مدونة المعارف

06‏/10‏/2016

الخطبة الأولى لشهر الله المحرم

الشَّبَابُ
الْخُطْبَةُ الأُولَى من شهر محرم لعام 1438
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي الشَّبَابِ قُوَّةً وَعَمَلاً، وَطَاقَةً وَأَمَلاً، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)([1]).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الإِنْسَانَ، وَكَلَّفَهُ أَنْ يُعَمِّرَ الأَرْضَ بِالْخَيْرَاتِ، وَيَسْتَثْمِرَ فِيهَا الطَّاقَاتِ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ :(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ)([2]). أَيْ لِتَقُومُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ وَإِعْمَارِ الأَرْضِ، وَنَشْرِ الْخَيْرِ فِيهَا، فَالإِنْسَانُ هُوَ أَسَاسُ الْبِنَاءِ، وَإِنَّ تَقَدُّمَ الأَوْطَانِ يَحْتَاجُ إِلَى طَاقَاتِ الشَّبَابِ، فَهُمْ ذُخْرُ الْوَطَنِ وَعُدَّتُهُ، وَقُوَّتُهُ وَطَاقَتُهُ، وَقَلْبُهُ النَّابِضُ، وَثَرْوَتُهُ الْمُتَجَدِّدَةُ، وَحَاضِرُهُ الْمَشْهُودُ، وَمُسْتَقْبَلُهُ الْمَوْعُودُ، وَهَلِ الْخَيْرُ إِلاَّ فِي الشَّبَابِ([3]). نَعَمْ فَالْخَيْرُ كُلُّ الْخَيْرِ فِي الشَّبَابِ، فَلَدَيْهِمْ آمَالٌ وَطُمُوحَاتٌ، وَقَضَايَا وَتَحَدِّيَّاتٌ، وَبِهِمْ تَنْهَضُ الْمُجْتَمَعَاتُ، وَتَتَحَقَّقُ الإِنْجَازَاتُ، وَفِيهِمُ الْهِمَّةٌ وَالعَطَاءُ، وَالْخَيْرُ وَالْبِنَاءُ، وَلَدَيْهِمْ مُؤَهَّلاَتٌ وَقُدُرَاتٌ؛ وَلِذَلِكَ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِاغْتِنَامِهَا، فَقَالَاغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ، وَذَكَرَ مِنْهَا: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ...»([4]). وَإِنَّ اغْتِنَامَ الشَّبَابِ يَجْعَلُهُمْ أَهَمَّ قُوَّةٍ وَطَنِيَّةٍ لِبِنَاءِ الْحَاضِرِ، وَرُكْنًا أَسَاسِيًّا فِي رِحْلَةِ الاِنْتِقَالِ إِلَى الْمُسْتَقْبَلِ.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ قِيَادَتَنَا الرَّشِيدَةَ تَضَعُ الشَّبَابَ فِي أَوْلَوِيَّاتِ اهْتِمَامَاتِهَا، وَتَثِقُ بِقُدْرَتِهِمْ عَلَى التَّحَدِّي وَالتَّمَيُّزِ وَالنَّجَاحِ، فَخَصَّصَتْ لَهُمْ وِزَارَةً لِلشَّبَابِ، وَأَقَامَتْ مَجْلِسَ الإِمَارَاتِ لِلشَّبَابِ، وَاسْتَثْمَرَتْ فِي تَعْلِيمِهِمْ وَتَثْقِيفِهِمْ وَصَقْلِ خِبْرَاتِهِمْ، وَتَنْمِيَةِ مَهَارَاتِهِمْ، وَالاِرْتِقَاءِ بِمُعَدَّلاَتِ أَدَائِهِمْ؛ وَتَأهِيلِهِمْ عَلَى أُسُسٍ مُسْتَقْبَلِيَّةٍ مُسْتَدَامَةٍ، وَتُشَجِّعُهُمْ عَلَى الإِبْدَاعِ وَالاِبْتِكَارِ، وَرَفْعِ مَعْنَوِيَّاتِهِمْ؛ لِيَنْطَلِقُوا بِقُوَّةٍ إِلَى آفَاقِ الْمُسْتَقْبَلِ؛ وَيَتَحَمَّلُوا مَسْؤُولِيَّتَهُمْ كَامِلَةً نَحْوَ وَطَنِهِمُ الَّذِي يَفْخَرُ بِهِمْ، وَمِنْ وَاجِبِهِ عَلَيْهِمْ أَنْ يَجْتَهِدُوا فِي الْمُضِيِّ بِهِ قُدُمًا لِتَحْقِيقِ طُمُوحَاتِهِ عَمَلاً بِقَوْلِهِ تَعَالَى:( هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ)([5]).
وَإِنَّ رَدَّ الْجَمِيلِ إِلَى الْوَطَنِ يَحْتَاجُ مِنَ الشَّبَابِ إِلَى الْعَمَلِ الْجَادِّ، وَالْحِرْصِ عَلَى الاِرْتِقَاءِ بِاسْتِمْرَارٍ، وَتَقْدِيمِ رُؤًى إِبْدَاعِيَّةً لِتَطْوِيرِ الأَفْكَارِ، وَالتَّزَوُّدِ بِالْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَقَدْ قَدَّمَ لَنَا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ أُنْمُوذَجًا شَابًّا فِي الاِجْتِهَادِ فِي الْعِلْمِ حَيْثُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِيَحْيَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ:( يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)([6]). أَيِ: الْفَهْمَ وَالْعِلْمَ وَالْجِدَّ وَالْعَزْمَ، وَالإِقْبَالَ عَلَى الْخَيْر، وَهُوَ فِي رَيْعَانِ الشَّبَابِ([7]).
وَالشَّبَابُ هُمْ سُفَرَاءُ أَقْوَامِهِمْ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، حَتَّى يَرْجِعُوا بِهِ إِلَى أَوْطَانِهِمْ، فَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَدِمْنَا عَلَى النَّبِىِّ r وَنَحْنُ شَبَابٌ، فَلَبِثْنَا عِنْدَهُ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً([8]). فَكَانُوا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَفْدًا مِنْ طُلاَّبِ الْعِلْمِ. وَهَكَذَا الشَّبَابُ يَجْتَهِدُونَ فِي دِرَاسَتِهِمْ وَيُخْلِصُونَ فِي وَظَائِفِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ، وَيَحْتَرِمُونَ قَانُونَ دَوْلَتِهِمْ، وَيُحَافِظُونَ عَلَى تَلاَحُمِ وَطَنِهِمُ الْغَالِي، فَهُوَ أَمَانَةٌ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :« إِنَّ اللَّهُ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ أَحَفَظَ أَمْ ضَيَّعَ»([9]). وَإنَّ الشَّبَابَ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ أَمَانَةَ الْوَطَنِ يَسْعَوْنَ إِلَى إِسْعَادِ النَّاسِ جَمِيعًا، وَتَقْدِيمِ النَّفْعِ لَهُمْ؛ قَالَ نَبِيُّنَا rأَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ»([10]).
أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ: إِنَّ دَوْلَةَ الإِمَارَاتِ الْعَرَبِيَّةِ الْمُتَّحِدَةِ دَوْلَةٌ شَابَّةٌ قَامَتْ عَلَى الشَّبَابِ، لأنَّهُمْ سِرُّ قُوَّتِهَا، وَإن الذي يَعْرِفُ تَارِيخَ قِيَامِ الاِتِّحَادِ يُدْرِكُ جَيِّدًا أَنَّ الشيخ/ زايد بن سلطان آل نهيان طَيَّبَ اللَّهُ ثَرَاهُ وَإِخَوَانَهُ الْمُؤَسِّسِينَ وَضَعُوا ثِقَتَهُمْ فِي الشَّبَابِ، وَحَفَّزُوهُمْ عَلَى التَّعَلُّمِ وَتَطْوِيرِ أَنْفُسِهِمْ لِخِدْمَةِ وَطَنِهِمْ، فَأَغْلَبُ الْمُتَعَلِّمِينَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ خِرِّيجِي الْجَامِعَاتِ كَانُوا مِنَ الشَّبَابِ فِي الْعِشْرِينَاتِ مِنْ أَعْمَارِهِمْ، فَتَوَلَّوْا الْمَهَامَّ، لِبِنَاءِ دَوْلَةِ الإِمَارَاتِ بِكُلِّ إِخْلاَصٍ وَعَزْمٍ، وَعَمِلُوا بِلاَ كَلَلٍ وَلاَ مَلَلٍ، وَكَانُوا عَلَى قَدْرِ الْمَسْؤُولِيَّةِ، وَإِنَّ الشَّبَابَ الْيَوْمَ مُطَالَبُونَ بِمُوَاصَلَةِ مَسِيرَةِ الآبَاءِ، وَالْحِفَاظِ عَلَى إِنْجَازَاتِهِمْ، فَبِالشَّبَابِ الْوَاعِي تَرْقَى الأُمَمُ, وَبِالأَخْلاَقِ تَدُومُ مَكَانَتُهَا، وَبِالْقِيَمِ النَّبِيلَةِ, وَالأَخْلاَقِ الْفَاضِلَةِ نُحَافِظُ عَلَى حَضَارَتِنَا, وَنَحْمِي مُنْجَزَاتِ وَطَنِنَا.
فَاللَّهُمَّ احْفَظْ شَبَابَنَا، وَأَدِمْ سَعَادَتَنَا، وَأَسْبِغْ عَلَيْنَا نِعَمَكَ، وَأَكْرِمْنَا بِفَضْلِكَ، وَوَفِّقْنَا لِطَاعَتِكَ أَجْمَعِينَ، وَطَاعَةِ رَسُولِكَ مُحَمَّدٍ الأَمِينِ r وَطَاعَةِ مَنْ أَمَرْتَنَا بِطَاعَتِهِ، عَمَلاً بِقَوْلِكَ:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)([11]).
نَفَعَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ،
 وَبِسُنَّةِ نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ،
 فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.


الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَيَا أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ، إِنَّ أَهَمَّ مَا نَتَوَاصَى بِهِ تَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَرْسِيخُ الْقِيَمِ النَّبِيلَةِ فِي الشَّبَابِ لِتَثْبِيتِ هُوِيَّتِهِمْ، وَتَعْزِيزِ تَلاَحُمِهِمْ، وَتَعْمِيقِ رُوحِ الاِنْتِمَاءِ لِوَطَنِهِمْ، وَالْوَلاَءِ لِقِيَادَتِهِمْ وَحُكَّامِهِمْ، وَالتَّحَلِّي بِالأَخْلاَقِ الْكَرِيمَةِ، وَهِيَ الرِّسَالَةُ الَّتِي بُعِثَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عَنْهَا:« إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ»([12]). وَإِنَّ الشَّبَابَ بِكَرِيمِ أَخْلاَقِهِمْ، وَجَمِيلِ صَنِيعِهِمْ، وَحُسْنِ فِعَالِهِمْ؛ يُعَبِّرُونَ عَنِ الْمَبَادِئِ الأَصِيلَةَ لِلْوَطَنِ الْمُسْتَمَدَّةَ مِنْ دِينِنَا الْحَنِيفِ، وَأَخْلاَقِ الآبَاءِ وَالأَجْدَادِ، وَيَحْرِصُونَ عَلَى نَشْرِ عَادَاتِهِ وَتَقَالِيدِهِ  بَيْنَ الأَجْيَالِ لِتَدُومَ عَلَى مَرِّ الزَّمَانِ.
فَيَا أَيُّهَا الشَّبَابُ: هَلِ اسْتَثْمَرْتُمُ الإِمْكَانَاتِ وَالْفُرَصَ الَّتِي وَفَّرَتْهَا لَكُمُ الدَّوْلَةُ؟
وَيَا أَيُّهَا الآبَاءُ وَالأُمَّهَاتُ: هَلْ قُمْتُمْ بِدَوْرِكُمْ فِي تَوْجِيهِ وَدَعْمِ الشَّبَابِ إِنَاثًا وَذُكُورًا لِتَحْقِيقِ طُمُوحَاتِكُمْ؟
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً»([13]).




([1]) آل عمران: 15.
([2]) الأنعام : 165.
([3]) الجامع لأخلاق الراوي: 1/310 ، والقائل هو حُذَيْفَةُ بن اليمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
([4]) السنن الكبرى للنسائي 10/400.
([5]) الرحمن : 60.
([6]) مريم : 12.
([7]) تفسير ابن كثير : (5/216).
([8]) متفق عليه.
([9]) صحيح ابن حبان : 4492.
([10]) الطبراني في المعجم الكبير : 13646.
([11]) النساء : 59 .
([12]) الأدب المفرد : 273، وأحمد:8952.
([13]) مسلم: 384.

ليست هناك تعليقات: