مدونة المعارف

07‏/02‏/2009

الشعور بالهناء


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة الكرام ، أيتها الأخوات الكريمات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
أسأل الله أن تكونوا أنتم ومن تحبون على أحسن حال ...
فإن السعي إلى الشعور بالهناء والسعادة شيء فطر الله ـ تعالى ـ العباد عليه ، وقد حار الحكماء والعقلاء في تحديد طبيعته وبيان أسبابه ، والحقيقة أن نصف الشعور بالسعادة يعود إلى أسباب ملموسة والنصف الآخر يعود إلى أشياء وهمية ، أو أشياء يمكن أن تصنع صناعة من خلال الخيال واللغة ، وهذا شيء رائع : أن نشعر بشعور الأثرياء وليس لدينا مال ، وأن نشعر بشعور الأقوياء ، وليس لدينا قوة ....
لا أريد أن أتحدث عن هذا ، اليوم ، فربما خصصت له رسالة مستقلة.
السعادة تدفق داخلي وشعور خاص يرتبط في أحيان كثيرة بأسباب واضحة وملموسة ، ولعل من أهم تلك الأسباب الآتي :
1ـ الانسجام الذاتي وشعور المرء بأنه على الطريق الصحيح ، وأنه يفعل ما عليه أن يفعله ، وهذا يعني بالنسبة إلى المسلم الاستقامة على شرع الله ـ تعالى ـ والإكثار من ذكره ومناجاته والتذلل بين يديه . والحقيقة أن الفجوة التي تفصل بين عقائدنا وسلوكاتنا هي دائماً مصدر للشعور بالخوف ومصدر للتوبيخ الذاتي ، وإذا كان المرء لا يشعر بذلك وهو يعتقد أنه منحرف ، فهذا يستحق الإشفاق ، وقد قطع مسافة طويلة على طريق التدهور التام ، وما أجمل قول الله ـ تعالى ـ :
"من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" (النحل: 97).
2ـ وجود قدر مناسب من الصحة ومن الاكتفاء المادي والاستغناء عن الناس ، وذلك لأن الفقر المدقع يجعل المرء يشعر أنه محاط بالضرورات ، وأنه مغلوب ، كما أن الفقر الشديد يجعل المرء يشعر بضعف الكفاءة الشخصية وانحسار الذات ، وقد ثبت أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ سأل الله الغنى واستعاذ به من الفقر .
3ـ بناء علاقات اجتماعية ناجحة على صعيد الأسرة والأصدقاء ، وعلى صعيد الأقرباء والزملاء والجيران .... ومن الواضح أن الإخفاق في بناء علاقات اجتماعية جيدة والانكفاء على الذات من أهم أسباب الشعور بالشقاء والضعف والعزلة ، بل إنني أشعر أن الشخص الانطوائي هو أقل من درجة إنسان .
العلاقات الناجحة هي مصدر تعليم وتهذيب لنا ، ونحن ننجح فيها على مقدار ما نمتلك من الكياسة والذوق والإحساس المرهف تجاه الآخرين ، وعلى مقدار ما نملك من القدرة على التضحية والبذل ، فالعطاء غير المشروط هو قوتُ العلاقات الجميلة والمستمرة .
4ـ الشعور بالإنجاز والتقدم الشخصي ، وهو مهم جداً للشعور بالسعادة ، لأن الإنجاز يجعلنا نشعر بالجدارة والكفاءة كما أن الإنجاز يساعدنا على ملء الفراغ الذي لدينا ، وملء الفراغ يعني التخلص من الملل والسأم ، وهما عدوان لدودان للشعور بالسعادة .
5ـ الإحسان إلى الخلق والتعاطف معهم وتشجيعهم ومنحهم الرؤية ونصرة المظلوم منهم، إن الكلمات الجميلة التي نتلفظ بها تشبه العطر النفيس حيث إنك لا تستطيع أن ترشه على من حولك دون أن ينالك منه شيء.
المهم دائماً أن لا نقع في الوهم الذي وقع فيه كثير من الناس ، وهو أن هناك شيئاً بمفرده يحقق السعادة كالمال أو الجمال أو الذكاء أو العلم أو القوة ....
إن أسباب السعادة أشبه بحبل مفتول من عدد كبير من الخيوط الدقيقة ، وإن علينا معرفة ذلك وتوفيره حتى نعيش في هناء وسرور.
جعل الله أيامكم كلها مسرات عامرة بذكر الله والعطاء و النقاء .
وإلى أن ألقاكم في رسالة قادمة أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في 11 / 2 / 1430

ليست هناك تعليقات: