مدونة المعارف

08‏/07‏/2011

اية تفسير


بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير اية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
النبي الكريم معصوم بمفرده من أن يخطئ في أقواله وأفعاله وإقراره و صفاته :
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس السادس والثلاثين من دروس سورة التوبة، ومع الآية الثالثة والأربعين وهي قوله تعالى:
﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ﴾
أولاً أيها الأخوة، لابد من بعض الحقائق أضعها بين يدي هذه الآيات، الحقيقة الأولى أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من أن يخطئ في أقواله، وأفعاله، وإقراره، وصفاته، بينما أمته معصومة بمجموعها، الفرق كبير، معصوم بمفرده من أن يخطئ في أقواله، وأفعاله، وإقراره.
 
مثلاً: أحد أصحاب النبي توفاه الله عز وجل، اسمه أبو السائب، ومن عادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا مات أحد الصحابة كان يذهب إلى بيته قبل تشييعه، سمع امرأة تقول من وراء الستر: هنيئاً لك أبا السائب لقد أكرمك الله، لو سكت النبي عليه الصلاة والسلام لكان كلامها صحيحاً، سكوت النبي إقرار، قال لها: وما أدراك أن الله أكرمه؟ قولي: أرجو الله أن يكرمه، وأنا نبي مرسل لا أدري ما يفعل بي ولا بكم.
 
إذاً النبي صلى الله عليه وسلم معصوم بمفرده من أن يخطئ في أقواله، وأفعاله، وإقراره، وفي صفاته، بينما أمته معصومة بمجموعها.
((لا تجتمع أمتي على ضلالة ))
[أخرجه الطبراني عن أبي بصرة الغفاري ]
مثلاً: يصدر كتاب لا أحد يتكلم بكلمة، طُبع، ونُشر، وقُرئ، سكوت الأمة عن هذا الكتاب اسمه إجماع سكوتي، بينما كتاب آخر حينما صدر قامت الدنيا ولم تقعد، إذاً هناك إجماع كلامي.
الحكمة من عصمة النبي عليه الصلاة و السلام :
أما لماذا كانت إرادة الله أن يكون النبي عليه الصلاة والسلام معصوماً بمفرده، في أقواله وأفعاله وإقراره وصفاته؟ لأن الله أمرنا أن نأخذ عنه، والآية الكريمة:
﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾
[ سورة الحشر الآية: 7]
أمرنا أن نأخذ عنه، نأخذ من أقواله، وأن نتأسى بأفعاله.
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾
[ سورة الأحزاب]
وأن نسعد بصفاته.
الحكمة من أن النبي صلى الله عليه وسلم سُمح له بهامش اجتهادي ضيق جداً :
ولكن في بعض الآيات يشم منها أنه غير معصوم:
﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى ﴾
[ سورة عبس]
﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ﴾
فكيف نوفق بين هذه الحقائق المطلقة التي أجمع عليها العلماء وبين بعض الآيات التي تشير إلى أن النبي عليه الصلاة والسلام كان ينبغي أن يفعل غير الذي فعله؟ قال العلماء وهذا كلام دقيق جداً: سُمح للنبي صلى الله عليه وسلم بهامش اجتهادي ضيق جداً، الآية الأساسية:
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾
[ سورة النجم]
هناك وحي متلو، هو القرآن الكريم، وهناك وحي غير متلو، هو كلام سيد الأنبياء والمرسلين، نحن أمام وحيين، أمام وحي متلو هو القرآن الكريم، وأمام وحي غير متلو هو أقوال النبي عليه أتمّ الصلاة والتسليم، لكن للتصحيح: وحي متلو هو القرآن الكريم الذي هو قطعي الثبوت، ووحي غير متلو هو ما صحّ من أقواله النبي، لأن أقوال النبي عليه الصلاة والسلام ليست في مجملها قطعية الثبوت، هناك أحاديث ضعيفة، و أحاديث موضوعة، القرآن قطعي الثبوت، أما السنة فظنية الثبوت، لذلك سخر الله لهذه الأمة علماء كبار، جهابذة عكفوا على سنة النبي عليه الصلاة والسلام ومحصوها، ودرسوها، حتى إنه في أمتنا الإسلامية علم ليس له وجود في أية أمة أخرى، اسمه علم الجرح والتعديل، علم الرجال الذين نقلوا عن سيد الأنام.
الله تعالى أراد أن يكون هناك فرق بين مقام الألوهية المطلق وبين مقام البشرية :
إذاً في بعض الآيات كهذه الآية:
﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ﴾
رأي العلماء وهو رأي دقيق وصائب، أنه ترك للنبي عليه الصلاة والسلام هامش اجتهادي، فإن اجتهد النبي وأصاب أقره الوحي على ذلك، وصار كأنه وحي، وإن ترك ما ينبغي أن يقوله جاء الوحي وصحح له كهذه الآية، وكآية:
﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى ﴾
لماذا؟ ليكون هناك فرق بين مقام الألوهية المطلق وبين مقام البشرية، لولا هذا الهامش الاجتهادي، ولولا أن الوحي في بعض الآيات صحح للنبي عليه الصلاة والسلام لكان كلام النبي مطلقاً، ومعنى مطلق أنه ربما يؤله بعد حين، لذلك أراد الله أن يكون هناك فرق بين مقام الألوهية المطلق، وبين مقام البشرية.
 
أخواننا الكرام، مثلاً: لو قاض أصدر ألف حكم بحياته، حكم واحد لم يكن دقيقاً، لا أقول: ما كان عادلاً، ما كان دقيقاً، هو عند أهل الأرض قاضٍ عادل، لو عشرة أحكام من ألف لم تكن هذه الأحكام دقيقة يسمى عند أهل الأرض قاضياً عادلاً هذا في شأن الإنسان، أما في شأن الواحد الديان فلو أنه ظُلم عصفور واحد في تاريخ البشرية من آدم إلى يوم القيامة لا يكون الله عادلاً.
 
يقول بعض العارفين بالله: والله لو تشابهت ورقتا زيتون لما سميت الواسع.
لا يستطيع أي إنسان أن يثبت عدل الله بعقله إلا أن يكون له علم كعلم الله وهذا مستحيل :
مرة كنت أمشي في بعض أسواق دمشق خرج من محله التجاري أخ كريم واعترضني، وقال: أنت خطيب؟ قلت له: نعم، قال: هذا الذي جاء إلى محله التجاري في أحد أسواق دمشق ليبيع ويشتري، ويكسب رزق أولاده، وزاد على ذلك قال لي: العمل أليس عبادة؟ قلت: بلى عبادة، قال لي: سمع صوت إطلاق نار مدّ رأسه فإذا رصاصة تصيب عموده الفقري فانشل فوراً، فما ذنب هذا الإنسان؟ لم يرتكب معصية، لم يأكل مالاً حراماً، لم يفعل شيئاً، سمع صوت إطلاق نار، مدّ رأسه فجاءت رصاصة وأصابت عموده الفقري فأصبح مشلولاً، قلت: والله لا أعلم! طبعاً يستحيل على عقلك أن يثبت عدل الله، لكن عدل الله جاءك بإخبار الله قال:
﴿ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ﴾
[ سورة الكهف]
فأنا أصدق عدالة الله لا من خلال عقلي بل من خلال إخبار الله لي، الآن الشيء الظاهر هناك شعوب إسلامية فقيرة جداً، حروب، ونكبات، وزلازل، وفقر، وشعوب تعيش حياة دنيوية تفوق حدّ الخيال، وكل حياتها معاص، وآثام، كلام دقيق أقوله لكم: لا تستطيع أن تثبت عدل الله بعقلك، إلا بحالة مستحيلة أن يكون لك علم كعلم الله، وهذا مستحيل.
 
فأنا حينما قال لي هذه القصة، قلت: والله أنا أؤمن أن الله عادل، أنا هذه القصة لا أعرف تفاصيلها، لكن لحكمة بالغة بالغة أحد أخواننا الكرام مرة كان ماشياً معي، قال لي: لنا جار ساكن فوقنا، في أحد أحياء دمشق، هذا الجار تحت يده بيت لأولاد أخيه اليتامى، وبقوا ثماني سنوات يطالبونه بالبيت و لم يرضَ أن يعطيهم إياه، بعد أن يئسوا من يأخذوا حقهم من عمهم اشتكوا إلى أحد علماء دمشق، كان شيخ القراء الشيخ حسين الخطاب اشتكوا له، وجمع هذا الشيخ الكبير هذا العم مع أولاد أخيه، ورفض رفضاً قاطعاً أن يعطيهم البيت بوقاحة، فقال الشيخ لأولاد لأخيه: لو أنكم شكوتم عمكم إلى القضاء هذا لا يليق بكم، اشكوه إلى الله، الساعة التاسعة صباحاً قال لي: عنده محل بسوق مدحت باشا، سمع إطلاق رصاص، مدّ رأسه ليرى ما الخبر فجاءت رصاصة واستقرت في عموده الفقري، القصة نفسها، أنا والله اقشعر بدني، قلت: يا رب! وقتها أنا ما عرفت السبب.
 
قلت: أكثر الأخوة الكرام يحفظون مئتي قصة من آخر فصل ليس لها معنى، أنصحك ألا ترويها، وأنت بحياتك تعرف عشر قصص فقط من أول فصل، هذه القصص التي من أول فصل تقشعر منها الأبدان.
 
فقال لي أخ مقيم بحلب: هناك رجل له قصة كهذه القصة تماماً، استولى على بيت لأولاد أخيه الأيتام وهو في قبضته، من عشر سنوات يرفض إعطاءهم البيت، فجأة اتصل بالمحامي وقال له: أفرغ لهم البيت، المحامي استغرب قال له: ما الذي حدث؟ أنت مصر ألا تعطيهم البيت، قال له: سمعنا البارحة قصة بالقدس تخوف، هي نفس القصة التي رويتها قبل قليل.
عدل الله عدل مطلق :
أخواننا الكرام، أنا أؤمن أن عدل الله مطلق ولو لم يكن معي دليل على قصة سمعتها من آخر فصل، فعلينا أن نعرف كل قصة من أول فصل إلى آخر فصل حتى نرى عدل الله المطلق.
 
لذلك هذا يعلمنا أنه يستحيل على عقلك أنه يدرك عدل الله عقلاً إلا بحالة واحدة مستحيلة أن يكون لك علم كعلم الله، لكن الله أخبرك قال:
﴿ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ﴾
﴿ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ﴾
[ سورة غافر الآية: 17]
﴿ وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾
[ سورة الأنبياء]
﴿ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ﴾
آيات كثيرة، وأحاديث أكثر تؤكد عدل الله المطلق، لكن نحن علمنا محدود، لو أن لنا علماً كعلم الله لكشفنا عدله المطلق بعقولنا، أما إننا لا نعلم علم الله عز وجل فأخبرنا ربنا فقال:
﴿ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ﴾
((يا عبادي إني حَرَّمتُ الظُّلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم محرَّما، فلا تَظَالموا))
[أخرجه مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري]
قبول النبي الكريم أعذار المنافقين الذين تخلفوا عنه :
إذاً:
﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ﴾
أراد الله أن يسمح لنبيه الكريم بهامش اجتهادي، بهامش اجتهادي ضيق، فإذا اجتهد النبي وأصاب سكت الوحي، وبهذا السكوت أقره على اجتهاده، أما إذا استخدم النبي اجتهاده ولم يكن التصرف كما يريد الله عز وجل فيأتي الوحي ويصحح له، هذا التصحيح أظهر الفرق بين مقام الألوهية المطلق وبين مقام النبوة، النبي بشر.
((اللهم إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر وأرضى كما يرضى البشر))
[أخرجه الطبراني عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ]
((وأُوذِيت في الله ما لم يُؤذَ أحد، ولقد أتى عليَّ ثلاثون من يوم وليلة، ومالي ولبلال طعامٌ إِلا شيء يُواريه إِبطُ بلال ))
[أخرجه الترمذي عن أنس بن مالك ]
إذاً:
﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ﴾
المنافقون قبيل بعض المعارك استأذنوا النبي ألا يكونوا معه، وقدموا أعذاراً كثيرة، والنبي قَبِل أعذارهم،
﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ﴾
لو أنك لم تأذن لهم تخلفوا عنك:
﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ﴾
أما استأذنك وقدم لك عذراً، فأنت قبلت هذا العذر، وأذنت له، بقي عند المجموع مؤمناً لكن استأذنك:
﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ﴾
لكن الله عز وجل يقول:
﴿ لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ﴾
[ سورة التوبة]
لو فرضنا أسرة فيها خمسة أشخاص، فيها شابان، والبيت يحترق، فقال هذا الشاب لأبيه: عندي محاضرة في الجامعة، أتسمح لي؟ البيت يحترق! فهذا الاستئذان مرفوض، الاستئذان مرفوض أصلاً:
﴿ لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ﴾
من لم يبكِ لما يصيب المسلمين فبإيمانه ضعف :
واسمحوا لي أن أقول لكم: الآن والله إن لم تبكِ لما يصيب المسلمين في بقاع الأرض فبإيمانك ضعف، أناس يقتلون، يموتون من الجوع، يعذبون، ينكل بهم في بلاد متعددة من بلاد المسلمين، وأنت ليس لك علاقة، مرتاح.
 
أحياناً أنا أرى بعض الأخوة الكرام أنهم ألغوا الاحتفال، هناك أخوة لنا يموتون من الجوع، يقتلون، يذبحون في فلسطين، في أفغانستان، في العراق، كل هذه أمامكم، مليون قتيل بالعراق، ومليون معاق، وخمسة ملايين مشرد، وأنت ليس لك علاقة؟! مسلمون، بأفغانستان قصفوا قلعة قتلوا بها خمسة آلاف إنسان، وإذا سقطت طائرة بفعل عمل معين دفعوا بعض الأقوياء مبلغاً يقدر بمئتين و سبعين مليار دولار، أي دية كل راكب خمسمئة مليون ليرة سورية، إذا قُتل واحد منه تقوم الدنيا ولا تقعد.
 
جاءنا مرة مسؤول كبير أمريكي، رئيس جمهورية سابق، برنامج زيارته؛ زيارة دمشق، وتل أبيب، ورام الله، وهناك بند رابع، ما هو؟ زيارة أسرة الأسير الإسرائيلي، نحن لنا عند اليهود أحد عشر ألفاً وثمانمئة أسير، ما خطر ببال هذا المسؤول الكبير الحضاري أن يزور أسرة واحدة بالمقابل، نحن ألسنا بشر؟ أسير واحد، عند الفلسطينيين يأتي رئيس جمهورية من بلد بعيد برنامج زيارته ثلاث مدن؛ دمشق، تل أبيب، رام الله، والبند الرابع: زيارة أسرة الأسير الإسرائيلي و أحد عشر ألفاً وثمانمئة أسير؟.
الله عز وجل يمتحن عباده امتحانات دقيقة جداً :
لذلك أيها الأخوة الكرام:
﴿ هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 119]
أكبر خطأ وقع به المسلمون أنهم ظنوا أن أهل الغرب منصفون، ليسوا منصفين إطلاقاً:
﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ﴾
لذلك جاءت الآية التي تليها:
﴿ لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ﴾
أذكر زلزالاً وقع في القاهرة أن الأطباء فُرزوا، بعضهم ذهب إلى الإسكندرية وترك المرضى بالمئات، وبعضهم داوم بالمستشفى أربع وعشرين ساعة، هذا الزلزال أيضاً فرز الناس .
 
والله عز وجل يمتحن عباده امتحانات دقيقة جداً، وكل إنسان يظهر على حقيقته، إنسان داوم أربع وعشرين ساعة حتى يلبي حاجة الناس المصابين، وإنسان ترك وذهب وأراد أن ينجو بنفسه.
﴿ لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ﴾
لا تصاحب من لا يرقى بك إلى الله حاله ويدلك على الله مقاله :
أنت أحياناً تشاهد مشهداً مأساوياً ببلد إسلامي محتل، تبكي، البكاء حالة جيدة، هذا معناه أنك تحس بالانتماء لهم، تُساعد بجهدك، أحياناً بمالك، أحياناً بالدعاء، هناك حركة، و ألم، و بكاء، و مساعدة بجهدك، بعضلاتك، بمالك، أحياناً تدعو لهم أن ينتصروا، أما ليس لك علاقة إطلاقاً فهذا مؤشر خطير جداً أنك لا تنتمي لهذه الأمة.
﴿ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ﴾
[ سورة التوبة]
لو كان أمامك قطعة ألماس، رأيت هذه القطعة في متحف بتركيا، ثمنها مئة وخمسون مليون دولار، حجمها يقترب من الجوزة، وهناك كأس جيد جداً ثمنه ألف ليرة، و وعاء بلور ثمنه عشرون ليرة، وقال لك إنسان: اختر، أنا أعرف فهمك وتفكيرك ومعلوماتك من اختيارك، قلت: هذا وعاء كبير أخذت الكبير، ثمنه عشرون ليرة، أما هذه الألماسة فثمنها مئة وخمسون مليون ليرة، فكلما اخترت الشيء النفيس تكون أنت النفيس.
 
أحياناً إنسان يغوص بالبحر يخرج أصدافاً ليس لها قيمة إطلاقاً، وإنسان غواص يخرج معه اللآلئ، الفرق كبير بين اللآلئ والأصداف، لذلك أنت حينما تنشغل عن النفيس بالخسيس تكون مع أهل اللهو، والدنيا فيها أشياء نفيسة جداً، فيها أن تعرف الله، فيها أن تعرف منهجه، فيها أن تستقيم على أمره، فيها أن تعمل عملاً صالحاً يرقى بك عند الله، هذه أشياء نفيسة، وقد تستمتع بالدنيا، أنت اجلس جلسة من جلسات الناس، الحديث أحياناً عن الأسعار، أحياناً عن الخضروات، وإذا المستوى هابط يكون الحديث عن النساء، وأحياناً بالسياسة، لا وجد حديث دسم يرقى بك.
 
لذلك: لا تصاحب من لا يرقى بك إلى الله حاله، ويدلك على الله مقاله، صاحب إنساناً يرقى بك حاله، ويدلك على الله مقاله، صاحب مثل هذا.
الخاسر لا يدخل الآخرة في حساباته إطلاقاً :
﴿ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ﴾
أي الآخرة ليست داخلة في حساباته، ورد:
((ما من بيت إلا وملك الموت يقف فيه في اليوم خمس مرات، فإذا وجد أن الإنسان قد انقطع رزقه، وانقضى أجله، ألقى عليه غم الموت، فغشيته سكراته، فمن أهل البيت الضاربة وجهها، والممزقة ثوبها، والصارخة بويلها، يقول ملك الموت: مم الفزع؟ وفيمَ الجزع؟ ما أذهبت لواحد منكم رزقاً، ولا قربت له أجلاً، ولي فيكم لعودة، ثم عودة، حتى لا أبقي منكم أحدا فو الذي نفس محمد بيده لو يرون مكانه، ويسمعون كلامه، لذهلوا عن ميتهم وبكوا على أنفسهم))
[أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري ]
وفي أثر آخر:
(( أن روح الميت ترفرف فوق النعش، تقول: يا أهلي! يا ولدي! لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت المال مما حلّ وحرم، فأنفقته في حله، وفي غير حله، فالهناء لكم، والتبعة عليّ))
القضية خطيرة، والقضية مصير أبدي، إما إلى جنة يدوم نعيمها، أو إلى نار لا ينفد عذابها.
الذكي هو الذي يعيش حدث الموت و يستعد له بمعرفة الله وبطاعته :
لذلك قال تعالى:
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ﴾
[ سورة الملك الآية: 2]
لماذا قدم الموت على الحياة مع أن الحياة أول ثم الموت؟ قال: هذا تقديم رتبي لا تقديم زمني، لأن الإنسان حينما يعيش أمامه خيارات لا تعد ولا تحصى، يا ترى غني أم فقير؟ وسيم أم دميم؟ إنسان زوجته حامل يا ترى حامل بذكر أم أنثى؟ يكون غنياً أم فقيراً؟ قوياً أو ضعيفاً؟ عالماً أم جاهلاً؟ شقياً أو سعيداً؟ لكن الموت كما قال عليه الصلاة والسلام :
(( فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار ))
[الجامع الصغير عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ]
ميت بالنعش، إما إلى الجنة، أو إلى النار، من هو الذكي؟ هو الذي يعيش هذا الحدث حدث الموت، يستعد له بمعرفة الله، يستعد له بطاعته، يستعد له بطلب العلم، يستعد له بحضور دروس العلم، يستعد له بإقامة الإسلام في البيت، وإقامته في العمل، هكذا يستعد الإنسان للموت:
﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ * لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ * إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ﴾
كل إنسان مكشوف عند الله عز وجل :
ثم قال تعالى:
﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ﴾
[سورة التوبة]
مرة إنسان - قصة قرأتها قديماً - رأى رجلاً يصلي قاعداً في المسجد، سأل عنه، يبيع أوعية للماء في دكانه، الدكان عالية جداً وفيها سلم، زاره في الدكان، قال له: بالله عليك أريد هذا الوعاء، نصب السلم وصعد بنشاط مذهل، أنزله، قال له: عفواً ليس هذا هو، الذي بجانبه، صعد مرة ثانية، مرة ثالثة، مرة رابعة، مرة خامسة، أجبره أن يعمل نصف ساعة، طالع نازل، لا يوجد به شيء ويصلي على القاعد! في نشاطه التجاري بأعلى درجة من النشاط و في المسجد يصلي قاعداً، فالإنسان ينكشف عند الله عز وجل :
﴿ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ ﴾
البارحة فلان لم تكن في الدرس، والله قبل الدرس بربع ساعة جاءني صديق استحيت منه، أكثر الأخوة الكرام إذا جاءهم أخ قبل الدرس يأتون به إلى الدرس، فينتفع، وقد يبقى في الدرس طوال حياته، هذا ليس عذراً، أنا والله عندي موعد لا أستطيع، الذي يريد أن يحضر يحضر لكن لأتفه سبب يقول لك لم أتمكن من الحضور:
﴿ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ﴾
من هم القاعدون؟ النساء والأطفال.
﴿ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً ـ فساداً ـ وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾
[ سورة التوبة]
أي النميمة والغيبة أسرعت فيما بينكم، هذه الآيات التي بين أيدينا تصف حال بعض المنافقين.
من لم تكن له بداية محرقة لم تكن له نهاية مشرقة :
سأقول لكم كلاماً دقيقاً، يقول بعض التابعين: اجتمعت بأربعين صحابياً من أصحاب رسول الله، ما منهم واحد إلا ويظن نفسه منافقاً من شدة خوفه من الله، أقول لك : هناك حالات جاءت في وصف المنافقين تجدها عند بعض المؤمنين، أنا أقول: مؤمن ورب الكعبة، عنده أمراض خفيفة، فحينما يصف الله لنا المنافقين الهدف أن نراقب أنفسنا، أين أنت من هذه الآية؟ هل الأمر كذلك؟ أمر الله عظيم عندك أم ممكن لأسباب بسيطة جداً أن تعتذر منه؟ هذا الذي أتمنى أن يكون واضحاً
﴿ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً ـ أي فساداً وشراً ـ وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾
أحد الناس إذا وجد صديقه ينفق ماله في سبيل الله، يقول له: احرص على قرشك الأبيض ليومك الأسود، قد يُتهم بعقله، وأنا أقول - وأقولها أمامكم وأخاطب الشباب بالذات-: والله ما من شاب دون استثناء يبتغي وجه الله، ويستقيم على أمر الله، أنا أقول لست متفائلاً بل موقناً أن له عند الله مستقبلاً كبيراً، من لم تكن له بداية محرقة لم تكن له نهاية مشرقة، تريد نهاية مشرقة؟ ينبغي أن يكون لك بداية محرقة، وأنت شاب، وصدق ولا أبالغ الإنسان الذي تقدم في السن، وقد عرف الله، لا يغبط إلا شاباً في أول حياته، يا ليت هذا الشاب يعرف الذي يعرفه من بلغ السبعين، لأمضى وقته كله في طاعة الله، وقته كله في طلب العلم، وفي الإنفاق.
 
الإنسان الذكي والموفق هو الإنسان الذي يأخذ خبرات من تقدمه بالسن، وينتفع بها وهو في بداية حياته.
من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها :
كلام ملخص: لا يوجد إلا الله، وأي عمل تبتغي به مرضاته يأتيك عليه في الدنيا قبل الآخرة مليار ضعف، أنا أعلم علم اليقين أن الشاب إذا أقبل على الله، وأخلص له، واتقى أن يعصيه، فله مستقبل كبير، كبير جداً، وهذا والله لا يتأخر عن أي إنسان، أنت من تعامل؟ أنت تعامل إله، بيده كل شيء، الصحة بيده، الزواج الناجح بيده، الرزق الوفير بيده، السمعة الطيبة بيده، السعادة بيده، كل شيء بيده .
 
لذلك: اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها، ومن جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها.
(( مَنْ كانَتِ الآخرةُ هَمَّهُ جعل الله غِناه في قلبه، وجمع عليه شَمْلَهُ، وأتَتْهُ الدنيا وهي راغِمَة، وَمَنْ كانت الدنيا هَمَّه، جعل الله فَقْرَه بين عينيه، وفَرَّق عليه شَمْلَهُ، ولم يأتهِ من الدنيا إلا ما قُدِّر له))
[أخرجه الترمذي عن أنس بن مالك]
والحمد لله رب العالمين


07‏/06‏/2011

ماذا يجري حول منابـع النيـل؟!الكيان الصهيوني الثاني في جنوب السودان





لم تكن إشادة الأمريكيين وحلفائهم بانتخابات السودان الأخيرة من أجل سواد عيون السودان، حتى قال فيليب كراولي: "نحن راضون عن العملية الانتخابية"، بـل لم يكن ذلك إلاَّ لأنهـا الطريق الأقرب إلى ميلاد الكيان الصهيوني الجديد في جنوب السودان!

ولقد استعمل الغرب كعادته أدواته الدولية التي يتلاعب بها كيفما شاء، مثـل (الجنائية الدولية) في قضية ملاحقة البشير للضغط، والإبتزاز، والمساومة، كما استعـمل كلّ ما يحمله السودان من تناقضات سياسية، وعرقية، وإثنية، وحزبية، وما يثقـل كاهلـه من مشكلات، وكلّ ما يلزم للوصول إلى الاستفتاء الذي يعـلن ميلاد الكيان الصهيوني الصليبي المسخ في جنوب السودان.

كما قـد خطّط التحالف الصهيوغربي في إطار خطّته الاستراتيجية التي يُطلق عليه (تحالف المحيط) أي المناطـق والدول المحيطة بالدول العربية، للوصول إلى هذا الهدف، خطـّط منذ مدة طويلة، حتى نجـح أخيـراً بما يُسمى باتفاق نيفاشا 2005م الذي أعطى الجنوب حق الانفصال.
وفي مؤتمر إيباك الماضي أعلن الصهاينة عزمهم توفير كلّ ما يحتاجـه جنوب السودان في حال الانفصال إلى دعـم سياسي، واقتصادي، وأمني للدولة الناشئة!
وبدوره أشاد أزيكيل بول ممثـّل الحركة الشعبية في جنوب السودان، أشـاد بجهـود الصهاينة لدعـم الانفصال، بل قـدّم طلبا يشتمـل على جميع احتياجات الجنوب إذا حقـّق الانفصال، من مشاريع الريّ إلى بناء مؤسسات الدولة المدنية مرورا بالمؤسسات الأمنية!
أما أمريكا فقد أعطت الحركة الشعبية قنصلية ووضعاً دبلوماسياً متميزاً، مثل تايوان، وتيـمور الشرقية، والتكاليف تتحمّلها أمريكا!
وإنـَّه وللأسف الشديد يتحرك النشاط الصهيوني المعادي للإسلام، في تلك المنطقة المهمّة في العالـم بعيدا عن الأنظار وفي عتمـة شديدة، ليس سببها قطعـاً كونها إفريقيا السوداء، بل لعـدم الاهتمام الكافي بهــا، رغـم كون الصراع الدولي القادم سيكون في جزء كبير _ إن لم يكن الأكبـر _ فيهـا وعليها.
وحقـاً وليس من المبالغة القول إنَّ تسعة أعشار كنوز العالم هي في إفريقيـا، وأنه لولا النهب الغربي لتلك الكنوز في القرنين الماضيين، لما وصل الغرب إلى ما وصل إليه من تحوله إلى ثقـل الاقتصاد العالمي، ثم تربعه على مركز التحكم في العالم...
ولهذا فلا عجب أن يقـيم الكيان الصهيوني علاقات دبلوماسية مع 46 دولة أفريقية من مجموع دول القارة البالغ عددها 53 دولة، منها 11 دولة بتمثيل مقيم بدرجة سفير وسفارة، و33 بتمثيل غير مقيم، ودولة واحدة بتمثيل على مستوى مكتب رعاية مصالح، ودولة واحدة أيضا بتمثيل على مستوى مكتب اتصال، علما بأن للصهاينة 72 سفارة، و13 قنصلية، و4 بعثات خاصة على مستوى العالم.
وهذا يعني أنَّ البعثات الدبلوماسية الصهيونية في أفريقيا بالمقارنة مع بعثاتها في العالم تشكل 48%، وهذا يعني أن نصف الحراك السياسي الصهيوني في العالم هو في إفريقيـا...
إنـّه يعـلم أهمية القارة الأفريقيـة، وما ستقدمه من مكاسب لم يكن يحلم بها، على جميع المستويـات، وأهمّهـا الاقتصاديـة.
ومن أهـمّ أهداف التحالف الصهيوغربي في شرق أفريقيا هو السيطرة على مياه النيل، واستغلالها لتحقيق مكاسب كبيرة جداً، من أهمّهـا محاصرة مصر بوضع اليد على منابع النيل.
وقـد كان المراقبون يتعجّبـون من الرحلات المكوكية لوزير الخارجية الصهيوني ليبرلمان إلى دول حوض النيل، حتى تفاجـأ الجميـع بالإعـلان عن اتفاقية تقاسم مياه النيل، وبناء السدود على منابعه، مما جعل مصـر تعترض بشدة على هذه الاتفاقية، التي سـوف تضرها ضررا بالغـا.
ثم تبيـّن أنّ الصهاينة كانوا قد قدموا إلى بعض دول منبع النيل دراسات تشتمل على برامج متكاملة لبناء ثلاثة سدود منذ أعـوام مضـت.

كما كشفت صحيفة من جنوب أفريقيا هي راندي ديلي ميل في يناير من هذا العام، أنَّ اجتماعات عقدت في الكيان الصهيوني بين أعضاء بالكونغرس الصهيوني، ووزراء أثيوبيين، تم خلالها الاتفاق على إنشاء مشاريع مشتركة عند منابع نهـر النيل، منها إقامـة سـدود كبيرة...

هذا ما تم الكشف عنه، وما لم ينشـر أدهـى وأمـر، والخلاصة أن انفصال جنوب السودان، وولادة دولة جديدة داعمة للكيان الصهيوني، بل كيان صهيوني ثاني في دولة هي أحـد أهـم دول منبع النيـل، يعني كارثـة عظمى ستقع على الأمّة الإسلاميـّة!!

ولاريب أنَّ أعظـم أسباب هذه الكارثـة، تفـرق الأمـّة شـذرَ مـذر، وتخلـّي أنظمتها السياسية عن مشروعها الحضاري العالمي إلى الشؤون الداخلية، ثم اختزال هذا الاهتمام بالحفاظ على الكرسي وتوريثه فحسـب!
في حين يتحـرّك التحالف الصهيوغربي في إطـار عالمي ليطـوّق الأمة، ثم يجعل هذا الحصـار أحـد وسائل التحكم في الأنظمـة، وتوجيهها للإمعان في محاربة الإسلام، وتمزيق الحضارة الإسلامية.

وإذا ضربنا الحالـة المصرية على هذا مثـلا، فهو أوضح الأمثلة، فقد فشل النظام المصري الحالي رغم مركزية دور مصر وأثره المحوري على الأمّة بأسرها على جميع المستويات الخارجية، كما فقـد جميع الملفـات، حتـى إذا لم يبق له إلاّ (معبر رفح) لم يصنع به شيئا سوى أن لفـّه على عنقه فخنـق به نفسه!
فلمـّا سُقـط في يده، وفقـد نفوذه الخارجي، وتقلـّص دوره، وقـع في شـرَكِ حصار يهدده حتى في شريان الحياة نفسه، وذلك بإقامـة سدود على النيل، ولم يستفد شيئا من تطبيعه مع الصهاينة سوى مزيد من المؤامـرات الصهيونية على مصـر.

وقـد ذكرنا مراراً أنّ تحالف الشـرّ الصهيوغربي لا يقيـم وزنـا للحدود الدولية، ولا معنـى عنـده لسيادة الدول في سبيل تحقيـق أهدافه التي على رأسها بقاؤه مهيمنا على العالم، وإبقاء الإسلام ضعيفا، إن لم يتمكـن إبادته.
وهو في الوقت الذي يعزز في أمتنا الشعارات الزائفة عن الوطنيات المصطنعـة ليمعن في تمزيقنـا، ينظـر إلينـا وهو يشـنُّ الغارة على العالم الإسلامي على أننـّا أمـة واحدة، يجب أن يبيد حضارتها من الخارج والداخـل...

ونحن بهذه المناسبة التي كتبنـا فيها عن خطر ولادة هذا الكيان الصهيوني في جنوب السودان، نعيد التذكير بما يقع على كاهل الجهاد الصومالي من مسؤولية عظمى، للتصدّي للمخطَّط الصهيوغربي على الصومال خاصة، وعلى إفريقيا المسلمة عامة...
وأنـّه يجـب على المشروع الجهادي الصومالي كما ذكرنا سابقـا عند أوّل تشكل المشروع الخدعـة الإسلاأمريكي! أن يضع نصب عينه أن يتحـوّل إلى منطلـق مشروع التصدّي للعدوّ الصهيوغربي في إفريقـيا كلَّها، فإنـّه لا يقل خطـورة عن غيره من مشاريع هذا المحور الشرير على أمتنـا الإسلامية من جاكرتا، إلى أقصى حجر في المغرب العربـي.
ولهـذا يجـب أن يكلّلوا جهود المصالحة التي تجري الآن على قدم وساق بين التيارات الجهادية بالنجـاح، كما يجب أن ينتبه المشروع الجهادي في الصومال للأخطاء التي وقعت فيها مشاريع جهاديـة أخرى _ بيّنـاها في محاضرة نقد المسيرة الجهادية _ حتى لا تتكـرَّر...
كمـا يبني على إنجازاتها العظيمـة التي رفعت رأس الأمّة في أحلك زمانها.
كما نحمل الدعاة، والعلماء، والمفكرين الإسلاميين مسؤوليتهم لمزيـد من العنايـة والاهتمام بالقرن الإفريقي، وقضايا الأمة فيه، وذلك في إطار مشروع ثقافـي أممـي يزيـّف خطاب الخنـوع والذلّ الذي يُروَّج على ألسـنة فقهاء التسـوّل، تحت شعار (الوسطيّة) الزائـف، ويشجـّع ثقافة الجهـاد، والمقاومة، والعـزّة...

ويستنهض الأمـّة لمواجهة الغارة التي يشنّها الأعـداء على أمتنـا

والله المستعان، وحسبنا الله، عليه توكّلنـا، وعليه فليتوكـّل المتوكّلـون

المصدرhttp://www.islamway.net/?  iw_s=Article&iw_a=view&article_id=6749

مكانة الجهاد في سبيل الله


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين أما بعد:
فإبراءً للذمة وأداءً للحق الواجب بخصوص ما يعانيه شعبنا المسلم المرابط في فلسطين المحتلة أذكّر بما يلي:
إن جهاد إخواننا في فلسطين المحتلة هو جهاد عظيم في سبيل الله تعالى، للدفاع عن مقدسات المسلمين ولرفع الظلم عن أنفسهم ولاسترداد أرضهم وأرض المسلمين، يحتسبون فيه ما أصابهم من ألم أو هَمّ أو نصب، ولا أعلم اليوم جهاداً في سبيل الله هو أفضل من الجهاد معهم لمن قدر عليه بمال أو نفس أو قول أو دعاء.
ولذا فإن نجدتهم حق واجب ونصرهم فرض لازم لجميع المسلمين بمقتضى نصوص الكتاب والسنة، قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] وقال: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ٌ ) [التوبة:71] وقال: وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ [النساء:75] .
وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه }. 
 فضل الجهاد بالمال
اضف للسلة العلمية

أذكِّر نفسي وجميع إخواني بعموم الآيات والأحاديث في فضائل الجهاد والرباط والشهادة في سبيل الله تعالى. وهي معلومة ولله الحمد. ومن ذلك فضل الجهاد بالمال، فإنه من أعظم القربات وأفضل أنواع الجهاد في كل حين، فكيف وقد حيل بين المسلمين وبين الجهاد بأنفسهم في فلسطين ؟!
ولعظم مكانة الجهاد بالمال قدمه الله تعالى في أكثر المواضع من القرآن الكريم على الجهاد بالنفس كقوله تعالى: انْفِرُوا خِفَافاً وثِقَالاً وجَاهِدُوا بِأمْوالِكُم وأنْفُسِكُمْ في سَبِيْلِ الله [التوبة:41] وقوله: الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [التوبة:20]. وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الصف:10-11].

وقوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات:15].

إن خذلانهم أو التهاون في مناصرتهم ورفع الظلم والاضطهاد عنهم ذنب عظيم، وتضييع لفرصة كبيرة في تحطيم آمال الصهيونية ، وتعريض للمسلمين والعرب جميعاً لخطر مُدْلَهِمّ، فإن لم يغتنم المسلمون اليوم الفرصة فسيندمون على فواتها إلى أمدٍ الله أعلم به، وإن تغييب الأمة عن ذلك وإشغالها باللهو واللعب يبلغ درجة الإجرام في حقها وحق قضاياها.
الحث على الإنفاق في سبيل الله
اضف للسلة العلمية

إن التعاون على نصرتهم بكل أنواع النصرة الممكنة - مع كونه واجباً على المسلمين كما تقدم وكونه من الجهاد في سبيل الله - هو أيضا داخل دخولاً أوّلياً تحت قوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2]، ولهذا فإن حض المسلمين على التبرع بسخاء لإخوانهم هو عمل صالح {ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله } وفي ذلك اقتداء بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين كان يحض أصحابه على الإنفاق في سبيل الله تعالى وتجهيز الجيوش، كما حصل في غزوة تبوك في جيش العسرة المشهورة قصته في الصحيحين وغيرها، وفي كتب السيرة.

إن إيصال المعونات المالية والمادية من سلاح وغيره إليهم داخل إن شاء الله تعالى في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا } متفق عليه، ولذا فإن كفالة من يوجد من أسر المجاهدين ورعايتهم فيه هذا الفضل العظيم، بل وفي إيصال ذلك إليهم إنقاذ لأنفس مسلمة، فليجتهد المسلمون في ذلك وليتسابقوا فيه، كما أن الاهتمام بإخواننا الفلسطينيين من سكان المخيمات في دول الجوار مهم للغاية فيجب على الدعاة إلى الله إعطاء ذلك حقه.
تقديم الأهم في الإنفاق في سبيل الله
اضف للسلة العلمية

ينبغي في الإنفاق في سبيل الله أن يقدم الأهم بحسب ما بينته السنة، ومن ذلك تقديم نفقة الجهاد في سبيل الله في هذا الموطن الواجب على نفقة حج التطوع وغيره من التطوعات كبناء المساجد وحفر الآبار لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد سئل: {أي العمل أفضل؟ فقال: إيمان بالله ورسوله؛ قيل: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم أي؟ قال: حج مبرور }. متفق عليه.
2 - النصر مع الصبر
اضف للسلة العلمية

أبشِّر إخواني المسلمين في أرض فلسطين وغيرها بأن مع العسر يسراً وأن النصر مع الصبر، وأن موقف العدو الصهيوني اليوم هو أكثر ما يكون حرجاً وشدةً، فقد انحصرت الخيارات أمامه في خيار واحد، هو الاستمرار في العنف والإبادة إن تراجع عنه فهو إقرار بالهزيمة وبداية للانقسام، وإن استمر فيه فسيقع في الهاوية -بإذن الله- ومن هنا لا يجوز إنقاذ موقفه بإيقاف الانتفاضة مهما كانت التضحيات.

وإن التطور النوعي في أساليب الجهاد -مثل اقتحام المستوطنات ومباغتة القواعد العسكرية وصناعة الأسلحة وتطويرها- وكذلك الدقة والإحكام وعمق الاختراق في العمليات الاستشهادية ليؤكد ذلك.
حقيقة المجتمع الصهيوني
اضف للسلة العلمية

لا ينبغي أن تحول متابعة الأحداث اليومية بيننا وبين الاطلاع على حقيقة المجتمع الصهيوني من الداخل. إنه مجتمع يخيّم عليه الرعب، وتسيطر عليه الشحناء، وعند كل عملية استشهادية يزداد فقد الثقة بالمستقبل لديه، ويتدهور اقتصاده باستمرار، وقد وصل الحال إلى احتجاج طائفة من الجيش على السفاح شارون وحكومته، وهو ما يعد سابقة خطيرة، كما أنه يفقد التعاطف الخارجي عند كل عملية اجتياح، ويستطيع أي مراقب أن يقول: إنه يعيش عزلة عالمية لم يشهدها من قبل باستثناء الصهاينة في حكومة أمريكا الطاغية الظالمة، ومن هنا وجبت الثقة في نصر الله، وحرمت محاولة إخراجه من عزلته وإنقاذه من مأزقه.
نتائج اللاهثين وراء سراب السلام
اضف للسلة العلمية

كشفت الأحداث الأخيرة أن الذين يلهثون وراء سراب السلام مع هذا العدو منذ معسكر داود لم يجنوا سوى الخيبة والخسارة، فها نحن أولاءِ نرى ماذا جنى جنود الأجهزة الأمنية للسلطة الذين طالما لاحقوا المجاهدين، وترصدوا لهم ودلّوا عليهم جنود يهود بل قَتلوا أو سلَّموا بعضهم للعدو، فهل يعتبرون ويتوبون وهل يتعظ بهم الآخرون؟!

وهنا نسجل تقديرنا وشكرنا لكتائب الأقصى وللشرفاء من منظمة التحرير الذين انحازوا إلى خيار المقاومة، وشاركوا الإسلاميين شرف القتال، ونرجو أن يكون ذلك مقدمة لتوحّد الشعب الفلسطيني بكل فصائله تحت راية الإسلام والجهاد وإقامة الحكم الإسلامي على أرضه المباركة.
3 - الجهاد هو الحل
اضف للسلة العلمية

إن التطبيع مع عدو طبيعته الغدر والخيانة والتملّص والمماطلة -كما يشهد بذلك كتاب الله والسلوك التاريخي الثابت لليهود- هو قبض للريح وجمع بين المتناقضات، وفوق كونه خطراً عظيماً على العقيدة والمقدسات والقيم والأخلاق والاقتصاد والثقافة، ولشدة وضوح ذلك ومنافاته للبدهيات والضروريات رفضته الشعوب التي ابتليت به منذ موافقة حكوماتها عليه وهي الآن أشد له رفضاً، فما جدوى أن تبتدئ الشعوب الأخرى من حيث بدأت، ومن هنا لم يبق للأمة من مخرج -واقعاً- إلا ما هو المخرج شرعاً وهو الجهاد ودعم صمود شعبنا المسلم واستمرار انتفاضته، وإذا كان هنالك مجتمعات تُعَـبِّر عن شعورها بالتظاهر الصاخب فإن مجتمعات أخرى يجب أن تُعَـبِّر عنه بالبذل السخي والإنفاق المستمر.
جواز الهدنة مع العدو لتحقيق المصلحة الشرعية
اضف للسلة العلمية

إن ما قررناه آنفاً لا يعني إغلاق أبواب السياسة الشرعية والدبلوماسية الحكيمة لتحقيق مصلحة الأمة ومساندة الجهاد، أو التهيئة لـه والتربص بالعدو..، ومن هنا أجازت الشريعة المطهرة مهادنة العدو ومناورته على سبيل السياسة الشرعية ولتحقيق المصلحة الشرعية، ومنها إظهار تعنّته وإحراج موقفه وكشف حقيقته، لكن دون أن يترتب على ذلك موالاته وترك عداوته، أو الإقرار لـه بشيء من الحقوق الثابتة التي لا يملك المسلمون - ولو أجمعوا - التنازل عنها، لأن الله هو الذي أنـزلها وفرضها كما أنـزل وفرض معاداة الكافرين ومجاهدة المعتدين، ومن ذلك كون أرض فلسطين كلها وقفاً إسلامياً لا يملك غير المسلمين شيئاً منه إلا بعقد ذمة، وكون أملاك اللاجئين حقاً شرعياً متوارثاً لأبنائهم إلى يوم القيامة لا يجوز لغيرهم -كائناً من كان- أن يتصرف فيه بشيء، ولا يحق له أن يتنازل عنه.
الخاتمة
اضف للسلة العلمية

ختاماً: بكل عزم في الطلب ورجاء في الاستجابة نهيب بإخواننا المسلمين أن يسارعوا لنجدة شعبنا الصابر في الأرض المقدسة ، ونذكّر من جاهدوا بأموالهم عند بداية الانتفاضة المباركة أن الحاجة الآن أشد والحال أشق، ونذكّر من لم يفعل ذلك أن يستدرك ويسابق في هذه التجارة الرابحة، وسوف يعوضكم الله بإذنه عما تنفقون راحة في الضمير وبركة في الرزق ونوراً في القلب، وما عند الله خير وأبقى وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً [المزمل:20] وإن مما يعين المسلم على الالتـزام ويضاعف لـه الأجر -بإذن الله- أن يخصص نسبة ثابتة من الراتب -أو غيره- يقدمها شهرياً ويحث أقرباءه وأصدقاءه على ذلك.

نسأل الله الكريم رب العرش العظيم الذي لـه الخلق والأمر وبيده الملك وإليه يرجع الأمر كله أن ينصر المستضعفين من المسلمين في كل مكان، وأن يقر أعيننا بعزة دينه وعلو كلمته وخذلان أعدائه من أهل الكتاب والمنافقين والمفسدين في الأرض إنه على كل شيء قدير.

كتبه: سفر بن عبد الرحمن الحوالي

ما هي الفراسة؟ وما هي حدودها؟

الجواب من فضيلة الشيخ د/ عبد الحي يوسف
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فالفراسة هي الاستدلال بالأمور الظاهرة على الأمور الخفية، وأيضاً هي ما يقع في القلب بغير نظر وحجة، ففي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله"، ثم قرأ: {إن في ذلك لآيات للمتوسمين}، قال أبو عيسى: هذا حديث غريب إنما نعرفه من هذا الوجه، وقد روي عن بعض أهل العلم في تفسير هذه الآية: {إن في ذلك لآيات للمتوسمين} قال: "للمتفرسين".أ.هـ.

وهذا الحديث أخرجه أيضاً البخاري في التاريخ وابن جرير وابن أبي حاتم وابن السني وأبو نعيم وابن مردويه والخطيب، وأخرجه الحكيم الترمذي والطبراني وابن عدي عن أبي أمامة، وأخرجه ابن جرير في تفسيره عن ابن عمر.

وقد قسَّم ابن الأثير الفراسة إلى قسمين:
- الأول ما دل ظاهر هذا الحديث عليه: "اتقوا فراسة المؤمن"، وهو ما يوقعه الله تعالى في قلوب أوليائه؛ فيعلمون أحوال بعض الناس بنوع من الكرامات وإصابة الظن والحدس.
- الثاني نوع يتعلم بالدلائل والتجارب والخلق والأخلاق فتعرف به أحوال الناس.أ.هـ.

وقال المناوي: "اتقوا فراسة المؤمن، أي اطلاعه على ما في الضمائر بسواطع أنوار أشرقت في قلبه؛ فتجلت له بها الحقائق، فإنه ينظر بنور الله؛ أي يبصر بعين قلبه المشرق بنور الله تعالى".

وبخصوص ما ورد في سؤالك أذكر لك قصة حكم الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى عليها بالصحة؛ وهي ما أخرجه الحاكم عن قتيبة قال: رأيت محمد بن الحسن والشافعي قاعدين بفناء الكعبة؛ فمر رجل فقال أحدهما لصاحبه: تعال حتى نزكن -أي نتفرس- على هذا الآتي؛ أي حرفة معه؟ فقال أحدهما: خياط، وقال الآخر: نجار، فبعثا إليه فسألاه؛ فقال: كنت خياطاً وأنا اليوم نجار!!

•• وعليه: فقد يستطيع الإنسان بفراسته أن يعرف وظيفة الآخر وما هو عليه، لكن ليحذر المرء من أناس يدعون الفراسة، وهم أهل حيل ومخرقة ولهم اتصال بالجن، ليمارسوا على الناس أنواعاً من الدجل والخرافة، والله تعالى أعلم.

03‏/06‏/2011

الطيش

الطيش

الطيش لغة:
قال اللّيث: الطّيش: خفّة العقل، والوصف من ذلك طائش من قوم طاشة، وطيّاش من قوم طيّاشة.
وقال بعضهم: طيش العقل: ذهابه حتّى يجهل صاحبه ما يحاول. الطيش اصطلاحا:
الطّيش مثل السّفه، وهو سرعة الغضب من
يسير الأمور.
وقيل: هو استعمال القوّة الفكريّة فيما لا ينبغي، وكما لا ينبغي.

من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (الطيش)

1- بلغ عمر بن الخطّاب- رضي اللّه عنه:
أنّ جماعة من رعيّته اشتكوا من عمّاله، فأمرهم أن يوافوه، فلمّا أتوه قام، فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال:
أيّها النّاس، أيّتها الرّعيّة، إنّ لنا عليكم حقّا، النّصيحة بالغيب، والمعاونة على الخير، أيّها الرّعاة إنّ للرّعيّة عليكم حقّا، فاعلموا أنّه لا شيء أحبّ إلى اللّه ولا أعزّ من حلم إمام ورفقه، وليس جهل أبغض إلى اللّه ولا أغمّ من جهل إمام وخرقه «1».
2- قال أبو منصور: «الأناة حصن السّلامة والعجلة مفتاح النّدامة» «2».

3- وقال: «التّأنّي مع الخيبة خير من التّهوّر مع النّجاح» «3».
4- وقال أيضا: «الشّباب مظنّة الجهل، ومطيّة الذّنوب»«4».
5- قال ابن المعتزّ: جهل الشّباب معذور وعلمه محقور«5».

من مضار (الطيش)

(1) ضياع حقّ المرء.
(2) عدم احترام النّاس له.
(3) ضياع الثواب.
(4) فيه طاعة للشّيطان.
(5) من علامات السّاعة.
كتبه (6): أبو أسامة سمير الجزائري بلعباس 2 رجب 1432
__________
(1) الإحياء (3/ 186).
(2) التمثيل والمحاضرة (420).
(3) التمثيل والمحاضرة (420).
(4) المرجع السابق (382).
(5) المرجع السابق (382).

01‏/06‏/2011

أصفارٌ تحتاج إلى أرقام



((الصفر )) يعيش حياة غريبة ؛ففي حين أنه ليس له أي قيمة متى ما كان منفرداً أو بجوار صفر آخر ولو كثر عدد جيرانه من الأصفار ،فهو في الوقت نفسه متى ما وقف بجواره عن يساره عدد صحيح كان هذا الصفر هو المؤثر في العدد فكلما انطلق هذا الصفر باتجاه اليمين زاد قدر هذا العدد وتضخم وأصبح ممتناً لهذه الأصفار المتكاثرة والمتناثرة عن يمينه !
وفي الحقيقة عندما أتأمل حياة الكثيرين منا أجد أنه (كالصفر ) ولن أقول (صفراً) فهو عديم الفائدة متى ما كان بمفرده شعلة من النشاط والحيوية متى ما وجد شخصاً عاملاً يقف بجانبه .

فما هو الحل وما العمل مع هذه الفئة ؟
هل نترك هذه الأصفار تعيش أصفاراً وتموت أصفاراً ؟؟

هل نترك هذه الأصفار مجتمعة مع بعضها وهي تحسب أن في اجتماعها قيمة ومكانة لها ؟وما علمت أنه لو اجتمعت جميع أصفار الدنيا معاً ما زادت على قيمة أحدها منفرداً !
إن التعامل مع هؤلاء الناس ينبغي أن يكون بعناية ومعرفة بأحوالهم وسبر أغوار نفوسهم ؛ولذلك علينا أن نهتم بما يلي :
أولاً: علينا أن نحاول تحويل هذا الصفر إلى رقم وذلك بأن نجعل هذا الشخص يؤمن بأن له قيمة وعنده قدرات وإمكانيات لا تقل عن إمكانيات أكثر الناس نجاحاً وأن سبب سلبيته هو عدم استفادته المثلى من إمكانياته وقدراته بالشكل المناسب .
فهذا بلال رضي الله عنه كان قبل إسلامه صفراً ؛فهو عبد حبشي يباع ويشترى فلما أسلم كان رضي الله عنه وأرضاه رقماً مميزاً في تاريخ أمة الإسلام إلى قيام الساعة .
ففي مكة صبر على أذى قريش له ؛فكلما بالغوا في تعذيبه بالغ في ترديد (أحد أحد ) فلما سألوه عن صبره على شدة العذاب ؛قال :مزجة حلاوة الإيمان مع مرارة العذاب فطغت حلاوة الإيمان على مرارة العذاب !
وفي المدينة :كان مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم .
وعند موته قال :غداً نلقى الأحبة محمداً وحزبه .
ويوم القيامة :عن بريدة قال أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فدعا بلالاً ، فقال : يا بلال بم سبقتني إلى الجنة ؟ إنني دخلت البارحة الجنة فسمعت خشخشتك أمامي ؟ فقال بلال : يا رسول الله ! ما أذنت قط إلا صليت ركعتين ، و لا أصابني حدث قط إلا توضأت عنده فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا)صححه بعض أهل العلم .

ثانياً :
إذا وجدنا أن هذا الشخص لا يستطيع أن يكون له أثر نافع بمفرده فعلينا أن نجعله مع شخص أو أشخاص يثيرونه ويحمسونه على العمل والنجاح ،بمعنى أن ندمج هذا الصفر مع رقم أو أرقام ،فالأب إذا كان لديه ابن بهذه الصفة فلا يتركه يعيش حياة سلبية ،بل يُشركه مع أحد إخوانه أو أقاربه في عمل جماعي يكون له نتاج طيب ،والمعلم القدوة يلاحظ ذلك في تلاميذه فيوزع الأرقام (وهي في الغالب أقل ) على الأصفار (وهي في الغالب أكثر )فتتكون مجموعات الطلاب على هذا النحو عسى أن يؤثر المجتهد في غيره؛ وكذلك المدير الناجح يتفقد موظفيه ويقوم بتوزيعهم في الأقسام حسب ما ذكرنا فيؤثر المنتج على غير المنتج . وعليهم جميعاً المتابعة والملاحظة الدائمة حتى لا يحدث العكس فتؤثر الأصفار في الأرقام تأثيراً سلبياً تطمس بها معالمها فتعود أصفاراً مثلها .
وعلينا جميعاً أن نتذكر أن هذا الصفر قد يصبح بعد ذلك هو المؤثر في الرقم وفي غيره من الأرقام ؛فكم من شخص انتفع بمقولة شخص آخر ؛فإذا به بعد ذلك يؤثر في أمة كاملة .

ثالثاً :
علينا أن نعلم أن بقاء هذا الشخص (الصفر) بمفرده ضرر محض
وأضر من ذلك اجتماعه مع غيره من الأصفار والتي قد تتحول إلى أرقام ضارة وليست نافعة ؛فما تدنى مستوى طلابنا في المدارس ولا قلة إنتاجية موظفينا ولا اشتغل أولادنا بالتوافه إلا بسبب اجتماع هذه الأصفار .

رابعاً:
علينا أن نعلم أن هناك أصفار مهما بذل نحوها فلن تتبدل قيمتها أبداً وذلك لأنها لا تقف في المكان المناسب فهي وللأسف تقف عن يسار الأرقام وليس عن يمينها .

خامساً:
على من يرى نفسه رقماً -ولو صغيراً – أن يسعى في التأثير على هذه الأصفار ولو باليسير ،وليعلم أن الدال على الخير كفاعله ؛ومن دعا إلى هدى فله مثل أجر فاعله ؛ وأن الخلق عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله .

وأخيراً أخي الكريم هل أنت صفراً لا تحيى بدون أرقام ؛ أم رقماً تغير مسار الأصفار ؟رجائي إن لم تكن رقماً فكن صفراً مع أرقام !
ورجائي ثم رجائي أن لا تكون صفراً أو صفراً مع أصفار .
ودعائي الصادق لك بأن يُبدل الله حالك إن كنت صفراً تقف عن يسار الأرقام 0والله المستعان وعليه التكلان ووفق الله الجميع .

السلفيون وإعلام النصارى وبني علمان المضلل

     إن الحملة التي تشن الآن على السلفيين هي في جزء منها محاولة لإخافتهم وإخافة المجتمع منهم ليرجعوا للانزواء في زواياهم مكتفين بتدريس كتب العقيدة والفقه والحديث للعشرات أو للمئات وهذا وإن كان جانبا هاما ينبغي ألا يهمل إلا أن الانفتاح على شرائح أخرى من المجتمع بوسائل جديدة وربط الإسلام بواقع الناس السياسي والاجتماعي والاقتصادي ونشر الوعي بشأن الشريعة الإسلامية واهميتها وشمولها وملائمتها لكافة العصور لا يقل أهمية وهو ما سيتيحه إنشاء حزب سياسي أو على الاقل المشاركة السياسية بأي شكل من الاشكال..ليس من العيب أن يعترف السلفيون أنهم لا يملكون خطة للمشاركة كما أنه ليس من العيب أن يعترفوا أنهم يحتاجون لوقت لتمحيص الامر وإعداد البرنامج المناسب لكن من العيب كل العيب أن يسارعوا في اتخاذ مواقف غير مدروسة تصب في الأخير في مصلحة أعداء المنهج الإسلامي..ومما ينبغي الالتفات إليه أن المشاركة السياسية لن تعيق الحركة الدعوية ولن يشارك فيها بالضرورة القيادات الدعوية التي لا ترى في نفسها كفاءة لخوض هذا الغمار فالأمر سيحتاج في الغالب لقيادات شابة على دراية أكثر بحركة المجتمع وافكار الشباب مع الاستفادة من علم القيادات الكبيرة وحكمتها في التأصيل الشرعي...