مدونة المعارف

15‏/02‏/2009

صفـــات الداعيـــة

هناك الكثير من الصفات التي تؤهل الداعية لمباشرة الدعوة إلى الله تعالى، ولا بد من توافر تلك الصفات في الداعية؛ لأن الدعوة إلى الله ليست عملاً عادياً باستطاعة؛ كل إنسان مباشرته بل تحتاج إلى صفات معينة.

إن مسألة إعداد الدعاة غاية في الأهمية؛ لما يترتب على عملية الإعداد من أمور هامة تؤثر تأثيراً مباشراً وفاعلاً على الدعوة إلى الله تعالى ولذا كانت عناية الرسول صلى الله علية وسلم موجهة إلى عملية إعداد الدعاة وتأهيلهم وتربيتهم وتأديبهم وتعليمهم، ويسبق ذلك عملية الاختيار ومن ثم فقد آتت مسألة الإعداد ثمارها التي تمثلت في نشر الدعوة في أرجاء المعمورة.

"إن أهلية الدعاة إلى الله قضية كبرى تشغل بال كل من يتصدى للعمل الإسلامي في كل عصر من العصور، إنها شغلت رسول الله صلى الله علية وسلم نفسه فكان يختار من يكلفهم بالدعوة ويوصيهم وينصحهم ويعلمهم، ثم يبعثهم إلى حيث ينوبون عنه في التبليغ والدعوة إلى الله.

وكانت الأهلية شغلاً شاغلاً للصحابة فكانوا ينتقون من يكلفونهم بهذا العمل الجليل، ثم يتبعون هذا الاصطفاء بالنصائح والوصايا، ثم استمرت هذه الأهلية للدعاة إلى الله شغل العلماء وأهل الغيرة على الإسلام حتى يومنا هذا، ما يمل الحديث عنها، ولا يقلل من شأن الاهتمام بها، ولا تتجاهل بحال من الأحوال.

وهذا هو الإمام ابن قيم الجوزية، يتحدث عن هــذه الأهلية في عصره، وقد توفي عام 751هـ فيقول تحت عنوان صفات المبلغين عن الرسول صلى الله علية وسلم":-

ولما كان التبليغ عن الله سبحانه يعتمد على العلم بما يبلغ والصدق فيه، لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفتيا، إلا لمن اتصف بالعلم والصدق، فيكون عالماً بما يبلغ صادقاً فيه، إن الإمام ابن القيم - رحمه الله - قد أجمل أهلية الداعي إلى الله الذي يفتى الناس في أمر دينهم وما يجب أن يتحلى به من صفات في هذه الكلمات الوجيزة:

أن يكون:

1- عالماً بما يبلغ.

2- صادقاً فيه"(1).

3- "حسن الطريقة في التبليغ.

4- حسن السمعة والسيرة بين الناس.

5- الوضوح في أقواله وأفعاله.

6- الوضوح وتشابه السر والعلانية، في ظاهره وباطنه وجميع أحواله، أي البعد الشديد عن النفاق والرياء.

7- أن يستكمل أسباب الأهلية لهذا العمل.

8- أن يكون مقدراً لجلالة هذا العمل الذي يقوم به.

9- أن يصدع بالحق ولا يكون في صدره حرج منه.

10- أن يكون واثقاً في نصر الله له"( 2).

لقد أصَّل ابن القيم -رحمه الله- الصفات التي ينبغي أن تتوافر في الداعية حتى يكون مؤهلاً للقيام بمهمة الدعوة إلى الله تعالى، إلا أنه يمكن تقسيم الصفات التي تؤهل الداعية إلى قسمين صفات فطرية وصفات مكتسبة:-

ومن المناسب في هذا الصدد أن نتحدث بإيجاز عن الصفات الفطرية:-

أما عن الفطرة: "فهي ما أبدع الله وركزَّ في الناس من قوة على معرفة الإيمان، وهي المشار إليها في قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} (3).

والفطرة: هي الجبلة القابلة لدين الحق، ومنها قول الرسول صلى الله علية وسلم ( ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، كما تنتج البهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء) (4).

ومن الصفات الفطرية: الإيمان – الإخلاص- الصلاح- الذكاء" (5).

1- الإيـمان:

ما أحوج كل إنسان إلى الإيمان بالله تعالى – وخاصة الداعية إلى الله تعالى -لأن الإيمان هو السلاح الأساس الذي يحتاجه الداعية ولا يمكن أن يستغني عنه لحظة، لأنه يدعو غيره إلى الإيمان بالله، فلا بد أن يكون الداعي موقناً بالله، معتمداً عليه، متفانياً في دعوته، وإن جذوة الإيمان هي التي تدفعه إلى ذلك والإيمان منحة من الله، وهبة يهبها لمن يشاء، قال تعالى :{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}(6 ).

فالإيمان هداية من الله وليس كسباً من أحد.

وقوة الإيمان تعني أن يكون الداعية إلى الله، قد استكمل صفات المؤمنين أقوياء الإيمان والإيمان يقوى ويضعف.

قال تعالى :{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}{الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}(7 ).

إن الداعية إلى الله لا بد أن يكون مفطوراً على الإيمان وأن يحاول - ما وسعه - أن يقوِّي هذا الإيمان ويزيده بالطاعات، حتى يكون أهلاً لحمل أعباء الدعوة إلى الله" (8 ) .

"فلا بد وأن يكون الداعية مؤمنًا بالله إيماناً عميقاً، يؤثر في نفسه ويهز وجدانه ويدفعه إلى العمل والعطاء لهذا الدين.

ولو لم يكن الداعية إلى الله صورة لما يدعو إليه لما تحققت له استجابة من أحد، فإن المؤمن كلما قوى إيمانه بمبادئه وعايشها حياة علمية، ازداد نشاطه وقويت دعوته وكان لها أثر كبير في النفوس.

ولقد كان إيمان جل الصحابة إيماناً عميقاً، فقد دخلوا في الإسلام عن اقتناع وقبول، وحينما تجاوزوا هذه المرحلة ودخل الإيمان في نفوسهم، وخامر شغاف قلوبهم وغيَّر من نفوسهم وحياتهم تغييراً جذرياً، كما حصل ذلك مع عمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب وسعد ابن أبي وقاص والطفيل بن عمرو الدوسي ومصعب بن عمير وسلمان الفارسي وبلال ابن رباح وصهيب الرومي وغيرهم من الصحابة " (9 ).

ويحتاج الداعية - بجانب الإيمان - إلى فعل الطاعات واجتناب المعاصي، مما ينهض بهمته في طريق الدعوة، وإنما يكون ذلك بمداومة ذكر الله تعالى والقيام بكافة وظائف الطاعة بقول الإمام ابن القيم رحمه الله:"في القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار إليه، وفيه نيران حسرات لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، وفيه فاقه لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه ودوام ذكره وصدق الإخلاص له، ولو أعطي الدنيا وما فيها، لم تسد تلك الفاقة أبدا" ( 10).

2- الإخلاص:-

"إن الإخلاص شأنه عظيم يستودعه الله قلب عبده المؤمن، وضده النفاق والرياء، قال تعالى:{اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (11 ) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله علية وسلم :(قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل لي عملاً، أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) (12) .

إن الداعية إلى الله، يتعرض في عمله لكثير من المواقف، التي لو لم يخلص فيها لله لحبط عمله.

ففي الداعية صفات، قد تجره إلى الإعجاب بنفسه، أو الرغبة في أن يعجب الناس به وهذا وذاك طارد للإخلاص، مُوقعٌ في الرياء، فليكن من ذلك حذر، إن الداعي إلى الله ما يبغي من وراء دعوته أجراً من أحد؛ أسوة برسول الله صلى الله علية وسلم ( 13) قال تعالى:{وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ} (14) .

وقوله تعالى:{وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} (15).

3- التـقـوى :

والداعية ما لم يكن على درجة من التقوى فلن يستطيع القيام بأعباء الدعوة إلى الله تعالى، لأنه يفقد أهلية القيام بهذا العمل الجليل، لأنه بصلاحه وتقواه يورث هذه الصفات، وتلك الأخلاق إلى من يدعوهم من الناس إلى الله تعالى " (16) .

وهناك صفات كثيرة ينبغي توافرها في الداعية مثل: الذكاء الذي يساعد الداعية على التعامل مع المواقف ومعالجة القضايا المختلفة وغير ذلك من الصفات التي لا يتسع المقام لذكرها الآن، وإذا كانت الصفات المذكورة آنفًا من الصفات الفطرية، فإن هناك صفات مكتسبة يكتسبها الداعية من الممارسات العملية والاحتكاك في المجتمع، هذا فضلاً عن تعلمه إياها. إن الصفات المكتسبة، لازمة للداعية إلى الله، بحيث لا يستطيع أن يمارس عمله في الدعوة إذا فقدها، فهي أساسية في تكوين الدعاة.

ومن أبرز وأهم تلك الصفات ما يلي:-

1- العلم.

2- الفقه في الدين وفي واقع الأمة.

3- النشاط والحركة الدائبة.

4- القوة.

5- الصبر.

6- الثبات والمرونة.

" إن الدعاة إلى الله بحاجة إلى صنوف العلم النقلية الشرعية كلها، فذلك من صميم اختصاصهم مثل: القرآن الكريم والتفسير وعلم القراءات والسنة وعلوم الحديث، وعلم أصول الفقه، وعلم الكلام والعلوم اللسانية كلها، ثم هم بحاجة إلى أن يعرفوا من العلوم الطبيعية ما يجعلهم قادرين على مواكبة ركب العلوم التقنية وما لم يحصل الداعية قدراً من هذا العلم الطبيعي فسوف يجد نفسه منعزلاً عن الناس وعاجزاً عن أن يصل إلى مواطن اهتمامهم ويخطو نحو محظور يفد إلينا من خارج بيئتنا الإسلامية.
إن الداعية إلى الله لكي يقوم بمهام الدعوة خير قيام، فإن عليه أن يحصل من علوم الدين وعلوم القرآن وما تتطلبه أعمال الدعوة إلى الله.
إن الداعية لا بد أن يكون موصوفاً بالفقه، ولا يوصف بذلك عن جدارة إلا إذا عرف الفقه وتاريخه ورجاله ومارسه وتدرب عليه.
ويستطيع الداعية أن يكتسب صفة الفقه بكل معنى من معانيه، إذا درس كتب الفقه وعاين اجتهادات الفقهاء، ومما هو لازم للداعية إلى الله مع الفقه، أن يكون عارفاً ودارساً لعلم أصول الفقه فهو من أعظم علوم الشريعة وأجلها وأنفعها )) (17) .
ولا شك أن الداعية بحاجة إلى أن تتوافر فيه صفة النشاط والحركة لا سيما في النواحي العلمية والثقافية والاجتماعية التي تتيح له الاحتكاك بالأصناف المختلفة من المجتمع وكل ما يخدم الدعوة إلى الله تعالى، كما أن الدعوة بحاجة إلى دعاة تتوفر فيهم صفة القوة، ولا أعني بالقوة هنا القوة الجسمية وإنما القوة المعنوية في الحق والثبات عليه، وبذل النفس والنفيس في الدفاع عن الحق؛ لأن الدعوة لا تنتفع بالدعاة الضعفاء الذين تخور عزائمهم عند مواجهة قوى الباطل، ولنا في رسول الله صلى الله علية وسلم أسوة حسنة، حيث واجه النبي صلى الله علية وسلم ، قوى الشرك ولم يرهبها رغم الأذى الذي لحقه وأصحابه.

كما أن الثبات على الحق وعلى المبادئ الصحيحة من صفات الداعي، التي يتعلمها من سيرة النبي صلى الله علية وسلم وأصحابه، وإن الداعية بحاجة إلى المرونة التي تكون في إطار الثوابت ولا تخرج عنها، فالدعوة تعالج أوضاع الناس في كل زمان ومكان، والصبر من صفات الدعاة إلى الله تعالى، وقد أمر الله نبيه محمداً صلى الله علية وسلم أن يصبر كما صبر الأنبياء والرسل من قبله، قال تعالى : {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} (18) فكل داعية بحاجة إلى الصبر، نظراً للعقبات والمشكلات التي تعترض مسيرة الدعوة. ومن المناسب في هذا الصدد أن أشير إلى أنني لست بصدد الحديث عن صفات الداعية ولكنني تحدثت بإيجاز شديد عن بعض تلك الصفات لأؤكد من خلال ذلك على أهمية اتصاف الداعية بالصفات التي تؤهله لممارسة الدعوة إلى الله تعالى، وسبق أن أشرت إلى أن هناك صفات فطرية، لا دخل للإنسان فيها، بل إنها تحتاج إلى تنمية ومحافظة عليها من أي أمر يمكن أن يشوبها من خلال البيئة التي يعشيها الإنسان فكما أن الإنسان يولد على الفطرة فإن البيئة قد تؤثر عليه قال صلى الله علية وسلم (ما من مولود إلا يولد علـى الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء) ( 19) .

وهناك صفات مكتسبة عن طريق الدراسة والتعلم والاحتكاك والمعايشة.

الحاصل من ذلك أن عملية إعداد الدعاة وتكوينهم ليست عملية عشوائية أو ارتجالية بل تحتاج إلى تخطيط وإلى دراسة متأنية ومتخصصة، ومن ثم كانت هناك جامعات ومدارس ومعاهد وجمعيات ومؤسسات، تقوم على تأهيل الدعاة من ذاك الطراز الذي تحتاجه المجتمعات الإنسانية، لا سيما في العصر الحاضر الذي يتطلب فقه الداعية في أمور الحياة، ولذلك نجد أن هناك ميزانيات ضخمة ترصد للتعليم في الغرب، وهناك خطط ومناهج علمية دقيقة، لإعداد الدارسين، خاصة في مجال التنصير وما تبذل كليات وجامعات اللاهوت في الغرب والتي يتم من خلالها إعداد المنصرين والصفات التي ينبغي أن يكون عليها العاملون في هذا المجال التنصيري.

فإذا كان أرباب الباطل يقومون بإعداد دعاتهم، فمن باب أولى أصحاب دعوة الحق يستلزم أن ينهضوا للقيام برسالتهم وتهيئة القائمين عليها وإعدادهم.

وقد ذكرت سلفاً أن النبي صلى الله علية وسلم اهتم اهتماماً بالغاً بإعداد الدعاة من أصحابه فأعدهم خير إعداد في الفترة المكية والمدنية، فتوافرت فيهم خصائص الدعاة وبرزوا في هذا المجال وفي غيره من المجالات.

ولذا كانت عملية إعداد الدعاة، بحاجة إلى الدعم المادي والمعنوي الكبير وإن الوقف لـه الأثر الكبير والفاعل في عملية إعداد الدعاة، من خلال تبني الإنفاق على المشاريع التعليمية التي يتأهل الدعاة من خلالها.

"إن تكوين جمعيات ومؤسسات إسلامية خيرية، من بعض المسلمين الراغبين في عمل الخير، ومن القادرين على دعم هذه الجمعيات مادياً وأدبياً، وربما علمياً أمر ضروري، حيث يُعهد لهذه الجمعيات، بتولي إعداد الدعاة، بأن تنشئ هذه الجمعيات معاهد خاصة لإعداد الدعاة مع مدّ هذه المعاهد، بكل أسباب النجاح مادياً وعلمياً وأدبياً، إن بعض أسلافنا رحمهم الله، وقفوا الأوقاف، وأجروا الجرايات على طلاب العلم حسبة لله تعالى، وابتغاء مرضاته"( 20).

خلاصة هذا المبحث:

لا يستطيع الناس التعرف على خالقهم والغاية التي لأجلها خلقوا، إلا من خلال معرفة شرع الله تعالى، ومن رحمه الله سبحانه وتعالى بعباده أن أرسل رسله إلى خلقه مبشرين ومنذرين، وأرسل نبيه محمداً صلى الله علية وسلم رحمة للعالمين، وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، لقد كلفت هذه الأمة بالدعوة إلى سبيل الله ولا بد إن تكون الدعوة على بصيرة وهدى قال تعالى : {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}(21) .

وإن ذلك يستلزم أن يكون الدعاة مؤهلين، لينهضوا بتبعات الدعوة، والمجتمعات اليوم في أمس الحاجة إلى نوع من الدعاة المستوعبين لرسالتهم، المدركين لحجم التحديات التي تحيط بالإسلام.
وقد ركَّزت في هذا المطلب على حاجة الناس إلى الدعوة الإسلامية وعلى أهمية تأهيل الدعاة ليتسنى لهم القيام بواجبهم حيال دينهم، وعلى أهمية توافر الصفات المطلوبة في الداعية وتحدثت عن كيفية تأهيل النبي صلى الله علية وسلم للدعاة، وإعدادهم الإعداد الذي يتناسب مع حجم ما يناط بهم من مسؤوليات عظيمة، وكيف كان هذا الجيل العظيم من الصحابة ، قدوة للدعاة من بعدهم وإن أي عملية تأسيس وإعداد للدعاة في عصرنا الحاضر، لن يكتب لها النجاح إلا إذا جعلت التأهيل النبوي للدعاة هو الأساس الذي ينبغي أن يتبع أنه لا بد من استدعاء الخصائص والصفات والمعاني، التي جعلت من الصحابة وقرنهم خير القرون.
لقد اختلطت وتضاربت المناهج الوضعية التي يدعي واضعوها أنها أفضل المناهج التربوية في التأهيل والإعداد.
لكن ما أنجح منهج النبي صلى الله علية وسلم ، في تأهيل الدعاة وتمحيصهم وتأصيل روح الاستعلاء بالعقيدة في نفوسهم مما جعلهم يحتقرون ما عظَّم الناس من زخارف الحياة في سبيل نشر دينهم، إنهم لم يهنوا ولم يحزنوا وما أحوج الدعاة والمدعوين في عصرنا هذا إلى روح الاستعلاء بالعقيدة والثقة في الإسلام بعد أن تتابعت الهجمات الشرسة على الدعاة وعلى الإسلام والتشكيك في صلاحية وملاءمته الإسلام لمواكبة تطورات وتغيرات العصر.
إن الدعوة بحاجة إلى دعاة مؤهلين تتوافر فيهم صفات تمكنهم من التعامل مع تحديات هذا العصر ولا شك أن ذلك يحتاج إلى دعم متواصل وكبير لتأهيل الدعاة والارتقاء بمستواهم، وإن نظام الوقف لجدير بتلبية تلك المتطلبات الهامة والملحة، فلتتضافر جهود المحسنين في هذا المجال.
بقلم د. خالد المهيدب
_______________________________________

ليست هناك تعليقات: