأننا نعمل بدون هدف.. بل مجرد تسيير أعمال روتينية. بل إن البعض منهم لايرى لأحد الحق في المحاسبة والتقويم والتوجيه والتغيير وهذا ما أوصلنا إلى هذه الحال التي نحن فيها.
والنتيجة أننا لم نحسب للمخاطر يوماً أي حساب.. ولم تقم دراساتنا ولا قراراتنا ومناشطنا الدعوية على المعلومات الصحيحة والأرقام الدقيقة.. ولا نؤمن بمبدأ المشاركة في الرأي من قبل جميع الأعضاء المغيين ولم ننفتح على البيئة من حولنا يإيجابية وبشكل واقعي.. ولم نعتمد على الوسائل والتقنيات الحديثة في العمل الجاد والتخطيط السليم.
إن العمل في مجال الدعوة إلى الله تعالى- بلاشك- مهمة الأنبياء والمرسلين والمصلحين، ومن أشرف الأعمال وغاية في الأهمية والإجلال. ويتطلب في نفس الوقت التخطيط الدقيق وتحديد الأهداف، ومراعاة الظروف العامة والبيئة الداخلية والخارجية للمؤسسات الدعوية والمجتمعات الدعوية وما فيها من جوانب القوة والضعف والفرص والمخاطر. ثم يأتي بعد ذلك اتخاذ القرار الصائب من قبل القائمين على المؤسسات الدعوية بشكل فريق عمل من المخططين المخلصين المهرة- وليس لجان- ممن يملكون القدرة والخبرة والعلم والدراسة بعمليات التخطيط الدعوي.
هذا الفريق يتولى تحديد تلك الخطوات وتقدير الأولويات ومتابعة مراحل العمل الدعوي في ضوء الظروف المتاحة مع أهمية تحديد الإمكانات المادية والبشرية وتوزيع الأدوار وتحديد المسؤوليات وتحري التوقعات والفرص المناسبة لإنجاز الأعمال والمهمات.
وهذا الفريق ينتهج بطبعه الابتعاد عن اللجوء إلى الحلول الموقتة والجزئية أو الترقيع وإسقاط الماضي على الواقع الحاضر. بل يسعى إلى معرفة ماتحقق من أهداف ومالم يتحقق ولم لم تتحقق، وتحديد الجوانب الإيجابية والسلبية.. والبحث عن أساليب وفرص أخرى من شأنها إنجاح العمل وإخضاع تلك الأعمال للتقويم والدراسات والاستفادة من تجارب الآخرين وفتح مجال المناقشة والتعاون وتبادل الخبرات وتوسيع دائرة الاتصال مع الجهات المماثلة.

إن العمل الدعوي لازم لاخيار عنه ولامحيد، وأن الاستمرار فيه واجب على كل مسلم بحسب حاله وقدرته وبحسب ماتقتضيه المصلحة العامة.. وإذا ضاق مجال أو أغلق باب فتح الله مجالات وأبواباً أخرى (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً)، (وإن مع العسر يسرا) ولن يغلب عسر يسرين كما ورد ذلك عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في تفسير هذه الآية.. ومن ذلك أن يصار إلى بعض التكتيكات الممكنة تقديراً للظروف المحيطة لا اللجوء للاستسلام والرهبة من الشيطان وأعوانه الذين فرحوا ويفرحون بمثل تلك الأحداث لاستغلالها في ضرب الحق وأهله (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياء ه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين).
ومن ذلك أن نقر بأخطائنا وتجاوزاتنا، وأن نراجع أنفسنا ونعلم أن ما أصابنا هو من عند أنفسنا وبما كسبت أيدينا ويعفو عن كثير.. وأن نري الله من أنفسنا خيراً ونلجأ إلى الله تعالى في كشف ماحل بالمسلمين وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل.. وأن تكون أعمالنا غاية في الوضوح والبصيرة متسلحين بسلاح العلم والتقوى والصبر والمجاهدة.. مركزين على الاهتمام بتقوية الجانب البشري في المجال الدعوي تدريباً وتعليماً وكفاءة حتى يكونوا خيرة دعاة لخير دين.
كما أنه لايمكن إغفال الجانب المادي أو تهميشه فالدعوة بحاجة ماسة إليه وعليه فيمكن اللجوء إلى إيجاد مصادر متنوعة لدعم الأعمال الدعوية وتوسيع دائرة الإحسان وتفعيل دور الوقف وغيره من أبواب الخير والإحسان في مجال الدعوة إلى الله. فقد رأيت في بعض الدول تركيزاً شديداً على الأوقاف وصرف ريعها في الدعوة إلى الله بسخاء حتى إنك ترى معظم القرى وماتبعها من مزارع وعقار ومستشفيات وغيرها موقوفة على أعمال الدعوة ووجوه البر.
المرجع  لهذه المقاله : http://www.alriyadh.com/44486

29‏/08‏/2014

مفهوم الدعوة الى الله تعالى :


الدعوة إلى الله شرف وعبادة، وهي مصدر عظيم لأجر الله وثوابه، وهي وسيلة لفتح القلوب الغلف، وتبصير الأعين العمي، وإسماع الآذان الصم.. ولكن حتى تكون عبادة نرجو ثوابها، وتؤتي ثمارها فلابد من معرفة فقهها، والتزام قواعدها وأصولها، والسير على منهاج داعيها الأول صلى الله عليه وسلم، وهو الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن .

ومن حق المدعوين بجميع طوائفهم واختلاف طرائقهم ومشاربهم وأماكنهم أن يطالبوا الدعاة بتوضيح دعوتهم، وبيان مقاصدها، وحتى وسائلهم وضوحا يرفع اللبس ويقيم الحجة ويقطع المعاذير.. فبقدر وضوح الغاية والمقصد والهدف والوسيلة لدى المدعو، بقدر سهولة اقتناعه وسرعة قبوله .

ومن هنا كان لابد للداعية أن يكون عالما بدعوته، محيطا بمقاصدها ووسائلها وطرائق نشرها، ودعوة الناس إليها وإقناع الناس بها إحاطة شاملة، وأن يكون مؤمنا بقدرتها على تسيير حياة أتباعه وعلى حل جميع مشاكلهم، وبقدر فهم كل داعية واتساع مداركه وإلمامه بدعوته يكون أثره ويؤتي أكله.

مفهوم الدعوة :
ومفهوم الدعوة أحيانا يكون شموليا، وأحيانا تعرف تعريفا تبسيطيا أو تفصيليا، وقد تعرض العلماء لهذا الجانب بالتوضيح والبيان: ففي كتاب أصول الدعوة للدكتور عبد الكريم زيدان يقول:
"والدعوة إلى الله إنما هي الدعوة إلى دينه الذي هو الإسلام {إن الدين عند الله الإسلام}.. فموضوع الدعوة وحقيقتها هي دين الإسلام.. ثم عرفه بما مختصره:
1 ـ هو ما فسره به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل حين سأله عن الإسلام والإيمان والإحسان.. فالدعوة هي الدعوة إلى تلك الأصول جميعها (الإسلام، والإيمان، والإحسان) بتفصيلها الذي فصله النبي عليه الصلاة والسلام..

2ـ هو الاستسلام لله تعالى والخضوع والانقياد لأمره: ويقصد بالخضوع الخضوع الطوعي الاختياري؛ لأن الخضوع الإجباري كل المخلوقات مشتركة فيه {إن كل من في السموات والأرض إلا آت الرحمن عبدا }.
وقد عرفه بذلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب بقوله: "الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك"..
وهو بهذا دين جميع الأنبياء والمرسلين من لدن آدم ونوح إلى خاتمهم محمد عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم.. ثم صار علما على الدين الخاتم الذي جاء به النبي الخاتم {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} وهو المعنى الذي صار مقصودا عند إطلاق لفظة الإسلام..

3 ـ هو الدعوة إلى النظام العام والقانون الشامل لحياة الإنسان وسلوكه، كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.

4ـ هو مجموع ما أنزله الله على رسوله من أحكام في العقيدة والأخلاق والعبادات والمعاملات وغيرها.

5 ـ هو الإجابة عن الأسئلة الثلاثة التي شغلت عقول البشر: من أين جئنا؟ ولماذا خلقنا؟ وإلى أين المصير؟
فإجابة السؤال الأول: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين .... الآيات.
كنت عدما فأوجدك الله من تراب، وجعلك في أجمل هيئة وأحسن صورة {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم}

وإجابة السؤال الثاني: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، {يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون}.. والعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة" كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية.

وإجابة السؤال الثالث : {يأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه}، {وأن إلى ربك المنتهى}، {إن إلى ربك الرجعى}... فالمصير إلى الذي بدأك وخلقك وأوجدك، ليجزيك على ما أوجدك من أجله {ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى}

وربما يعرف الإسلام أو الدعوة بأنها الروح الحادي، والنور الهادي، والشفاء الكافي، والدواء الوافي لكل أمراض البشرية {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم . صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور}، {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة}. وهذا تعريف للإسلام ببعض أوصافه.

ومعلوم أننا يمكننا أن نعبر عن الدعوة وعن الإسلام بتعبيرات ومعان أخرى كالدعوة إلى دين الفطرة، ودين التوحيد، ودين العدل، والدين الحق.. وهذا باب واسع .

والمقصد من تعدد تعريفات الدعوة أن يجد الداعي أمامه جملة من الطرق والوسائل التي يمكنه أن يختار منها ما يناسب حال المدعو.. فليس كل إنسان يدعى بنفس الطريقة التي يدعى بها غيره.. فالمثقف يختلف عن الجاهل، والملحد يختلف عن المشرك، والمنكر للبعث يختلف عن المتحير والمتشكك.. وهكذا .

وخلاصة الأمر هو ما قاله صاحب كتاب "الدعوة قواعد وأصول / "32: أن الدعوة هي "دعوة الناس إلى دين الإسلام بكل ما تحمل هذه الكلمة من معاني إسلام الوجه لله في صغير الأمر وكبيره، دعوة إلى الإسلام بشموله وعمومه، بدينه ودولته، بعقيدته وشريعته، بنظامه وأخلاقه بقيادته وريادته، بجهاده وعبادته، بدنياه وآخرته، بكل ما أنزل الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من فعل المأمور، وترك المحظور، والصبر على المقدور.. مقتفين في ذلك أثره، ومتبعين خطاه، سائرين على نهجه، متبعين لا مبتدعين، مخبتين لله، متميزين برسالته، محققين لقوله تعالى: {فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم، وقل أمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله بينا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا جدة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير}(اهـ).
واضعين نصب أعيننا القاعدة الكبرى في الدعوة وهي قوله تعالى آمرا نبيه: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين}.

د.عصام البشير يقلد الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله

محاضرة قصة سيدنا موسى عليه السلام الشيخ محمد بن على الشنقيطى

24‏/08‏/2014

كيف تخاطب الآخرين وتؤثِّر فيهم؟! *


الحمد لله, والصلاة والسلام على خير خلق الله, معلم الناس الخير نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – وعلى آله وصحبه ومن والاه.. أما بعد/
فقد أرسل الله نبيه شعيب عليه السلام داعيًا لقومه, مُخرجٌ إياهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم والإيمان, مدعمًا إياه بحجة وبيان, فكان سلاحه هو الخطابة؛ لذلك سميّ شعيبٌ عليه السلام بخطيب الأنبياء, فالخطابة والحديث مع الآخرين من أهم الأساليب التي يجب أن يتحلى بها الدعاة إلى الله تبارك وتعالى.. ولنا في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة الحسنة في ذلك, فهو خير معلم وخير مربي عرفته البشرية جمعاء.
وللمهارة في الحديث والخطابة أساليب وطرق لابد من معرفتها حتى يتم المقصود, فقد يتم دعوتك في أي وقت من الأوقات إلى إلقاء خطبة في أي من الاجتماعات التي تشارك فيها أو المؤتمرات التي تحضرها، سواء كانت هذه الاجتماعات خاصة بأعمالك أو حياتك الاجتماعية أو المهنية أو الدعوية، وقد تكون في أحد الاحتفالات ويطلب منك توجيه كلمة إلى الحاضرين، وفي كثير من اجتماعات الأعمال قد يطلب منك طرح عرض تقديمي عن تطور العمل في أحد المشروعات التي تشارك فيها أو تشرف عليها.
ومن خلال هذه الدقائق القليلة سنحاول – بحول الله وقوته – الحديث عن أهم هذه الأساليب والمهارات التي تجعلك خطيبًا مفوهًا وناجحًا.. من خلال التجارب المشاهدة من الواقع, ومن نصائح ذوي الخبرة في هذا المجال المهم.

يقول " ويدنر " في كتابه كيفية مخاطبة الآخرين: (إن مهارات الاتصال تعد إحدى المهارات الأساسية التي يجب أن تتحلى بها القيادات، فإذا فشل المستمعون في فهم كلمتك، أو إذا انصرف عدد كبير منهم عن الإنصات لك نتيجة الإحساس بالملل مما تقوله، تكون قد افتقدت القدرة على التواصل مع الجمهور).

أخي الحبيب- إذا لم تجعل منك خطيبًا مفوهًا، فإنها ستعينك حتمًا على تجنب الكثير من الأخطاء الشائعة التي يرتكبها الكثيرون عند مخاطبة الآخرين, لاحظ أن هذه النصائح تعتمد بشكل رئيسي على محاولة التقليل من العادات التي تعوق قدرة الفرد على مخاطبة الآخرين بطريقة واضحة تؤثِّر فيهم..فإذن,,

عليك بالبساطة :
يعتقد الكثيرون أن نمط حديثهم لا بد أن يكون تفصيليًا ومعقدًا، إلا أن الواقع أظهر أن أفضل الخطباء عادة ما يتسم خطابهم بالبساطة، فالهدف الرئيسي من خطابك هو التواصل مع الآخرين، وعليه حاول أن تتجنب ما يمكن أن يشتت أذهان المستمعين عنك، وعند إعداد كلمتك اجعل الأفكار التي تريد توصيلها إلى الآخرين هي محور تفكيرك وقم ببناء كلمتك حول هذه الأفكار.

تحدث بشكل طبيعي :
أنت لست ممثلاً، بل متحدث، وعليه كن على طبيعتك ولا تحاول تقمص أي شخصية أخرى، وفي هذا الصدد يقول "ويدنر" إن هناك عدداً كبيراً من الخطباء الذين يحاولون محاكاة وتقليد نمط الكلام ولهجة خطباء آخرين يريدون أن يتشبهوا بهم، تحدث فقط بالطريقة التي تعودت أن تتحدث بها دومًا، فأنت لست مضطرًا لكي تكون خطيبًا مفوهًا أن تبني أنماط الآخرين في الحديث.

الاتصال بالعين :
خلال تلقيك دروسًا في القيادة، فإن مدرب القيادة يوجهك إلى ضرورة النظر في المرايا بشكل مستمر، ولذا فأنت طوال عملية القيادة تنظر في المرآة اليمنى فاليسرى، ثم المرآة التي في المنتصف، كذلك الأمر عند إلقاء كلمتك، لا تركز بصرك على مركز القاعة فحسب، بل اعمل على تقليب بصرك في شتى أرجاء القاعة التي تلقي فيها كلمتك محققًا التواصل مع المخاطبين في مختلف أنحاء القاعة، تماما مثلما تقلب عينيك بين شتى المرايا أثناء القيادة.

تحكم في يديك :
تعد اليدان إحدى الوسائل الرئيسية للتواصل مع الجمهور المخاطب بعد الوجه، ومن المفضل عند استهلال الخطبة إراحة اليدين على المنصة التي تلقي منها كلمتك، وإذا لم تكن هناك منصة يمكن طي اليدين أمامك أو خلفك، فمن بين الأخطاء الشائعة التي يقع فيها الكثير من المتحدثين الإكثار من تحريك اليدين بسبب وبدون سبب مما يشتت ذهن المستمعين ويحول دون الإنصات بتركيز لما يقوله المتحدث، ومن المؤسف أن الإكثار من تحريك اليدين هو الأمر الذي سيبقى في أذهان المستمعين، بدلًا من الأفكار التي كنت ترغب في توصيلها إليهم.. وقد يكون ذلك نافعًا في بعض الأحيان, لتوصيل الفكرة أو إيضاح الصورة, كما كان يحكى عن أخد الخطباء على المنبر أنه حين أراد الحديث عن فرعون فتلا قول الله تعالى: " إن فرعون علا في الأرض.." الآية, فقام برفع إصبعه عند قوله " علا " ثم قام بخفضها إلى الأرض عند قوله " في الأرض " وكأن علوه في الأرض كان علوًا متدنيًا لم يتجاوز الثرى إلى الثريا, وهو العلو المحمود –أي العلو للثريا-.

كن متحمساً لما تطرحه :
لا يهم الموضوع الذي تطرحه في كلمتك بقدر ما تهم قدرتك على إقناع جمهور المستمعين بمدى إيمانك وتحمسك لهذا الموضوع، لا تحاول أن تتصنَّع، ولكن حاول أن تظهر بشكل تلقائي مدى حماسك وانتمائك للشركة أو المهنة، فالجمهور يعشق المتحدثين الذين يظهرون حماسًا شديدًا للموضوع الذي يتحدثون فيه، أظهر هذا الحماس في صوتك ونظراتك ولهجتك في التحدث إلى الجمهور بحيث تنقل هذا الحماس وهذه العاطفة إلى المستمعين أنفسهم.

كن متوازناً :
لا تحاول أن تضمن العرض التقديمي الكثير من النقاط التي ستتناولها في كلمتك، فقط ضمنه النقاط الأساسية واترك التفاصيل للورق المطبوع الذي يمكن للمستمعين قراءته في وقت لاحق، استخدم برنامج الباور بوينت – مثلاً- لعرض شريحة أو اثنتين تتضمنان النقاط الرئيسية، ولكن لا تسرف في ذلك، فيجب أن تظل عيون المستمعين وآذانهم معلقة بك أنت، لا بشاشة العرض، وبين الفينة والأخرى انقل تركيز المستمعين إلى الشاشة ثم إليك مرة أخرى، لا تجعل عرض أي شريحة يستغرق أكثر من خمس ثوان، وإلا تكون قد ضمنت هذه الشريحة أكثر مما ينبغي، وإذا ما كان هناك أمر يتسم بالتعقيد وترغب في توصيله إلى المستمعين يمكنك أن تقدم لهم فكرة عامة عن هذا الأمر وتترك التفاصيل للورق المطبوع الذي يتم توزيعه على المستمعين.

تول إدارة العلاقات قبل وبعد إلقاء كلمتك :
إن الناس عادة ما تنصت بشكل أفضل إلى المتحدثين الذين يعرفونهم من قبل، فهذه المعرفة توفر قدرًا من الثقة في شخص المتكلم وفيما سيطرحه من أفكار، ولذا قد يكون من المستحب أن تقوم بجولة في القاعة التي ستلقي فيها كلمتك قبل بدء الاجتماع محاولا تعريف المستمعين بك, أو إذا كانت محاضرة أو درس علم فيُنبه إليه قبل البدء بأيام حتى يستعد الحضور لقدوم هذا الضيف أو المربي.

استخدم القصص :
لا تعتمد في كلمتك على مجرد سرد الحقائق، بل اعمل على أن تضمِّن كلمتك قصصًا وخبرات من الحياة تعلق بأذهان المستمعين عند العودة إلى منازلهم، خذ الوقت الكافي الذي يمكنك من رسم صورة في أذهان المستمعين لما تطرحه من أفكار, وهذه من أنجح وأنفع الطرق والأساليب لإيصال المعنى للمستمعين من خلال ربطهم بقصة أو حدث من الواقع, والمُجرب والمُربي يعرف ذلك تمامًا, ويعلم جيدًا مدى تأثيره على من يقوم بدعوتهم.

اعرف جيداً ما تريد أن تطرحه :
لا يوجد أفضل من أن يكون الفرد مستعدًا بكافة المواد والمعلومات التي يحتاج إليها عند إلقاء كلمته، فإن مثل ذلك الأمر يجنبه ما قد يتعرض له من مواقف محرجة إذا ما اعتلى منصة الخطابة دون أن يكون مهيأ لشتى الاحتمالات، تفاعل مع المستمعين.. تعمد من وقت لآخر أثناء إلقاء كلمتك أن تطلب رأي المستمعين فيما تقول, وأن تمنحهم فرصة طرح أسئلة، فإن مثل ذلك الأمر يكسر الرتابة ويمنحك استراحة، كما يوفر في ذات الوقت أيضًا فرصة للمستمعين للتواصل معك, ومع بعضهم البعض.

تجنب الإحباط :
أنت لا تعرف السبب الحقيقي الذي يجعل أحد الحاضرين لا ينصت لما تقول أو لماذا يغادر آخر القاعة، وهناك العديد من الأسباب التي تحول بين هذا وبين الإنصات بشكل جيد لما تقول؛ كما قد تكون هناك أسباب أخرى لا تتصل بك من قريب أو بعيد هي التي دعت البعض إلى مغادرة القاعة، افترض أنها أسباب أخرى هي التي دعت إلى ذلك واستمر في إلقاء كلمتك.

لا تتجاوز الوقت المحدد لك :
وهذه أيضاً من الأمور المهمة جدًا, والتي ينبغي على المتحدث أو المحاضر أو الخطيب مراعاتها والانتباه إليها, فالتحدث لفترات طويلة وتجاوز الوقت المحدد لكلمتك هي أسرع طريقة تفقد بها المستمعين القدرة على التواصل معك, والتركيز فيما تقول، ونصيحتي من خلال التجربة هي محاولة أن تنهي كلمتك في الوقت المحدد لها، بل من الأفضل أن تتمكن من الانتهاء منها قبل الموعد المحدد، فذلك سوف ينال إعجاب المستمعين.
فمن خلال هذه النصائح – أخي الحبيب – إذا التزمت بها أو ببعضها فستجعلك حتمًا خطيبًا ناجحًا, ومربيًا حاذقًا, وداعية فعّال وناجح تستطيع أن تجذب أنظار الناس إليك بمنتهى السهولة واليسر, كما يؤهلك للسير في طريق دعوتك وعملك بنجاح وتقدم.
وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير والصلاح لأمة الإسلام, وجعلنا الله وإياكم من العالمِين العاملين لهذا الدين العظيم, ومن المتبعين لهديّ سيد المرسلين - وخير معلم للبشر أجمعين- بفهم سلف الأمة رضوان الله تعالى عليهم وعلى من سار على دربهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.. آمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..

هذا المقال للكاتب : محمد بن شعبان أبو قرن

---------------------------
* استفدنا في بحثنا هذا من توجيهات إخواننا الأفاضل في بداية طريق الدعوة إلى الله, من خلال الندوات والمحاضرات حول كيفية مخاطبة الآخرين والجماهير من خلال منابر الخطابة وحلقات ودروس العلم.. مع التصرف البسيط والإضافات من التجارب والخبرات المكتسبة من الآخرين.
المرجع / http://saaid.net/aldawah/346.htm

21‏/08‏/2014

التأهب للموت قبل نزوله .

والمبادرة بالعمل الصالح والسعي النافع قبل دهوم البلاء وحلوله، وهو - المقصود الأعظم - إذ هو الفيصل بين هذه الدار وبين دار القرار وهو الفصل بين ساعة العمل والجزاء عليه، والحد الفارق بين أوان تقديم الزاد والقدوم عليه، إذ ليس بعده لأحد من مستعتب ولا اعتذار، ولا زيادة في الحسنات ولا نقص من السيئات، ولا حيلة ولا افتداء ولا درهم ولا دينار ولا مقعد ولا منْزل إلا القبر وهو إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار إلى يوم البعث والجزاء وجمع الأوَّلين والآخرين وأهل السموات والأرضين والموقف الطويل بين يدي القويِّ المتين، يوم يقوم الناس لرب العالمين الحكيم العليم المقسط العدل الحكيم الذي لا يحيف ولا يجور ولا يظلم مثقال ذرة إن ربي على صراط مستقيم، ثم إما نعيم مقيم في جنات النعيم، وإما عذاب أليم في نار الجحيم، وإنَّ لكل ظاعن مقراً ولكل نبأ مستقراً وسوف تعلمون، قال الله تعالى: حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:99 – 100] الآيات، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ[الحشر:18] الآيات، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون:9 – 11] وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ [الشورى:44] وهذا سؤالهم الرجعة عند الاحتضار، وكذلك يسألون الرجعة عند معاينة العذاب يوم القيامة كما قال تعالى: وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ [إبراهيم:44] الآيات. وكذلك يسألون الرجعة إذا وقفوا على النار ورأوا ما فيها من عظيم الأهوال وشديد الأنكال والمقامع والأغلال والسلاسل الطوال وما لا يصفه عقل ولا يعبر عنه مقال ولا يغني بالخبر عنه ضرب الأمثال كما قال تعالى: وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الأنعام:27 – 28] الآيات، وكذلك يسألون الرجعة إذا وقفوا على ربهم وعرضوا عليه وهم ناكسو رؤوسهم بين يديه كما قال تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ [السجدة:12] الآيات، وكذلك يسألون الرجعة وهم في غمرات الجحيم وعذابها الأليم كما قال تعالى: وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ [فاطر:37] الآيات، وقال تعالى: قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ [غافر:11] وغيرها من الآيات. ويجمع كل ذلك قوله تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ [الأعراف:53] وغيرها من الآيات. وقال قتادة في قوله تعالى: حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ [المؤمنون:99], قال كان العلاء بن زياد يقول: لينَزل أحدكم نفسه أنه قد حضره الموت فاستقال ربه فأقاله فليعمل بطاعة ربه تعالى. وقال قتادة: والله ما تمنى إلاّ أن يرجع فيعمل بطاعة الله، فانظروا أمنية الكافر المفرط فاعملوا بها ولا حول ولا قوة إلاّ بالله. وروى ابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((إذا وضع – يعني الكافر – في قبره فيرى مقعده من النار قال فيقول: ربِّ ارجعون أتوبُ وأعملُ صالحاً، قال فيقال: قد عُمِّرت ما كنت معمراً. قال فيضيق عليه قبرُه ويلتئِمُ فهو كالمنهوشِ ينام أو يفزع تهوي إليه هوام الأرض وحيَّاتها وعقاربها))  . وروى الإمام أحمد والنسائي من حديث أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلُّ أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول لو أَنَّ الله هداني، فتكون عليه حسرة. قال: وكلُّ أهل الجنة يرى مقعده من النار فيقول لولا أَنَّ الله هداني قال فيكون لهم الشكر))  ... وحديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم ((بادروا بالأعمال ستاً: طلوع الشمس من مغربها)) الحديث  .وفي (صحيح البخاري) عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصِّحةُ والفراغ))  . وللحاكم عنه رضي الله عنه أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال لرجلٍ وهو يعظه: ((اغتنم خَمْساً قبل خَمْس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)) 
 , يعني: أن هذه الخمس أيام الشباب والصحة والغنى والفراغ والحياة هي أيام العمل والتأهب والاستعداد والاستكثار من الزاد، فمن فاته العمل فيها لم يدركه عند مجيء أضدادها، ولا ينفعه التمني للأعمال، بعد التفريط منه والإهمال، في زمن الفرصة والإمهال، فإن بعد كل شباب هرماً، وبعد كل صحة سقماً، وبعد كل غنىً فقراً، وبعد كل فراغ شغلاً، وبعد كل حياة موتاً، فمن فرط في العمل أيام الشباب لم يدركه في أيام الهرم، ومن فرط فيه في أوقات الصحة لم يدركه في أوقات السقم، ومن فرط فيه في حالة الغنى فلم ينل القرب التي لم تنل إلاّ بالغنى لم يدركه في حالة الفقر، ومن فرط فيه في ساعة الفراغ لم يدركه عند مجيء الشواغل، ومن فرط في العمل في زمن الحياة لم يدركه بعد حيلولة الممات، فعند ذلك يتمنى الرجوع وقد فات، ويطلب الكرة وهيهات، وحيل بينه وبين ذلك وعظمت حسراته حين لا مدفع للحسرات. ولقد حثَّنا الله عز وجل أعظم الحث وحضنا أشد الحضَّ ودعانا إلى اغتنام الفرص في زمن المهلة وأخبرنا أن من فرط في ذلك تمناه وقد حيل بينه وبينه إذ يقول تعالى: في محكم كتابه داعياً عباده إلى بابه يا من يسمع صريح خطابه ويتأمل لطيف عتابهقُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ [الزمر:53 – 59], الآيات. وقال تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ [الروم:43] الآيات. وقال تعالى: اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ [الشورى:47] الآيات. وغيرها. 

‫مناظرات مع الشيعي شوقي يناظره الشيخ العالم : خالد الوصالي

12‏/07‏/2014

قصة وفكرة - ح10 الإبداع والاجتهاد - توماس أديسون

برنامج أحلى رحلة لشيخ مشاري الخراز l الحلقة الثانية عشر #12

قصة وفكرة - الحلقة 12 - الصوفية والجهاد (الحركة السنوسية)

برنامج | أحلى رحلة لشيخ مشاري الخراز l الحلقة العاشرة 10 HD

قصة وفكرة - الحلقة 11 - منهجية الإرهاب (الحسن الصباح)

قصة وفكرة - الحلقة 10 - الإبداع والاجتهاد (توماس أديسون)

قصة وفكرة - الحلقة 9 - الوفاء للفكرة (علي عزت بيغوفيتش)

سواعد الإخاء 2 - الحلقة الثالثة - النسخة الرسمية HD

برنامج سواعد الإخاء 2 | الحلقة السادسة | رمضان 1435 هـ

سواعد الإخاء 2 - الحلقة السابعة - النسخة الرسمية HD

سواعد الإخاء 2 - الحلقة الرابعة عشر 14 - النسخة الرسمية HD

سواعد الإخاء 2 - الحلقة الثانية عشر 12 - النسخة الرسمية HD

10‏/07‏/2014

قصة وفكرة - حلقة 8 - الاستسلام - أبو عبدالله الصغير

قصة وفكرة - حلقة 7 - السلمية - غاندي

قصة وفكرة - حلقة 6 - المكارثية وشيطنة الفكر المعارض - مكارثي

قصة وفكرة - حلقة 5 - علاقة العلماء بالحكام - العز بن عبدالسلام

قصة وفكرة - حلقة 4 - قوة الكلمة - المتنبي

قصة وفكرة - حلقة 3 - الغاية تبرر الوسيلة - ميكافيللي

قصة وفكرة - حلقة 1 - التضحية من أجل الفكرة - سلمان الفارسي

قصة وفكرة - حلقة 2 - التغيير - مالكوم إكس

08‏/07‏/2014

فاستبقوا الخيرات

1-أهمية الوقت بالنسبة للإنسان
2- شكر الله أن بلغنا رمضان
3- فضل رمضان على سائر الشهور
4- الاستعداد للطاعة من عوامل تحقيقها
5- نماذج من الهمم العالية
6- نبذ البطالة والبطالين ومصاحبة ذوي الهمم أهم العوامل في المسارعة في الخيرات
7- حاسب نفسك وعد عيوبك 

1- أهمية الوقت بالنسبة للإنسان:
أيها الإخوة الكرام: إن الإنسان في هذه الحياة الدنيا لن يعمَّر، ولن يبقى، فهو موجود من العدم، وصائر إلى العدم، وإن الساعات التي تمر بالإنسان في هذه الدنيا كأنها لحظات، بل هي لحظات: لحظة تتلوها لحظة، وهكذا إلى أن يصل الإنسان إلى آخر نهايته، وهذا أمر يشعر به كل واحدٍ منا.
قال ابن مسعود رضي الله عنه : ( ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه , نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي ) .
وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن مجاهد قال: ما من يوم إلا يقول: ابن آدم قد دخلت عليك اليوم ولن أرجع إليك بعد اليوم فانظر ماذا تعمل فيّ، فإذا انقضى طواه، ثم يختم عليه فلا يفك حتى يكون الله هو الذي يَفُضُّ ذلك الخاتم يوم القيامة، ويقول اليوم حين ينقضي: الحمد لله الذي أراحني من الدنيا وأهلها، ولا ليلةٍ تدخل على الناس إلا قالت كذلك.
وعن الحسن قال: ليس يوم يأتي من أيام الدنيا إلا يتكلم، يقول: يا أيهال الناس: إني يوم جديد وإني على ما يُعمل فيّ شهيد، وإني لو قد غربت الشمس لم أرجع إليكم إلى يوم القيامة. وعنه أنه كان يقول: يا ابن آدم اليوم ضيفك، والضيف مرتحل يحمدك أو يذمُّك، وكذلك ليلتك،  وعن بكر المُزني أنه قال: ما من يوم أخرجه الله إلى أهل الدنيا إلا ينادي: ابن آدم اغتنمني، لعله لا يوم لك بعدي، ولا ليلةٍ إلا تنادي: ابن آدم اغتنمني، لعله لا ليلة لك بعدي.
وعن عمر بن ذر أنه كان يقول: اعملوا لأنفسكم رحمكم الله في هذا الليل وسواده، فإن المغبون من غبن خير الليل والنهار، والمحروم من حرم خيرهما، وإنما جُعلا سبيلاً للمؤمنين إلى طاعة ربهم ووبالاً على الآخرين للغفلة عن أنفسهم، فأحيوا لله أنفسكم بذكره، فإنما تحيا القلوب بذكر الله.
لقد مضى على رمضان العام الماضي اثنا عشر شهراً برمضان، يعني: بعد رمضان أحد عشر شهراً كلها مضت، ومع ذلك فكأنها أحد عشر ساعة، وما هي إلا لحظات زالت، وهكذا أيضاً ما بقي من أعمارنا سوف يزول بهذه السرعة، إذاً فالواجب علينا -أيها الإخوة- أن ننتهز هذه الفرصة، أن ننتهز فرصة وجودنا في الدنيا حتى نعمل للآخرة، والعجب أن الذي يعمل للآخرة ينال الدنيا والآخرة، والذي يعمل للدنيا يخسر الدنيا والآخرة، لا أقول ذلك من عند نفسي ولكني أقول ذلك بكتاب الله، قال الله عز وجل: { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [النحل:97] الحياة الطيبة الدنيا { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [النحل:97] في الآخرة.
أما عكس ذلك فاستمع: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً } [الكهف:103-105]. حاسب نفسك وعد عيوبك
فإذا علمنا هاتين الحقيقتين، وهما: أولاً: سرعة الدنيا وزوالها، وأنها تمضي لحظة بعد أخرى، حتى يأتي الإنسان الموت، وعلمنا أيضاً أن الكاسب والرابح هو المؤمن، وأن من لم يكن مؤمناً عاملاً بالصالحات فهو خاسر، استدللنا لذلك بالواقع وبكتاب الله عز وجل، فإنه جدير بنا أن ننتهز فرصة وجودنا في هذه الدنيا لأننا لابد أن ننتقل، لابد أن نُذكر كما كنا نَذكر غيرنا، الذين كانوا من قبلنا وأدركناهم، كانوا يتحدثون كما نتحدث، ويخبرون كما نخبر، وأصبحوا الآن خبراً من الأخبار.
إذا فلننتهز هذه الفرصة لا سيما في المواسم، مواسم الخيرات التي جعلها الله لعباده، كالأسواق التجارية بل هي التجارة حقيقة: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [الصف:10-11].
علينا أن ننتهز هذه الفرصة، رمضان متى يأتي؟ ربما يموت الإنسان قبل أن يدركه رمضان الثاني، كما تعلمون أن هناك أناساً كانوا معكم في العام الماضي الآن هم في قبورهم مرتهنون بأعمالهم، لا يملكون أن يزيدوا حسنة في حسناتهم ولا أن ينقصوا سيئة من سيئاتهم، هذا الذي مر عليهم ربما يمر عليك، بل قطعاً سيمر عليك، لكن ربما يمر عليك قبل أن يعود إليك رمضان.
2- شكر الله أن بلغنا رمضان:
إن بلوغ رمضان نعمة كبيرة على من بلغه وقام بحقه بالرجوع إلى ربه من معصيته إلى طاعته , ومن الغفلة عنه إلى ذكره , ومن البعد عنه إلى الإنابة إليه .
3- فضل رمضان على سائر الشهور
يقول ابن رجب رحمه الله : وجعل الله سبحانه وتعالى لبعض الشهور فضلاً على بعض، كما قال تعالى: { مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ } وقال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} وقال تعالى: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} كما جعل بعض الأيام والليالي أفضل من بعض، وجعل ليلة القدر خيرًا من ألف شهر، وأقسم بالعشر وهي عشر ذي الحجة على الصحيح (وما في هذه المواسم الفاضلة موسمٌ إلا ولله تعالى فيه وظيفة من وظائف طاعته، يُترَّب بها إليه، ولله فيه لطيفة من لطائف نفحاته، يصيب بها من يعود بفضله ورحمته عليه، فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرب فيها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطاعات فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها من اللفحات
روى الطبراني من حديث محمد بن مسلمة مرفوعًا: "إن لله في أيام الدهر نفحات فتعرضوا لها، فلعل أحدكم أن تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبدًا" (صحيح الجامع).
وفي مسند الإمام أحمد عن عقبة بن عامر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس من عمل يوم إلا يُختم عليه" (صحيح الجامع).
وانظر كيف كان السلف يقولون إذا جاء رمضان:
يقول عبد العزيز بن مروان: كان المسلمون يقولون عند حضور شهر رمضان: اللهم قد أظلنا شهر رمضان، فسلمه لنا وسلمنا له، وارزقنا صيامه وقيامه، وارزقنا فيه الجد والاجتهاد والقوة والنشاط، وأعذنا فيه من الفتن.
وقال معلى بن الفضل: كانوا يدعون الله ستة أشهر: أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر: أن يتقبله منهم.
وقال يحيى بن أبي كثير: كان من دعائهم: «اللهم سلِّمني إلى رمضان وسلم لي رمضان، وتسلَّمه مني متقبلا» .
4- الاستعداد للطاعة من عوامل تحقيقها
إن استحضار أنواع الطاعات وتقييدها وتوطين العزيمة على أدائها في رمضان من أهم ما يُستعدُّ له في هذا الشهر، وعلى هذا الأصل تحمل كل النصوص الواردة في فضل رمضان والاجتهاد فيه، فمعظمها صريح أو ظاهر في أنه قيل قبل رمضان أو في أوله.
ويمنّي بعض الخياليين نفسه بأماني العزيمة التي لا تعدو أن تكون سرابًا يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا.
فنراه يحلم أحلامًا وردية بأن يجتهد في هذا الشهر اجتهادًا عظيمًا، وتراه يرسم لنفسه صور الحلال وأُبهة الولاية، فإذا ما هجم الشهر، قال المسكين: اليوم خمر، وغدًا أمر.
ولو أن هؤلاء كانت لهم قبل شهر رمضان جولات في ميادين الاجتهاد في الطاعة لأنسوا من نفوسهم خيرًا لكنهم طمعوا في نوال
القُرب ولما يستكملوا زاد المسير كمثل من ذهب إلى السوق بلا مال فلا يجهد إذا نفسه في المساومة بل يقال له: تنكب لا يقطرك الزحام.
لما قال أنس بن النضر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد غزوة بدر: يا رسول الله، غبت عن أول قتال قاتلت فيه المشركين، والله لئن أشهدني الله قتال المشركين ليرين الله ما أصنع، ثم رووا لنا أنهم وجدوه في أحُد صريعًا به بضع وستون ما بين ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، علمنا ما أضمر الرجل.
ولما قال ذلك الصحابي: يا رسول الله ما بايعتك إلا على سهم يدخل ههنا فأدخل الجنة، قال له الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "إن تصدُق الله يصدقُكُ" ثم رووا أن السهم دخل من موضع إشارته، علمنا ما عزم عليه الرجل
على قدر أهل العزم تأتي العزائم   وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها   وتصغُر في عين العظيم العظائم
5- الإعداد للطاعة ومحاسبة النفس عليها
إن كثير من الناس يعقد الآمال بفعل جملة من الطاعات في شهر رمضان فإذا ما أتى الشهر (أصبح خبيث النفس كسلان) وذلك لأنه لم يحل عقدة العادة والكسل والقعود. ولأنه ما عقد العزم ولا شحذ الهمة والعزيمة لغتنام هذا الشهر،
والعزيمة لا تكون إلا فيما لا تألفه النفوس أو لا تحبه فتحتاج النفس إلى المجاهدة في معرفة فضل ذلك العمل المكروه إليها ثم في مجاهدة وإرادات العجز والكسل، ولذلك قال الله عن الجهاد: { وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ...}.
وتمارين العزيمة من صميم القيام بحق شهر رمضان وتحصيل المغفرة فيه لأنه لا قوة للنفس ما لم تُعد العدة للطاعة قال تعالى: { وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُم فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ }
6- نماذج من الهمم العالية
لقد فقه سلفنا الصالحون عن الله أمره، وتدبروا في حقيقة الدنيا، ومصيرها إلى الآخرة، فاستوحشوا من فتنتها، وتجافت جنوبهم عن مضاجعها، وتناءت قلوبهم من مطامعها، وارتفعت همتهم على السفاسف فلا تراهم إلا صوامين قوامين، باكين والهين، ولقد حفلت تراجمهم بأخبار زاخرة تشي بعلو همتهم في التوبة والاستقامة، وقوة عزيمتهم في العبادة والإخبات، وهاك طرفًا من عباراتهم وعباداتهم التي تدل على تشميرهم وعزيمتهم وهمتهم:
قال الحسن: من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياه فألقها في نحره.
وقال وهيب بن الورد: إن استطعت ألا يسبقك إلى الله أحد فافعل
 وقال الشيخ شمس الدين محمد بن عثمان التركستاني: ما بلغني عن أحد من الناس أنه تعبد عبادة إلا تعبدت نظيرها وزدت عليه.
وقال أحد العباد: لو أن رجلاً سمع برجل هو أطوع لله منه فمات ذلك الرجل غمًا ما كان ذلك بكثير.
وقيل لنافع: ما كان ابن عمر يفعل في منزله؟ قال: الوضوء لكل صلاة، والمصحف فيما بينهما.
وكان ابن عمر إذا فاتته صلاة الجماعة صام يومًا، وأحيا ليلة، وأعتق رقبة.
واجتهد أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - قبل موته اجتهادًا شديدًا، فقيل له: لو أمسكت أو رفقت بنفسك بعض الرفق؟ فقال: عن الخيل إذا أُرسلت فقاربت رأسَ مجراها أخرجت جميع ما عندها، والذي بقي من أجلها أقلُّ من ذلك، قال: فلم يزل على ذلك حتى مات.
وعن قتادة قال: قال مورق العجلي: ما وجدت للمؤمن في الدنيا مثلاً إلا مثل رجلٍ على خشبة في البحر، وهو يقول: "يا رب يا رب" لعل الله أن ينجيه.
وعن أسامة قال: كان من يرى سفيان الثوري يراه كأنه في سفينة يخاف الغرق، أكثر ما تسمعه يقول: "يا رب سلّم سلّم".
وعن جعفر: دخلنا على أبي التياح نعوده، فقال: والله إنه لينبغي للرجل المسلم أن يزيده ما يرى في الناس من التهاون بأمر الله أن يزيده ذلك جدًا واجتهادًا، ثم بكى.
وعن فاطمة بنت عبد الملك زوج أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال: ما رأيت أحدًا أكثر صلاة ولا صيامًا منه ولا أحدًا أشد فرقًا من ربه منه، كان يصلي العشاء ثم يجلس يبكي حتى تغلبه عيناه ثم ينتبه فلا يزال يبكي تغلبه عيناه، ولقد كان يكون معي في الفراش فيذكر الشيء من أمر الآخرة فينتفض كما ينفض العصفور من الماء ويجلس يبكي فأطرح عليه اللحاف.
وعن المغيرة بن حكيم قال: قالت فاطمة بنت الملك: يا مغيرة، قد يكون من الرجال من هو أكثر صلاة وصيامًا من عمر ابن عبد العزيز ولكني لم أر من الناس أحد قط كان أشد خوفًا من ربه من عمر، كان إذا دخل البيت ألقى نفسه في مسجده، فلا يزال يبكي ويدعو حتى تغلبه عيناه، ثم يستيقظ فيفعل مثل ذلك ليلته جمعاء.
وعن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع أنه دخل على فاطمة بنت عبد الملك فقال: ألا تخبريني عن عمر؟ قالت: ما أعلم أنه اغتسل من جنابة ولا احتلام منذ استُخلِف.
وكان الأسود بن يزيد يجتهد في العبادة، ويصوم في الحر حتى يخضر جسده ويصفر، فكان علقمة بن قيس يقول له: لِمَ تعذب نفسك؟ فيقول: كرامتها أريد، وكان يصوم حتى يخضر جسده ويصلي حتى يسقط، فدخل عليه أنس بن مالك والحسن فقالا له: إن الله عز وجل لم يأمرك بكل هذا، فقال: إنما أنا عبد مملوك لا أدع من الاستكانة شيئًا إلا جئت به.
وقيل لعامر بن عبد الله: كيف صبرك على سهر الليل وظمأ الهواجر؟ فقال: هل هو إلا أني صرفت طعام النهار إلى الليل ونوم الليل إلى النهار؟ وليس في ذلك خطير أمر، وكان إذا جاء الليل قال: أذهب حرُ النار النوم، فما ينام حتى يصبح.
وعن الحسن قال: قال عامر بن قيس لقوم ذكروا الدنيا: وإنكم لتهتمون؟ أما والله لئن استطعت لأجعلنهما همًا وا حدًا، قال: ففعل والله ذلك حتى لحق بالله.
وعن أحمد بن حرب قال: يا عجبًا لمن يعرف أن الجنة تُزيَّن فوقه والنار تُسَعَّرُ تحته كيف ينام بينهما؟
وكان أبو مسلم الخولاني قد علق سوطًا في مسجد بيته يخوّف به نفسه، وكان يقول لنفسه: قومي فوالله لأزحفن بك زحفًا، حتى يكون الكلل منك لا مني، فإذا دخلت الفترة (الفتور) تناول سوطه وضرب به ساقه، وقال: أنت أولى بالضرب من دابتي، وكان يقول: أيظن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يستأثروا به دوننا؟ كلا والله لُتُزاحمَنَّهم عليه زحامًا حتى يعلموا أنهم قد خلفوا وراءهم رجالاً.
وكان منصور بن المعتمر إذا رأيته قلت: رجلٌ أصيب بمصيبة، منكسر الطرف، منخفض الصوت، رطْب العينين، إن حركته جاءت عيناه بأربع، ولقد قالت له أمه: ماذا الذي تصنع بنفسك؟ تبكي الليل عامته لا تسكت؟ لعلك يا بني أصبتّ نفسًا، لعلك قتلت قتيلاً، فيقول: يا أماه، أنا اعلم بما صنعت نفسي.
وقال هُشيم تلميذ منصور بن زاذان: كان لو قيل له إن ملك الموت على الباب ما عنده زيادة في العمل.
وكان صفوان بن سليم قد تعقدت ساقاه من طول القيام، وبلغ من الاجتهاد ما لو قيل له: القيامة غدًا ما وجد مزيدًا، وكان يقول: اللهم إني أحب لقاءك فأحب لقائي.
وعن موسى بن إسماعيل قال: لو قلت لكم إني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكًا قط صدقْتُكم، كان مشغولاً بنفسه، إما أن يحدث وإما أن يقرأ وإما أن يسبح وإما أن يصلي، كان قد قسم النهار على هذه الأعمال.
وعن وكيع قال: كان الأعمش قريبًا من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى، واختلفت إليه أكثر من ستين سنة فما رأيته يقضي ركعة.
وعن حماد بن سلمة قال: ما أتينا سليمان التيمي في ساعة يطاع الله عز وجل فيها إلا وجدناه مطيعًا، إن كان في ساعة صلاة وجدناه مصليًا، وإن لم تكن ساعة صلاة وجدناه إما متوطئًا أو عائدًا أو مشيعًا لجنازة أو قاعدًا في المسجد، قال: فكنا نرى أنه لا يحسن يعصي الله عز وجل.
فهؤلاء هم أنموذج السالكين الصادقين.
فتشبهوا بهم إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح
وهذه كانت سيرتهم في مجاهدة النفس ومغالبة الهوى فاستحضرها عند هبوب ريح الكسل وسل الله حسن العمل.
7- نبذ البطالة والبطالين ومصاحبة ذوي الهمم أهم العوامل في المسارعة في الخيرات:
ليس هناك أشأم على السائر إلى الله من البطالة وصحبة البطالين، فالصاحب ساحب، والقرين بالمقارّن يقتدي.
(والبرهان الذي يعطيه السالكون علامة لصدقهم أنهم يأبون غلا الهجرة والانضمام إلى القافلة ويذرون كل رفيق يثبطهم ويزين لهم إيثار السلامة، ينتفضون ويهجرون كل قاعد، ويهاجرون مع المهاجرين إلى الله، ويطرحون أغلال الشهوات وحب الأموال عن قلوبهم)(1).
ولما أراد قاتل المائة أن يتوب حقًا قيل له: اترك أرضك فإنها أرض سوء واذهب إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسًا يعبدون الله فاعبد الله معهم. متفق عليه. فلابد لمن أراد تحصيل المغفرة من شهر رمضان أن يترك المُخْلِدين إلى الأرض ويزامل ذوي الهمم العالية كما قال الجنيد: سيروا مع الهمم العالية.
وقد أمر الله خير الخلق - صلى الله عليه وسلم - بصحبة المجدّين في السير إلى الله
وترك الغافلين فقال عز من قائل : { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا }، وقال عز وجل: { وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ}، وقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ
الصَّادِقِينَ }.
فلو صحب الإنسان من يظنون أن قيام الساعة من الليل إنجاز باهر فهو مغبون لن يعْدُو قدره، بل سيظل راضيًا عن نفسه مانًّا على ربه بتلك الدقائق التي أجهد نفسه فيها ولكنه لو رأى الأوتاد من حوله تقف الساعات الطوال في تهجد وتبتل وبكاء (وهم مُتَقَالُّونْهَا) فأقل أحواله أن يظل حسيرًا كسيرًا على تقصيره مرددًا.
أنا العبد المخلَّفُ عن أُناسٍ - حوَوْا من كل معروفٍ نصيبا
ونبذ البطالة هجيري الناسك في كل زمان، وقد قيل: الراحة للرجالة غفلة.
وقال شعبة بن الحجاج البصري أمير المؤمنين في الحديث: لا تقعدوا فُراغًا فإن الموت يطلبكم.
وقال الشافعي: طلب الراحة في الدنيا لا يصح لأهل المروءات، فإن أحدهم لم يزل تعبان في كل زمان.
وقيل لأحد الزهاد: كيف السبيل ليكون المرء من صفوة الله؟ فقال: إذا خلع الراحة وأعطى المجهود في الطاعة.
وقيل للإمام أحمد: متى يجد العبد طعم الراحة؟ فقال: عند أول قدم يضعها في الجنة.
أما البحث عن ذوي الهمم والمروءات وأصحاب السرِّ مع الله
فهي بُغية كل مخلص في سيره إلى الله، قال زين العابدين: إنما يجلس الرجل إلى من ينفعه في دينه.
وقال الحسن البصري: إخواننا أحب إلينا من أهلنا وأولادنا، لأن أهلنا يُذّكّروننا بالدنيا وإخواننا يُذّكّروننا بالآخرة، قال شاعر:
لعمرك ما مالُ الفتى بذخيرة ولكنَّ إخوان الثقات الذخائرُ
وكان من وصايا السلف انتقاء الصحة، قال الحسن البصري: إن لك من خليلك نصيبًا، وإن لك نصيبًا من ذكر من أحببت، فاتقوا الإخوان والأصحاب والمجالس.
فاجتهد أيها الأريب باحثًا عن أعوان المسير أصحاب الهمم العالية، ابحث عنهم في المساجد بالضرورة، اسأل عنهم في مجالس التقاة، لا تستبعد المفاوز لتصل إليهم ولو اقتضى الأمر أن تعلن في الصحف السيارة.
(مطلوبٌ : معينٌ على الخير في شهر رمضان)
يا له من إعلان ..
مع هذه الصحبة تتحاثون على تدارك الثواني والدقائق، تحاسبون أنفسكم على الزفرات والأوقات الغاليات، لو فرط أحدكم في صلاة الجماعة وجد من يستحثه على عقاب نفسه كما كان يفعل ابن عمر.
ترى البطالين يصلون التراويح سويعة ثم يسهرون ويسمرون ويسمدون وتضيع عليهم صلاة الفجر { وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا }.
لا أيها الرشيد، تعال أخبرْك بحال من اجتمعوا على السير إلى الله: أوقاتهم بالذكر وتلاوة القرآن معمورة، مساجدهم تهتز بضجيج البكاء من خشية الله، تراهم ذابلين من خوف الآخرة، وعند العبادة تراهم رواسي شامخات كأنهم ما خلقوا إلا للطاعة، ليس في قاموسهم: فاتتني صلاة الجماعة، دع عنك أصل الصلاة، تراهم في قيامهم وقعودهم مطأطئين على حياء من الله يقولون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.
8- حاسب نفسك وعد عيوبك
إعداد بيان عن عيوبك وذنوبك المستعصية وعاداتك القارة في سويداء فؤادك لتبدأ
علاجها جديا في رمضان وكذا إعداد قائمة بالطاعات التي ستجتهد في أدائها لتحاسب نفسك بعد ذلك عليها
قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا" رواه البخاري.
لأن همة أبناء الآخرة تأبى إلا الكمال، وأقل نقص يعدونه أعظم عيب، قال الشاعر:
ولم أر في عيوب الناس عيبًا كنقص القادرين على التمام
وعلى قدر نفاسة الهمة تشرئب الأعناق، وعلى قدر خساستها تثَّاقل إلى الأرض، قال الشاعر:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
وهذا رد على من يقول: ومن لنا بمعصوم عن عيب غير الأنبياء ويردد:
من ذا الذي ترجى سجاياه كلها كفى بالمرء نبلاً أن تعد معايبه
فإن هذه القاعدة في التعامل مع الناس، أما معاملة النفس
(أيها الأريب) فهي مبنية على التهمة، وعلى طلب الكمال وعدم الرضا بالدون:
فإذا كانت النفوس كبارًا تعبت في مرادها الأجسامُ
فذاك السالك دومًا يستكمل عناصر الإيمان، كلما علم أن ثمة ثلمة، يعزم لذلك عزمة (تأمل) فإذا شرع في الاستكمال، أدرك ضرورة الصفاء فيه، وأن يرفأ ويرتُق بجنس ما وهبه الله من خير آنفًا لئلاً يفضحه النشاز (وجود العيب مع خصال الحُسن) فيعزم لذلك عزمة أخرى فثالثلة تستدعي رابعة في نهضات متوالية حتى يصيب مراده(1). (أي استكمال عناصر الإيمان).
هذه العزمات المتوالية تستحثها في كل زمان، ولكن قد يتسرطن عيب ويتجذر ذنب وتتأصل عادة، ولا يجدي مع مثل هذا أساليب علاج تقليدية، إنما هي عملية جراحية استئصالية تتطلب حميةً متوفرة في شهر رمضان، وهِمةً شحذتها قبيل هذا الزمان المبارك، فما بقي إلا أن تضع مبضع العزيمة الحاد وبجلد وصبر على آلام القطع تستأصل تلك الأورام الناهشة في نسيج إيمانك وتقواك، لا تستعمل أي مخدر، فإن شأن المخدر أن يسافر بك في سمادير السكارى وأوهام الحيارى، فتفيق دون أن تدري بأي الورم لم يُستأصل بكامله، بل بقيت منه مُضغةٌ متوارية ريثما تتسرطن ثانية.
فإذا كنت مدخنًا أو مبلتى بالنظر أو الوسوسة أ والعشق فبادر إلى تقييد كل هذا البلاء وابدأ العمليات الجراحية في شهر رمضان ولا تتذرع بالتدرج الذي سميناه مخدرًا، بل اهجر الذنب وقاطع المعصية وابتُر العادة ولا تجزع من غزارة النزيف وشدة الآلام، فإنه ثمن العلاج الناجح، وضرورة الشفاء الباتّ الذي لا يغادر سقمًا.
ووجه كون شهر رمضان فرصة سانحة لعلاج الآفات والمعاصي والعادات، إنه شهر حمية أي امتناع عن الشهوات (طعام وجماع) والشهوات مادة النشوز والعصيان، كما أن الشياطين فيه تصفّد وهم أصل كل بلاء يصيب ابن آدم، أضف إلى ذلك: جماعية الطاعة، حيث لا يبصر الصائم في الغالب إلا أمةً تصوم وتتسابق إلى الخيرات فتضعف همته في المعصية وتقوى في الطاعة، فهذه عناصر ثلاثة مهمة تتضافر مع عزيمة النفس الصادقة للإصلاح فيتولّد طقس صحي وظروف مناسبة لاستئصال أي داء.
وقبل كل ذلك وبعده لا يجوز أن ننسى ونغفل عن ديوان العتقاء والتائبين والمقبولين الذي يفتحه الرب جل وعلا في هذا الشهر، وبنظرة عابرة إلى جمهور المتدينين تجد بداياتهم كانت بعبرات هاطلة في سكون ليلةٍ ذات نفحات من ليالي رمضان.
وما لم تتحفّز الهمم لعلاج الآفات في هذا الشهر لن تبقى فرصة لأولئك السالكين أن يبرأوا، فمن حرم بركة رمضان ولم يبرا من عيوب نفسه فيه، فأي زمان آخر يستظل ببركته.