مدونة المعارف

08‏/05‏/2009

الشيخ أبوالشيخ : سهيل: إسلاميو أريتريا يتجاوزن وحدة التنظيم إلى وحدة الموقف


‎حاوره : وليد الطيب - إسلام أونلاين
تصدرت الحركات الإسلامية في القرن الأفريقي المشهد الإقليمي، بعد أن بدأت الحركة الإسلامية في الصومال إعادة بناء الدولة الوطنية هناك على خلفية إسلامية، وقريب من هناك، تتحرك الأوضاع الداخلية والإقليمية والعالمية لتدفع بالحركات الإسلامية - وهي أبرز القوى المعارضة - إلى صدارة المشهد السياسي في دولة إرتيريا، مهجر المسلمين الأول، والتي تتمتع بقيمة جغرافية وسياسية لا نظير لها في أغلب أجزاء القارة الأفريقية.

فإريتريا التي يحكمها نظام الحزب الواحد منذ 18 سنة؛ تصفها التقارير الدولية عاما تلو الآخر بأنها تحمل السجل الأسوأ في انتهاك حقوق الإنسان. ويمثل الجوع وهروب الدستوريين والدبلوماسيين أبرز النتائج التي تنجم عن هذه الانتهاكات. وهذه الأوضاع تقدم مؤشرات مؤكدة على حدوث تغيير سياسي جوهري في المستقبل القريب سيتم بمباركة دولية.

وتعد حركة الإصلاح الإسلامي الإريتري، إحدى المكونات الأساسية لتحالف المعارضة الإريترية وأبرز القوى المرشحة لدور كبير حال حدوث هذا التغيير.

هذا الحوار يستكشف حقيقة هذه الحركة ومشروعها السياسي لإريتريا التي تتعدد فيها القوميات والأديان، وعلاقات هذه الحركة مع القوى الوطنية الأخرى، كما يقدم أسئلة صريحة للشيخ أبو سهيل الأمين العام للحركة حول مشكلات الحركة الداخلية التي أحدثت انقسامين فيها، ووجودها في داخل إرتيريا، و أبعاد تغيير الاسم من "حركة الجهاد" إلى "حركة الإصلاح"، وعلاقة هذا التغيير مع تطور مشروع الحركة السياسي الذي حذف من النسخة الأخيرة من ميثاق الحركة الدعوة إلى إقامة دولة إسلامية، وكذلك الصلة بأمريكا والغرب التي تجمع بينها وقوى المعارضة الأريترية التي حركة الإصلاح جزء منها.

الشيخ أبو سهيل محمد أحمد صالح، الذي يتولى منصب الأمين العام لحركة الإصلاح الإسلامي الإريتري، تخرج في كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية، وقد نال دورات سياسية وإدارية وعسكرية متخصصة، وهو من مؤسسي حركة الجهاد الإسلامي الإريتري، ويعتبر من أبرز وجوه المعارضة الإريترية .

دولة مجهولة

* بداية هل لك أن تذكر لنا نبذة تاريخية سريعة عن أريتريا؟

- في البدء أتقدم بالشكر الجزيل لموقع (إسلام أون لاين) لإتاحة هذه الفرصة لنا، حتى نكشف فيها بعضا من الحقائق المرة، والمآسي التي يعيشها الشعب الإريتري، في ظل نظام الرئيس أسياس أفورقي الحاكم الآن.

(إريتريا) كلمة يونانية قديمة، وتعني البحر الأحمر باللغة اليونانية، وإيطاليا هي التي أطلقتها على هذه الدولة التي تبلغ مساحتها حوالي (124) ألف كم2 بعد احتلالها لها في عام 1890م. وإريتريا هي أول بلد تطأه أقدام الصحابة إبان هجرتهم الأولى إلى الحبشة في السنة الخامسة من البعثة النبوية، ومنذ ذلك التاريخ تجذر الإسلام في نفوس الإريتريين؛ حيث لا تقل نسبة المسلمين عن 75% من تعداد الشعب البالغ حاليا (أربعة ملايين ونصف المليون نسمة).

ظلت إرتيريا مرتبطة بدولة الخلافة الأموية من عام (80 هـ) ثم العباسية فالعثمانية، وهي جزء ضمن ما سمي: بـ( ممالك الطراز الإسلامي) التي قامت على طول الشاطئ الغربي للبحر الأحمر الممتد حتى الشواطئ الصومالية . وبهذا تعتبر إريتريا جزء من الوطن العربي والإسلامي والإريتريون يفتخرون بهذا الانتماء, وبعراقة الإسلام عندهم. ولأهميتها الإستراتيجية فقد تصارعت فيها إمبراطوريات ودول: كاليونان والفرس والرومان من قديم الزمان، وتعاظمت أهمية موقعها القريب من باب المندب في هذا العصر، وازدادت حيويته بعد أن غدا البحر الأحمر أهم ممر مائي لتصدير البترول بعد فتح قناة السويس.

وقد تعاقب الاستعمار الحديث على أريتريا عبر ثلاث حقب تاريخية، بدءاً بالإيطاليين (1890-1941)، ثم البريطانيين خلال (1941- 1952م)، وأخيراًالاستعمار الإثيوبي خلال الفترة ( 1962- 1991م). وبعد مجاهدات ونضالات استمرت لثلاثة عقود تحقق انتصار الشعب الإريتري في مايو 1991م وتحرر كامل التراب من براثن الاستعمار الإثيوبي .

* ما هي الدواعي الواقعية لإنشاء حركة الجهاد الإسلامي الإريتري في نهاية الثمانينيات؟

- هناك مجموعة عوامل تكاملت لنشوء الحركة منها: أولا: اقتراب الحركة الإسلامية المعاصرة من النضج التنظيمي والسياسي نتيجة لجهود دعوية وتعليمية متدرجة عبر حقبة تاريخية تمتد منذ نهاية الثلث الأول من القرن العشرين الميلادي.

ثانيا: انحرافات جبهة التحرير الإريترية التي أسسها المسلمون عن مسارها الصحيح، وبروز أفكار وافدة، يسارية وشيوعية وغيرها، وتأثر الشباب الإريتري بها، خاصة الذين تم ابتعاثهم إلى الخارج للدراسة، فكان لابد من التصحيح لهذا المسار.

ثالثا: سيطرة الجبهة الشعبية على الساحة الميدانية بعد هزيمة وإخراج جبهة التحرير الإريترية منها عام 1981م، وبالتالي ضياع ما تبقى من جهود المسلمين داخل الجبهة ومجاهداتهم منذ مرحلة تقرير المصير في الأربعينيات الميلادية.

رابعا: ممارسات الجبهة الشعبية تجاه المسلمين وقيامها بطمس كل ماله مساس بالهوية الإسلامية والثقافة العربية، ومسخ الشخصية المسلمة وإفسادها أخلاقيا، واستفزاز مشاعر المسلمين في تحد سافر للدين والقيم والأخلاق بتجنيد بنات المسلمين قسرا،مما جعل الشعب الإريتري يقوم بانتفاضة عارمة في وجه ممارسات الجبهة الشعبية داخل أريتريا، وحدثت مواجهات دامية هنا وهناك صار ضحيتها أعداد كبيرة؛ مما أدى إلى اندلاع انتفاضة شعبية كبيرة، وكان هذا بمثابة فتيل إشعال للعبوة المتفجرة .

خامسا: تزامن مع هذه الأحداث وجود كيانات إسلامية سياسية حديثة النشأة والتكوين, مع صحوة إسلامية عامة كانت تتفاعل مع ثورة أطفال الحجارة بفلسطين عام 87م وجهاد أفغانستان؛ مما استدعى توحيدها في كيان جامع، وإعلان حركة الجهاد الإسلامي الإريتري في ربيع الآخر من عام 1409هـ ـ نوفمبر 1988م .

* ما هي منطلقات حركة الجهاد يومذاك؟

- كان من أهم المنطلقات؛ إقامة كيان يدافع عن أعراض المسلمين وعن مقدساتهم، وسد بعض الفراغات التي خلفتها جبهة التحرير الإريترية، والاسهام في تحرير البلد من قبضة المستعمر الأثيوبي، وإقامة دولة حرة مستقلة ذات سيادة، والعمل على توحيد كلمة المسلمين، والوقوف في وجه كافة الاستهدافات الموجهة ضد المسلمين، والتصدي لكل ما يناقض الدين والأخلاق وقيم المجتمع.

* هل كانت هناك مدرسة فكرية معينة وراء ظهور هذه الحركة؟

- لم تكن هناك مدرسة فكرية معينة خلف قيام الحركة، بل ساهمت فيها كل أطياف الصحوة الإسلامية المختلفة، بالإضافة لمشاركة عامة المسلمين الغيورين من وجهاء وأعيان في قيامها، والحركة بظروف النشأة أشبه بثورة شعبية نتيجة لما حدث من انتهاكات بحق الشعب، والحركة الإسلامية الحديثة قامت بدور الموجه والمرشد والقائد لهذه الثورة.

من "الأمة" إلى "الحزب"

* الظاهرة الإسلامية في إريتريا شهدت تحولات كثيرة، ويرى بعض المراقبين أنها تحولت من مشروع "أمة" كما كان يتجسد في تجربة "الرابطة الإسلامية "، إلى مشروع "حزب" كما في تجربة حركة الجهاد الإسلامية، فما ردكم على هذا الاتهام؟

- في الأربعينيات من القرن الماضي انقسم الشعب الإريتري انقساما عموديا، كل قد انحاز إلى ثقافته، فالمسلمون قد انحازوا إلى ثقافتهم العربية ومحيطهم الإسلامي العربي فنادوا بالاستقلال، والمعبر عنهم كانت الرابطة الاسلامية، وكان مشروعها بحق مشروع أمة، والنصارى قد انحازوا إلى ثقافتهم النصرانية ذات الامتداد للحضارة الأكسومية النصرانية، فنادوا بانضمام إريتريا إلى إثيوبيا، والمعبر عنهم حزب الاتحاد (اندنت).

أما بشأن الاتهام؛ فإن مجمل أفكار وأهداف الحركة الإسلامية المعاصرة يمثل مشروع أمة، كل يعبر عنه بطريقته، وهو من قبيل اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد إذا أحسنا إدارته .

التفريط في الثورة

* يتهم الإسلاميون عامة بالتفريط في الثورة، وتضييع ثمارها، فهل هذه الظاهرة تفسر انفراد الجبهة الشعبية بقيادة الرئيس أفورقي بالسلطة، بصيغة أخرى كيف هيمنت الجبهة الشعبية برئاسة أسياس أفورقي على السلطة في أرتيريا رغم وجودكم كشركاء لها في الثورة الإريترية؟

- إن المسلمين عامة كان لهم قصب السبق في تأسيس الثورة، ولهم القِدْح المُعَلَّى في البذل والعطاء، وتحملوا النصيب الأكبر من استحقاقات النضال، من إبادة وقتل وتشرد ولجوء وفقر وجهل قسري، إلا أنه لم يكن هناك إسلاميون بالمعنى الحركي السياسي في ساحة الفعل قبل قيام الحركة، أما كيف هيمنة الشعبية، فهناك أسباب منها وضع أفورقي هدف استراتيجي محدد من بداية وصوله لقيادة الثورة الإريترية تمثل في مشروعه الطائفي المستهدف للمسلمين وثقافتهم وقيمهم، لذلك أسهم إسهاما كبيرا في تمزيق جبهة التحرير بغية إضعافها ومن ثم القضاء عليها لاحقا. ثم تحالف مع ثورة تجراي الإثيوبية للقضاء على جبهة التحرير، وتمكن من ذلك في عام 1981م.

بالإضافة إلى غفلة وجهل أبناء المسلمين بأبعاد مشروعه الطائفي، إذ أن المسلمون لم يكن لهم أهداف استراتيجية سوى التحرير كيفما اتفق وبأي شكل كان.

ومنها ارتباطاته بدوائر غربية وكنسية قدمت له مساعدات ضخمة وخبرات فنية، كما أوجدت له مناخات سياسية دولية مواتية، ومن ذلك أيضاً ارتباطه بإسرائيل بعد منتصف الثمانينات بشكل رسمي كما أشار إلى ذلك صديق الثورة الإريترية ومستشار الرئيس أسياس أفورقي المفكر السوداني أبو القاسم حاج أحمد في أحد مقالاته .

مشكلات داخلية

* في غمرة المشروع الجهادي، مطلع التسعينيات، تعرضت الحركة للانقسام التنظيمي وظهور تنظيمين على الساحة، فهل هذا الخلاف كان يحمل مدلولات فكرية ومنهجية بين السلفيين والإخوان داخل الحركة؟

- لاشك أن الحركة كان يشكل قاعدتها الأساسية المدرستان المشار إليهما، وهذا لا يعني بالضرورة عدم وجود غيرهم. أما الخلاف فلم تكن منطلقاته فكرية؛ لأن الجميع اتفق حول منهج واحد وإنما كان لأسباب سياسية، واجتهادات متباينة حول المتغرات التي طرأت في الساحة السياسية, من بينها سقوط نظام الرئيس الأثيوبي منجستو هيلا مريم المفاجئ، واستلام الجبهة الشعبية السلطة في إريتريا.

وكان الخلاف كذلك حول ما إذا كانت هناك فرص للتعاطي مع الواقع الجديد أم لا، ولا سيما أن الحركة قد فقدت عمقها الاستراتيجي، وأن السودان قد تغيرت سياسته تجاه الحركة، إذ رأى أن يتعاطى بإيجابية مع حزب الجبهة الشعبية الحاكم في إريتريا، وأدار ظهره للحركة الإسلامية الإريترية. وقدم السودان للحركة خيارات ثلاثة؛ الأول المصالحة مع النظام الإريتري، وهذا مالا يقبل به النظام نفسه، فقد رفض من قبل المبادرة التي قدمتها أربعة من التنظيمات الإريترية، كان من بينها حركة الجهاد الإسلامي بعد رحيل الجيش الإثيوبي عام 1991م. الخيار الثاني : الانطلاق من بلد غير السودان، وهو أمر لم يكن مواتيا آنئذ، والأخير: التخلي عن الجهاد والعيش في السودان كلاجئين عاديين .

وحركة ناشئة تواجه تحديات كبيرة كهذه، ومتغيرات إقليمية ودولية من الطبيعي جدا أن يحدث فيها خلاف، ويمكن أن نعزو أسباب الخلاف لما حدث من تباين في المواقف والأولويات في ظل تلك المتغيرات .

* وتعرضت الحركة لانقسام ثان قبل ثلاث سنوات تقريبا، بخروج المجموعة التي عرفت بـ "المؤتمر الإسلامي" فما هي أسباب هذا الانقسام؟

- الأسباب لا تعدو أن تكون خلافات إدارية، ولقد دأبت الحركة على احتواء خلافاتها بسمنارات وحوارات ومكاشفات ولجان من مجلس الشورى تنظر في المسائل الخلافية، وتعطى صلاحيات للبت فيها، وتعلن نتائجها في جلسات رسمية، بالإضافة إلى الالتزام باللوائح الضابطة للعمل.

ونحن كنا على وشك الدخول في مؤتمر عام للحركة كان بالإمكان حسم كل القضايا الاستراتيجية فيه، وإذا بنا نفاجأ بخروج أربعة إخوة من مجلس الشورى، اثنان منهم كانا عضوين في التنفيذية، وبذلنا محاولات بعد خروجهم لاحتوائهم، إلا أن محاولاتنا لم توفق. ورأينا أنه مهما يكن من شيء فإن الخلافات يجب ألا تتحول إلى عداوة أو خصومة، والتعاون على البر والتقوى يجب أن يكون ديدن الجميع. وإن تعذر توحيد الصف فعلى الأقل العمل على توحيد المشروع العام للأمة، وتضافر الجهود لتحقيقه، كل من موقعه وحسب طاقته وإمكانه .

* هل تفسر هذه الظاهرة، ظاهرة الانقسامات المتتالية في الجماعة بوجود مشكلات في الفكر والمنهج والتنظيم الإداري في الحركة؟

- ظاهرة الانقسامات ظاهرة عامة لم تسلم منها جماعة في أي بلد إلا من رحم ربك، بل وحتى غير الإسلاميين وغير المسلمين في إريتريا أو غيرها. وهذا ليس مبررا للانقسامات طبعاً، فالخلاف قدر كوني، يجب أن يدفع بقدر شرعي إن أمكن .

ثم إن الانقسامات ليس بالضرورة أن تكون فكرية ومنهجية وإدارية، إذ أن هناك من يتفقون على الفكر والمنهج وطرق إدارة العمل ومع ذلك قد يختلفون، فربما لاعتقاد البعض أنه سيحقق ما لم يتحقق على يد من يختلف معه، أو يظن أن هناك انحرافا المسار يجب تصحيحه، وهذا قد يكون قصده حسنا ويصيب أويخطئ في الاجتهاد، وهناك انقسامات دوافعها الهوى، و حب الظهور وهو بلا شك قاصم للظهور وغلبة الشهوة الخفية (حب الرئاسة) كم سماها الصحابي أبو الدرداء رضي الله عنه وغيرها من حظوظ النفس ونسأل الله أن يعصمنا ويأخذ بأيدينا إلى الخير .

من وحدة التنظيم لوحدة الموقف

* بعد هذه السنوات من الانشقاق، هل هناك جهود لتوحيد العمل الإسلامي الإريتري الآن، وما هي طبيعتها إن كانت موجودة وهل ستفضي لوحدة تنظيمية اندماجية في ظنكم؟

- منذ فترة طويلة تجاوزنا مرارات الخلاف إلى تنسيق وتعاون في مختلف القضايا على الصعيد الثنائي (نحن والحزب الإسلامي)، وتوحيد رؤانا كإسلاميين عندما نعمل سويا مع الآخرين، ولم يغب عن بال كل منا التطلع والعمل للوحدة الاندماجية؛ فهي رغبة الجميع، وهناك مساع بدأناها بالاشتراك مع إخواننا في الحزب الإسلامي لتوحيد كافة الفعاليات الإسلامية في إريتريا، ولكن الأمر يحتاج لبعض الوقت لإنضاج الفكرة، وحتى لا نكرر أخطاء التجربة السابقة.

الإصلاح للإصلاح

*غيرت الحركة اسمها من حركة الجهاد الإسلامي إلى حركة الإصلاح الإسلامي الإريتري، فهل يحمل هذا التغيير أبعادا فكرية جديدة بخصوص المشروع الإسلامي لإريتريا؟

- ارتأينا أن نغير المسمى الأول إلى المسمى الثاني عام 2003م؛ باعتبار الثاني يتضمن معنى الأول وربما أشمل منه في الدلالة على قضايا أخرى، وإن كان بينهما عموم وخصوص.

ونحن نسعى في الجملة إلى تحقيق ما يمكن تحقيقه من أهداف المشروع حسب القدرة والإمكان السياسي، والحركة لم تتخل عن مشروعها التغييري، إلا أنها طورت خطابها السياسي، وانفتحت على الآخرين دعوة وخطابا وحوارا وأخذا وعطاء وقبولا وردا، وتجاوزت مرحلة الانكفاء على الذات، وانطلقت في فضاءات أرحب في التعاطي مع الآخر، ورفعت شعار: (العمل على كل الجبهات وسد جميع الثغرات).

* ما هي أبعاد المشروع الإصلاحي الذي تتبنونه لإريتريا؟

- يتمثل هدف الحركة في إبراز الهوية الإريترية الدينية والثقافية، وربطها بمحيطها العربي والإسلامي والإفريقي. كما تهدف الحركة إلى إقامة المجتمع المسلم المعافى في دينه ودنياه، والارتقاء به روحيا وسلوكيا وسياسيا ومعرفيا حتى يكون لبنة صالحة تشيد عليها حضارة الأمة، ورفع كل المظالم عن جميع المواطنين، واسترداد الحقوق المغتصبة إلى أهلها.

ونسعى لإقامة دولة تحقق العدل والأمن والاستقرار والسلام في البلد داخليا وخارجيا، وتحكم بالدستور والقانون لا بالفوضى والهمجية. وتسعى الحركة لإيجاد صيغ سياسية قائمة على تحقيق التعايش الديني والثقافي والتوافق السياسي، والسلم الاجتماعي بين مكونات الشعب، ونرى ضرورة أن يكون الحكم فدراليا في إطار إريتريا الموحدةو، أن تكون إريتريا وطنا لجميع أبنائها ودونما انحياز لطرف على حساب طرف، بحيث تحقق العدالة بين المواطنين كافة في الحقوق والواجبات.

بالإضافة إلى تأكيد الحريات العامة التي لا تتعارض مع الدين والقيم للجميع، والاعتراف بالآخر وجودا وبرنامجا وشريكا. وندعو إلى تأسيس تنمية متوازنة في كل الأقاليم، والابتعاد عن سياسة التهميش السياسي والحرمان التنموي. بالإضافة إلى عودة اللاجئين كل إلى موطنه الأصلي، وتهيئة سبل العيش الكريم لهم، وتأمين التعليم لأولادهم.

وخارجيا ندعو إلى إقامة علاقات حسن الجوار مع دول المنطقة على أساس من الاحترام وتبادل المصالح، وأن تلعب إريتريا دورا إيجابيا في أمن البحر الأحمر ومنطقة القرن الإفريقي، وأن تكون جزءا من المنظومة الأمنية الإقليمية دون أن تشكل نشازا في المنطقة، كما هو شأن النظام الإريتري الحالي.

* ما هي رؤيتكم لواقع إريتريا المتعدد دينيا وعرقيا وثقافيا، ألا ترون أن المناداة بتطبيق الشريعة في إريتريا يمكن أن يزيد من واقع الانقسام في المجتمع الإريتري؟

- تقوم رؤيتنا على الإقرار بهذا التعدد, ومن ثم وضع أطر سياسية من شأنها أن تحقق التعايش الديني والسياسي، والسلم الاجتماعي، وأن الشريعة الإسلامية لها من المرونة ما ينظم ذلك، وهي مصدر استقرار وأمن للمجتمع، كما أن نظام الحكم الفيدرالي يمكن أن يراعى فيه هذا التنوع في اختيار نظام الحكم المناسب لكل إقليم.

تحالف أم ولاء

* تشاركون الآن في تحالف المعارضة الإريتري، وهذا التحالف قد يفضي إلى حكومة ائتلافية انتقالية لإريتريا في حالة سقوط نظام أسياسي أفورقي، فهل منطلقات الحركة الفكرية تسمح لكم بالمشاركة في مثل هذه الحكومات؟

- نعم إن منطلقاتنا الفكرية تسمح لنا بأن نكون جزءا أساسيا في أي معادلة سياسية قادمة، ونحن نؤمن بالشراكة السياسية، وأن الوطن يسع الجميع، ونقاوم النهج الاستبدادي الرافض للآخر، وننأى بأنفسنا عنه.

* التحالف السياسي، قضية تثير جدلا بين الإسلاميين في العالم عامة، فما هي منطلقاتكم الشرعية في هذه المسألة؟

- نراعي في تعاطينا السياسي دائما قواعد السياسة الشرعية، خاصة (قاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد، وأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح...).ونسترشد بمقاصد الشريعة الإسلامية عامة، وإعمال مبدأ الضرورات الخمس التي اتفقت الشرائع السماوية عليها، وقبل بها العقلاء من البشر، وهي: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل (والعرض)، والمال، فكل من يساعدنا لتحقيق هذه الضرورات كلها أو بعضها فنحن نعمل معه اقتداء بالتنويه النبوي بحلف الفضول عندما قال عليه السلام (ولو أدعى إلى مثله لأجبت)؛ لأنه ينسجم مع موقف الإسلام الرافض للظلم على أي أحد من البشر، مسلما كان أو غير مسلم، والعمل على نصرة المظلوم أيا كان.

كذلك ننطلق من وثيقة المدينة القاضية بضرورة التعاون والدفاع المشترك بين أهل المدينة، وهم يومئذ مسلمون ويهود ومشركون.

* وهل ترون أن هناك فرقا بين الولاء والتحالف؟

- لا نرى أي تعارض بين الولاء والتحالف؛ فالتحالف مع الغير يعني العمل على إنجاز هدف مشترك، أو الوقوف في وجه عدو مشترك يعمل الجميع لدرء مخاطره.

وأما الولاء فيعني أمرين؛ الأول المودة والحب القلبي، فهذا لا يصرف إلا في محبة الله، ومقتضيات الإسلام، والثاني يعني النصرة، وهي تصرف لمن يستحقها حبا وواجبا إن كان مسلما أو واجبا فقط كالمظلوم وإن لم يكن مسلما، فالتحالف مع الآخر جائز بشروطه، والولاء للمسلم واجب على كل حال، وبحسب قربه وبعده من الإيمان.

*ما هي معالم الوجود الإسلامي في إريتريا، وهل للحركة وجود داخل المجتمع الإريتري، أم هي حركة مقصورة على الإريتريين في الخارج؟

- نعم للحركة وجود شعبي داخل إريتريا، ولكننا لا نكشف عنه لدواعٍ أمنية، وأبرز معالم الوجود في الداخل هو المجاهد الذي يحمل البندقية، ويقاوم صلف النظام، والمحتك بشكل يومي مع المواطن الإريتري داخل البلد، ولا شك أن النشاط الإسلامي في الخارج أوسع نطاقا وأكثر ظهورا.

مستقبل العمل الجهادي

* في ظل التحولات الإقليمية، فما هو الوضع الميداني للعمل الجهادي في إريتريا؟

- لا شك أن العمل العسكري يحتاج إلى عمق إستراتيجي ينطلق منه، وإلى مناخ سياسي دولي مُوات، ونحن في الحركة عانينا من هذا الأمر، ولكننا بفضل الله ثم بالإصرار والعزيمة استطعنا أن نتكيف على الصعوبات، واستعضنا عن ذلك بالداخل الإريتري شعبا وأرضا بما يتواءم مع مرحلة حرب العصابات التي تخوضها الحركة الآن.

* هل تعتبرون الساحة الإريترية ساحة مفتوحة لكل الناشطين الجهاديين في العالم أم مقصورة على الإريتريين؟ وهل هناك صلات بالحركات الجهادية في العالم؟

- الساحة الإريترية ليست مفتوحة لأي ناشط من غير الإريتريين، وقد اتخذنا هذا القرار باكرا بعد دراسة مستفيضة توصلنا من خلالها إلى أن مفاسد وسلبيات ذلك أكثر من إيجابياته، خاصة في بلد مثل إريتريا، لذا ارتأينا أن تكون مقاومتنا محلية، ليست لها علاقة بأي جهات خارجية في العالم، والمقاومة ضد النظام أَمْلَتها ضرورات واقعية، ومظالم حقيقية، وإن كان الواجب الإسلامي يحتم علينا مناصرة قضايا الشعوب العادلة، ولو شعوريا كالقضية الفلسطينية مثلا.

قراءة سياسية آنية

* كيف تقرءون الواقع السياسي الإريتري الآن، وما هي القوى المؤثرة؟

- الواقع السياسي الإريتري يمر بمنعطفات خطيرة، هناك القبضة الحديدية للنظام وممارسة إرهاب الدولة ضد الشعب، وعسكرة الشعب المستمرة بهدف شغل الناس عن قضاياهم الحقيقية، وبهدف الإفقار والتجهيل، ومزيد من اللجوء، وهناك الإفلاس الاقتصادي على مستوى الدولة والشعب، فلا الشعب يملك قوت يومه، ولا النظام قادر على تسيير دفة البلد، مما جعل الفساد يستشري في البلد.

وهناك عزلة إقليمية ودولية بشكل عام يعيشها النظام, لهذا فإن حالة البلد صارت طاردة ولا تطاق، وعليه كثر الهروب من إريتريا إلى دول الجوار والعالم، فالسفراء والقناصل والجنود والضباط والطلاب، وحتى الفرق الرياضية والغنائية تقدم لجوءا سياسيا إذا ما أتيحت لها فرص الخروج من البلد.وهناك تنامي للمعارضة ضد النظام من مختلف الأطياف السياسية والمشارب الفكرية، وهناك انفلاتات أمنية داخل المؤسسة العسكرية تتمثل في الاغتيالات والاعتقالات والإقامات الجبرية لأعضاء الحزب.

أما القوى المؤثرة، فمجموعة عوامل منها المعارضة السياسية، والعمل العسكري في الداخل، ومؤسسات المجتمع المدني الإريترية التي تعمل في الخارج، والمنظمات الحقوقية الغربية التي دأبت تفضح مثالب النظام منذ سنوات، وموقف المجتمع الدولي من النظام، والذي يوصف على الأقل بأنه غير داعم له, وإحجام الشركات الأجنبية عن الاستثمار في إريتريا بسبب انعدام الأمن، والانشطارات العمودية التي حدثت وتتكرر في بنية النظام التنظيمية، والاهتزازات الداخلية.




*وهل هناك مؤشرات باقتراب تغيير سياسي قريب في إريتريا؟




- كل هذه الإفرازات لا شك سينتج عنها واقعا ما، وليس بمستغرب أن يحدث ذلك قريبا؛ لأن كل عوامل انهيار الدولة متوافرة بقوة، إلا أن يشاء الله غير ذلك، فآجال الأنظمة كآجال الأفراد لا أحد يعلم سوى الله لحظة النهاية، لكن المؤكد عندنا أن النظام في فراش المرض، ويزداد سوءا يوما بعد يوم.




* ما هو تأثير المشهد الإقليمي على نشاط تحالف قوى المعارضة الإريترية؟

- لا شك أن أحداث القرن الإفريقي والأوضاع الإقليمية، والمواقف السياسية المتذبذبة، كلها تنعكس علينا سلبا وإيجابا، وتتأثر بها المعارضة،فتحالف صنعاء (السودان-إثيوبيا-اليمن) كان يعتبر السند الإقليمي للتحالف، لكن المواقف ليست على وتيرة واحدة مكانا وزمانا.

ففي الوقت الراهن الموقف الإثيوبي تجاه المعارضة متقدم على غيره، بينما في السابق كان الموقف السوداني متقدما عليها قبل توقيع اتفاقية الشرق بوساطة إريترية، التي أدت إلى إغلاق مكاتب المعارضة الإريترية في الخرطوم.

*في ظل تجارب انهيار الدولة في الصومال والعراق، هل يحظى تحالف المعارضة بتأييد إقليمي ودولي الآن؟

- لم يحظ التحالف بتأييد إقليمي ودولي بالقدر الكافي، ففي فترات سابقة حظي بتأييد حلف صنعاء الإقليمي، ثم حدث نوع من التراجع من البعض، إلا أنه في الآونة الأخيرة لوحظ اهتمام أمريكي وأوروبي بالمعارضة يتمثل في الاستماع إليها والمتابعة لنشاطاتها، وبالمقابل إحجام عن دعم النظام، والتعبير بعدم الرضا لممارساته ونهجه.

ويبدو أن الغرب في مرحلة البحث عن بديل للنظام، ربما المعارضة وربما غيرها, ومن المؤكد أنه لن يسمح بالفوضى في إريتريا حتى لا تتكرر تجربة الصومال في المنطقة.

* تعرضت مقار المعارضة في الخرطوم للإغلاق مؤخرا، ثم حدث تقارب بين الخرطوم وأسمرا فما تأثير ذلك على نشاطكم؟

- حتما إن ذلك سيؤثر على المعارضة؛ لأنها حرمت من التواصل مع جماهيرها عبر الندوات والمهرجانات، لكننا اعتدنا أن نتكيف معها، ونواجهها بالصبر والعزيمة، وبشيء من التدابير اللازمة لحماية الذات والمكتسبات. وفي الجملة فإننا نقدر ما يمر به السودان من تحديات كبيرة، واستهداف غربي بقيادة أمريكا تستوجب عليه أن يراعي مصالحه.




صحفي سوداني

ليست هناك تعليقات: